::: موقع رسالتي - رؤية جديدة في الخطاب الإسلامي :::

>> قطوف لغوية

 

 

الــوبــاء ( قصة قصيرة )

بقلم : ندى الشعال  

سنين أمضتها في مخبرها معتكفة تسعى لإعادته إلى الحياة . كان عملها في عُرْفِ المجتمع جريمة لكنها برعت في إخفائها عن العيون و العقول . وحده مخبرها بجدرانه الصقيلة وطاولاته المكسوة بالبورسلان الأبيض وأدواته الزجاجية كان ينتظر ولادة ذلك الفيروس الذي أعلن العالم القضاء عليه قبل عشرين عاماً مضت  

لم تفارق تلك الفترة ذاكرتها أبداً , كيف ثارت ثائرة العالم وهبّ هبّة رجل واحد في مكافحة ذلك الداء العضال ...دقّت منظمة الصحة العالمية ناقوس الخطر فكُتبت التقارير ووزعت وتعاونت الحكومات مطلقة حملة عالمية للقضاء عليه واستئصاله . بعثةٌ من منظمة الصحة وصلت حينها إلى البلاد , أخذت مجموعة من العينات , ثم أطلقت بيانها المنتظر بخلو المنطقة من هذا الوباء الفتاك . ولا تسل عن الفرحة التي غمرت الجميع , فأقيمت الزينات وصدحت الموسيقى واحتفى الكوكب الأزرق بهذا النصر العظيم . مضت تلك الحوادث كما مضى الكثير غيرها ولم يبق سوى ذكرى انتصار العولمة والنظام العالمي الجديد .

 

هاهي اليوم تراه , بل ترى أثره على تلك الأطباق الجرثومية التي استنبتتها . كادت تطير فرحاً وهي ترفع عينها عن المجهر وتمعن النظر في صفحات المراجع :

-        هذا هو ! صرخت في قرارة نفسها .

-        لقد حصلت عليه أخيراً لم تضع تلك السنون والجهود سدى , كل ما بقي عليّ فعله هو نشر الفيروس وليس هذا بالأمر الصعب .
دقائق صغيرة من البودرة حمّلتها فيروسها المحبب ووزعتها في مناديل ورقية مستعدة في أي وقت لتُلقي بحمولتها في وجه أي كائن . يا للفرحة ! سيتكفل الهواء بنقل وبائها إلى أنوف العشرات حامل لها البشرى بعطسةٍ تُأكد إصابتهم بالعدوى وهم بالمقابل سينقلون الفيروس إلى كل من يلتقون به .

-        عطسةٌ واحدة ! حدثت نفسها وهي تهم بإخراج منديلها السحري الأول وأي مكانٍ أفضل من تجمع الحافلات لتبدأ منه .

أطلت الحافلة من بعيد فاتجه الجمع نحوها راكضين حتى قبل أن تتوقف , شابٌ طويل مفتول العضلات اقتحم الجمع الغفير مُجدِّفاً بذراعيه يمنةً ويسرة مُردياً الكل حوله صرعى لا يشفع لهم ضعفهم ولا كبر سنهم أُولى ضحاياه امرأة نحيلة عجوز رماها أرضاً غير آبه بظهرها المحني ولا بأوصالها المرتجفة . وقف الحشد يتأملها ببرود وعدم مبالاة , مشهد هزّ العالمة من أعماقها جعلها تسحب منديلها الأول لتنثره في وجوه المتفرجين ثم تقفز إلى الحافلة سريعاً لتنثر منديلاً آخر في وجه ذلك الشاب الأخرق . ما كان شيئاً ليهدِّئ من حدة غضبها إلا تلك الموسيقى التي صدحت رقص قلبها طرباً وهي تستمع إلى صوت العطسات المتتالية الآتية , لقد نجحت ! .

السوق , محطتها التالية وأي مكان أكثر ازدحاماً منه ؟ اختارت زاوية ً قرب إحدى المحال الكبيرة وهمّت بإخراج منديلها ولكن ... رجل على ناصية الشارع رمقها بنظرة , ثم أتبعها بأخرى ... أمعن النظر فيها مؤكداً ... رجفت أوصالها وتصبب العرق من جبينها وهي تراه يقترب منها , لعله انتبه أو لاحظ شيئاً أتراه كشف أمرها , وقضى على حلمها ؟ جفّ ريقها وتوقف قلبها أو كاد إلى أن رسم الرجل على وجهه ابتسامة خبيثة مقلباً نظراته المريبة فيها . عندها فقط عاود الدم جريانه في عروقها رجل كهذا لا يخيف بل ربما هو أكثر الناس حاجةً إلى ما في جعبتها . اتجهت نحوه , سحبت منديلها بكل ثقة ونفضته بقوةِ في وجهه, أشاح مسرعاً منزعجاً و .... عطس !!

آخر ضحاياها ذلك اليوم كان رجلاً مسكيناً يسير بثقة وخيلاء مع زوجته السافرة؛ بنطالها الضيق وجيدها البادي كصفحة من ماء الفضة وخصلات شعرها المصففة المتراقصة مع نسمات المساء جعلوه يتيه فخراً وهو يراقب المارة يحدقون في زوجته باهتمام .

-        عطسة صغيرة , تمتمت , ربما تغير الوضع !
انتشر الوباء بسرعة نقلته الحافلات والطائرات إلى أصقاع الأرض البعيدة , إلى بلدان لم تكن حتى تفكر بالوصول إليها وأصبح سماعك للعطس شيئاً طبيعياً بل حاجة مطلوبة لا بد منها .


غير أن منظمة الصحة العالمية انتبهت , نبهها بعض أولئك الذين لم يؤثر فيهم الفيروس أو ربما أولئك الذين لا يؤثر فيهم شيء . وبما أن المرض تفشى وصار من الصعب احتواءه فقد وضع أولئك الأشخاص خططاً سرية للقضاء عليه وكتبت التقارير التي أرسلت إلى من يهمه الأمر . وقع أحد تلك التقارير السرية في يد العالمة , أخذت تقرأ :

" لاحظ عملاؤنا انتشار فيروس النخوة في أصقاع العالم العربي والإسلامي وبدا أن هذه السلالة من الفيروس مقاومة لكل المضادات المستخدمة قبله . لذا لابد من التحرك السريع والعمل الدؤوب لنحاصر الوباء ونقضي على آخر ذرة نخوة في نفوس العرب و المسلمين... " !

 التعليقات: 3

 مرات القراءة: 3099

 تاريخ النشر: 09/07/2008

2008-08-07

شاب مسلم

وإياكم.. وشكراً لك للرد على مداخلتي.

 
2008-07-23

ندى

و عليكم السلام ورحمة الله وبركاته , وجزيت خيرا مثله , وأشكرك على الوقت الذي أمضيته في قراءة القصة . ما قصدته بمنظمة الصحة العالمية : كل الجهات العالمية التي تحارب الإسلام والأخلاق سواء بالسر أو العلانية بشعارات سياسية أو دعوات اجتماعية تصب جميعها في مجرى واحد . وإنما جاءت كلمة "صحة " مجازا لتتوافق وتتماشى مع كلمة " وباء " المجازية أيضا.

 
2008-07-21

شاب مسلم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، جزاكِ الله خيراً على هذه القصة اللطيفة المؤثرة، حقاً قد انتشر دواء (النخوة) ولكن المنظماتِ التي قامت ضد الإسلام هي التي تصنع فيروسات مضادة لدواء (النخوة) ولكني لم أفهم من القصة شيئاً واحداً؛ ماذا تمثل منظمة الصحة العالمية؟ هل تمثل الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأميريكية؟ وجزاكِ اللهُ - والقائمين على هذا الموقع- خيراً كثيراً؟

 

ملاحظة:
الآراء المنشورة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو القائمين عليه، ولذا فالمجال متاح لمناقشة الأفكار الواردة فيها في جو من الاحترام والهدوء ونعتذر عن حذف أي تعليق يتضمن:
1- يحتوي على كلمات غير مهذبة، ولو كانت كلمة واحدة.
2- لايناقش فكرة المقال تحديداً.

 

 1451

: - عدد زوار اليوم

7448679

: - عدد الزوار الكلي
[ 43 ] :

- المتصفحون الآن

 


العلامة الشيخ محمد حسن حبنكة الميداني


العربيــة.. وطرائق اكتسـابها..
المؤلف : الدكتور محمد حسان الطيان








 
   

أحسن إظهار 768×1024

 

2006 - 2015 © موقع رسالتي ، جميع الحقوق محفوظة

 

Design & hosting by Magellan