::: موقع رسالتي - رؤية جديدة في الخطاب الإسلامي :::

>> أقلام نسائية

 

 

نظرية الحدود .. و لكن ..

بقلم : ريما الحكيم  

( 1 )

حين انحرف البشر عن التوحيد بعث الله لهم رسول الله r ليدعوهم إلا الدين الحق بالحكمة والموعظة الحسنة و المجادلة الموصلة إلى الإقناع بالسبيل الأحسن ) ادعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة و جادلهم بالتي هي أحسن ( النحل /125 ، و بعد وفاة رسول الله r ، سلك المؤمنون هذا السبيل في الدعوة إلى الله ، فهذا السبيل هو الطريق الذي يتوجب عليهم أجمعين سلوكه إلى يوم الدين مع الناس أجمعين سواءً كانوا من أمة الإجابة أو من أمة الدعوة .

و قد وردت مادة الدعوة في القرآن الكريم 212 مرة ، و تعددت صيغها و عباراتها ، و هي السبيل الوحيد لنشر دين الله في الأرض وبين الناس،) قل هذه سبيلي أدعو إلى الله ( يوسف / 108،) له دعوة الحق ( الرعد / 14 )،و الدعوة واجبة علينا بصفتنا مؤمنين ، ضرورة لهداية الناس ( ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إني من المسلمين ) ..

و لكن سؤالي هنا هو : هل للدعوة إلى الله حدود ؟ .

نصُّ النظرية :
تنقسم الحدود إلى :
- وضعية (سياسية ، ثقافية ، اجتماعية )
- إلهية .

و ينقسم الناس في تقبل تلك الحدود إلى :
- متقبل لها ، عالم بكيفية التعامل معها .
- رافض لها ، مبتعد عنها تماماً .
- متشوش بها ، لا يعلم كيف سيجتازها .
- غير مبال بها أبداً ، يجتازها دون أي تفكير .

و التعامل مع الناس ينبني على : الحكمة + الموعظة + المجادلة بالحسنى = الدعوة الصحيحة .
و لكن كيف ستطبق وسائل التعامل مع الناس على حدود الدعوة ، و درجات الناس في تقبلها ؟ .

فيكون نص نظرة الدعوة الصحيحة لتتكامل كل العناصر السابقة هي :

البداية : محاولة الدعوة fبداية التقبل / وجود حد وضعي fكسر الحدود الوضعية وعدم المبالاة fبها التعامل مع الناس ودعوتهم بشكل مطلق fوجود حد إلهي ) تلك حدود الله فلا تعتدوها f( الوقوف عند حدود الله فلا يجوز للمسلم أن يتعداها fالدعوة بشكل محدود بحدود الله فقط لا غير و عدم اعتبار أي حد آخر وضعي ، فلا حدود وضعية للدعوة الدعوة الصحيحة (حتى لو واجهت العوائق و المصاعب و الرافضين ) .

[ يمكن للمؤمن أن يدعو إلى الله بشكل مطلق ، و يمكنه ألا يبالي بالحدود مهما كانت وضعية ، إلى إن كانت إلهية فليقف عندها و لا يتعداها . ] ..

البرهان : ( التطبيق العملي ) .
إننا – بصفتنا بشراً – نضع لكل أمر في حياتنا حدوداً ، نقف عندها و نحترمها و نجعلها منارة لنا في كل ما يطرأ على ذاك الأمر .. نراها أكبر من مجرد كونها حدوداً ، و نقدسها تقديساً يحرم علينا اجتيازها ، ولأن من طبيعة البشر التمرد ، فإن بعضنا ممن لم يستطع السيطرة على هذه الطبيعة يتمرد على تلك الحدود و يجد لذة في اجتيازها و الاعتداء عليها .. أما حدود الله ، تلك التي وضعها الله سبحانه للبشر ، فإن جزاء التمرد عليها كبير في الآخرة ، و حسابه عسير ..

هذا بالنسبة للحدود ( وضعية كانت أو إلهية ) .
و قد تواجهنا في بعض الأحيان حدودٌ تقف في وجه ما نطمح إليه و تمنعنا من الوصول إليه ، لا بسببها، بل بسبب من وضعها . و هنا تكمن المشكلة .. فالعقل البشري أوسع من الأرض ، أوسع من الكون ، ولا يحده شيء إلا ما غيبه الله عنه ، أما الكرة الأرضية فمحدودة ، و كل ما فيها محدود ، هكذا بخلق الله. فكيف سيستوعب المحدودُ اللامحدودَ؟ .

هنا تكمن مشكلة بعض الدعاة الذين يطمحون و يهدفون إلى الدعوة إلى الله بلا حدود ، فتقف في وجههم آلاف الحدود ، بل ملايينها ، سواء كانت سياسية ، أو اجتماعية ، أو ثقافية ، أو إلهية ( وهذه أخطرها ).
فكيف سنستطيع التعامل مع تلك الحدود بصفتنا دعاة إن اصطفانا الله لتلك المهمة الشريفة ؟
من وجهة نظري بكوني طالبة علم لا تزال تقف على أبوابه و لم تدخل بعد لتعالج مسائله و مناظراته ، من وجهة نظري بكوني فتاة تجد في الدعوة إلى الله هدفاً يصعب الوصول إليه في واقعنا و لكن لا يستحيل ، كفتاة ترى في معارضة من حولها تحفيزاً و حثاً على المثابرة إلى الأمام دون الالتفات إلى أي شيء ، فلا مستحيل مع الإيمان بالله ، و ترى صعوبة في مجاهدة النفس و الشيطان و العيب و العرف والتقاليد الاجتماعية البالية التي تفرض على الداعية في مجتمعنا أموراً قد تتعارض أحياناً مع الشرع أو تمنع بعض أحكامه ..

و بناءً على دعوة جديدة بتنا نسمعها تدعو إلى أن الداعية إلى الله يستطيع أن يفعل ما شاء ( و انتبهوا إلى عبارة : ما شاء ) ما دام ذلك في سبيل الدعوة إلى الله .. ما شاء هو لا ما شاء الله سبحانه ، حتى ولو كان ذلك الشيء يتعارض مع حكم شرعي أو ديني ، فالداعية في نظر هذه الفئة يجب أن يكون مرناً لا يحده شيء كـ ( المطاط ) ، يتعامل مع الناس بأسلوب يتلائم مع عصره ( Modern ) و يضحي بكل ما يملك ( كرامته ، و عزة نفسه ، حتى دينه ) مادام ذلك في سبيل الدعوة إلى الله ..

من كل ما سبق : أستطيع أن أبرهن نظريتي من الواقع ، و من آيات الله سبحانه :

  1. الدعوة إلى الله سبحانه يجب أن تبنى على حدود الشرع ، و على أحكام الله فقط ، فلا يجوز للداعية أن يتعدى حدود الله كبعض الدعاة في عصرنا الذين يستبيحون لأنفسهم أن يفتوا بما شاؤوا من الإفتاءات المعاصرة وفقاً لعصرهم كما يبررون لأنفسهم ، و استناداً على فقه الأقليات الذي يردون إليه معظم إفتاءاتهم الجديدة ( طبعاً فقه الأقليات الذي يعتمد على الأقوال التي لا تستند إلى دليل ) ، و إن تعدت تلك الحدود الإلهية ، لا تسمى دعوة ، بل هي تستر بستار الدعوة .
     

  2. الحدود الوضعية البشرية التي وضعها أعداء الإسلام و من يساندهم ليحدوا من نشاط الدعوة الإسلامية و يؤخروا من الصحوة المنتظرة ، ما هي إلا حدود وهمية و إن كنا نرى أثرها على الواقع ، إلا أنها حدود وهمية ينبغي علينا أن نتغاضى عنها و لا نبالي بها مهما كانت درجة واضعها بين الناس و مكانته ، علينا ألا نراها أصلاً ، فكل ما يمنعنا عن الدعوة لا وجود له في عقولنا مادمنا ضمن حدود الله ، و هذا يكفينا .. أما آثارها التي نراها بادية في عقول الناس المتحجرة فما مرد ذلك إلا إلى أن واضعيها قد وضعوها بعد أن نقشوا صحتها في العقول البشرية ، و درسوا إمكانية تقبلها وكيفية فرضها عليهم ، و هذا أمر معلوم في هذا العقد والحمد لله ، و يمكننا بكل بساطة إزالة هذه الحدود التي تندرج تحت الـ ( عيب ) و ما لا يجوز عرفاً، و يستدلون بالبيت الشعري القائل :
    و العرفُ في الشرعِ له اعتبارُ  ..... لذا عليه الحكمُ قد يدارُ
    فنسوا كلمة ( قد ) أي ليس على الدوام ، و أن العرف المقصود هنا هو العرف الصحيح المنضبط الذي لا يتصادم مع أحكام الشرع .
     

  3. تبنى الدعوة الصحيحة على ثلاثة شروط ذكرها الله في كتابه الكريم هي :
    الحكمة ، الموعظة ، و المجادلة بالتي هي أحسن .
    و قد حصرت حدودها الكمية بقوله r : (( بلغوا عني و لو آية )) . فتكفي الآية لنعد دعاة ، ولم يحدها رسول الله r من الأعلى لأن كل ما في الشرع يمكن تبليغه طالما يحتاج إليه البشر و كما نعلم : حكم الدعوة فرض كفاية على المسلمين إلا إن تعين على أحدهم بعينه لامتلاكه صفات الداعية التي ليست موجودة في أحد سواه ، تحول حكمها عندئذ إلى الفرضية العينية .
    و من شروطها أيضاً : الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر ) كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف و تنهون عن المنكر و تؤمنون بالله ( آل عمران / 111 ، فالمعروف ما أمرت به الشريعة في الأوامر و النواهي ، و المنكر ما تنكره الشريعة و تستهجنه .
     

  4. يجب على الداعية ألا يلتزم مبدأ الدفاع فقط ، و يحد نفسه بـ (هم لم يتكلموا فلماذا أتكلم ) ، بل عليه أن يبدأ هو بالتعريف عن دينه ، فكما يقال : ( الهجوم خير وسيلة للدفاع )، فإن استمر في تحركاته و توجهاته متأثراً فقط ، و كلما أثار أحدهم شبهة عن الإسلام انبرى صاحبنا يدافع عنه بكل جوارحه ، و بكل ما يملك من قوة الحجة و المنطق و البراهين .. إن هذا أمر خاطئ، طبعاً ليس الدفاع عن الدين ، إنما الخاطئ هو ألا نتكلم إلا حين تثار الشبهة ، و كأننا نتكلم من منطق العاجز الذي لا يملك حجة إلا أن يدافع ، على العكس ، يجب أن يُكَوِّنَ الداعية منهاجٌ مستقيمٌ و مخططٌ واضحٌ يسير عليه وفق مبادئه ، فلا يحيد عنها مهما يكن و لا يستمع للشبهات التي تثار . و إن استلزم الأمر صعوده منبر إزالة هذه الشبهة ، فيجب ألا يكون مبدأ الحديث ومحوره و منتهاه : ( أن الإسلام ليس كذلك و أن هذا ليس من ديننا ) ، بل يجب أن تكون أول وسيلة لرد تلك الشبهة هي بالهجوم على مثير تلك الشبهة و البحث عن نقط ضعفه التي تشكك في مصداقيته ( و بالتأكيد لن يخلو منها مثيرٌ للكذب ) ، ثم يمكنه أن يتحدث عن مدى عظمة الإسلام و حقيقته من تلك الناحية ، الحقيقة فقط دون ذكر الشبهة ، فيكون بذلك قد رد الشبهة من حيث لا يحتسب ..

هذه بعض الأفكار حول حدود الدعوة التي نراها تحيط ببناء الدعوة و صرحها العظيم الذي يبنى وسينتهي بناؤه، إن شاء الله ، فالإسلام بإذن الله مرفوعة رايته دوماً و لن يستطيع إنزالها حتى و إن ظن بأنه قد نجح في ذلك . و إن كانت الدعوة نائمة منذ مدة فلأن ( الإسلام قضية عادلة وقعت في يد محام فاشل ) و هذا منذ زمن ، أما الآن فإننا ندعو الله بناء على ما نرى من تحسن في طريق الدعوة أن يجعلنا المحامين العادلين الذين ستقام النهضة الإسلامية و الدعوية على أيديهم بإذن الله .. آمين يا رب ..

 

 التعليقات: 0

 مرات القراءة: 2948

 تاريخ النشر: 01/11/2007

ملاحظة:
الآراء المنشورة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو القائمين عليه، ولذا فالمجال متاح لمناقشة الأفكار الواردة فيها في جو من الاحترام والهدوء ونعتذر عن حذف أي تعليق يتضمن:
1- يحتوي على كلمات غير مهذبة، ولو كانت كلمة واحدة.
2- لايناقش فكرة المقال تحديداً.

 

 1297

: - عدد زوار اليوم

7397923

: - عدد الزوار الكلي
[ 62 ] :

- المتصفحون الآن

 


العلامة الشيخ محمد حسن حبنكة الميداني


العربيــة.. وطرائق اكتسـابها..
المؤلف : الدكتور محمد حسان الطيان








 
   

أحسن إظهار 768×1024

 

2006 - 2015 © موقع رسالتي ، جميع الحقوق محفوظة

 

Design & hosting by Magellan