::: موقع رسالتي - رؤية جديدة في الخطاب الإسلامي :::

>> مقالات متنوعة

 

 

المسلسلات التركية.. تجريع للفساد, وتخريب للذوق

بقلم : د. أسامة عثمان  

 

 |

ما زال الجدل يتفاعل حول المسلات التركية بين إعجاب واستنكار؛ فما الجديد فيها؟ وما خصوصيتها التي تميزها عن سائر الأعمال الشبيهة لها في الطبيعة والغاية؟

لا يخفى أن قسما من الاهتمام المسلط عليها نابع من درجة المشاهدة والمتابعة غير العادية التي حظيت بها من أبناء المنطقة العربية, وزاد من حدة ذلك ما سببته من آثار سلبية- فيما تتضافر عليه الأنباء- تمثلت في حالات الطلاق, والمشاحنات الزوجية والعائلية, وقد بلغ بعض الممثلين في المسلسل مبلغا من الاهتمام يفوق ما يستحقونه, حتى التقت بهم وزيرة في أحد الأقطار العربية؛ فأثارت صورٌ جمعتها بأحدهم من بعض الناس جدلا واستنكارا!!

وكان هذا الالتفات الكبير نحو تلك المسلسلات التركية المدبلجة سببا لاختصاصها بموقف شرعي تحذيري صرح به سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبدالله آل الشيخ (مفتي السعودية) ؛ إذ بين أنها خبيثة وانحلالية وضالة. ووصف الشيخ القنوات التلفزيونية التي تذيع تلك المسلسلات بأنها غير إسلامية. وقال في تصريحات نشرتها صحيفة الوطن السعودية "إن أية محطة تذيعها تحارب الله ورسوله". وأضاف قائلا: "إنه لا يجوز مشاهدتها حيث تحوي الكثير من الشر والبلاء وهدم الأخلاق ومحاربة الفضائل".

وقد فتح أحد المواقع الإخبارية العالمية بابا للحوار حول الموقف من خطورة هذا المسلسل وأضراره, تحت عنوان :" هل تؤيد تحريم عرض مسلسل "نور" التركي؟"  وقد تباينت آراء المعلقين بين مدافع عن المسلسل ومنكر لعرضه, ومشاهدته, وكان من أوجه التعليقات :" أستغرب والله من مسلم يسمع فتوى من أهل الذكر؛ ثم يقول: أنا رأيي كذا أو كذا؟ (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) " ولعل الأغرب أن يطرح موقع موجه إلى العرب ذوي الغالبية الإسلامية سؤالا بقبول التحريم أو رفضه !!! وقد يُعدُّ هذا مُدخلا لإثارة الجدل حول مسائل واضحة في الشريعة ومحكمة, وقد حصل, حين أثير الجدل حول الموقف من الامتناع عن بيع الخمور في الفنادق التي يمتلكها أحد المسلمين. والمتوقع من المسلم الانتباه إلى هذه المنزلقات؛ بأن لا يقبل مطلقا جعل المسائل الشرعية القاطعة محل أخذ ورد, وقبول ورفض, { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُّبِيناً} [ الأحزاب: 36]

أما المسائل الاجتهادية المستجدة فالقول فيها لأهل العلم المختصين. لا للعامة وأذواقهم المتضاربة, أو معلوماتهم المتواضعة. 

بعض المدافعين عن تلك المسلسلات يبدون إعجابهم ببعض القيم من مثل التماسك الأسري والعائلي, وهنا ملحوظة أن الأمر القبيح, لا يتوقف قبحه ورفضه على كونه شرا محضا, بل إنه حين يغلب شره ويختلط كثيره بما يراه البعض خيرا فهذا كاف لرده والتحذير منه, ثم إن القائمين على تلك الأعمال لا يتوقع منهم أن يُخلِّصوها من أية قيمة من القيم المشتركة التي تلقى رسوخا في وجدان الناس؛ فذلك- إن حصل- لا يبقي لها أي مساس بالواقع والواقعية؛ بالرغم من أن تلك المسلسلات لم تكن فيها الكثير من الواقعية, وهي تصور العلاقات بين الأزواج, أو بين المحبين- كما يقول الكثيرون ممن شاهدوها.

في دوافع التعلق:

لا شك أن نسبة التعلق بتلك المسلسلات كشفت, أو أكدت, وجود فراغ روحي وفكري لدي المتعلقين به, وهو في جانب منه يتجاوب وغرائز ونزعات كامنة في نفوس البشر تدعوهم إلى المثاليات, وهو لدى البعض يمثل مهربا من ضغط الواقع, وأحيانا, إخفاقاته. وهو عند هذه الحدود يبقى في دائرة الخيال والتمني؛ لكنه- كما لوحظ- لم يقتصر على تلك المنطقة, بل تعداها إلى الواقع؛ فصار الكثير من النساء والرجال, يقارنون بين مثاليات تلك المسلسلات, وإسرافها العاطفي, وواقع حياتهم المحكوم بالمسؤوليات اليومية, ومتطلبات الأدوار التي يشغلها الرجل, أو تشغلها المرأة.

على أن النفوس- إذا لم تهذب- طُلَعة- مُتطلِّبة, ولا يملؤها إلا التراب؛ فليس الخير مطلقا في إثارة أطماعها, أو تثويرها، بل في توجيه طاقاتها نحو المعالي التي من شأنها أن تغمر بالسعادة والرضا.

وهنا مسألة طالما أثارت جدلا, وهي هل القنوات الإعلامية التي تنحدر في مستواها تفعل ذلك, نزولا عند رغبة المشاهدين, وتماشيا مع أذواقهم, ومتطلباتها, أم أنها هي التي تعمل على الهبوط بذوق الناس؛ بإفساد ذائقتهم, حين تحرمهم من المواد الراقية؛ بكثرة المعروض من الفاسد منها, حتى يتبلد الشعور , و"تتكيف" الأذواق؟ ولسنا نبالغ إن قلنا: إن الناس لا يخرجون عن موقع التلقي الذي تصوغ ذوقه عواملُ متعددة, لعل من أبرزها تلك القنوات التي تدخل كثيرا من البيوت, ولا تراعي في أهلها قيما ولا محرمات؛ ثم إنه إن وجد من الناس من انحط خلقه, وتصدعت مناعته الدينية, وهم موجودون حقا؛ فليس هذا مسوغا لطبع المجتمعات  بتلك الطبائع البائسة, وتعميمها على سائر الناس. والمسؤولية هنا بقدر الفاعلية؛ إذ لا وجه للمقارنة, في التأثير والتحكم, بين أناس هم في الأمة, وإن كثروا, أفراد وآحاد, وبين قنوات تملك قدرات مالية وإنتاجية باذخة قادرة على صنع مواد إعلامية راقية, تنتمي إلى هوية هذه الأمة, وتتآلف مع مشاعرها.

وهنا لا بد من التأكيد أن هذه المسلسلات التركية ليست الوحيدة التي تفتك بالعقلية العربية ومزاجية الناس وأذواقهم… غير أن الناس وقد تربَّوْا على قيم مستمدة من دينهم في الأغلب, أو من عادات وتقاليد كان للدين الحظ الأوفر في تشكيلها_ وإن لم يلتزموا بها التزاما كليا ودائميا- قد استهجنوا واستاؤوا من الجرعة الزائدة في الخروج على الذوق والأدب, وفي تسويغ تلك المسلسلات للعلاقات المحرمة خارج نطاق الزواج, وتقبل نتائجها, وتسويغها.

وبالمناسبة؛ فإنه قد يحسن لفت الانتباه إلى أن وسائل الإفساد العقدي والفكري والأخلاقي تتباين في طبيعتها, وفي نجاعتها, وفي الفئة المستهدفة منها. ولعل الأعمال الأدبية, وما يطلق عليها الأعمال الفنية هي الأشد خطرا, والأسلس نفاذا والأوسع تأثيرا وانتشارا من سواها من الوسائل التي تتوسل الفكر الصريح, أو الأسلوب المباشر؛ ذلك أن الأدب ذا المضامين الضارة بخصوصية شكله, يتسلل إلى نفوس قارئيه بخبث؛ متكأً على التلاعب بالعواطف الإنسانية والغرائز التي يسهل استدراجها, وإعادة تشكيلها, وتضليلها عن الطريقة الراقية التي عالجها بها الإسلام.

فليس من قبيل المبالغة أن تفهم هذه المسلسلات على أنها جهد منظم, يقف وراءه عتاة المؤلفين والفنيين حتى يخرج على هذا النحو الجذاب, من الناحية التقنية؛ لكنه ساقط سقوطا مدويا من الناحية القيمية والخلقية.

ولا يخفى أن الفنون والآداب لا تنفك عن فكر منشئها, وعن نظرته الخاصة إلى الحياة والإنسان؛ فمن يقرأ الأدب الرومانسي يجده مفعما بتمجيد الذات, مسرفا في العاطفة والخيال؛ ونازعا إلى الطبيعة, موغلا أحيانا في العزلة عن المجتمعات الإنسانية والمدينة. ومن يقرأ الأدب الاشتراكي الملتزم يجده محرضا على الطبقات الثرية؛ من أجل إذكاء التناقضات التي تقود إلى الصراع الطبقي الذي يبشر – بحسب أوهامهم - بالعدالة في التوزيع والمساواة الفعلية في توزيع الثروة. 

ولسنا بحاجة إلى التأكيد على التميز الذي يضفيه الإسلام على شخصية المسلم,  والسمة التي يمنحها للأسرة المسلمة وللمجتمعات الإسلامية؛ حين يجعل لها ذوقا خاصا رفيعا؛ يتذوق به الفن الراقي الذي يهذب الطباع, ويمتع النفس, ويزيل عنها السأم، ولكنه, بقيمه, يصونها من الانحراف, ويعصمها من الذوبان في الحضارات الغريبة التي كانت سببا في تأزم نفوس الخاضعين لها, ثم هم بعد ذلك, يطمحون في تصدير تلك الرزايا, والمعايب إلينا!!!

http://www.almoslim.net/node/97624

 

 التعليقات: 1

 مرات القراءة: 3373

 تاريخ النشر: 21/08/2008

2008-08-21

علا صبَّاغ

هنا تكمن الحبكة! فلو كان هذا المسلسل لا يخلو من قصص رذيلة وأمور سلبية لما شاهده الناس! المشكلة أنه يضم بعض الأفكار الإيجابية التي تقف أمامها أبكماً إذا حاولت أن تناقش الناس بعدم مشاهدته! أول أمر يقولونه: فلان هيك عمل.. إذاً أنا كيف أرد؟ المشكلة أنني مليت من إقناع الناس بعدم مشاهدته! لم يقتنع أحد بكلامي، مع أنني أملك القدرة على إقناع الآخرين إلا أن تأثير هذا المسلسل على الناس قوي جداً.. فبالنسبة إلى فكرة أن المسلسل "يبقى في دائرة الخيال والتمني؛" فمنهم من قال أنا أتفرج عليه حتى أعرف كيف أتصرف إذا واجهت هذه الحالة! غريب أمر البشر! هل هؤلاء الأتراك قدوتنا أم أننا نتعلم من مواقفهم ثم أنه كيف سيحدث معك مثلهم؟ أين الإسلام؟ تركته بعيداً؟ وكلما أضرب لهواة المسلسل مثالاً على أنه يبث بذور ثقافة سلبية في فكر إسلامي.. يواجهني الناس بأن الموقف الفلاني كانت الممثلة الفلانية إيجابية.. هكذا لازم نتصرف (مثلها!) وكأنها قدوة! ** أما عن قصة "وجود فراغ روحي وفكري " فالمشكلة أن رأي المشاهدين ليس هكذا، يواجونك ويقولون المسلسلات السورية تنقل قصص أكثر بشاعة! وشخصياً أقول أنت طالما تعلم أن المسلسل التركي هذا أو حتى السوري قصته مبنيَّة على علاقات غير شرعية وغير مقبولة في ديننا فمن الذي أجبرك على مشاهدته؟ ومن الناس من يقول الغالبية يشاهدونه وإذا لم أشاهده لا أعلم على ماذا يتحدثون فقد بات حوار الناس وحديثهم! وكأن عدم مشاهدته يمنعك من الاندماج في المجتمع! لا ألوم القنوات فهي تعرض الجيد والرديء ولكن الحلال بيِّن والحرام بيِّن.. كل هذه الساعات الطوال انقضت وأنت جالس أمام هذه الشاشة الصغيرة لإدخال ثقافة مسمومة إلى منطقة اللاوعي في إدراكك، والتي ستنعكس على تصرفاتك وطريقة تفكيرك! بالتأكيد الخيار صعب..عندما تنفرد بقناعة تختلف عن كل قناعات الآخرين ..هل ستسلم للآخرين .. وتخضع للواقع ? منطقيا الرأي الجماعي يعطينا الرأي الأكثر شعبية وليس بالضرورة الأكثر صحة.. وفي النهاية أنت وحدك المسؤول!

 

ملاحظة:
الآراء المنشورة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو القائمين عليه، ولذا فالمجال متاح لمناقشة الأفكار الواردة فيها في جو من الاحترام والهدوء ونعتذر عن حذف أي تعليق يتضمن:
1- يحتوي على كلمات غير مهذبة، ولو كانت كلمة واحدة.
2- لايناقش فكرة المقال تحديداً.

 

 192

: - عدد زوار اليوم

7399191

: - عدد الزوار الكلي
[ 59 ] :

- المتصفحون الآن

 


العلامة الشيخ محمد حسن حبنكة الميداني


العربيــة.. وطرائق اكتسـابها..
المؤلف : الدكتور محمد حسان الطيان








 
   

أحسن إظهار 768×1024

 

2006 - 2015 © موقع رسالتي ، جميع الحقوق محفوظة

 

Design & hosting by Magellan