::: موقع رسالتي - رؤية جديدة في الخطاب الإسلامي :::

>> قطوف لغوية

 

 

أنينُ مُسْرِفْ....

بقلم : غفران  

بسم الله الرحمن الرحيم

حاولت أن أتجاهله ولكنه استمر بإطلاق رنّاته المتتالية , كان مصرّاً على أن يسرق النوم من عيني , قمت متثاقلاً أجرّ الخطا نحوه وما أن وصلت إليه حتى توقّف عن الرنين 0 إنّه الهاتف ؛ لطالما تتكرر تلك الإزعاجات وفي أوقاتٍ متأخرة 0 انتبهت للساعة فإذا هي الواحدة بعد منتصف الليل , إنّها إحدى ليالي الشتاء الباردة الجوّ بارد والظلام دامس , عدت إلى الفراش مسرعاً , ولكن تباً لذلك المزعج لقد جافاني النوم وأخذت أتقلب يمنة ويسرى , ولا أدري كيف دار هذا الحديث بيني وبين نفسي  _ التي طالما حدّثتني بأحاديث الهوى والعصيان _ :

قلت : لطالما سمعت من صديقي أنه في هذا الوقت يقوم ليصلّي ويقرأ القرآن وكان يبدو عليه الحبور والسرور وفي عينيه بريق من نوع خاص لا أراه في عيون الكثيرين , يقول إنّه يشعر بحلاوة القرب من الله ويسعد بمناجاته 0

قالت : من ذا الذي يقوى على البقاء  ساااااااعات قائماً على رجليه في هذا الظلام الدامس والبرد القارص , عد إلى وثير فراشك وانعم بدفئه وإذا أحببت أن تجرّب ما يقول فدونك ليالي الصيف إنها على الأبواب نسمات عليلة وهدوء لطيف فاسعد فيها بقرب من تحب 0

قلت : والله لو أني أجلس الآن مع من أحب لنسيت طول الليل وبرده ولما شعرت إلا بؤنس الحبيب , لله درّه صديقي كم يحب الله ؟؟!! لم لا أجلس بين يدي ربي ساعة ألتمس ذلك الأنس بقربه 0

قالت : لكنّ صديقك يقضي النهار صائماً والليل قائماً وللقرآن تالياً , يغض بصره ويحفظ فرجه 0 وأنت من المقصرين لا بل من المسرفين , لا تنام إلاّ عن الصلاة , وإذا صلّيتها ففي آخر الوقت دون خشوع ,و لا تشعر من الصيام إلاّ بالتعب والجوع , تطلق البصر في المحرمات , ولا تنفك عن متابعة المسلسلات , أما تستحي من الوقوف بين يديه , ماذا ستقول له وبأي وجه ستلاقيه 0

قلت : لقد سمعت صديقي يذكر آية تقول {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } (53) سورة الزمر وسَرَت قشعريرة في صدري وسالت دمعة من عيني 0

فعاجلتني قائلة :هل رأيت لقد بدأ البرد يأخذ مفعوله فيك ,قلت لك الأيام أمامك طويلة وكثيرة  فاذهب ونم ولتبحث فيما بعد عن ليلة تناجي فيها ربك كما يحلو لك 0

فقلت : ومن يضمن لي تلك الأيام ؛ فلربما عاجلني الموت وإذ بي في ذلك اليوم الذي  يقوم فيه الناس لرب العالمين , حين يقول لي ربي :

أما استحيت تعصيني ...؟

وتخفي الذنب عن خلقي وبالعصيان تأتيني

فكيف أجيبُ يا ويحي ومن ذا سوف يحميني؟
كأني قد ضّمنتُ العيش ليس الموت يكفيني
سأسأل ما الذي قدمت في دنياي ينجيني
فكيف إجابتي من بعد ما فرطت في ديني
ويا ويحي ألــــم أسمع كلام الله يدعوني؟؟
ألــــم أسمع بما قد جاء في قاف ويسِ ؟
ألـــم أسمع مُنادي الموت يدعُوني يُناديني؟
فقالت وقد أحسستُ اللين في كلامها  : لا تتعب نفسك , لقد تُبتَ كثيرا من قبل وفي كل مرّة كنت تنقض عهدك مع الله 0

فقلت : إنّه لا ييئس من روح الله إلاّ القوم الكافرون 0

فغالبتُ نفسي حتى غلبتها وكثيراً ما كانت تغلبني , وقمت فتوضأت , وعند عودتي لغرفتي ؛ جال نظري في الغرفة المظلمة فلاح لي شبح ذلك المكان المظلم الموحش  البارد والذي لا  محالة قابعٌ فيه يوماً , وحيداً لا مؤنس ولا دفء ولا نور  0

 كيف بي إذا جاءني الملكان يسألاني عن صلاتي , واخوفاااه , بل واصلاتاه0كيف بي إذا أطبق القبر على صدري واختلفت منه أضلاعي , واألماه , بل واااقرآناه 0

وأسرعتُ إلى المصحف أضمه وأشمه وأذرف الدموع فوقه , وفتحته أتلُ ما نزل فيه من الحق ومنعتني دموعي من أن أرى أيّ آيةٍ فيه ,

فقلت: كيف بي إذا أدركتُ ذلك اليوم الذي يُمحى فيه القرآن من السطور ولا يبقى محفوظاً إلاّ في الصدور 0

واحسرتاه , لا يملأ صدري إلا الذنوب والآثام , أين الملجأ عندها وأين المفر , واحسرتاه على ما فرّطت في جنب الله , وا سوأتاه يوم العرض عليه , وا خزياه يوم سؤلاه 0

وامحمداه , واشفيعاه , آه آه , لا تدري ماذا أحدثنا بعدك 0

وا توبتاه , بل واربّاه , واربّاه 0

وجلست أسكب العبرات بين يديّ خالقي, وتذكرت البرد من حولي, فقلت : علّ برد هذا الليل يُذهب حرّ تلك النار , أو لعلّ  هذه الدموع تزيل لهيبها 0

يارب اقبل توبتي واغسل حوبتي

يارب ما عصيتك مكابرة بالإثم ومجاهرة بالمعاصي ولكنّ نفسي غلبتني وعلى الشهوات  حملتني 0

كنت أسلّي النفس بالآمال من حين إلى حين

وأنسَ أنّ الموت سوف يأتيني

فيا ربّاه عبد تائب , من ذا سيؤيني

سوى رب غفور واسع للحق يهديني

أتيتُ إليكَ فارحمني وثقــّـل في موازيني
وخفف جزائي أنت أرجى من يجازيني0

 التعليقات: 2

 مرات القراءة: 2840

 تاريخ النشر: 22/11/2008

2008-12-20

الاختيار الصائب

شكرا يا غفران على هذه القصة الرائعة.

 
2008-11-24

غفران

للأمانة: أبيات الشعر التي وردت في المقالة هي لأحد الشعراء ولكن للأسف لم أعد أذكر اسمه0

 

ملاحظة:
الآراء المنشورة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو القائمين عليه، ولذا فالمجال متاح لمناقشة الأفكار الواردة فيها في جو من الاحترام والهدوء ونعتذر عن حذف أي تعليق يتضمن:
1- يحتوي على كلمات غير مهذبة، ولو كانت كلمة واحدة.
2- لايناقش فكرة المقال تحديداً.

 

 2032

: - عدد زوار اليوم

7467775

: - عدد الزوار الكلي
[ 59 ] :

- المتصفحون الآن

 


العلامة الشيخ محمد حسن حبنكة الميداني


العربيــة.. وطرائق اكتسـابها..
المؤلف : الدكتور محمد حسان الطيان








 
   

أحسن إظهار 768×1024

 

2006 - 2015 © موقع رسالتي ، جميع الحقوق محفوظة

 

Design & hosting by Magellan