::: موقع رسالتي - رؤية جديدة في الخطاب الإسلامي :::

>> خطب الجمعة

 

 

واجبنا تجاه إخوتنا في غزة

بقلم : الشيخ محمد خير الطرشان  

الحمد لله ثم الحمد لله ، الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ،  وما توفيقي إلا بالله ، وما توكلي واعتتمادي إلا على الله .

من يهده الله فهو المهتد ، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً .

و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير ، و أشهد أن سيدنا وحبيبنا محمداً عبده ورسوله وصفيه و خليله ، اللهم صل وسلم وبارك على هذا النبي الكريم ، وعلى آله وصحبه الغر الميامين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .

وبعد أيها الإخوة المؤمنون : أوصي نفسي و إياكم بتقوى الله تعالى ، و أحثكم على طاعته والتمسك بكتابه ، و أستفتح بالذي هو خير .

يقول الله تعالى في كتابه الكريم :

{أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} [الحج:39].

{إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [آل عمران:160].

يا أمتي وجب الكفاح فدعي التشدق والصياح

ودعي التقاعس ليس ينصر من تقاعس واستراح

ودعي الرياء فقد تكلمت المذابح والجراح

كذب الدعاة إلى السلام فلا سلامُ ولا سماح

ما عاد يجدينا البكاء على الطلول ولا النواح

لغة الكلام تعطلت إلا التكلم بالرماح

إنا نتوق لألسنٍ بكم على أيد فصاح

 

أيها الإخوة المؤمنون :

إننا نتابع  بكل قلق وأسى وشعور بالمسؤولية ، أحداث المجزرة الدامية، والمحرقة الرهيبة التي ارتكبها ويرتكبها العدو الصهيوني في حق إخواننا وأهلنا في قطاع غزة، والتي ذهب ضحيتها أكثر من 420 شهيدًا، وتجاوزعدد الجرحى 2000 جريح ، من المدنيين الأبرياء، من الذين لا ذنب لهم إلا التمسك بحقِّهم في الحرية والكرامة، والدفاع عن أرضهم وعرضهم وحياتهم، ورفضهم لكلِّ أشكال الإذلال والابتزاز الصهيوني.

ما ثم (معتصم) يغيث من استغاث به وصاح

أرأيت كيف يكاد للإسلام في وضح الصباح؟

أرأيت أرض الأنبياء, وما تعاني من جراح؟

أرأيت كيف بغى اليهود, وكيف أحسنا الصياح؟

غصبوا فلسطينا وقالوا: مالنا عنها براح

لم يعبؤوا بقرار (أمن), دانهم أو باقتراح

عاد التتار يقودهم جنكيز ذو الوجه الوقاح

عادت جيوشهمو تهدد بالخراب والاجتياح

عادوا ولا (قطز) ينادي المسلمين إلى الكفاح

 

و إن الشريعة الإسلامية - على اختلاف مذاهبها – لتوجب في هذه الحالة فرضية وقوفِ الأمة الإسلامية كلِّها متضامنة مع الشعب المعتدى عليه، إذا عجز عن ردِّ الاعتداء وحده، فالمسلمون أمة واحدة، والمؤمنون إخوة، يسعى بذمَّتهم أدناهم، وهم يد على مَن سواهم، وهم كالبنيان يشدُّ بعضه بعضا، وكالجسد الواحد إذا اشتكى عضو منه اشتكى كلُّه، و صح عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله : « ما من امرئٍ يخذل مسلمًا في موطن يُنتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلا خذله الله في موطنٍ يحب فيه نصرته، وما من امرئٍ ينصر مسلمًا في موطن ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلا نصره الله في موطنٍ يحب فيه نصرته».

لهذا كان العدوان على جزء منه عدوانا على الجميع، وكان الردُّ عليه مطلوبا من الجميع، وخصوصا المجاورين للبلد المعتدى عليه. والمسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ولا يخذله، وقد أوجب الإسلام على أهله أن يقاتلوا من أجل المستضعفين، كما قال تعالى: {وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا} [النساء:75].

 وهذا واجب الحكومات والشعوب جميعا، كلٌّ يقدم ما يستطيع من مدد طبي أو غذائي أو حيوي أو حتى حربي، للدفاع عن النفس .

 وإن من أعظم المحرمات أن تمنع بعض الحكومات الشعوبَ من توصيل معوناتها المختلفة إلى إخوانهم، أو التعبير عن غضبهم على هذا العدوان.

كما لا يجوز لأيِّ حكومة تحت أيِّ مبرر من المبررات أن تقف متفرجة على ما يجري، ناهيك أن تسدَّ بابا من أبواب الرحمة في وجوه إخوانهم في غزة، وخصوصا المعابر التي هي شرايين الحياة لإخواننا في غزة. ولا سيما معبر رفح، التي تملك مصر فتحه وإغلاقه، و إغلاقه في هذا الوقت يضع الحبل في رقبة أهل غزة لخنقهم أو شنقهم، وهذا ما لا تجيزه عروبة ولا إسلام ولا مسيحية.

أيها الإخوة المؤمنون :

إن الجريمة البشعة التي يقترفها الكيان الصهيوني الغاشم بحق إخواننا الفلسطينيين في غزة ، والتي تأتي ضمن مسلسل الإجرام المتواصل الذي يمارسه العدو الصهيوني منذ احتلال أرض فلسطين المسلمة، وما سبق ذلك ورافقه من حصار آثم ظالم أوشك على بلوغ العامين، مُنع فيه الفلسطينيون من الغذاء والدواء والكهرباء وسائر الاحتياجات الإنسانية، مما ترتب عليه إزهاق الكثير من الأنفس البريئة ، ليكشف لنا طبيعة هذه العصابات اليهودية الحاقدة المجرمة، والتي يصدق عليها قول الله عز وجل: {كيف وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلاًّ ولا ذمة} [التوبة: 8].

إن ما يرتكب في حق غزة وشعبها، إنما هو إجرام وحشي سافر، وتحدٍّ خطير، لكل القيم الإنسانية، والقواعد الدولية، بل يعتبر ذلك جريمة حرب، وعملية إبادة عنصرية، تستخدم فيها الطائرات، والأسلحة المتطورة، ضد شعب أعزل، يضرب في دوره، وفي مساجده، وفي طرقاته، فتتطاير الأشلاء، وتسيل الدماء، وتتفحم الجثث.

ومما يزيد الوضع خطرا وتفاقما ما يعانيه القطاع منذ أكثر من سنة ونصف من حصار ظالم مستمر، جعله يفتقر إلى أدنى مقومات الحياة، من غذاء ودواء وكهرباء ووقود، وغيرها، وخصوصا في فصل الشتاء البارد .

مما يستدعي تدخلا سريعا، وضغطا كثيفا، لكسر الحصار الغاشم، حتى يصل إلى الشعب المظلوم والمكلوم الغذاء والدواء والهواء ، كما تصل إلى سائر الناس.

إننا نطالب قادة الأمة العربية والإسلامية: ملوكا ورؤساء وأمراء، أن يقفوا وقفة رجولية، ليقولوا للصهاينة المعتدين : كفوا أيديكم أيها الوحوش، وأن يتحركوا ليخاطبوا بلغة جماعية: المجتمع الدولي وعلى رأسه مجلس الأمن، والمجتمع الغربي ، لإيقاف هذا العدوان الهمجي، الذي لا يبالي بقتل الشيوخ والنساء، والأطفال والمصلين في المساجد .

إن صمت بعض الحكومات في هذا الموقف لا يفسَّر إلا بأنه خيانة للأمة, ومشاركة في الجريمة, فإن الساكت عن الحقِّ شيطان أخرس، في الوقت الذي يجب أن تتوالى فيه الصرخات، وتتابع فيه التنديدات, كما قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ} [الصف:4].

 وفي الحديث الشريف: "إذا رأيت أمتي تهاب أن تقول للظالم: يا ظالم. فقد تُودِّع منهم". 

إننا نطالب مؤسساتنا الإقليمية, جامعة الدول العربية، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، بالتحرُّك السريع واللازم، للاتصال بالقادة والزعماء من ناحية, والاتصال بالاتحاد الأوربي والهيئات الدولية من ناحية أخرى, والاتصال بالجماهير العربية والإسلامية من جهة ثالثة, لإيقاظ النائمين، وتنبيه الغافلين وتجميع المتفرقين. وإن مليارا ونصف المليار من المسلمين, ومنهم أكثر من ثلث مليار من العرب، لا يمكن أن ينهزموا أمام بضعة عشر مليونا من صهاينة العالم, وفق سنن الله تعالى, إلا إذا اتحد عدوهم وتفرَّقوا, وتناصر عدوهم وتخاذلوا, وقام عدوهم وقعدوا, وسنة الله أن ينصر المتحدين على المتفرقين, والمتناصرين على المتخاذلين, والقائمين على القاعدين.

إن واجب علماء الدين، ورجال الشريعة والأئمة والخطباء في هذه المرحلة العصيبة , أن يعملوا على إيقاظ الأمة وجمع كلمتها, وتوحيد موقفها في مواجهة العدو القائم, وأن يحرصوا على قنوت النوازل ولا سيما في الصلوات الجهرية, وأن يحرصوا على ربط الأمة بالله ، فهو ملاذها في الشدائد، وناصرها على عدوها .

إننا نحيي أهلنا الصامدين الصابرين في غزة, الذين ثبتوا رغم طول الحصار، واستعصوا على التركيع والتطبيع والتطويع, والذين وقفوا مواجهين للعدوان بصدورهم، ولم يكسر إرادتهم ، كما نطالب الإخوة في السلطة الفلسطينية في رام الله  أن يقفوا مع إخوانهم, فمهما يكن من خلاف, لا أقف مع عدوي ضد أخي, ولا أقف مع الظالم ضد المظلوم, كما ندعوهم أن ينفضوا أيديهم من المفاوضات التي لم يجدوا من ورائها غير السراب . وندعو كل الفصائل الفلسطينية وقادتها إلى ما عهدنا فيهم من اتحاد الكلمة في المواقف الصعبة, والتمسك بثوابت القضية الفلسطينية, فقضيتهم واحدة ومصيرهم واحد, والصلح خير, وإذا لم يتصالح الناس في أجواء  الشدائد والمحن، فمتى يتصالحون ؟ وقد قال شوقي رحمه الله:

إن المصائب يجمعن المصابين

والله تعالى يقول: { إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا} [النساء:35].

وفي الختام نقول : إن العاقبة لنا, لأن الحق معنا, ولا بد لكلمة الحق أن تعلو, ولا بد للباطل أن يزهق: {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} [الإسراء:81]. {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران:139] .

كما نحيي مواقف سوريا الأسد بمواقفها الثابتة المتمثلة في مساندة أهلنا وشعبنا في غزة الصامدة .

ونقول لإخواننا وأهلنا في غزة خاصة, وفي فلسطين عامة: {اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران:200 .

يا أمتى , صبراً، فليلك كاد يسفر عن صباح

لابد للكابوس أن ينزاح عنا أو يزاح

والليل إن تشتد ظلمته نقول: الفجر لاح

 

إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ، والحمد لله رب العالمين .

أقول قولي هذا و أستغفر الله العظيم

 

 التعليقات: 1

 مرات القراءة: 5495

 تاريخ النشر: 02/01/2009

2009-07-27

سامرالدرة

بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته سيدي الشيخ محمدخير أقول ماخرج من القلب دخل الى القلب فماأجمل هذا الكلام الذي قرأناه هذاوان دل فانه يدل على سعة رحمة قلبكم الذي اتصل بقلب سيدالوجودسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم (انما انا رحمة مهداة) فياسعادة هذه الأمة بكم فأنتم لنا عيد وقدركم الغالي وأنتم ضياء الكون بعد ظلامه... اشكركم من كل قلبي محبكم الخويدم سامر الرة

 

ملاحظة:
الآراء المنشورة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو القائمين عليه، ولذا فالمجال متاح لمناقشة الأفكار الواردة فيها في جو من الاحترام والهدوء ونعتذر عن حذف أي تعليق يتضمن:
1- يحتوي على كلمات غير مهذبة، ولو كانت كلمة واحدة.
2- لايناقش فكرة المقال تحديداً.

 

Query Error
MySQL Error : Query Error
Error Number: 145 Table './risalnet_vcount1/vietcounter_usersonline' is marked as crashed and should be repaired
Date: Tue, April 16, 2024 15:16:12
IP: 3.145.23.123
Browser: claudebot
Script: /article1.php?tq=1670&re=556&tn=574&br=1673&tr=1670&rt=1670&try=7&rf=566&tt=1668&rt=1670&rf=566&tm=1670&ft=
Referer:
PHP Version : 5.5.38
OS: Linux
Server: LiteSpeed
Server Name: risalaty.com
Contact Admin: info@risalaty.net