::: موقع رسالتي - رؤية جديدة في الخطاب الإسلامي :::

>> مقالات متنوعة

 

 

الشام بشارة الرسول عليه الصلاة والسلام

بقلم : سهير علي أومري  

جعل الله تعالى الإيمان بالغيب ركناً أساسياً من أركان العقيدة وجعله الصفة الأولى من صفات المتقين فقال تعالى في مستهل سورة البقرة: " الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3)"

فجعل الإيمان بالغيب قبل إقامة الصلاة... ذلك لأن الإيمان بالغيب إنما دليل على صدق الإيمان بالله تعالى.... والغيب منه ما يتعلق بالمستقبل البعيد كالإيمان بيوم القيامة وعلامات الساعة... أو المستقبل القريب كهزيمة الروم في أدنى الأرض، أو يتعلق بحاضر مغيب كالإيمان بالملائكة والعرش والقلم.. ومنه ما يتعلق بالماضي السحيق كقوله تعالى: "أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6)". الفجر

مبشرات في أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم:

وإن هذا الأمر لم يقتصر على كلام الله تعالى، فقد كان في الكثير من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم أخبار عن أمور غيبية ستحدث.... من ذلك ما قاله صلى الله عليه وسلم يوم ضرب الصخرة التي اعترضت الصحابةَ يوم الخندق، فأَخَذَ عليه الصلاة والسلام الْمِعْوَلَ وضربها ثلاث مرات قال في الأولى:« اللَّهُ أَكْبَرُ أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ الشَّامِ وَاللَّهِ إِنِّي لأُبْصِرُ قُصُورَهَا الْحُمْرَ مِنْ مَكَانِي هَذَا ». ثُمَّ قَالَ « اللَّهُ أَكْبَرُ أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ فَارِسَ وَاللَّهِ إِنِّي لأُبْصِرُ الْمَدائِنَ وَأُبْصِرُ قَصْرَهَا الأَبْيَضَ مِنْ مَكَانِي هَذَا ». ثُمَّ قَالَ « اللَّهُ أَكْبَرُ أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ الْيَمَنِ وَاللَّهِ إِنِّي لأُبْصِرُ أَبْوَابَ صَنْعَاءَ مِنْ مَكَانِي هَذَا ». *1

وهذه الفتوحات كانت في عهد الصحابة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بأعوام

مبشرات نبوية تتحقق في عصرنا:

ولكن هل تعلمون أن أحاديث أخرى قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم تتجسد الآن أمام أعين المسلمين!! وعلى مرأى الدنيا بأسرها... الآن... أجل بعد أكثر من ألف وأربع مئة سنة... إنها تلك الأحاديث التي أخبرنا بها عليه الصلاة والسلام عن صفوة البلاد.. فسطاط المسلمين... خير منازل المسلمين... عقر دار الإسلام... إنها الشــام.... القلب النابض والأم الرؤوم والصدر الكبير الذي كان ولا يزال يفتح ذراعيه للجميع... إنها الشام التي لم يركع أهلها لعدو، ولم  يرفرف في سمائها عَلَمٌ يُذلها ويُذل عروبتها... إنها الشام تقف أبية ترفع رأسها بين الأمم تطاول بعنقها قباب السماء... تزين جبهتَها أكاليلُ العزة والإباء... إنها الشام التي بشَّر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودعا صحابته الكرام للاحتماء بأرضها، واللوذ بكنفها عندما يحمى الوطيس، وتضيق الأرض بساكنيها، فقد جاء في المستدرك على الصحيحين قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يوم الملحمة الكبرى فسطاط المسلمين بأرض يقال لها الغوطة فيها مدينة يقال لها دمشق خير منازل المسلمين يومئذ" *2

وروى أبو داود عن عبد الله بن حوالة الأزدي أنه قال: يا رسول الله خر لي بلداً أكون فيه، فلو أعلم أنك تبقى لم أختر عن قربك شيئاً، قال: "عليك بالشام"، فلما رأى كراهيتي للشام قال: "أتدري ما يقول الله في الشام؟ إن الله عز وجل يقول: يا شام أنت صفوتي من بلادي، أدخل فيك خيرتي من عبادي إن الله قد تكفل لي بالشام وأهله".*3

فكيف لا تكون دمشق أماً للجميع وبيتاً للجميع، وقد تكفل الله بها، وجعل أهلها من صفوة عباده!! ألا يجدر بها إذاً أن تكون خير منازل المسلمين، فدمشق كانت وما زالت أماً لكل مسلم ولكل عربي: فلسطيني أو لبناني أو عراقي أو حتى كردي أو تركي أو شركسي أو شيشاني أو إندونيسي أو ماليزي أو باكستاني.... إنها دمشق الملاذ... دمشق المأوى... خير منازل المسلمين... لم تخضع.. لم تتواطأ... لم تركع... لم تقبل أن تعلو في أرضها راية ذُلٍّ تكون بصمةً سوداء في تاريخها، ووصمة عارٍ على جباه أبنائها...  إنها أرض العزة والإيمان...

نظرة تفاؤل:

فإن قال قائل: ألا ترين الفساد المنتشر هنا وهناك؟ أقول له: لقد تعودت أن أرى نصف الكوب الممتلئ، وإن هذا الكوب في شامنا ممتلئ حتى ثلثيه بل ربما حتى ثلاثة أرباعه... إنني أرى بيوت الله العامرة بحفاظ القرآن وبدروس الفجر ودروس المغرب ودروس العشاء... أرى شابات كزهرات الربيع ينلن أعلى الشهادات في العلوم الكونية، ثم يقبلن على العلم الشرعي بنفس تطوق لمعرفة الحلال والحرام والالتزام بالنهج القويم... أرى شباباً يحملون بين جوانحهم قلوباً تنبض بحب الله وحب رسوله عليه الصلاة والسلام... يحملون للحياة رسالة، ويضعون نصب عيونهم أهدافاً... أرى طلاباً للعلم من كل البلدان يقصدون الشام ليتعلموا أمور الدين وأحكام الشريعة، وعندي أمل كبير أن يملأ كل هؤلاء في المستقبل القريب بإذن الله ربع الكوب الفارغ.

الشام أرض الإيمان وفيها عمود القرآن:

الشام أرض الإيمان وفيها وضع الله تعالى عمود القرآن، فقد ورد فيما رواه أحمد عن أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: « بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ إِذْ رَأَيْتُ عَمُودَ الْكِتَابِ احْتُمِلَ مِنْ تَحْتِ رَأْسِي فَظَنَنْتُ أَنَّهُ مَذْهُوبٌ بِهِ، فَأَتْبَعْتُهُ بَصَرِي فَعُمِدَ بِهِ إِلَى الشَّامِ أَلاَ وَإِنَّ الإِيمَانَ - حِينَ تَقَعُ الْفِتَنُ - بِالشَّامِ ». *4

وروى الطبراني عن سلمة بن نفيل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عقر دار الإسلام بالشام". *5

ولتتيقنوا أن الأمن والإيمان حين تقع الفتن بالشام انظروا إلى الفتن من حولنا هنا وهناك... انظروا إلى الإرهاب، إلى الحروب الطائفية والإقليمية، انظروا إلى التفرقة القومية والمذهبية انظروا إلى دعوات التطبيع والعولمة، انظروا إلى معاهدات الاستسلام أقصد (السلام) انظروا إلى وما رافقها من ذل وخزي عار، انظروا إلى تفشي الشذوذ والزنى والإباحية، ما مدى تأثير كل ذلك على غيرنا من الشعوب؟ وما مدى تأثيرها في شامنا؟ أنا لا أقول إن مجتمعنا طاهر تماماً من كل فتنة ولكن أقول:

إننا _على ما نحن عليه اليوم _ تتحقق في أرضنا بشارة رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن الشام في زمن الفتن هي أرض الإيمان وملاذ الناس ومأواهم

الشام مهد الصالحين تحوطها حماية رب العالمين:

دمشق ربيبة قاسيون مثوى الصحابة والتابعين ومرقد الأولياء والصالحين... يحميها الله بأجنحة ملائكته، ويسبل عليها من فيض نعمه وكرمه وأمنه وسكينته، فقد روى الطبراني عن زيد بن ثابت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً ونحن عنده: (طوبى للشام ) قال: "إن ملائكة الرحمن لباسطة أجنحتها على الشام " *6

وروى أحمد عن شريح بن عبيد قال: ذُكِر أهلُ الشام عند علي وهو بالعراق، فقالوا: العنهم يا أمير المؤمنين، قال: لا إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "البدلاء بالشام، وهم أربعون رجلاً، كلما مات رجل أبدل الله مكانه رجلاً يستقى بهم الغيث، وينتصر بهم على الأعداء، ويُصرف عن أهل الشام بهم العذاب".*7

صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم...

طوبى لنا يا إخوتي أن كنا من أبناء هذه الأرض.... طوبى لنا أن أنعم الله علينا بها وبالعيش في كنفها والاحتماء بسمائها والسير على أرضها... طوبى لنا أننا من أرض دعا لها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبركة فقال: "اللهم بارك لنا في شامنا"*8... ورحم الله عاشق الشام بدوي الجبل يوم قال:

تُطَـوِّحُني الأسـفارُ شـَرقاً وَمَـغـرِبَـا         وَلكنَّ قَـلبي بالشـَّآمِ مُـقِيـمُ

وَيـَارَبِّ تَـدْرِي الشـَّامُ أنِّـي أُحِبُّـها          وأَفْـنَى وَحُـبِّي للشـَّآمِ يَـدُومُ

17/1/2009م

 

* ملاحظة: الشام تطلق على عموم بلاد الشام إلا أنه شاع إطلاقها على دمشق، حتى جاء في معجم البلدان لياقوت الحموي قوله: دمشق الشام: البلدة المشهورة قصبة الشام وهي جنة الأرض بلا خلاف....

*1_ رواه أحمد وفيه ميمون أبو عبد الله وثقه ابن حبان وضعفه جماعة ، وبقية رجاله ثقات.

*2- أخرجه الحاكم في المستدرك ( 4 / 486 ) وقال صحيح وأقره الذهبي . ص (عن أبي الدرداء )

*3- رواه أبو داود باختصار كثير و رواه الطبراني من طريقين ورجال أحدهما رجال الصحيح غير صالح بن رستم وهو ثقة

*4- رواه أحمد والطبراني ورجال أحمد رجال الصحيح

*5- رواه الطبراني ورجاله ثقات.

*6- رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح

*7- رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير شريح بن عبيد وهو ثقة وقد سمع من المقداد وهو أقدم من علي

*8- أخرجه البخاري

 التعليقات: 2

 مرات القراءة: 3812

 تاريخ النشر: 17/01/2009

2009-01-30

هيمى المفتي

سلم قلمك صديقتي سهير.. دراسة ممتعة بلغة سهلة واضحة بعيدة عن التعقيد بانتظار جديدك دائماً

 
2009-01-20

الصبحين

الأخوات الكريمات في موقع رسالتي : سررت بلقائكم ؛ فكنتم مثلما توقعت! وجوه يعلوها البشر، وقلوب يملؤها الإيمان، وعقول تنضح معرفة وعلماً وذكاءً وقاداً. - نعم ضد الاستسهال في طرح أي موضوع على هذا الموقع ، سواءً من حيث الشكل أو المضمون : لأن موقعنا هذا يجب أن يكون ، وأن يبقى الأكثر تميزاً !!! لأن العاملين عليه هم من خيرة المثقفين والمثقفات العرب والمسلمين، ومتصفحوا هذا الموقع _ ولله الحمد والمنة _ من أوفى وأرقى الناس ؛ لذلك لايليق بنا أن نقدم لهم إلا ما هو مميز!.... ، الموضوع يحمل فكرة في غاية الابتكار والروعة ؛ أملي بأن تغني مداخلات الأخوة والأخوات الموضوع ، والسلام على من قرأ فوعى ، والحمد لله رب العالمين...

 

ملاحظة:
الآراء المنشورة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو القائمين عليه، ولذا فالمجال متاح لمناقشة الأفكار الواردة فيها في جو من الاحترام والهدوء ونعتذر عن حذف أي تعليق يتضمن:
1- يحتوي على كلمات غير مهذبة، ولو كانت كلمة واحدة.
2- لايناقش فكرة المقال تحديداً.

 

 1347

: - عدد زوار اليوم

7403839

: - عدد الزوار الكلي
[ 50 ] :

- المتصفحون الآن

 


العلامة الشيخ محمد حسن حبنكة الميداني


العربيــة.. وطرائق اكتسـابها..
المؤلف : الدكتور محمد حسان الطيان








 
   

أحسن إظهار 768×1024

 

2006 - 2015 © موقع رسالتي ، جميع الحقوق محفوظة

 

Design & hosting by Magellan