::: موقع رسالتي - رؤية جديدة في الخطاب الإسلامي :::

>> أقلام نسائية

 

 

أيُّ الفرق نحن ؟!

بقلم : ديمة محمد ديب هديب  

هناكَ تحتَ القبَّعةِ البيضاء ذاتِ الصوفِ الناعم تتراقصُ حباتُ المطر على أنغامِِ الرعدِ ولمعانِِ البرق ..

هناك في ذاكَ الثوبِ الأسودِ القاتم تبوحُ النجومُ بأسرارها متباهيةًَ _ كما هي عادةُ النساء _ بجمالها وحُسنها وبهائها متفاخرةً بقولها : " أنا أكثرُ منك لمعاناً وأكثرُ جاذبيةً لكل من يراني..

هناك يترَّبعُ القمرُ على عرشِ الجمالِ والبهاء تاركاً ورائه نوراً وألقاً يطغى على من حوله .. يُعطي بلا مقابل ويُفني نفسه كي يُضيء لنا هذا الليل الغاطِسَ في السواد ..

وتستمرُ رقصةُ حباتِ اللؤلؤ على ضوء القمر وإنارةِ النجوم فتتنزلُ هذه القطرات بكلِ لهفةٍ وشوق ومنتهى طموحها ...

أن تغسلَ أوراق الشجر فتعيدَ لها ألقها وبريقها ولونها السندسي ..

وأن تزهو على صفحاتِ الورود كي نسبِّح الله ونقول : " سبحان الخالق ! ما هذه الجمال الأخاذ "  

وأن تعودَ إلى موطنها_ عودة المغترب الذي ترك أرضه ووطنه من سنين طويلة فكم يتمنى أن يلثُمَ هذا الترابَ الطاهرَ _ إلى الأنهارِ والبحيراتِ والبحار فتعانقَ أخواتها وتمتزجَ مع صديقاتها وتجريَ إلى الحقولِ فتلامِسَ الترابَ الذي يُنبتُ الخيرَ والعطاء وتَروي الأشجارَ والثمار ..

وكم تطمعُ هذه القطراتُ المباركة أن تكونَ وضوءَ أحدِ الصالحين أو كأسَ ماءٍ يشربه أحدُ الصائمين ..

لكنََََّ أملَ هذه القطراتِ يخيبُ أحياناً ...

فلا تقبلها كلُّ الأراضي ولا تستقبلها كلُّ الأنهار ولا تزيل الغبارَ من وريقاتِ الأشجار !!

ليس تقصيراً منها .. لا أبداً .. إنما الخطأ من هؤلاءِ الذين ما أحسنوا الاستقبال ..

فالأرضُ عالية وصخورها قاسية ينسابُ عليها الماء ولا تستفيد منه ؛ والوريقات الخضراء قد غطتها الأتربة وغشَّاها الران فلم تستطع قطراتنا الغالية أن تنقيها وتطهرها ..

ولكن لا عليك يا حباتَ اللؤلؤ ؛ فالخيرُ كثير وهناك أراضٍ طيبة تقبلُ المطر الوفير وتُنبتُ الكلأ والعشب وتستفيد منكِ قدرَ ما تستطيع ؛ فإنها وإن أخذت واكتفت تجمعُ الباقي في قلبها وتحتضنه في جوفها لأيامِ الشدة والجفاف فتاخذ من رصيدكِ الغالي في قلبها ؛ فهي لا تستطيع الاستغناء عنكِ فتسقي وتشرب وتروي الناسَ أيضاً ..

فالخيرُ كثير والفضلُ عميم وما دمتِ تتنزلين _ بفضل الله _ من السماء فسيبقى الخير والعطاء يعمُ أرجاء الأرض ..

غاليتي .. لا تحزني ولا تعتقدي أنك وحيدة في هذه الحياة فنحن مثلك ولكنا نسينا هذه الحقيقة؛ فقد جاءنا حبيبٌ .. شفيع .. رؤوفٌ بنا ورحيم .. جاءنا بهدىً وعلم كغيثٍ كثير ...

فمنا من قَبِلَه وطبَّقَ ما سمعه وعلم أنَّ الخيرَ كلَّ الخيرِ فيما جاء به حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم ففقه وعَلِمَ ولم يتوقف على ذلك بل علَّم ما تعلَّمه ودعا إلى الله بما علمه وعَكَسَ كلَّ ما تعلَّمه على تطبيقات حياته العملية فعاش على خطى الحبيب صلى الله عليه وسلم فنفعه الله ونفع به ؛ فكان كالأرض الطيبة التي قبلتكِ ..

ومنا من ترَّفع عن هذا الهدي وقال : " إنَّ هذا الكلام مضى وقته وهو لايصلحُ لزماننا ؛ فلنحيا كما نشاء فالحياة قصيرة ولنستمتع بها دون حدودٍ وقيود " فغطى الرَّانُ قلبهُ وأعمى الزيفُ عينه وابتعدَ عن هدي النبوة المباركة ؛فكانَ مثَلُ الأرضِ التي لم تستقبلك والأوراق التي صَعُبَ عليك تنظيفها ..

هل رأيتِ يا قطرات المطر .. فنحن مثلكِ لا نختلف عنك أبداً ..

ولكن هل تعلمين أنني ما سقتُ لكِ مثالاً من وحي الخيال ولا تشبيهاً من تشبيهات البلاغة والأدب ؛ فسيدي وشفيعي وقدوتي وحبيبي محمد صلى الله عليه وسلم ضربَ لنا مثلاٌ بكِ أنتِ يا قطرات المطر الغالية فقال فيما رواه البخاري عن أبي موسى الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : } مَثَلُ ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثلِ الغيثِ الكثيرِ أصابَ أرضاً فكانَ منها نقيةً قبلتِ الماء فأنبتت الكلأ والعشبَ الكثير وكانت منها أجادبُ أمسكتِ الماء فنفعَ الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا وأصابت منها طائفةٌ أخرى إنما هي قيعانُ لا تمسكُ ماءً ولا تُنبتُ كلأ فذلك مَثَلُ من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فَعَلِمَ وعلَّم ومَثَلُ من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدى الله الذي أُرسلتُ به { ...

هذا ما قاله الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم وهذا هو مصداق حالنا وهذا هو حال حباتِ المطر الغالية ...

فيا ترى أيِّ فريق نحن ؟!!

هل نحن ( فكان منها أرضاً نقية ) ؟!

أم نحن  ( كانت منها أجادِبُ ) ؟!

أم نحن  ( القيعان التي لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ ) ؟!

اللهم اجعلنا خير الفرق جميعها واجعلنا ممن علم فعمل ففاز فوصل ..

آمين ياأكرم الأكرمين..

 

 

 التعليقات: 2

 مرات القراءة: 2802

 تاريخ النشر: 02/03/2009

2009-03-24

على خطى الحبيب

كالعادة مقال رائع وتعابير مفعمة بجمالية راقية ننتظر المزيدمن الابداع وفقك الله

 
2009-03-02

نور القاسم

السلام عليكم أسأل الله ان نكون من ( فكان منها أرضاً نقية ) ما شاء الله أختي ديمة أنت دائما تأتين بشيء مختلف وفريد كان تصويرك رائع وربطك للأفكار أروع بكثير بارك الله بك ونفع بك

 

ملاحظة:
الآراء المنشورة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو القائمين عليه، ولذا فالمجال متاح لمناقشة الأفكار الواردة فيها في جو من الاحترام والهدوء ونعتذر عن حذف أي تعليق يتضمن:
1- يحتوي على كلمات غير مهذبة، ولو كانت كلمة واحدة.
2- لايناقش فكرة المقال تحديداً.

 

 1719

: - عدد زوار اليوم

7405327

: - عدد الزوار الكلي
[ 64 ] :

- المتصفحون الآن

 


العلامة الشيخ محمد حسن حبنكة الميداني


العربيــة.. وطرائق اكتسـابها..
المؤلف : الدكتور محمد حسان الطيان








 
   

أحسن إظهار 768×1024

 

2006 - 2015 © موقع رسالتي ، جميع الحقوق محفوظة

 

Design & hosting by Magellan