::: موقع رسالتي - رؤية جديدة في الخطاب الإسلامي :::

>> دراسات وأبحاث

 

 

سلسلة ( نقد التفسير العلمي المعاصر للقرآن الكريم ) 2

بقلم : أحمد محمد الفاضل - مدرس في معهد الفتح الإسلامي  

(2)

 

 (( مثلُ الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتاً و إن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون)) {العنكبوت/41}

يدّعي المفسرون للقرآن الكريم تفسيراً علمياً بلا ضوابط و لا قيود أن في هذه الآية إعجازاً علمياً كشف عنه العلم في الوقت الحاضر ،و كان غائباً من قبل .

و هذا الإعجاز العلمي يتمثل في أن الوهن الذي وصف به بيت العنكبوت ليس الوهن الظاهري للبيت لأن البيت الخارجي بزعمهم من الإحكام و القوة بمكان !

فخيط بيت العنكبوت أقوى و أمتن من مثله من الحديد مثلاً بضعفين أو أكثر ؛فعلى هذا ؛المراد من الوهن في الآية التفكك الأسري في العائلة العنكبوتية ؛فالأنثى تأكل الذكر بعد التلقيح و الصغار تأكل بعضها بعضاً و هكذا فبيت أنثى العنكبوت الأسري متداع ،و ضعيف جداً ...

و الدليل على هذا الذي ذهبوا إليه أنّ الآية تقول (( لو كانوا يعلمون )) فليس هناك من يجهل أن بيت العنكبوت واهٍ جداً ،لا بد إذن أن الذي جهلوه هو هذا التفكك الداخلي بين أفراد الأسرة ،و هذا كان مجهولاً من قبل و لم يعرف إلا في هذا الزمان ......

و أول من قال بهذا التفسير ـ فيما أعلم ـ الكاتب الطبيب مصطفى محمود ،و تلقف كلامه من جاء بعده وقع الحافر على الحافر .

يقول مصطفى محمود : (( ..... والحقيقة الملفتة للنظر هي وصف بيت العنكبوت بأنه أوهن البيوت ,و لم يقل القرآن الكريم خيط العنكبوت ،أو نسيج ....و إنما قال بيت ...و العلم كشف الآن بالقياس أن خيط العنكبوت أقوى من مثيله من الصلب ثلاث مرات ...فلماذا يقول القرآن : ((و إن أوهن البيوت لبيت العنكبوت )) ،و لماذا يختم بكلمة ((لو كانوا يعلمون))؟

و الواقع أن هناك سراً بجيولوجياً كشف العلم عنه ..فالحقيقة أن بيت العنكبوت هو أبعد البيوت عن صفة البيت بما يلزم البيت من أمان و سكينة و طمأنينة ،فالعنكبوت الأنثى هي التي تبني البيت و تغزل خيوطه ،و هي الحاكمة عليه ،و هي تقتل ذكرها بعد أن يلقحها و تأكله ،و الأبناء يأكل بعضهم بعضاً ،و لهذا يعمد الذكر إلى الفرار بجلده ..و تغزل الأنثى العنكبوت بيتها ليكون فخاً و كميناً و مقتلاً لكل حشرة ....و كل من يدخل البيت من زوار و ضيوف يقتل ... أي أنه ليس بيتاً بل مذبحة ..و أنه أوهن البيوت لمن يحاول أن يتخذ منه ملجأ...)) (1)

-------------------------------------------

فالخلاصةالتي يريدها مصطفى محمود ومن يرى رأيه هذا يمكن اختصارها بما يلي :

أ ـ الوهن المذكور في الآية ليس الوهن الخارجي كما يظن ،بل هو وهن داخلي يخص الأسرة العنكبوتية .

ب ـ العنكبوت في الآية هي الأنثى لا الذكر ، فبيتها هو الواهي الضعيف .

ج _ (لو كانوا يعلمون) على أنّ هذا السر كان مجهولاً لأن كل عاقل يدرك الضعف الخارجي ،إنما الذي لم يكن معروفاً هو التفكك الداخلي .

و نحن نفند هذا التفسير الذي شاع و ذاع _حتى لا نكاد نعرف غيره_ و أنا أذكر التفسير الذي يقتضيه الكلام، وإلا استنكر و عدَّ خطأ .

و تفنيده من ثلاث جهات:

الأولى : من جهة المبالغة و التشبيه ،لأن الادعاء بأن الوهن المقصود في الآية و هن داخلي ؛ بعيد عن مراد الآية و مقصودها ،فهي تشتمل على تشبيه تمثيلي رائع ،فيه تشبيه صورة المشرك الذي يلجأ إلى معبوده (الصنم) بقصد جلب النفع له ،أو دفع الضرر عنه ،ثم لا يجد أي نفع ،و لا أي خير ،بصورة العنكبوت التي تتعرض للخطر الداهم ،فتقفز إلى بيتها أيضاً بقصد دفع الأذى و الضرر عنها ،و هذا البيت لا يدفع عنها أي ضرر..هذه الصورة البلاغية الرائعة التي يريدها القرآن الكريم تضيع إذا حملنا الوهن على أنه داخلي ينتشر بين أفراد البيت و الأسرة .

الثانية : من جهة اللغة ؛ لأنّ الزعم بأن العنكبوت هنا هي الأنثى خطأ ظاهر تأباه اللغة ،لأن العنكبوت لا تنعت بأي من الوصفين الذكورة و الأنوثة كالنملة ،و النحل،و الدود,و هذه سنة العرب في مثل هذه الكلمات ،فلم يقولوا في الواحد منها إلا نملة ،و نحلة ،و دودة ،و هو تأنيث لغوي لا علاقة له بالتأنيث البيولوجي كما توهم الطبيب مصطفى محمود ،و النحلة أو العنكبوت قد تكون ذكراً كما قد تكون أنثى...(2)

-------------------------------------------

الثالثة : من جهة المعنى و الأسلوب ،لأن الاستدلال بقوله (لو كانوا يعلمون )على أنّ الذين كانوا لا يعلمونه من قبل ، هو هذا الذي عرفه العلم الطبيعي اليوم من التفكك الأسري؛هو من البعد  بمكان ؛لأنه تعالى جهّل المشركين لمّا لم يعملوا بما علموا،فقد علموا أن هذه الأصنام لا تنفع و لا تضر؛ لكن الاستكبار و تقليد الآباء و الأجداد حملهم على مخالفة ما علموه.

و هذا أسلوب قرآني شائع معروف ،فقد وصف الله تعالى المنافقين بقوله ((صم بكم عمي فهم لا يرجعون){البقرة /18} و غير ذلك من الآيات ؛و هم على الحقيقة ليسوا صماً،و لا بكماً و لكن لمّا لم يستفيدوا من حواسهم هذه جعلها بمنزلة المعدومة ،و المعطلة ،و كذلك الشأن في هذه الآيات التي بين أيدينا ....اه

الهوامش :

(1)انظر( القرآن محاولة لفهم عصري) ،مصطفى محمود (251-252) دار المعارف بمصر

(2) انظر( القرآن وقضايا الإنسان) ،د .بنت الشاطئ (359-360) دار العلم للملايين بيروت

 التعليقات: 0

 مرات القراءة: 3103

 تاريخ النشر: 15/12/2007

ملاحظة:
الآراء المنشورة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو القائمين عليه، ولذا فالمجال متاح لمناقشة الأفكار الواردة فيها في جو من الاحترام والهدوء ونعتذر عن حذف أي تعليق يتضمن:
1- يحتوي على كلمات غير مهذبة، ولو كانت كلمة واحدة.
2- لايناقش فكرة المقال تحديداً.

 

 758

: - عدد زوار اليوم

7450909

: - عدد الزوار الكلي
[ 44 ] :

- المتصفحون الآن

 


العلامة الشيخ محمد حسن حبنكة الميداني


العربيــة.. وطرائق اكتسـابها..
المؤلف : الدكتور محمد حسان الطيان








 
   

أحسن إظهار 768×1024

 

2006 - 2015 © موقع رسالتي ، جميع الحقوق محفوظة

 

Design & hosting by Magellan