::: موقع رسالتي - رؤية جديدة في الخطاب الإسلامي :::

>> قطوف لغوية

 

 

أنا أعلى شهادة تحملينها.. فلا تضيّعيني!

بقلم : المُحِبَّة لله (دعاء الأصفياء)  

 

 

*رسالة طفوليّة بريئة من ابن لأمّه*

بسم الله الرّحمن الرّحيم

والصّلاة والسّلام على رسوله الكريم

 

إلى كلّ ماما هي ماما

وإلى كلّ ماما أوشكت أن تصبح ماما

وإلى كلّ ماما تحلم بأن تكون ماما

هذه رسالةٌ منّي ومن أطفال الأرض

أكتبها باسمي وباسم كلّ طفلٍ وُلد ولم يولدْ بعد

إلى كلّ ماما تريد لي ولنفسها السّلامة والسّعد...

 

ماما: هل تحبّين أن أكون أفضل شخصٍ في العالم؟ هل تحبّين أن أكون ناجحاً في حياتي؟ هل تتمنّين أن تكون تربيتكِ لي تربية صالحة، لا تشوبها أيّة شائبة؟ هل ترغبين بتربيتي كما يحبّ الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم؟ وهل تحبّين أن أعيش حياتي كلّها في مرضاة الله وخدمة عباده؟ اطلبي العلم الشّرعيّ، تعرّفي إلى الله لتحبّيه، فكيف تريدين لي أنّ أحبّ الله ما لم تحبّيه أنتِ حقّ المحبّة؟! تعلّمي أحكام القرآن، وأحكام السّنّة الشّريفة، تعلّمي الطّرق الصّحيحة، وابحثي عن الوسائل السّليمة الّتي تمكّنكِ من تربيتي على أكمل وجه. تخيّلي أنّكِ طبيبة تعالجين الأطفال، وأنتِ ماهرة في مهنتك، وما مرّت عليكِ حالة إلا أحسنتِ علاجها، كيف استطعتِ إتقان مهنتكِ تلك، ألم تمضي السّنين الطّويلة في الدّراسة؟ ألم تجهدي وتتعبي في التّعرّف على الطّرق الدّقيقة في معالجة الأطفال؟ إن كنتِ أمضيتِ تلك السّنين باحثةً عمّا يعينكِ لتقديم خدمة إنسانيّة لأطفال العالم، فهل تبخلين على طفلكِ الحبيب بوقتٍ تمضينه في معرفة أصول تربيتي؟ أنا الآن لا أعلم إن كنتِ طلبتِ العلم، أم لم تطلبيه، لكنّني سأعلم ذلك عندما أكبر إن شاء الله تعالى، وإن علمت أنّكِ حصلتِ على شهادة علميّة تنفعكِ، ولم تطلبي علماً يعينكِ على تربيتي، فسأحزن أشدّ الحزن؛ لأنّكِ بذلك تثبتين أنّكِ لا تحبّينني! فقد حرصتِ على رقيّ شهادتك العلميّة، ولم تحرصي على رقيّي أنا، فأنا أعلى وأغلى من كلّ شهادة.

ماما: أريد أن يكون بابا رجلاً بكلّ معنى الكلمة؛ حتّى أصبح رجلاً مثله، أريده أن يكون متديّناً، قريباً من ربّه؛ حتّى يعينكِ على تربيتي، لذلك؛ أحسني اختيار بابا، لا تنظري إلى ماله وأملاكه، فما الّذي سأجنيه من أبٍ يغرقني بالأموال، لكنّه لا يهتمّ بابنه، ولا يحنو عليه، لا أريد أن يكون أبي قاسياً شرساً، ولا يعرف من هذه الحياة إلا شغله، وعمله، وسعادته مع أصحابه.

ماما: داومي على قراءة القرآن أثناء وجودي في جوفك الدّافئ، فتلاوتك القرآن تملأ قلبي سكينة وطمأنينة. وإنّ آياته تنزل على روحي، فتنعشها، وتغذيها، كرشفاتٍ من الماء البارد؛ ترتشفينها في يوم ٍشديدِ الحرارة، فتطفئ ظمأكِ، وتنعش روحك. وعدا عن ذلك؛ فإنّ آيات القرآن الكريم تجعل حركاتي من أعذب الحركات، ولا أسبّب لكِ تعباً أو إزعاجاً. اسألي عن ذلك علماء النّفس إن لم تصدّقي قولي.

ماما: عندما أخرج إلى هذه الحياة، فلا تبخلي عليّ برعايتك الحنونة، أرضعيني من حليبك، وأبعدي عنّي الحليب الصّناعيّ، فأنا لا أحبّه، ولا أطيق إدخاله إلى فمي. آه يا ماما! لو أنّني أستطيع الكلام إذ تضعين في فمي عبوة الحليب؛ لأخبرتكِ كم أنا بحاجة لحنانك، وحضنك الدّافئ، ولأعْلِمكِ أنّني عندما أرتوي من حليبك، فإنّني أزداد قوّة، وصحّة ونشاطاً، وأزداد حبّاً لكِ. اعلمي يا ماما أنّ روحي بذلك تزداد صلةً بروحك، واعلمي أنّ الحليب الصّناعيّ يضرّ بصحّتي، ويؤذيني، فلا تجلبي لي ما يؤذيني!

ماما: أريد أن أطلب منكِ شيئاً، لكن أرجو ألا تسخري منّي. تعلّمي اللّغة العربيّة، واحرصي على تعلّمها، فإنّها جزءٌ من ديننا. عوّديني على التّحدّث بها منذ صغري، أريد أن أكتسب الفصاحة، كما اكتسبها الأطفال في عهد الصّحابة، لا أريد أن أسمع دوماً حديثكم أمامي بلهجاتٍ عامّيّة، لا أريد أن أكبر لأجد نفسي عاجزاً عن التّحدّث باللّغة العربيّة الفصحى. هل ترضين لفلذة كبدك أن يجد المشقّة في اكتساب لغة عربيّة سليمة؟ لا أظنّ ذلك يا ماما. فأرجوكِ أن تحرصي على سلامة لغتي منذ ولادتي.

ماما: علّميني كتاب ربّي. علّميني حبّ الله، حدّثيني عن نعم الله عزّ وجلّ؛ حتّى أحبّه، وأشكره على نعمه. علّميني حبّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، واحكي لي قصصاً من حياته الشّريفة؛ حتّى أحبّه وأجعله قدوة لي في حياتي.. علّميني الصّدق والأمانة، ودعيني أرى ذلك منكِ قبل أن تعلّميني إيّاه، فإن طلبتِ منّي أن أصدُق، ولم تكوني أنتِ صادقة؛ فلن يفيدني تعليمكِ إيّاي بشيء. فكوني قدوة لي في أفعالكِ، وتصرّفاتك، وتحرّكاتك. ادفعيني إلى أهل العلم منذ طفولتي؛ حتّى أكون كما يحبّ الله، وكما تحبّين أن أكون.

ماما: ربّيني على حبّ فلسطين، وحبّ إخوتي؛ أطفال فلسطين، علّميني حبّ الأرض، وحبّ الوطن، احكي لي عن بطولات المسلمين، علّميني ما تعلّموه حتّى نالوا هذا الشّرف العظيم، وحرّروا فلسطين من أعدائنا، علّميني التّمسّك بالقضيّة، ألا تحبّين أن يجعل الله لي نصيباً في نصر فلسطين؟! إذاً.. فلتغْرسي في نفسي حبّ الجهاد، فلعلّي أكون يوماً صلاح الدّين.

ماما: هل تحبّينني؟؟؟؟؟ ما بكِ لا تجيبين؟! لا تتدلّلي عليّ! يا لكِ من ماما!! أكيد أنتِ تحبّينني! أصلاً أنا أعرف أنّكِ تحبّينني، وسروري عظيمٌ لأنّ ربّي جعلني أغلى عليكِ من مهجتك، لكنّني أحبّ أن أسألكِ هذا السّؤال؛ لتؤكّدي لي هذا الحبّ بلسانك. نعم.. إنّ الله عزّ وجلّ أودع في قلبكِ رحمةً عظيمة لي، وأعطاكِ دافع الأمومة؛ أقوى الدّوافع، وأنتِ تعبّرين لي عن تلك العاطفة بشتّى الوسائل، لكن هل تعرفين يا ماما ما هي أحبّ الوسائل لقلبي لتعبّري بها عن حبّكِ لي؟ إنّها تربيتكِ الصّالحة لصغيركِ الّذي تحبّينه. أنا أسرّ بالقـُبـَل الّتي تنثرينها على خدّيّ كالورود في جمالها، وعطرها، وروعتها، لكنّي لا أتذوّق روعتها بحقّ، إلا عندما تبقين معي في البيت؛ لأتربّى على يديكِ أنتِ. هل تكونين مطمئنّة عندما تذهبين للعمل، وتبتعدين عنّي؟ أيسرّك أن تتركيني وحدي في البيت؛ وأنا لا أطيق فراقكِ للحظات؟! لمن ستتركين تربية ابنكِ عند خروجك كلّ يوم ٍمن البيت؟ هل تحبّين أن تربّيني الخادمة؟ هل تتركينني عند الجيران؟ ألا تخشين أن يحدث سوءٌ في تربيتي يوماً ما؟ كيف ترتاح نفسكِ وأنا غائبٌ عن أنظارك؟! إن كنتِ مضطرّة أشدّ الاضطرار للعمل، فالله يتولّى تربيتي في غيابك، لكن إن لم تكوني مضطرّة، فأريدكِ أن تبقي معي في البيت، أريد أن أنعم بحنانك، وعطفك. أرجوكِ يا ماما! عودي إلى بيتك. أنا لا أطلب منك التّخلّي عن شهادتك، بالعكس ماما! ادرسي، واحصلي على شهادة، وذلك – بلا شكٍّ – سيعينكِ على تربيتي وتعليمي، ولكن لا تجعلي شهادتك العلميّة أهمّ منّي، هناك شهادات كثيرة تتسابق النّساء للحصول عليها، فاحرصي على أن أكون أعلى شهادةٍ تحملينها. إن حرصتِ على ذلك، فأنا سأفيدكِ – إن شاء الله – في الحياة، وأفيدك لما بعد الممات. فصبّي عليّ اهتمامكِ ورعايتكِ صبّاً، ولا يشغلنّكِ عنّي شاغل، ومهما حصّلتِ من شهادات، مهما نلتِ من درجات، فسأبقى أنا أعلى شهادةٍ تحملينها، وسأظلّ أرقى درجةٍ ترتقين من خلالها إلى رضا الله، ومرضاته، وتصلين بها إلى الفوز بنعيمه وجنّاته.

 

نعم يا ماما.. أنا أعلى شهادة تحملينها

فلا تضيّعيني!

 

                          التّوقيع:

                  ابنكِ العزيز على قلبكِ  

                                                  

 

 التعليقات: 3

 مرات القراءة: 2670

 تاريخ النشر: 02/03/2009

2009-03-21

يمنى

إلى كل ماما : إذا أردتِ ألا يرمي بك ابنك في مأوى العجزة عندما تتقدم بك السن ، فاقرئي رسالته جيداً واسعي جاهدة لتطبيقها.

 
2009-03-04

المُحِبَّة لله / جزاكِ الله خيراً.

السّلام عليكم* أختي وصديقتي علا: لم أستغرب أبداً ما عبّرتِ عنه من مشاعر، وما ذكرتِ في هذا التّعليق، فأنا متابعة لما تروينه عن المواقف الّتي تحدث معكِ، والّتي لا يتجلّى لي من خلالها إلا كلّ فهم وحكمة. فأنتِ إحدى الأمّهات اللاّتي فهمن بعمق معنى الآية الكريمة: (({وقرن في بيوتكنّ...})) (33) الأحزاب. ويبدو أنّكِ تسعين باهتمام بالغ لتطبيقها؛ حرصاً على تنفيذ أمر الله عزّ وجلّ، وحرصاً على بيتك وطفلك. والكلمة الّتي نقلتِها لنا على لسان ابنك – حماه الله تعالى – تبيّن أنّ غياب الأمّ عن بيتها - دون ضرورة طبعاً – لا تنعكس نتائجه السّلبيّة على تربية الصّغير فقط، بل إنّ هذا الغياب يسبّب له الألم، ليعبّر بعدها - بطريقة مباشرة أو غير مباشرة - عن حاجته لحضن ماما، ورعايتها، وعطفها، وحنانها، فضلاً عن تربيتها له. أسأل الله أن يكثر من أمثالك، وأن يجعل ابنكِ الصّغير إحدى النّسخ الكثيرة من//صلاح الدّين// والّتي سيتمّ إنجازها قريباً قريباً بإذن الله تعالى*

 
2009-03-03

علا عبد الحميد زيدان

ما هذا يا دعاء ؟؟ ما هذه الرسالة الرائعة التي تحمل كل مافي الحياة من روعة !!!! أتعلمين يا غاليتي تخيلت ابني الصغير يبعث لي بهذه الرسالة ووالله دمعت عيناي من تلك الكلمات المؤثرة وبالمناسبة فكلنا يعلم حجم التعلق الذي يكون من الولد تجاه أمه ، فمنذ مدة ليست بالبعيدة قال لي طفلي : ( انا زعلان منكم بابا بيروح عالشغل وانت بتروحي عالجامعة ) فضممته الى صدري وبينت له سبب غيابنا ومن ذاك الوقت أجلس مع طفلي الصغير أضعاف الوقت الذي أبتعد عنه فيه ، وأسمع بيني وبين ذاتي رسالتك الغالية ... سلمت يداك وفتح الله عليك وأجرى على يديك خيراً .

 

ملاحظة:
الآراء المنشورة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو القائمين عليه، ولذا فالمجال متاح لمناقشة الأفكار الواردة فيها في جو من الاحترام والهدوء ونعتذر عن حذف أي تعليق يتضمن:
1- يحتوي على كلمات غير مهذبة، ولو كانت كلمة واحدة.
2- لايناقش فكرة المقال تحديداً.

 

 556

: - عدد زوار اليوم

7464819

: - عدد الزوار الكلي
[ 65 ] :

- المتصفحون الآن

 


العلامة الشيخ محمد حسن حبنكة الميداني


العربيــة.. وطرائق اكتسـابها..
المؤلف : الدكتور محمد حسان الطيان








 
   

أحسن إظهار 768×1024

 

2006 - 2015 © موقع رسالتي ، جميع الحقوق محفوظة

 

Design & hosting by Magellan