::: موقع رسالتي - رؤية جديدة في الخطاب الإسلامي :::

>> قطوف لغوية

 

 

عيد الحب بين تعاليم الإسلام وأفكار الأدب

بقلم : ليث عُمر عُمر  

خرجتُ ذات يومٍ من منزلي متوجهاً إلى السوق، فوجدت معظم المحلات التجارية وأغلب الفنادق الفخمة وقد زُينت بأكياس هواء حمراء وقد كُتبت عليها عبارات باللغة الأجنبية وقد تحولت إنارة هذه المحلات والفنادق من الإنارة البيضاء ذات السطوع إلى إنارة حمراء خافتة، فعندما قرأت تلك العبارات ورأيت هذه الألوان ظنتُ أني أمشي في شارع من شوارع المدن الأوربية، وقلت لنفسي ممازحاً إياها لربما الأرض وهي تدور حول الشمس قد عَلِق شارع من شوارع البلاد الأوربية والأجنبية في أرضنا لشدة إعجاب تلك البلاد بحضارتنا، أو لشدة إعجابنا بتلك البلاد وتمسكنا بها «توحد الإعجاب فاستُشكل الأمر»، وسألتُ نفسي ما الأمر؟ ولم هذه الزينة؟ ولماذا اللون الأحمر حصرياً؟ وما إن انتهيت من هذه الأسئلة حتى وصلتني رسالة إلى الهاتف المحمول تقول: بمناسبة عيد الحب اتصل على الرقم «.....» لتحصل على رسالة تهديها لمن تحب فعلمت أن هذه الأيام أيامُ عيد الحب، وأن هذه الزينة احتفالاً بقدومه، وسألتني نفسي: ولكن ما علاقة اللون الأحمر بهذه المناسبة؟ هل لأن أيام الليالي الحمراء قد عادت وهذا دليلها؟ أم أن الحياء قد ذُبح وهذه دماؤه ملطخة هنا وهناك؟! نعم: إن من يرى حال تلك الفتيات وأولئك الشبان الذين يحتفلون في يوم عيد الحب فسيجزم بأن الليالي الحمراء قد عادت، ومن يطلع على أفعالهم في ذلك اليوم فسيحكم بأن الحياء قد ذُبح، وكيف لا؟ وأغلب الفتيات اللواتي يحتفلن في ذلك اليوم – إن لم يكن كل يوم – حالهن لا يشبه إلا حالة ولاّدة جارية المستكفي، وكانت جارية ماجنة وقد بلغ بها المجون مبلغاً – كما تروي بعض كتب الأدب – أنها كتبت على طرف ثوبها بيتاً من الشعر تقول فيه:

أُمكن عاشقي من صحن خدٍ                وأمنحُ قُبلتي من يشتهيها

أجل : هذا هو حال أغلب الفتيات في ذلك اليوم بل وأكثر؟...

وهذه هي بعض طقوس الاحتفال في يوم عيد الحب: لقاءُ العشاق في أماكن مطلية باللون الأحمر، وإنارة حمراء خافتة، ويتهادون أزهاراً حمراء، ويتهامسون بكلمات الله أعلم بمضمونها وما تخفي صدورهم أكبر، فما بقي من أيام الليالي الحمراء لم يفعلوه ، ويحهم؟

وليت شعري من قال : إن للحب عيداً، ومن هذا الذي نمّق كلماتٍ كي تقال في هذه المناسبة؟ ليس للحب لغة معينة ولا للتعبير عن الإعجاب مفردات معروفة؟ نظرةٌ واحدةٌ بين عاشقين تعجز كل لغات العالم عن ترجمتها، ولا يفهمها إلا من كان عالماً بلغة المُقل.

أشارت بالطرف خيفة أهلها                    إشارةَ محزونٍ ولم تتكلمِ

فأيقنت أن الطرفَ قال مرحباً               وأهلاً وسهلاً بالحبيب المُتيمِ

 

ولعمري هذا هو الحب وإلا فلا، نظرات ذات حياءٍ وابتسامات بريئة، وكلماتٌ عفوية لطيفة، وقبل هذا كله: نفوس نزيهة.

ولئن كان من معان العيد البهجة والسرور فأي سرور يغمر النفس عند رؤية الحبيب حتى ولو دام ساعات طوال؟ فكل لحظة فيها سرور لا كالتي قبلها ولا هذه تشبه التي بعدها، وما هذا الخفقان الذي ينتاب القلب عند دنو المعشوق؟ بلى عند دنو الحبيب ورؤيته تشرق على الوجه ابتسامة – كما قال الرافعي – تظن أن قلبه يرتعش في عضلات وجهه !.

فلا تصدقوا أن للحب عيداً وأن للهوى كلمات ذات تمجيد، وما عيد الحب هذا إلا سبيلاً لتسهيل الخلاعة والمجون، ولا يؤلمنكم قولهم عنا: إننا أناس متخلفون متحجرون، فالرد عليهم كما قال الأديب علي الطنطاوي – رحمه الله تعالى - «لئن كنا جامدون فإنهم والله مائعون، والجامد يستقر ويتماسك أما المائع فيسيل ويضيع!».

وأنا لا أنكر الحب ، ولا أنكر أن القلب يهوى، ولكني أنكر  الحب الذي يكون من أجل قضاء شهوة وإشباع لذة جنسية، ورحم الله الأديب والكاتب الكبير مصطفى المنفلوطي إذ قال في إحدى أجزاء نظراته: «والحب أسمى من أن يكون الهدف منه شفاهٌ تقبل أو قطعة جلد تُلمس».

والإسلام لم يكن في يوم من الأيام محارباً للحب وأهله، بل وسع دائرة الحب حتى شملت حب الطبيعة والجمادات، أما قال عليه الصلاة والسلام : «أُحدٌ منا يحبنا ونحبه»؟ ولكن أيُّ حب ذاك الذي لم يحاربه الإسلام؟ إنه الحب الطاهر في القلب الذي ينبع من المبدأ الشريف للنفس، ولكنه حارب الحب الذي لا يعرف الشرف ولا يحمي الأعراض، ورعى الله أيام زمان، أيام كان الحب مجرد تبادل النظرات والكلمات الشريفة كما قال جميل بثينة إمام الحب العذري يتحدث عن حبه لبثينة فقال:

لا والذي تسجد الجباه له               ما لي دون ثوبها خبر

ولا بفيها ولا همتت به             ما كان إلا الحديث والنظر!

 

والحمداني أبو فراس يتحدث عن حبه الطاهر فيقول في إحدى قصائده :

وكم ليلة خضت الأسنة نحوها              فما هدأت عين ولا نام سامر

فلما خلونا يعلم الله وحده              لقد كرمت نجوى وعفت سائر

وبت يظن الناس في ظنونهم           وثوبي مما يرجم الناس طاهر

      ( النجوى : يعني الحديث . )

 

وهو القائل أيضاً :

وأشرفُ الناس أهل الحب منزلة      وأشرف الحب ما عَفّت سائره

أنا الذي إن صبا أو شفه غزل              فللعفاف وللتقى مآزره

 

هذا هو الحب الذي يلين الحديد ويقرب البعيد وتُهلك دونه النفوس والمُهج، ولا يظنن أحدكم أنني رجل قد بلغتُ من الكبر عتياً فأُملي عليكم خرافات المسنين، ولا أنني ما زلت صغيراً فأقول هذا الكلام جراء براءة الطفولة وميعة الصبا، ولكنني رجل في عنفوان الشباب فأملك قلباً كما تملكون، وأحب كما تحبون، ولقد بُليت بالحب واستعذبت مرارته، وما ذاك انحرافاً في سلوكي أو سوءاً في أخلاقي، ولكن في حالة غفلة عن ضبط بصري رأيتها، ثم حُبست صورتها في مخيلتي ثم أُرسلت هذه الصورة إلى قلبي فأمرني بحبها، وما أذكر إذ ذاك أنني كنت ماجناً خليعاً ولكني جعلت النسيم رسولاً بيني وبينها، وإذ تعذر اللقاء بيننا وطالت مدة حرماني من رؤيتها فإني لم أجد بداً من الخلود إلى النوم، وما ذلك من كسل أو من شدة نعاس ولكن أملاً أن يزورني طيفها في منامي!.

أجل: قل لي بربك وأجبني: إذا ضرب الدهر بينك وبين من تهوى بضرباته واستحال اللقاء بينكما بعدما كان يحلو، راجع نفسك وقتئذٍ  تذكر: هل استيقظت عن حُلمٍ أحلى لك من يوم زارك فيه حبيبك بطيب المنام؟ أنا لا أعلم أبهى من تلك الرؤيا ! ولله درُّ البحتري إذ قال:

إذا ما الكرى أهدى إليّ خياله         شفى قربُه التبريحَ أو نقعَ الصدى
إذا اختلسته من يدي انتباهةٌ   
     حسبتُ حبيبي راحَ مني أو غدى

فلم أرَ مثلينا ولا مثل حالنا             نُعذّب أيقاظاً وننعم هُجّدى

أما التبريح : فهو شدة الألم، وأيّ ألم أشد من هجر الحبيب بعدما اعتادت مآقيك أن تكتحل كل يوم بطلعته البهية؟ وأيُّ طفل ذاك الذي لا يؤلمه الفطام؟!.

ونقع الصدى : يعني : الارتواء بعد العطش، ولكن عن أي عطش يتكلم، لو كان العطش عطش الجسد للماء، فذاك يُروى بشربة ماء، أو ما يقرب منه، ولكن الأمر هنا أدهى وأمر، إنه إوار الروح لرؤية من تهوى وذاك أمر غير ممكن، فما الحل إذن ويلي؟؟.

نعم: إن دعاة الحب كثيرون، ولكن الصادقين في حبهم والمخلصين لأحبابهم قليلون وإن أردتَ دليلاً على صدقهم في حبهم فانظر إليهم، فإن رأيت الشرف مبدأهم والعفةَ تسود حديثهم وجلستهم فاعلم أنهم يملكون أطهر القلوب، ويمشون على أسمى الطرق، وإن رأيت غير ذلك فتيقن أنهم أصحاب نفوس خبيثة ويتخذون الحب سبيلاً لإعطاء نفوسهم هواها وعما قريب تراهم انحدروا في الهاوية.

فيا معشر الشباب: اعرفوا ماذا يعني الحب ؟ وماذا تعني دعواه؟ فإن اللبنة الأساسية لبناء المجتمع الفاضل النقي تبدأ من هنا.

سائلين المولى التوفيق والسداد .

والحمد لله رب العالمين

 التعليقات: 0

 مرات القراءة: 2774

 تاريخ النشر: 05/03/2009

ملاحظة:
الآراء المنشورة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو القائمين عليه، ولذا فالمجال متاح لمناقشة الأفكار الواردة فيها في جو من الاحترام والهدوء ونعتذر عن حذف أي تعليق يتضمن:
1- يحتوي على كلمات غير مهذبة، ولو كانت كلمة واحدة.
2- لايناقش فكرة المقال تحديداً.

 

 1460

: - عدد زوار اليوم

7471009

: - عدد الزوار الكلي
[ 68 ] :

- المتصفحون الآن

 


العلامة الشيخ محمد حسن حبنكة الميداني


العربيــة.. وطرائق اكتسـابها..
المؤلف : الدكتور محمد حسان الطيان








 
   

أحسن إظهار 768×1024

 

2006 - 2015 © موقع رسالتي ، جميع الحقوق محفوظة

 

Design & hosting by Magellan