::: موقع رسالتي - رؤية جديدة في الخطاب الإسلامي :::

>> قطوف لغوية

 

 

صباح يوم جديد

بقلم : ليث عمر عمر  

كل حزن يعقبه سرور ، وكل ضيق يعقبه فرج ، كما أن كل ليل يعقبه نهار ! وإن كان لكل شيء بداية ولكل أمر رأس ، فبداية اليوم ورأسه صباح جديد ، هذا الصباح الذي يكون مع شروق الشمس من خلف الجبال والهضاب فترسل الشمس خيوطاً من أشعتها فتختلط ببياض الفجر كما يختلط الذهب ببياض ساعد الحسناء ، ثم يصاحب ذلك الشروق الجميل نسيم ندي لطيف ، فلا يوجد وصف بليغ لهذا المشهد الرائع كوصف الحق سبحانه إذ قال : ﴿ وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ .

        هذا النَفَس الذي يخرج الطيور من أوكارها ، لتحلق في الفضاء وتشدوا ، ويخرج عشاق الطبيعة ليتنشقوا نقاء تلك النسمات اللطيفات ، وإذا بالمؤمنين يعلمون أن الكون كله عبد لله
 فيقولون : أصبحنا وأصبح الملك لله . وبالجملة : فالناس كلهم قد انتهت فترة سباتهم ، فهاهي الأسرَّة تهيأ ، وموائد الإفطار توضع ، ثم تبدأ حركة الحياة ، فالمحال التجارية والمؤسسات الحكومية تفتح من جديد ، وقد اتجه جميع الناس إلى شؤونهم ، ولكن إذا أمعنت النظر والفكر فيهم فستجد قصصاً غريبة واتجاهات متناقضة ، فمن قوم خرجوا من منازلهم وقد لبسوا أحسن الثياب ، ورُسمت البسمة على شفاههم ، وعَلَتْ وجوههم الفرحة لأنهم متهيؤن لاستقبال عزيز عليهم بعد طول غياب ، وآخرين لبسوا ثياب الحزن وانهمرت الدموع من أجفانهم وتقطبت وجوههم من الكآبة لأنهم متوجهون لمواراة غالٍ عليهم تحت التراب !

        وإذا دخلت القصر العدلي ، أو المحكمة الشرعية فتجد فتاة قد أنهت كتابة القران على معشوقها لتبدأ حياتهم الزوجية ، وأخرى كانت قبلها أو هي بعدها قد وافقت على قرار طلاقها من زوجها وتكون بذلك قد انتهت حياتهم الزوجية !

        وكم من رجل حمل فأسه وذهب إلى حقله مبكراً ليقدم للناس الغذاء والثمر ، وغيره في الوقت ذاته أمسك بيده قلماً ليمد العقول ويرفدها بالفِكَرْ !

        ثم تمشي في الطريق وإذا بك تجد رجلاً لبس ثياباً فاخرة وركب سيارة فخمة ليتوجه إلى عمله الذي يتناسب مع أناقته وفخامته ، فالعمل في مكتب ، المكتب في مبنى ، المبنى في غاية الروعة والجمال فأنعم بها من وظيفة عالية ! وتجد آخر قد ارتدى ملابساً كل شأنها أن تستر جسده وعورته ، ثم توجه إلى مهنته لينـزل تحت الأرض لتبدأ مهمته والتي هي تنقيب الفحم أو تسليك المجاري !.

        فجزى الله خيراً الجميع : العامل أياً كانت مهنته ، والعالم أياً تكن ثقافته – إلا أهل الباطل والضلال – فالكل يجد ويعمل من أجل بناء المجتمع ، إما بناء العقل وإما بناء الجسد ، ولا يستحقرن أحدٌ أحداً ، ولا يحقد بعضنا على بعض ، فأنت أيها الموظف الكبير : لولا ذلك العامل الذي لا تقيم له وزناً لما جلست في مكتبك النظيف ، ولما سكنت في بيتك الفخم ، ولما نعمت بالرفاهية ، وقد ورد عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب t أنه قال : (( لا تسبوا أرباب العمل ، فإنهم يطفؤون الحريق وينقذون الغريق )) .

        ويا أيها الأخ العامل : لا تحقدن على ذلك الموظف ولا تحسده ، فلربما هو الذي وافق على توظيفك في مهنتك التي تسترك ، وصدق الله القائل في محكم تنـزيله : ﴿ أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ [ سورة الزخرف : 32 ] ورحم الله الشاعر إذ قال :

(( الناس للناس من بدو وحاضرة 

بعض لبعض وإن لم يشعروا خدمُ ))

وليضع الكل نصب عينيه قول الحق سبحانه وتعالى : ﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ....

سائلين المولى التوفيق والسداد

والحمد لله رب العالمين

 التعليقات: 0

 مرات القراءة: 2508

 تاريخ النشر: 21/03/2009

ملاحظة:
الآراء المنشورة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو القائمين عليه، ولذا فالمجال متاح لمناقشة الأفكار الواردة فيها في جو من الاحترام والهدوء ونعتذر عن حذف أي تعليق يتضمن:
1- يحتوي على كلمات غير مهذبة، ولو كانت كلمة واحدة.
2- لايناقش فكرة المقال تحديداً.

 

 694

: - عدد زوار اليوم

7469471

: - عدد الزوار الكلي
[ 76 ] :

- المتصفحون الآن

 


العلامة الشيخ محمد حسن حبنكة الميداني


العربيــة.. وطرائق اكتسـابها..
المؤلف : الدكتور محمد حسان الطيان








 
   

أحسن إظهار 768×1024

 

2006 - 2015 © موقع رسالتي ، جميع الحقوق محفوظة

 

Design & hosting by Magellan