::: موقع رسالتي - رؤية جديدة في الخطاب الإسلامي :::

>> مقالات متنوعة

 

 

يثرب من التجمع القبلي إلى المجتمع المدني

بقلم : الباحث سليمان القراري  

بسم الله الرحمن الرحيم

 

مـن فقه السيـرة النبويــة

ـ يثرب من التجمع القبلي إلى المجتمع المدني ـ

 

       الحمد لله كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، والشكر له كما يجب لجزيل نعمائه وكثير ألطافه، والصلاة والسلام على نبيّه ورسوله، محمد بن عبد الله وعلى آله وأصحابه.

      إن الفرد الواحد الذي يرى نفسه أحق الناس بالخيرات، وأولاهم بالمنافع، دون حق مشروع، لا يمكن أن يكون جزءاً مكملاً للمجتمع، بكل ما تحمله العبارة من إشارة. ذلك أن المفهوم الصحيح للمجتمع ـ الذي يُراد به الكيان الإنساني، المحكوم بجملة من الروابط القانونية والأخلاقية، العائدة على أفراده بالمصالح العامة ـ يأبى على مثل هذا الفرد الذي يسير على شريعته الخاصة، إلا بالتكافل مع غيره من الأفراد، والتكامل معهم في بذل الواجبات وتحقيقها، على قدر حيازة الحقوق واكتسابها. وإلا فإن تغييب هذا الفهم عن الأذهان، من شأنه إشاعة مبدأ الفردانية ـ القائم على حب الذات ـ في شتى المجالات: السياسية، والاقتصادية، والثقافية، إلى أن تتلاشى قوائم المجتمع وتنحل شيئاً فشيئاً، ليتحول بعدَها إلى تجمع ليس إلا. وللحيلولة دون تحوُّل المجتمع إلى مثل هذا التجمع الفوضوي، جاء الدين فخاطب الأفراد والجماعات بما يضبط نفوسهم ويُزكيها على التآلف. فسنَّ الحدود الرادعة ولم يقف عندها، وإنما أضاف إليها القيَّم والـمُثل العليا، مُرغِّباً فيها حتى يتم بناء المجتمع على أصول متينة. ذلك أن الفرد العادي ـ باعتباره لبنة واحدة ـ قد لا يستجيب لهذا البناء المنوط به، فيأتي قانون الترهيب كي يجبره على أداء وظيفته البنائية، كذلك الفرد المسؤول قد يتمرد على وظيفته تلك في غفلة من القانون، فتأتي الأخلاق فتجبره على هذه الوظيفة النبيلة كل حين، إلا إذا انعدم عنده الشعور بالمثل العليا لموت أسباب إنسانيته بداخله، حينها يكون هذا الفرد عائقاً لبناء المجتمع، كما هو الحال مع المتمردين على الدين والوطن.

  ولا شك أن الإسلام من أجل وصول أهله إلى الحضارة، نصَّ على بناء الدولة، فأخرج معتنقيه من التجمع القومي القبلي إلى المجتمع الإنساني العالمي، بعدما نشر بينهم الأخلاق الهادفة إلى صهر العصبيات في قالب من المودة والرحمة. والسيرة النبوية تخبرنا بهجرة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى يثرب بعد استفحال كيد المعارضة بمكة في الصد عن الدين الجديد، وفي ظن قريش أن مجتمع يثرب لا يصلح أن يكون منطلقاً للإسلام، لمِا يشهده من انقسام بين طائفتين تمثلتا في الأوس والخزرج، إذ ليس من الهيِّن على من أراد الاعتماد عليه في قيام دعوة ما إلا بإخماد حروبه ونشر السلام بين أهله، وهذا في نظر قريش كان بعيد المنال لما يتطلبه من خبرة في تسخير المال والوقت، لذا فإنها استبعدت ذلك وهي تسد في وجه الرسول الكريم جلَّ الأبواب التي من شأنها احتضان دعوته، ولم تدرك أن الأسباب الخُلقية التي كانت من وراء انقسام مجتمع كمجتمع يثرب، هي نفسها التي وحَّدته وألَّفت بين أهله، وإن كنا نعلم يقيناً أن إرادة الله في تأليف أفراد من قبيل هذا المجتمع كانت نافذة، لكن الطريقة التي نتأسى بها ـ بجانب التسليم بالإرادة الإلهيـة ـ هي إشاعة القيَّم الخلقية في التجمع المراد تأليفه، فهي طريقة كفيلة لضمان العون الإلهي في تأسيس قاعدة عريضة من المجتمعات، كانت بالأمس القريب تجمعات تسودها قوى التناحر. وحين يخبرنا القرآن بقوله تعالى: ﴿لَوْ أَنْفَقْتَ مَا في اَلْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَلَكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ.﴾ [الأنفال:63] نقف عند إشارتين:

الأولى: بيان شدة الفرقة التي كانت بين الأوس والخزرج، إلى درجة أنه لو أُنفقت خيرات الأرض وكنوزها بقصد التأليف بينهم، ما تم ذلك تجاه العصبية التي ألبستهم شيَّعاً، والضغينة التي لا يكاد معها يجتمع بينهم قلبان.

والإشارة الثانية: أن الدعوة إلى التأليف بين الأوس والخزرج تكمن وراء الماديات، إذ ليس للأموال سبيل إلى ذلك، ومثل هذا المجتمع لا شك أنه جدير بأن يكون منطلق الدولة الإسلامية، ومثله مثل قوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُزجِي سَحَاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ، ثُمَّ يَجْعَلَهُ رُكَاماً، فَتَرَى اَلْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلاَلِهِ﴾ [النور:43] وقد جاء المطرُ بما يحمله من معاني الحياة، إثر تآلُفِ سحابه وتراكمه، كذلك تآلف اليثربيين وتوحدهم تمخَّض عنه ظهور معاني السيادة والمكانة في الدنيا.

    وما دامت القيَم المعنوية من أخلاق حسنة ومثل عليا هي الرابط الذي جعله الله تعالى ناسجاً لمجتمع المدينة لا المصالح المادية، فإن الضامن لاستمراريته عدمُ تعلُّق قلوب أفراده بالدنيا ـ باعتبارها محل الماديات ـ لما في هذا التعلق من تفرقة تنبعث من طبيعة المادة المتفرقة، وإنما يكون تعلقها بالآخرة لِما تدعو إليه من فضائل موصلة إلى الوحدة والقوة والسيادة، وقد قال تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا، وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ، فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخِوَاناً﴾ [آل عمران:103] وتذكير الأنصار بفضل نعمة التآلف بينهم، بعد حثِّهم على الاعتصام بكتابه تعالى وتجنب التفرقة، دليل على أن التمسك بالدين وعدم الخوض في أسباب الفرقة من شروط هذه النعمة، وأن جريانها جاء مشروطاً بجريان شروطها، وهو ما يفسر لنا قوله تعالى:﴿ إِنَّ اَللهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾[الرعد:11] والذي يمكن استفادته هو أن مجتمع المدينة كان ولازال مثالاً يُقتدى به في قيام دولة قوية في بضع سنين، وقد كان بالأمس تجمعاً للعصبية وموقعاً للتنازع بين القبائل.

    أما اليهود ـ فعلى خلاف قريش ـ كانوا مدركين أن الأوس والخزرج لا يجتمعان أو يفترقان على الأمور المادية، وإنما على معاني الفخر بالأنساب والانتقام للشرف والعِرض... فبعدما زالت شوكة هؤلاء اليهود في يثرب بمقدم الأوس والخزرج، دبَّروا أمر خلافهم بشحن العصبية بينهم، لما لها من تأثير في تفريق مجتمع يقوم على عقيدة العصبية، والتاريخ يخبرنا بأشد نزاع ثار بينهم كان لليهود يد فيه، وقد تمثل في وقعة حاطب المعروفة، وإن غابت عنا تفاصيل اليهود في المكر وقتها، فإن تجربتهم اليوم في شن النزاع والشقاق بين الجماعات معروفة، وهي تجربة تاريخية لا تتبدل. ودليلنا عليه أن رجلاً من اليهود حاول الإغراء بين الأوس والخزرج، بعدما غاضه ما رأى من جماعتهم وألفتهم على الإسلام، بعد الذي كان بينهم من عداوة في الجاهلية، فأمر غيره من اليهود بمجالستهم وتذكيرهم بأشعار الفخر بالأنساب، فتنازعوا وهمَّ كل منهم إلى حمل السلاح، إلى أن بلغ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ خبرهم، فخرج إليهم فيمن معه من المهاجرين فقال: ((يَا مَعْشَرَ اَلْمُسْلِمِينَ الله الله، أَبِدَعْوَى اَلْجَاهِلِيَّةِ وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ، بَعْدَ إِذْ هَدَاكُمْ اَللهُ إِلى اَلْإِسْلَامِ، وَأَكْرَمَكُمْ بِهِ، وَقَطَعَ بهِ عَنْكُمْ أَمْرَ اَلْجَاهِلِيَّةِ، وَاْسَتَنْقَذَكُمْ بِهِ مِنَ اَلْكُفْرِ، وَأَلَّفَ بِهِ بَيْنَكُمْ، تَرْجِعُونَ إِلَى مَا كُنْتُمْ عَلَيْهِ كُفَاراً.)) [الطبري في تفسيره جامع البيان 4/23 ـ دار الفكر ـ بيروت].

وكثيراً ما كان النبيُّ عليه السلام بعدما حالف بين  الأوس والخزرج يحثُّ المسلمين على القيَّم والمثل العليا حتى تنصهر رواسب الضغينة في قالب من المودة والرحمة. فكانت الأخلاق بمثابة المحرك الأكثر دفعاً للنزاع، والأنفع وقعاً لنسج شبكة من العلاقات الطيبة بين الأفراد المتناحرين.

   ولا شك أن القيَم الخلقية البسيطة كانت سارية قبل البعثة، والذي قام به الدين الحنيف أنه هذَّب منها ما هذَّب، وأكمل بعضها غاية الكمال، ليفرز لنا جملة من الأخلاق الجليلة، التي تضمن لمُتَّصفيها التكامل والتضامن إلى درجة التفاني. والعارفون بأصول المجتمعات يدركون أهمية هذه الأخلاق الجليلة في تآلف الأفراد وانسجام بعضهم ببعض على اختلاف طبقاتهم وتنوع أنسابهم، كما يخبَرون دورها في قيام المجتمعات، خصوصاً عند تحكيم القوانين المنظمة لها. والإسلام لما رغَّب في إشاعة القيَّم والأخلاق الحميدة بين الأفراد، فلأنه أراد بذلك ضمان صيرورة المجتمع الإسلامي وصلاحيته لحق الاستخلاف في الأرض.

ثم لما كانت الأنفس مجبولة على حب الذات، راح الإسلام من أجل وصول أمته إلى الكمال الاجتماعي يرغب الأفراد في الخُلق الكريم كل حين، إذ بمجرد تراخي الأفراد عن مزاولة الأخلاق تبلى نفوسهم وتضمحل، بل وتنتهي إلى مرحلة الانحلال الأخلاقي، فيتعرض المجتمع للزوال لما يؤول إليه من تجمع لا رابط بين أفراده إلا المصلحة الخاصة، التي تُترجم في شتى المجالات الحياتية على أنها حق فردي.

والناظر إلى المجال الاقتصادي ـ مثلاً ـ يجد الرأسمالية في ظل العولمة قد أفرزت طبقة اجتماعية لم يسبق للتاريخ وأن شهد مثلها، بما آل إليه الفرد منها من ثراء يسد نفقة دولة كاملة. والإسلام لمَّا جعل الحق الفردي في الامتلاك من مبادئ الحرية الاقتصادية، نصَّ على القانون الفردي في الإنفاق ـ على أشكاله الواجبة والمندوبة ـ كي لا تكون دولة بين الأغنياء، ثم سنَّ القوانين الرادعة لضبط الأرباح، فلا يكاد الفرد الواحد يفارق طبقته الاجتماعية فيسمو عنها، إلا وكان القانون الشرعي له مانعاً.

   ولا شك أن فساد الأخلاق وانحلالها هو السبب المباشر لظهور الأشكال الاقتصادية المحرَّمة، باعتبارها معاملات تقوم على انعدام الشعور بمعاني الإنسانية، وواقع الإنسانية حالياً تسوده تجمُّعات لا مجتمعات حتى في البلدان الأكثر تقدماً من الناحية المادية، وذلك بسبب فشل النظريات الاجتماعية في بناء المجتمع، لما اعتبرته مادة كالمواد يخضع لقوانين التجربة، وتجاهلت الروابط الأخلاقية التي تعتبر أهم شبكة للمجتمع الإنساني، فنتج من ذلك أن ظهر على مسرح الوجود أفراد لا يؤمنون بالأخلاق، نظراً إلى أن كل منهم أخضع إلى المختبر في مراحله الأولى، بغية بناء تجمع من الأشياء الحيَّة، حتى يتم استغلالهم بعيداً عن معاني العدالة والمساواة.

  وهذه القطيعة بين المجتمع والأخلاق، بل بين الإنسان وروحه، هي من رواسب النكسة العلمانية التي أعلن عليها العالم الغربي، فلم تعد مسألة إبعاد الدين وفصله مقتصرة على المجال السياسي، بل مجالات الحياة كلها باتت مهددة بهذا الفصل، فعلماء الاجتماع خصوصاً أنصار الوضعية قنَّنوا لهذه القطيعة بدءاً من الفرد الذي يُعدُّ اللبنة الأولى لبناء المجتمع، فلم تعد المقررات التربوية، والتعليمية، والثقافية، تهدف إلى الأخلاق أو تشير إليها، إلا من وجهة نقدية وبلغة قاذحة.

وهذا الفصل الغريب بين روح المجتمع ومادته، يرجع بالأساس إلى نظرة الوضعيين إلى الإنسان على أنه كائن عضوي ليس إلا، وكل ما يربطه بغيره من الأشخاص يكون كذلك. وأن المعاملات الحسنة البسيطة تبقى رهينة هذه الوظيفة العضوية لا تتعداها، وبالمقدار الذي تخدم به جهات معينة كي تضمن لها السيطرة على دواليب القيادة. فإذا كانت نظرية «الوضعية» "لأوجست كونت" قد قامت على محاكاة العلوم الطبيعة في محاولةٍ لدراسة الظاهرة الاجتماعية، فإن نظرية «الوضعية الجديدة» اليوم ـ المحافظة للنظام الرأسمالي ـ ما هي إلا مزيجٌ من «غائية» ميكيافيللي و«وضعية» إيميل دور كايم، فالأولى جاءت كمحاولة تبريرية لفساد الوسيلة من أجل صلاح الغاية، والثانية جاءت لتماثل بين المجتمع الإنساني والكائن العضوي على أساس وظيفي. فكما أن حياة الكائن العضوي تعبير عن البناء العضوي ووظائفه، فإن الحياة الاجتماعية هي أيضاً تعبير وظيفي عن البناء الاجتماعي. وعند التدقيق نجد هذه النظرية الاجتماعية ـ الوضعية الجديدة ـ في دراستها للظاهرة الاجتماعية إنما أرادت تجنيد نفسها للدفاع عن النظام السلطوي القائم، وتتضح نزعتها المحافظة أكثر حين نجدها تبجل النظم السياسية والاقتصادية القائمة، وتدعي لها حتمية ثابتة. والمطلع على الاتجاهات البنائية الوظيفية الحديثة ـ على اختلاف روادها ـ يراها تتفق على إخضاع الشعوب للسلطة التي لها صلاحية سن القوانين وضبط الخارجين عليها [اتجاهات نظرية في علم الاجتماع ص: 114 سلسلة عالم المعرفة عدد 44-1981] بمعنى أن النظام هو من له الحق في وضع قاموس للقوانين والقيَّم. ونحن نرى كيف أن شعارات الحداثة من حق ومساواة وحرية وعدالة، تنطبق من حيث المنطوق على القيم الخلقية السامية، أما من حيث المفهوم فإنها دعايات جوفاء تروَّج بين المجتمعات بهدف الوصول إلى الربح الاقتصادي ثم إلى التبعية السياسية. والناظر إلى خريطة العالم اليوم يراها قد اتخذت أشكالاً غير الذي كانت عليه بالأمس القريب، وكأن الذي عجزت عنه معسكرات الاستعمار تمكنت منه شعارات الانفتاح، بما تسوِّقه من مفاهيم غريبة عن المجتمع الحديث، توحي بقيام دول حديثة يسودها تجمع من الأشياء لا مجتمع من الأحياء، وأن العالم الإسلامي بما يمتاز به من قيَم ومثل عليا، بدأ يتقزم بعد تدفق أفكار الحداثة وما بعدها إليه، والغرض من ذلك قطع الصلة بين الإنسان وإنسانيته، لأجل صناعة الولاء التام لإيديولوجية معينة تُعِد لغزو على أوسع نطاق.

    وها نحن نرى التاريخ الإسلامي قد وقف على نهاية مجتمعه عند حقبة زمنية معينة ولم يتعداها، وذلك إثر تغييب الأسس المتينة للمجتمع عن المزاولة، وعلى رأسها القيم الأخلاقية، ليحل محل المجتمع المسلم تجمعات من المسلمين هنا وهناك، والذين يعتبرون ـ في اعتقادي ـ البذرة الأم لقيام المجتمع الإسلامي من جديد، إن هي استغلت عملية البذر أحسن استغلال، بعيداً عن نظريات تبجيل «الأنا» كالعنصرية والقومية والحزبية... واعتماداً على شعار الاتحاد الإسلامي على اختلاف المذاهب، واللغات، والأجناس، والطبقات. ولا يمكن حدوث مثل هذا إلا بالتربية على نكران الذات، وتفعيل الخُلق الجليل في النفوس المؤمنة. ولنا في مجتمع المدينة الأسوة الحسنة لما آل إليه أفراده من عزة وكرامة في الدنيا، وجنة ورضوان في الآخرة. أمَّا إن ابتغينا غير سبيلهم نجاة، وأعرضنا عن طريقتهم إعراضاً، فما امتثلنا وصية ربِّنا حين قال: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ، وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ، ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ.﴾ [الأنعام: 153] فالصراط المستقيم تجد سالكه على بينة من خطواته، فلا يكاد يقطع سبيله عارض إلا وقد هيأ لمجانبته عن بعد، أما السُّبل المعوجة فلا يأمن سالكوها الوقوع في حفرة من حفرها. ولا شك أن الحلول المستوردة حين أظهرت التجارب خيبتها، فلأجل اعوجاجها، ولو كان فيها خير لما طمع أصحابها في خيراتنا، فلم يبق لنا إلا الرجوع إلى الكتاب والسنة، والبحث فيهما عن الحلول الصحيحة، حتى نحفظ لأجيالنا حقهم في الوجود والعزة والكرامة.

 

 بقلم:   سليمان بن الحسن القـراري، باحث في الفكر الإسلامي.

دبلوم الدراسات المعمقة في الدراسات الإسلامية من جامعة محمد الأول المغربية

تخصص الفكر العقدي وعلاقته بالعلوم الشرعية

 التعليقات: 0

 مرات القراءة: 3572

 تاريخ النشر: 21/04/2009

ملاحظة:
الآراء المنشورة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو القائمين عليه، ولذا فالمجال متاح لمناقشة الأفكار الواردة فيها في جو من الاحترام والهدوء ونعتذر عن حذف أي تعليق يتضمن:
1- يحتوي على كلمات غير مهذبة، ولو كانت كلمة واحدة.
2- لايناقش فكرة المقال تحديداً.

 

 611

: - عدد زوار اليوم

7458669

: - عدد الزوار الكلي
[ 37 ] :

- المتصفحون الآن

 


العلامة الشيخ محمد حسن حبنكة الميداني


العربيــة.. وطرائق اكتسـابها..
المؤلف : الدكتور محمد حسان الطيان








 
   

أحسن إظهار 768×1024

 

2006 - 2015 © موقع رسالتي ، جميع الحقوق محفوظة

 

Design & hosting by Magellan