::: موقع رسالتي - رؤية جديدة في الخطاب الإسلامي :::

>> قطوف لغوية

 

 

نساء للبيع !!!

بقلم : د. أحمد الفاضل  

 

  ليس بمستغرب ولا بمستنكر أن ترى كلباً أو كلاباً تنبح وتهر، فما شأن الكلاب إلا النباح والهرير، وما شأن الإبل إلا الرُّغاء، وما شأن الضأن إلا الثغاء وهكذا دواليك.. لكن أن ترى رأيَ العين بشراً ممَّن لهم عقول وألباب ينبحون ويهرون، هو – والله – الغريب كل الغرابة، والعجيب كل العجب، وهو النكارة عينها..

  هذا المستنكر، هو ما أبصرته في الأمس القريب، رأيت ثلة من الشبان من غير هذه البلاد، يركبون سيارة فاخرة – وكل واحد منهم امتطاه شيطانُ شهوته حماراً ذلولاً إلى غايته – قد جمعوا ضروباً من الخَطَل والتُّرهات والسمادير والألاعيب والنَّزق واللَّكاعة والهَوَج والخُباط...

  هؤلاء كان لهم فحيحٌ وكَشيشٌ وضُباح ونُباحٌ عندما آنست أعينهم فتاة غراء غيداء بَهْكَنة (كما يقول طرفة أي : شابة غضة ) أو هِرْكُولة (كما يقول الأعشى، أي : حسنة الجسم والخَلْق والمشية) – في حافلة أخرى كانت مصاقبة لهم، تنتظر أن تغمزها إشارة المرور بعينها الخضراء، لتسير متابعة سبيلها..

  أنا أعلم أنَّ الذين يرتعون في أودية الجهل والغَواية والحماقة عندما يرون فتاة كهذه التي نعتها لكم، يفترُّ ثغر كل واحد منهم عن ابتسامة عريضة، تخفي وراءها أنياب الثعالب الماكرة الخادعة لكنّ هؤلاء شذّوا، فكان منهم هذا الأمر العُجاب، وقديماً قالوا : (الأيام حبلى تلد كل عجيبة)...

  ألسنا نظلم الوحوش الضارية حين نشبِّه بها بعض بني آدم لظلمهم وفسادهم وسوء أخلاقهم؟ ولو محَّصنا الأمر، لرأينا أنَّ بعض هذه العجماوات، ربما كان آنس وآمن وأوفى من كثير من المخلوقات الناطقة..

  ألم تسمعوا بقول الشاعر:

عوى الذئبُ فاستأنستُ بالذئب إذ عوى       

                                    وصَوَّتَ إنسـانٌ فكدتُ أطـيرُ!

  إنه يتحدث عن ذلك الإنسان الذي خلع ثوب آدميته وإنسانيته فغدا أشد فتكاً وضراوة من الذئاب والوحوش في آجامها..

  ولعله طرق سمعكم أيضاً اسم الشنفرى وقصيدته الفريدة التي سُميت (لامية العرب) وهاكم بعض أبياتها:

أقيموا بني قومي صدور مطيكم                     فإني إلى قومٍ سواكم لأَمْيَلُ

ولي دونكم أهلونَ سِيْدٌ عَمَلَّسٌ                 وأرْقَطُ ذُهلولٌ وعَرْفَاءُ جَيْأَلُ

هُمُ الرهط لا مستودعُ السر شائعٌ             لديهم ولا الجاني بما جرَّ يُخْذَلُ

  إنه يقول : إنني قد تحولت إلى قوم غير قومي، هم الأهل الصادقون عندي ويذكر منهم:

السيد العملس أي: الذئب القوي، والأرقط الذهلول أي: النمر الأملس، والجيأل العرفاء أي: الضبع الكثير شعر الرقبة..

وإني لأحسب أن بعض القراء الكرام يقول: مالنا وللشنفرى وشعره الذي لا يكاد يُقرأ، بَلْهَ الفهم وإدراك المعاني (أي دع) ؟!

  أعدنا السيرة الأولى، سيرة أولئك الشبان الذين سال لعابُ قلمك بذكرهم أولاً، ما شأنهم؟

  أعود – والعود أحمد كما قالوا في المثل – فأقول: لقد بدت القِحَةُ من المذكورين على أشُدها عندما فغر قائدهم – لا كان – أَهْرَت الشدق كالح الأنياب (أريد فماً) لو رأيته توهمته باباً من النار يفتح، وقال لسائق السيارة التي تُقِلُّ الفتاة: هل تبيعونها؟!

  وطفق يمضغ ويلوك ويجتر هذه الكلمة الآسنة، ثم يقيئها حتى فاخت ( لا فاحت) من فمه رائحة نتنةٌ كفسو الظَّربان، زُكمت منها الأنوف!

  نساءُ للبيع؟! هل عاد عهد الرقيق البائد؟! ما أقبح الدراهم والدنانير حين تمد أعناقها وتتراقص بأيدي رعاع طَغَام، سكروا من دِنان الجهل والغَواية حتى الثُّمالة، وما أجملها حين تقع في أكف كرام، يبذلونها في خير أو معروف أو قِرىً، وحالهم يقول:

إنا إذا اجتمعت يوماً دراهمُنا           ظلَّت إلى طُرُق المعروف تستبقُ

لا يألف الدرهمُ المضروبُ صُرَّتنا         لكنْ يمر عليها وهو منطلقُ

  فما أبعد الفرق بين الحالين! حال من أَسَفَّ وأخلد إلى الأرض حتى لعق الثرى بخرطومه، وحال من سما وعلا إلى أن عانق الثريا، ثمَّ تربع فوقها..

  أيظن أولئك أن القناطير المقنطرة التي غرقوا في حمتها الآجنة ولَغَبُوا في جمعها وتكثيرها ولَهِثُوا، وتحلَّبت أرياقم لمرآها، هي غايةُ ما تنتهي إليه الآمال، ومحط أفئدة الرجال؟.. أيحسبون أن أموالهم وكنوزهم تمكِّن لهم في الأرض، فيتصرفون فيها كما يشاؤون وتكون أزِمَّة الأمور بأيديهم كما كان أسلافهم الذين أُورثوا الأرض، ودانت لهم الدنيا بحذافيرها..

  لو كان الأمر كما يتوهم هؤلاء، لأضحت هذه الأمة التي يَعْتَزُونَ إليها بأسمائهم أعزَّ أمة وأقواها وأمنعها؛ لأنَّ الكنوز والخيرات التي تمتلكها في أحشاء أرضها وفيرة غزيرة، ليس نجدها عند غيرها.

  لكن هذه الأمة، تُسقى كل يوم كؤوس الذل والهوان المترعة، وتُسام الخسف، وتتلقى الصفع كل غدوٍ ومساء.. فما أغنى المال عنها ولا نفعها، فهي غنية لكنها فقيرة بغناها، وهي كثيرة لكنها قليلة بكثرتها، وهي قوية لكنها ضعيفة بقوتها! فا عجب لغني فقير، وكثير قليل، وقوي ضعيف!

  ثم كيف يجود هؤلاء بما في أيديهم في غير طاعة الله تعالى، ويضنُّون على إخوة لهم عضَّهم الجوع بنابه، وأضناهم الوَصَبُ بعذابه؟

  فكم من مشرد ومسكين وذي مسغبة وذي متربة في فلسطين والصومال والبوسنة والشيشان وغيرها من البلاد الإسلامية التي سوَّرتها الرزايا والنوائب، ونهشتها أنياب الفاقة والفقر، وأدمتها مخالب الأعداء المتربصين الحاقدين..

أنى اتجهت إلى الإسلام في بلدٍ             تجدْه كالطير مقصوصاً جناحاه

  وخَطبٌ آخر – وهو ثالثة الأثافي – إن كان هؤلاء قد ألقوا أَعِنَّةَ عقولهم وأمورهم لشهواتهم وغرائزهم الساقطة، فما كان أجدرهم أن يروموا بلاداً غير هذه البلاد..

  ألا يسوؤهم أن يولوا وجوههم شطر بلد تضم بين ضلوعها خالداً وعماراً وبلالاً وصلاح الدين (رجالٌ صدقوا ما عاهدوا الله عليه)..، رجال عقم معينُ الزمان أن يَرْعُف بمثلهم وعلى طرازهم .

  بلدة كانت بالأمس الغابر تضرب إليها أكباد الإبل لطلب المعالي والخصال الكريمة..

  بلدة تضمَّخ ترابها بأريج دم الشهداء، أتُقصد اليوم لنيل الفواحش ما ظهر منها وما بطن..

  فما أعظم البَون بين العهدين! عهدٌ تألَّق الإيمان والإسلام فيه بين أفراد الأمة، فملكت فصارت تقول غير خائفة ولا هائبة: (إلى نقفور كلب الروم ..) وعهد غاض وغار، فذلَّت وخضعت وغرقت في قيعان الذل والهوان والتخلف حتى قيل في وصفها: الأمة المتخلفة التي ضحكت من جهلها الأممُ، يُشار إليها بيدٍ فتجثم على ركبها مطأطئة الرؤوس، ثم يُشار إليها بأخرى فتنهض واقفة على أقدامها؛ فهي طَوْع البنان، ورهن الإشارة فإنْ اتفق أن تأبَّتْ وامتنعت قليلاً، فما أسرع الوكز واللكم والضرب والصفع الذي تتلقّاه على وجوهها وأدبارها.. ولا أزيد فأقول: إنَّ الطِّوَل أو الطُّوَال (أي الحبل) تُطوَّق به الرقاب ثم تجر وتقيد حيث يريدون...! دعِ النعال وحضورها، والسياط وآثارها.. فإن رفعت عقيرتها (أي صوتها) فالكِمام واللِّجام في الأيدي؛ لتُصَرَّ الأفواه...

 

 التعليقات: 4

 مرات القراءة: 2816

 تاريخ النشر: 30/04/2009

2009-08-18

منال الخطيب

صحيح الكلام بليغ لكنه جميل ويصعب على كثير من البلغاء ان يكتبوا مثله, والعجيب فيه أنه جمع بين قصة واقعية وبين هذه العبارات والألفاظ القوية الصعبة, وهذا عجيب في كتابة القصة, لأن المعروف فيها البساطة والسهولة

 
2009-07-04

osama

الموضوع جد جميل لكن الألفاظ الواردة فيه قد اقتبست من فصحى العرب الأوائل وعسيرة على الفهم إلا إذا كان القاموس المحيط أو لسان العرب بين يديك لتهتدي لمعاني الكلمات المبهمة وما أكثرها مع أنني طالب عندك في معهد الفتح ولكم أسمى آيات المحبة

 
2009-05-19

عبير العفاف و الحياء

الموضوع جد جميل يطرح مشكلة في غاية الاهمية لكن مفرداته صعبة تحتاح الى تبسيط اكثر شكرا على مجهوداتكم والرعاية بهذه الامور

 
2009-05-10

عصية الدمع

ما أجمل هذا الكلام يادكتور لكنه بليغ جدا يحتاج الى قاموس باللغة العربيه لفهم معانيه ,

 

ملاحظة:
الآراء المنشورة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو القائمين عليه، ولذا فالمجال متاح لمناقشة الأفكار الواردة فيها في جو من الاحترام والهدوء ونعتذر عن حذف أي تعليق يتضمن:
1- يحتوي على كلمات غير مهذبة، ولو كانت كلمة واحدة.
2- لايناقش فكرة المقال تحديداً.

 

 2087

: - عدد زوار اليوم

7472267

: - عدد الزوار الكلي
[ 82 ] :

- المتصفحون الآن

 


العلامة الشيخ محمد حسن حبنكة الميداني


العربيــة.. وطرائق اكتسـابها..
المؤلف : الدكتور محمد حسان الطيان








 
   

أحسن إظهار 768×1024

 

2006 - 2015 © موقع رسالتي ، جميع الحقوق محفوظة

 

Design & hosting by Magellan