::: موقع رسالتي - رؤية جديدة في الخطاب الإسلامي :::

>> مقالات متنوعة

 

 

الفراغ الروحي(7): الأوهام...

بقلم : الأستاذ عبد الله عبد المؤمن  

 

   كان ولا بد أن نترك الحديث عن أحد مظاهر الفراغ الروحي الأكثر شيوعاً وانتشاراً في حلقة مفردة وموضوع خاص، لأنه في نظري ما ترك هذا المظهر مجالاً من المجالات ولا فرداً ولا جماعة ولا حتى المجتمع ككل  إلا ونال منه بالحظ الوافر وأخذ منه كل مأخذ وأعيا الورى فهم معناه وتشخيص أسبابه ودواه، وما السبب إلا أنه لما فرغ الباطن من ذكر الله تعالى والخوف منه والرجاء فيه تربّع الشيطان على عرش القلب فتحكّم في تدبيره وتسييره وأضلّه بهواه وسخره لجنده وزبانيته وشاعت فيه حرق شبّها الهوى والضرام، ذلكم مظهر:

الأوهام:

  هي الأوهام والوساوس وهي كل ما تُحدث به النفس صاحبها وتوهمه به خصوصاً إذا فقد المرء السياج الشرعي والحصانة الإيمانية القدسية فيصير مرتعاً خصباً لكل ما يوحى إليه من باطل وضلال، وقد صدق الإمام البوصيري رحمه الله بقوله:

وخالف النفس والشيطان واعصهما      وإن هما محضـاك النصح فاتهـم

ولا تطع منهما خصمـا ولا حكما      فأنت تعرف كيد الخصم والحكم

   لكم هي أخي القارئ الكريم جَمّة وكثيرة المواضيع المتعلقة بمظهرية الأوهام، سنرى أن هنالك: الشعوذة، والادعاءات الباطلة لأهل الدجل والتنبؤات المكذوبة،  وأن هنالك الوسواس، وتوهم التباعة من قبل الناس، وأن كل الناس يحسدونك ويبغضونك فيُفقد مع هذا كله الأمل ويحصل ما أشرنا إليه في الحلقة السابقة أي اليأس من صلاح الأحوال، وقد يصير ذلك ظاهراً للعيان  كحال من يكلم نفسه والناس تنظر إليه، أو يميل إلى العزلة والأصابع تشير إليه، أو يدعي ما ليس من بابته ولا لذوي جنسه إما القدرة على حل مشاكل الناس أو علاجهم أو إنقاذهم أو التشريع لهم بالفتوى والاجتهاد أو غير ذلك الذي أسس بنيانه على وهم محدق به يريه الباطل حقاً والحق باطلاً.

      فراغ الأرواح هنا فراغ للعقول من التفكر والتدبر وفراغ للحواس من الاشتغال بالنافع وفراغ للأفئدة، فراغ الظاهر والباطن مما يسهل عملية الاكتساح الوهمي، وهو ما يستدعي الوقوف ملياً أمام أنواع الأوهام المسيطرة والعابثة بالقوى والمدركات الذهنية، ومن ذلك:

  1 ـ أوهام تخيل: وهذا أغلبه مبني على الظن والشك لكنه قد يصير يقيناً على مستوى سلوك بعض الأفراد ممن يتوهمون أن الحساد يحومون حولهم وأن هنالك من يمشي وراءهم وأن الناس لا تحب لهم الخير مما تُفقد معه أواصر المحبة والتي هي كذلك من عناصر الجانب الروحي، لأنه يأتي بعد المدركات الذهنية التي أشرنا إليها سابقاً المدركات الوجدانية وتشمل حب الله وحب رسوله صلى الله عليه وآله وسلم وحبّ أهل الإيمان وهذا ما يفتقد بالوهم التخيلي مما يستدعي خواءً روحياً فيصير الرجل في المجتمع كالمعزول والشاذ وتغيب مقاصدية المحبة والتآخي "المؤمن أخو المؤمن .." "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد..الحديث".

  2 ـ أوهام تنبؤ: وهذا أخطر من الأول ويتعلق غالباً بالادعاءات الباطلة عند العرافين والمشعوذين بادعائهم علاج الأمراض المستعصية و المشاكل الاجتماعية كالعقم والتأخر في الزواج وفك السحر وطرد الأرواح الشريرة وكل ما يتعلق بالتحايل على الناس وجلب أموالهم بأي طريق كان وهذا ما يسيطر على ثلة من أبناء المجتمع مما سهل عملية الاستحواذ حتى على ذوي المكانة العلمية والاجتماعية، فتجد الرجل في كامل قواه العقلية بمستوى علمي رصين يقطع الفيافي والقفار من أجل زيارة دجال أو مشعوذ بحثاً عن المجهول، ولو قمنا بتحليل الظاهرة لوجدنا أن هؤلاء مع معرفتهم قد غلبت عليهم الأمية الدينية فاختلت الحصانة العقدية، وتمسكوا بمبررات واهية ودفاعات نفسية غير سوية ويسمى ذلك علمياً عدم الفعل undoing   ويكون  نتيجة حياد نفسي عن الفطرة يتطاول إلى معرفة الغيبيات والمستقبليات وما يخبئه له اليوم والغد ومشاكل العمل والزواج والمحبة والكراهة... وواقعياً ما يحزّ في النفس هو أن نجد الكل يسأل عن مثل هذه الترهات بل إذا أراد أحدهم أن يُعرّف بنفسه تراه يختم بالكلام عن الأبراج والطالع والفنجان وغير ذلك، وقد التقيت بزمرة من الناس إما عن طريق الصدفة في السفر غالباً ما نتعرف لأول وهلة فيسألني قبل ختام المجلس هل أنت من أهل برج الدلو أو الحوت؟؟؟ ربما نتوافق في كذا ونختلف في كذا؟ وهذا خطأ عقدي شنيع مرده إلى فراغ الأرواح إذ كلنا نشترك في برج الإيمان، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

   ويدخل في صنف الوهم بالتنبؤ جملة من الشيوخ أو الدعاة الذين ينفرون هروباً من ـ مواجهة مشكلة القصور العلمي وعدم دراسة الأحكام الشرعية وعدم التشرب من أبجديات العلوم والمعارف، وحبهم الرياسة والريادة وجمع الأصوات وحشر أكبر عدد ممكن من المريدين والطلبة المغفلين ـ إلى التنبؤ بصلاح أحوالهم، وقد كثر هؤلاء في زماننا وشاع وذاع خبرهم فكل يوم هو في شأن أمام من يدعي المشيخة والصلاح والقطبية فيزعم هذا أنه أخذ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مباشرة، ويزعم آخر أنه التقى بالنبي عليه الصلاة والسلام، ويزعم ذاك أنه صاحب الزمان وكلها هواجس وأوهام، ولكنا أقحمناهم في هذا الموضوع بالذات لنقول إن صلتهم بالفراغ الروحي هي صلة غياب ما يملأ الروح من جمال العلم والمعرفة والحكمة الأثرية فلما غاب ذلك قاموا فرادى وجماعات بادعاءات باطلة وحكّموا الرؤى والمنامات أن سيقع كذا أو سيؤول الأمر إلى كذا وهو الله وحده  ((عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحداً إلا من ارتضى من رسول.. الآية)).

3 ـ أوهام الإحساس والعظمة: وهذه قد تنشأ عند أهل الفكر والمادة وأهل المفاخرة والمكابرة فيُزين الشيطان لهم أعمالهم ويظن أهل الفكر منهم أنهم أتوا بنظريات تقدمية شذوا فيها عن إجماع العلماء ومنهج القدماء ولكنها أوهام إحساس حق نصحهم بقول الله تعالى: ((وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله)) ويظن من غلب حب الدنيا على قلبه وكره لقاء الله والاستعداد له أن العظمة والعزة والجاه هي قراره في حله وترحاله ولكن هو كذلك ضائع في متاهات الوهم وما زال في الباطن خلل علاجه: أن تبحث في القلب فلا تجده إلا هو سبحانه، وسيأتي الحديث عن ذلك في حلقات العلاج فترقبوه قريباً بحول الله.

4 ـ أوهام المرض: هي الأخرى لها حضور قوي من جراء الفراغ الروحي عند إنسان العصر خصوصاً إذا كان المرض مزمناً ومستعصي العلاج كصاحب السكري والسرطان وأمراض القلب وغيرها نسأل الله السلامة والعافية، هؤلاء يتوهمون لضعف إيمانهم وهوان يقينهم أن هذا أمر خارج عن إرادة الإنسان يعجز عنده الطب ويكلّ معه الحكيم ووو... ولكن لا يدرون أن الإنسان ذاته عاجز عن إرادة شيء لنفسه إلا ما شاء الله عز وعلا ((وما تشاؤون إلا أن يشاء الله))، فغابت حقيقة الإيمان من جراء الجهل بأكمل العلوم مصداقاً لقوله تعالى: ((فاعلم أنه لا إله إلا الله)) وبعده الاتباع لرسول الله : ((واعلموا أن فيكم رسول الله)).

   علماً لَدُنيّاً تكسبه بعد عبادة تُعمّر جنانك، وعلم يغمر كيانك، وعبودية تكبح طغيانك، وطاعة تزين إيمانك، وخوف ورجاء يرقي إحسانك، حينذاك لن يعرفك الوهم ولن يقرب مكانك، فتجرد عن كل ما هو فان إن ابتغيت الهدى والأمان، والراحة من نزغات ووساوس الشيطان وإذا سألت فاسأل الله العافية آمين، والحمد لله رب العالمين.

 

 

                                 

 

 

 التعليقات: 0

 مرات القراءة: 4019

 تاريخ النشر: 02/09/2009

ملاحظة:
الآراء المنشورة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو القائمين عليه، ولذا فالمجال متاح لمناقشة الأفكار الواردة فيها في جو من الاحترام والهدوء ونعتذر عن حذف أي تعليق يتضمن:
1- يحتوي على كلمات غير مهذبة، ولو كانت كلمة واحدة.
2- لايناقش فكرة المقال تحديداً.

 

 878

: - عدد زوار اليوم

7469841

: - عدد الزوار الكلي
[ 94 ] :

- المتصفحون الآن

 


العلامة الشيخ محمد حسن حبنكة الميداني


العربيــة.. وطرائق اكتسـابها..
المؤلف : الدكتور محمد حسان الطيان








 
   

أحسن إظهار 768×1024

 

2006 - 2015 © موقع رسالتي ، جميع الحقوق محفوظة

 

Design & hosting by Magellan