::: موقع رسالتي - رؤية جديدة في الخطاب الإسلامي :::

>> كلمة المشرف

 

 

علاقة الترابط بين الدعاء و الصيام ...

بقلم : الشّيخ محمد خير الطرشان "المشرف العام"  

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

ونحن نعيش في هذه الأيام المباركة من العشر الأخير من شهر رمضان، هذه الأيام التي هي أيام التجليات، وليالي البركة، وخاصة أن فيها ليلة مباركة هي ليلة القدر، وهي ليلة خيرٌُ من ألف شهر. ويَجمُل في هذه الليلة أن يتضرع المؤمنون إلى ربهم - سبحانه وتعالى - بالدعاء.

^ علاقة الدعاء بالصيام:

الدعاء له علاقة وثيقة بالصيام؛ فالله - سبحانه وتعالى - حينما تحدث في القرآن الكريم عن الصيام قال:[]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ...[] سورة البقرة (183). ثم قال:[]شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ...[] سورة البقرة (185). قال بعد ذلك على الفور:[]وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ...[] سورة البقرة (186). هناك صلة وثيقة بين الدعاء والصيام، وهي أن الصائم في حالة عبادة لله سبحانه وتعالى، والمتعبّد له أبواب كثيرة يستطيع أن يطرقها ويفتحها. ولعل من أقرب هذه الأبواب، وأقصرها للوصول إلى الله - سبحانه وتعالى - الدعاء.

^ حقيقة الدعاء:

حقيقةُ الدعاءِ إنما هي إظهار الافتقار إلى الله تعالى، والتبرّؤ من الحول والقوة، والاستشعار بالذلّة البشرية، والضعف، والعجز، والفقر، وأن الإنسان لا يملك شيئاً، كما أن فيه معنى من معاني الثناء على الله سبحانه وتعالى، واعتراف العبد بجود مولاه وكرمه. جاء أعرابي إلى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: يا رسول الله! أقريبٌ ربُّنا فنناجيَه؟ أم بعيدٌ فنناديَه؟ فأنزل الله - سبحانه وتعالى - هذه الآية:[]وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ...[] سورة البقرة (186). فهذا القرب هو قرب صلة بالله سبحانه، ومَن مثلُ الصائم قريب من الله تبارك وتعالى؟!

الصائم حينما يمتنع عن طعامه وشرابه، وحينما يكفّ بصره، ويحفظ سمعه، وحينما يصون نفسه عن الوقوع في الإثم، والخطأ، والمنكر، فإنما يتخلّق بأخلاق الله سبحانه وتعالى، والله - سبحانه - من صفاته أنه منزّه عن النقص، ومنزّه عن صفات الخلائق، ومنزّه عن الطعام، والشراب، وغير ذلك... فالمؤمن حينما يمتنع عن الطعام والشراب من الفجر إلى الغروب، ثم بعد ذلك يرتقي روحيّاً بتلاوة القرآن، والأذكار، فإنه بالدعاء يحلّق، ويسمو إلى درجة عالية، يستطيع فيها أن يقول لربه سبحانه وتعالى: اللهم! إن عبدك فلاناًَ قد تضرّع إليك.

إذاً.. الدعاء ضرورة ملحّة لكل مسلم؛ لأنه يتعرف فيه إلى الله سبحانه وتعالى، ويُعرب فيها عن ذله، وضعفه، وافتقاره، والناس جميعاً فقراء إلى الله تعالى، كما قال ربنا سبحانه:[]يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ[] سورة فاطر (15).

والله - سبحانه وتعالى - أمَرنا بالدعاء، وجعل الذي يتكبر على هذه العبادة إنما هو محروم من أن يطرق باباً من أبواب القرب إلى الله سبحانه وتعالى، وقد جاء في الحديث: "ليسألْ أحدُكم ربَّه حاجتَه كلها، حتى شِسْعَ نعله إذا انقطع". صحيح ابن حبان. فلا تتكبّر أن تسأل الله - سبحانه وتعالى - حاجتك، وأن تسأله كلّ ما يشغل الأمة الإسلامية ويعنيها، وخاصة في هذه الأيام المباركة، أيام العشر الأخير من شهر رمضان، هذه الأيام التي يحتاج فيها المؤمن أن يتعرض لنفحات الله سبحانه وتعالى، وخاصة أن فيها ليلة عظيمة مباركة.

^ ضرورة الدعاء لإخواننا في البلاد المحتلة:

في هذه الأيام تعيش الأمة الإسلامية الأسبوع الأخير من شهر رمضان، والمسجد الأقصى يَئِنّ تحت الاغتصاب الإسرائيلي، الاغتصاب القاهر لحقوق شعبنا العربي الإسلامي المضطهَد، بغداد والعراق، والمسلمون المضطهَدون في شرق الأرض وغربها، ما أحوجهم في هذا الأيام والليالي المباركة إلى دعاء الصائمين، وقد جاء عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: "للصائم ثم فطره لدعوة ما ترد". تفسير القرطبي. فهذه هي القدس تستصرخكم، القدس قبلة المسلمين الأولى، صلّى إليها المسلمون ثلاث سنوات قبل هجرة الرسول عليه الصلاة والسلام، وصلّوا إليها ستة عشر شهراً بعد هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم، والقدس أرض الإسراء والمعراج، أسرى الله - سبحانه وتعالى - بنبينا محمد - عليه الصلاة والسلام - من مكة إلى القدس ليقول للعالم كله: إن القيادة الدينية في العالم قد تغيرت من بني إسرائيل إلى بني إسماعيل، إلى الأمة التي هي خير الأمم على الإطلاق، القدس أرض البركات التي بارك الله حولها، وقد قال الله - تعالى - عن سيدنا إبراهيم عليه السلام:[]وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ[] سورة الأنبياء (71). وقال الله - سبحانه وتعالى - عن سيدنا سليمان:[]وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا...[] سورة الأنبياء (81). فالقدس هي أرض البركات، أرض      الرباط، أرض الجهاد، ثالث المدن الإسلامية المعظّمة التي تشدّ الرحال إليها. هي تستصرخكم، وتستنجدكم هذه الأيام أيها المسلمون الصائمون، يا من رقت قلوبكم، ويا من سُكب في قلوبكم الأنس، والرضا، والثقة، والإيمان، واليقين بالله سبحانه وتعالى، وأنتم تمتنعون عن الطعام والشراب، وتحفظون أسماعكم عن اللغو، وأبصاركم عن المحرمات، تتفرّغون بكليتكم إلى الله سبحانه وتعالى، فلنكثر من الدعاء.

^ أطِب مطعمك تكن مستجاب الدعوة:

أختم هذا الحديث بنصيحة مهمة: وهي أن نحرص على لقمة الحلال، وعلى أكل الحلال؛ فالنبي - صلى الله عليه وسلم - خاطب سيدنا سعداً - رضي الله عنه - فقال: "يا سعدُ! أطب مطعمك، تكنْ مستجاب الدعوة". تفسير ابن كثير. وذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث: "الرجل يطيل سفره أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء، يا رب! مطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغُذِّي بالحرام، فأنّى يُستجاب له". إذاً لقمة الحلال من أهم الأسباب التي تدعو إلى قبول الدعاء، والاستجابة له.

^ من أوقات استجابة الدعاء:

أذكّر إخواني القراء أن يغتنموا الأوقات والأزمنة التي هي من الأوقات التي يستجاب فيها الدعاء؛ فمثلاً: يوم الجمعة يوم مبارك، فيه ساعة ما وافقها عبد مؤمن يدعو الله - سبحانه وتعالى - إلا استُجيب له، وجُلّ العلماء على أنها الساعة التي قبل الغروب. هناك وقت التنزل الإلهي في آخر الليل، ينزل الله - تعالى - في الثلث الأخير من الليل إلى السماء الدنيا نزولَ رحمة، وينادي عباده: هل من سائل فأعطيَه؟ هل من داعٍ فأجيبه؟ في أثناء السجود، وأقرب ما يكون العبد إلى ربه وهو ساجد، عند الأذان والإقامة؛ لأنهما من شعائر الله، يقول تعالى:[]ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ[] سورة الحج (32). عند نزول الغيث؛ لأن المطر رحمة، وتنزّل الغيث إنما هو علامة على رحمة السماء للأرض. والمسافر يدعو لأخيه في ظهر الغيب، وقد أخبرنا النبي - عليه الصلاة والسلام - أن المسافر تستجاب دعوته، كما تستجاب دعوة المظلوم التي حذر منها سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقوله: "اتّق دعوة المظلوم، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب". متفق عليه.

^ من أماكن استجابة الدعاء:

من أماكن استجابة الدعاء البقاع المقدسة: مكة المكرمة، والمدينة المنورة، والقدس المعظمة، وخاصة في موقع يقال له الملتزم في مكة المكرمة، وهو ما بين الحجر الأسود إلى باب الكعبة، حيث وقف النبي صلى الله عليه وسلم، وصاحبه عمر رضي الله عنه، فقال له: "يا عمر! ههنا تُسكب العَبَرات". سنن ابن ماجة.

^ دعاء:

أسأل الله - سبحانه وتعالى - أن يجعلنا ممن يستجيب دعاءه، وأن يفرّج عن أمة الإسلام في العراق، وفلسطين، ولبنان، وفي كل مكان في شرق الأرض وغربها، حيث هناك شعوب إسلامية متعطّشة إلى دعواتنا، واستغاثتنا، والتجائنا إلى الله سبحانه وتعالى، عند فطرنا، وفي كل وقت يُستجاب فيه الدعاء، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.

 

 

 

 

 التعليقات: 2

 مرات القراءة: 10013

 تاريخ النشر: 09/09/2009

2009-11-07

امينة

جزاكم الله الف خير ادعو لي ان اتزوج وانستر يا الله زوجني و جميع بنات المسلمين امين وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه الى يوم الدين

 
2009-09-11

ديمة هديب

السلام عليكم : جزاك الله خيرا حضرة المشرف العام على هذا الكلام الرائع الذي استقر في القلوب قبل العقول .. وسبحان الله في رمضان يفتح على الإنسان بالدعاء لنفسه ولأهله ولأحبابه وذلك ببركة الصيام وبروحانية المسلم العالية فيه وقربه من الله تعالى وأعتقد أن دعاء المرء لإخوانه بظهر الغيب من أجل الدعاء وأجمله فهو يقوي أواصر الحب والمودة بين الناس ويشعرهم بالتكافل والأخوة الإسلامية .. وكيف يهنأ المسلمون بإفطار رمضان و بالعيد والمسجد الأقصى يؤتى من تحته وإخواننا في غزة في هذا الوضع المؤلم فقد قرأت أن المرضى منهم ينتظرون الموت والطلاب لا يملكون الدفاتر والأقلام لبدء المدارس ؛ إن أقل ما نقدمه هو الدعاء لهم عند صلاتنا وعند إفطارنا وعند ختمنا للقرآن ... اللهم اكشف عنه السوء وفرج عنهم وعن كل المسلمين ؛ وأعطي كل واحد في هذا الموقع المبارك سؤله في الدنيا والآخرة .. آمين ..

 

ملاحظة:
الآراء المنشورة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو القائمين عليه، ولذا فالمجال متاح لمناقشة الأفكار الواردة فيها في جو من الاحترام والهدوء ونعتذر عن حذف أي تعليق يتضمن:
1- يحتوي على كلمات غير مهذبة، ولو كانت كلمة واحدة.
2- لايناقش فكرة المقال تحديداً.

 

 1200

: - عدد زوار اليوم

7403251

: - عدد الزوار الكلي
[ 67 ] :

- المتصفحون الآن

 


العلامة الشيخ محمد حسن حبنكة الميداني


العربيــة.. وطرائق اكتسـابها..
المؤلف : الدكتور محمد حسان الطيان








 
   

أحسن إظهار 768×1024

 

2006 - 2015 © موقع رسالتي ، جميع الحقوق محفوظة

 

Design & hosting by Magellan