::: موقع رسالتي - رؤية جديدة في الخطاب الإسلامي :::

>> خطب الجمعة

 

 

الأمة المستضعفة ....

بقلم : الشيخ محمد خير الطرشان (المشرف العام)  

بسم الله الرحمن الرحيم

 

^ المقدمة:

 

((الحمد لله، ثم الحمد لله، الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله. يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، سبحانك! لا نحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، يحيي ويميت، وهو على كل شيء قدير، و أشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمداً عبده ورسوله، وصفيه وخليله. اللهم صلِّ وسلم وبارك على هذا النبي الكريم، وعلى آله وصحبه الغر الميامين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين)).

أما بعد: فيا عباد الله! فإني أوصي نفسي وإياكم بتقوى الله تعالى، وأحثكم على طاعته والتمسك بكتابه، والاقتداء بسنة نبيه والسير على منهاجه إلى يوم الدين.

^ ذِكرُ استضعاف فرعون لقوم موسى تثبيتٌ لمستضعَفي اليوم:

يقول ربنا - تبارك وتعالى - في كتابه الكريم:[]إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4) وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ (6)[] سورة القصص.

أيها الإخوة المؤمنون! إن الله - سبحانه وتعالى - افتتح سورة القصص بذكر طائفة من أخبار سيدنا موسى وفرعون عدو الله؛ لتكون هذه الأخبار تثبيتاً لإيمان المؤمنين، ودعماً لمسيرة الدعوة إلى الله تعالى، وذلك من خلال عُلُوِّ فرعون في الأرض، واستكباره، وبطشه، وتفرده بالطغيان. أوليس هو الذي قال: "ما علمت لكم من إله غيري". وادعى الألوهيّة فقال: "أنا ربكم الأعلى"؟ فكانت نتيجةُ هذا الاستكبار استضعافاً لفئة من بني إسرائيل مؤمنةٍ بالله سبحانه وتعالى، ومتّبعةٍ لسيدنا موسى عليه الصلاة والسلام. استضعفهم، واستذلّهم، وقتل أبناءهم، واستحيا نساءهم إذلالاً لهم ومهانة؛ لأنه سمع من المنجمين أن مولوداً سيولد، وسيكون له الغلبة فيما بعد، فخشي من هذا المولود وهو لا يعلم أنه سيتربى في حِجره، ويأكل من طعامه، ثم يكون سبباً في حتفه ونهاية أمره.

أجل أيها الإخوة! هذه الفئة المستضعفة صبرت، واحتسبت، وقاومت راضية بإيمانها بالله سبحانه وتعالى، فكانت النتيجة أنْ منَّ الله عليها بالثبات، والقوة، والغلبة، والسيطرة، والملك، والرياسة تكريماً منه لها، ورد ذلك في قوله تعالى:[]وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ[] سورة القصص (5). لقد جعلهم الله قادة، وأورثهم ملك مصر، وأطراف الشام التي بارك الله فيها وحولها.

^ وقوف بني هاشم مع النبي - عليه الصلاة والسلام - في حصار الشِّعب:

أيها الإخوة المؤمنون! من هذا المنطلق نبدأ حديثنا عما تعانيه أمتنا الإسلامية في هذه الأيام من استضعاف، واستذلال، وحصار في بقاع شتى، وعلى وجه الخصوص في أرض غزة الصامدة. هذا الحصار الذي يذكّرنا بحصار الشِّعْب حيث حوصِر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وحوصر بنو هاشم، وبنو عبد المطلب سنتين من الزمان حتى أكلوا ورق الشجر، لقد حوصروا نتيجة مؤامرة ظالمة دبرها لهم المشركون حينما وجدوا أن دين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم يأخذ بُعدَه في الأرض، ويصبح له مكانه ومكانته. أرادوا أن يكيدوا لبني هاشم، وكتبوا بذلك وثيقة مَفادها ألا يناسبوهم ولا يُنكِحوا فيهم، وألا يُبايعوهم ولا يبيعوا إليهم، وعلّقوا تلك الوثيقة في جوف الكعبة؛ تعظيماً لشأنها، وتصديقاً لمكانتها حتى لا يتجرا أحد على نقضها. فكانت النتيجة أن فئة كثيرة من غير المسلمين المؤمنين انضمّوا إلى سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه رضوان الله عليهم، إنها فئة عمومة النبي عليه الصلاة والسلام؛ أقاربه، وأرحامه، وبنو هاشم، وبنو عبد المطلب. تركوا قومهم ودينهم، ولحقوا بالنبي عليه الصلاة والسلام، واختاروا أن يكونوا معه ليعطونا بذلك درساً عظيماً، حينما تشتد الأزمات، وتكثر المحن والبلايا، ويشتد الحصار فإن المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يُسلِمه، ولا يحقره، ولا يقتله. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه". صحيح مسلم. ويقول تعالى:[]وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ...[] سورة آل عمران (103). هذه المعاني كلها تبرز إلى الواجهة حينما نرى أن فئة من إخواننا المؤمنين يُستضعَفون في الأرض، ويُسستَذَلون، ويحاصَرون. وإن الواجب علينا نحن - أمةَ العرب والإسلام - أن نقف إلى جانبهم، ونؤيدهم، ونشاركهم، ونشاطرهم كل أمورهم. فإذا كان العرب الجاهليون غير المسلمين قد وقفوا إلى جانب النبي - صلى الله عليه وسلم - في السنوات العجاف، شديدة الجوع والعطش، فإن الأولى بأبناء الإسلام أن يقفوا إلى جانب إخوانهم. والله - سبحانه وتعالى - يقول:[]إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ...[] سورة الحجرات (10).

^ ثبات المؤمنين رغم شدة العذاب الذي لاقوه في حصار الشِّعب:

أيها الإخوة المؤمنون! حوصر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في شِعب أبي طالب مع أصحابه سنتين كاملتين، وقد تعرض المسلمون في هاتين السنتين لأنواع من الجوع، حتى أن كتب السيرة تروي أن سيدنا سعد بن أبي وقاص - رضي الله تعالى عنه - يقول من جملة ما يقول: إنه خرج ذات يوم في الحصار لقضاء حاجته، فإذا به يسمع تحت قدميه قعقعة، فيمسك بها، فإذا هي جلدة من جلود الإبل، فيأخذها، ويغسلها، ويجففها، ثم يطحنها ويأكلها، ويبقى عليها ثلاثة أيام، ثلاثة أيام على جلد يلبس لا خير فيه. ومع ذلك صبروا، وما أخرجهم ذلك عن دينهم أبدا، وما صرفهم عن نصرة النبي صلى الله عليه وسلم.

^ أين بنو هاشم اليـوم؟؟؟

وأما واقع المسلمين والعرب اليوم.. ونحن نمر بأزمة خطيرة تلاحق إخوتنا في غزة الصامدة. ماذا فعل المسلمون من أجلهم؟ نعم. لقد استنكرنا وأدَنّا ما يكفي من خطاب، لكن هذه الخطب، وتلك الكلمات لم تعد كافية، ولا تستطيع أن توقف الفوضى، ولا أن تقدم للمحتاجين الوقود، أو الدواء، أو الغذاء... ماذا يفعل المريض الذي قطعت عنه الكهرباء في المشفى، وهو يحتاج إلى تنفس اصطناعي؟ واللهِ لو استطاع أعداؤنا أن يقطعوا عنا الهواء الطبيعي لما قصّروا، لكنه ليس في أيديهم. ماذا فعلت بلادنا الإسلامية للوقوف أمام هذه الأزمة التي تتهدّد مليوناً ونصفَ المليون من المسلمين؟

ألا نتذكّر حصار الشّعب؟ صبرَ المسلمين وجهادَهم؟ وقوفَ بني هاشم إلى جانب النبي صلى الله عليه وسلم؟ أين أبناءُ بني هاشم في زماننا؟؟؟ وأين أبناء العروبة حينما نقرأ أن إحدى المدن العربية استضافت في أزمة الحصار مغنّياً بريطانياً رمزاً للشذوذ في العالم، الذي احتفل قبل عام بزواجه من صديقه؟؟ "إنتون جون" مغنٍّ بريطاني مشهور لدى الشاذّين في العالم تستضيفه مدينة عربية، ذات مال وثراء لساعتين بـ (مليون وتسعمئة ألف دولار). هذا ما نقلته صحيفة الحياة، ومواقع الإنترنت. يخرج هذا المغني من صالة الغناء إلى المطار، ويتبعه أربعة عشر ألفاً يقولون له: لا ترحل! عد إلينا!! هذا ما فعلته إحدى مدننا العربية في أسبوع الحصار الخامس، حينما كانت غزة تعيش تحت الظلام. مدن أخرى ليست متفرغة لأزمة غزة، بل هي متفرغة لكأس الأمم الإفريقية، ولاستقدام فرق أوروبية تدفع لها مئات الملايين لتلعب بالكرة ساعة أو نصف ساعة، ويستمتع أبناؤها بهذه الأقدام الذهبية.

^ ما أحوجنا إلى ثقافة حصار الشِّعب:

أيها الإخوة المؤمنون! حينما نرى واقع المسلمين وبعض البلاد والمدن العربية في هذا التراجع يحق لنا أن نقول: ما أحوجنا إلى ثقافة حصار الشعب في مكة المكرمة، وأن نستلهم منه روح التعاون والمودة، وجوانب الوقوف والصبر والمصابرة. وإذا كان البعض منا ينظر إلى الحصار في غزة على أنه جانب مظلم أو سلبي يتعرض له إخوتنا، فلْنعلمْ أن هناك جانباً آخر مشرقاً ومضيئاً يلمع في أبناء الحصار، وهو أنهم فئة قليلة صبرت، وصابرت، واستُضعفت، وتحملت، والتجأت إلى الله سبحانه وتعالى، لتكون النتيجة في المستقبل - إن شاء الله - كما كانت لبني إسرائيل؛ تمكيناً في الأرض، وعلواً، ونصراً على فرعون. وستكون نتيجة هذا الصبر وهذا الحصار نصراً للمسلمين أجمعين، وفتحاً قريباً إن شاء الله. ونحن مأمورون أن نستبشر دائماً، فسيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - كان منهجه في الحياة: "بشّروا ولا تنفّروا، ويسّروا ولا تعسّروا". صحيح مسلم.  إذا كانت هناك دعوة لتجديد الخطاب الديني، فينبغي أن تقوم على هذا الأساس؛ أساس التبشير وفتح الآفاق على الناس، لا التضييق عليهم وحصرهم حينما تشتد الأزمات.

^ دعوة لنصرة إخواننا المستضعفين والوقوف إلى جانبهم:

أيها الإخوة المؤمنون! إنها دعوة لجميع المسلمين أن يعيشوا حالة إخوانهم، فيناصروهم قلباً وقالباً، يداً، ومالاً، شعراً، ونثراً، وكتابات، ومواقف تدل على أننا نعيش آلامهم، ونتطلع إلى آمالهم أن يحققها الله سبحانه وتعالى؛ فإن في التعاون رحمة. أوليس النبي - صلى الله عليه وسلم - هو الذي قال: "إنما تُرزقون وتُنصرون بضعفائكم". سنن أبي داود. هؤلاء الضعفاء، هؤلاء المساكين، هؤلاء المحاصرين، لقد كانوا سبباً في أن رحم الله البلاد والعباد، فعمّها بغيث عميم، شكرنا الله على نعمة الثلوج والأمطار، ولا بد لهذا الشكر المثالي من شكر عملي: وهو أن نقف إلى جانبهم بقلوبنا، وأرواحنا، ودمائنا، وأقوالنا، وأن نرفع أكفّ الدّعاء إلى الله، فنضرع إليه أن ينصرهم، وأن يحفظهم من كل سوء، وأن يرحم شهداءهم ويصبّر أمهاتهم، إنه على ما يشاء قدير، وبالإجابة جدير. أقول هذا القول وأستغفر الله.

^ الخاتمة والدعاء:

 ((الحمد لله حمداً كثيراً كما أمر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقراراً لربوبيّته، وإرغاماً لمن جحد به وكفر، وأشهد أن سيدنا محمداً - صلى الله عليه وسلم - سيد الخلق والبشر ما اتّصلت عينٌ بنظر وسمعت أذنٌ بخبر. أشهد بأنه بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حقَّ الجهاد)).

اعلموا أيها الإخوة! أن الله - تعالى - أمركم بأمرٍ عظيم بدأ به بنفسه، وثنّى بملائكة قدسه، فقال ولم يزل قائلاً عليما؛ تعظيماً لأمر نبيه وتثبيتا: []إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا[] سورة الأحزاب (56). اللهم صلِّ وسلّم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد، كما صليت وسلمت وباركت على سيدنا إبراهيم، وعلى آل سيدنا إبراهيم، في العالمين إنك حميدٌ مجيد. وارضَ اللهم عن السادة الخلفاء، الأربعة الحنفاء، ساداتنا وموالينا؛ أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وارضَ اللهم عن الصحابة والتابعين، وعن أمهات المؤمنين، وعن الأئمة المجتهدين وتابعيهم ومقلديهم بإحسان منك إلى يوم الدين.

اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، المؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات يا رب العالمين. اللهم انصر من نصر الدين، واخذُل من خذل المسلمين، اللهم من أراد للمسلمين خيراً فوفّقه لكل خير، ومن أراد بهم سوءاً فخذه أخذ عزيزٍ مقتدر. اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه. اللهم لا تدع لنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرّجته، ولا دَيناًَ إلا قضيته، ولا مريضاً إلا شفيته وعافيته برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم فرّج عن إخواننا المستضعفين في العراق، وفلسطين، وفي غزة الصامدة برحمتك يا أرحم الراحمين. كن لهم عوناً ومعينا، وحافظاً وناصراً ومثبّتاً وأمينا. بارك لهم في أقواتهم وأموالهم. يا أرحم الراحمين! ويا أكرم الأكرمين. آمين .. آمين، وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.

والحمد لله رب العالمين

 

* الخطبة الأولى للمشرف العام في جامع العثمان بتاريخ المحرم/1429هـ الموافق 1/شباط/2008م.

 

 

 

 

 

 

 

 التعليقات: 2

 مرات القراءة: 5857

 تاريخ النشر: 04/10/2009

2010-10-28

غسان

مشكور يا شيخنا أبو منار ........ياعلم النظافة والأناقة في كل شيء ........ حرسك الله بعينه التي لا تنام.

 
2010-10-28

غسان

جزاكم الله خيراً سيدنا الكريم....... نحبكم في الله حباً جماً.

 

ملاحظة:
الآراء المنشورة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو القائمين عليه، ولذا فالمجال متاح لمناقشة الأفكار الواردة فيها في جو من الاحترام والهدوء ونعتذر عن حذف أي تعليق يتضمن:
1- يحتوي على كلمات غير مهذبة، ولو كانت كلمة واحدة.
2- لايناقش فكرة المقال تحديداً.

 

 623

: - عدد زوار اليوم

7400931

: - عدد الزوار الكلي
[ 44 ] :

- المتصفحون الآن

 


العلامة الشيخ محمد حسن حبنكة الميداني


العربيــة.. وطرائق اكتسـابها..
المؤلف : الدكتور محمد حسان الطيان








 
   

أحسن إظهار 768×1024

 

2006 - 2015 © موقع رسالتي ، جميع الحقوق محفوظة

 

Design & hosting by Magellan