::: موقع رسالتي - رؤية جديدة في الخطاب الإسلامي :::

>> مقالات متنوعة

 

 

مراتب الدلالة القرآنية على العلوم المستنبطة منه

بقلم : د.مرهف عبد الجبار سقا  


الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:

إن القرآن الكريم نزل بلسان عربي مبين، ومبنى البيان القرآني يعتمد على فهم لسان العرب وتصرفاتهم وأساليبهم في الكلام، وإن الألفاظ القرآنية هي موضوع التفسير والإعجاز العلمي قي القرآن الكريم، وهي المتن الذي يحمل المعاني، ولذلك لا يجوز لباحث - أي كان - أن يخوض محيط علوم القرآن الكريم مالم يكن عالماً بتصريف الدلالة والخوض فيها، يقول الزركشي: (وليس لغير العالم بحقائق اللغة ومفهوماتها تفسير شيء من الكتاب العزيز، ولا يكفي في حقه تعلم اليسير، فقد يكون اللفظ مشتركاً وهو يعلم أحد المعنيين).

والحقيقة إن الأخطاء التي يتمسك بها المعارضون لهذا الاتجاه من التفسير والإعجاز القرآني تأتي من جهة عدم دراية الكاتبين فيه باللغة والمعاني والبيان، ويتعاملون مع النص القرآني بسذاجة وظاهرية لا تتفق مع أصول البحث العلمي، فنجدهم يستدلون بآية عامة على قضية خاصة ويقصرون ويحصرون العموم في دلالة الآية على خصوصية القضية التي يتكلمون عنها وينفون غيرها من المعاني بجرأة عجيبة هذا إن سلم لهم الاستدلال، وقد يكون بعضهم قد اشترط على نفسه في مقدمة بحثه الانضباط بدلالة اللغة ومفهومها ويشدد في ذلك ثم يخالف شرطه هذا وقد يصل بعضهم إلى درجة الافتراء على الآية كما نقل ابن عطية في تفسيره عن الحسن البصري رحمه الله: (أهلكتهم العجمة، يقرأ أحدهم الآية فيعي بوجوهها حتى يفتري على الله فيها).

ولذلك ينبغي على المشتغل بأبحاث التفسير والإعجاز العلمي أن يجد على نفسه في تمكين أصول الاستنباط واللغة وأنواع البيان، وأن ينتبه بحذر إلى أنواع الدلالة في الآية على القضية التي يتحدث بها، لأن دلالة القرآن على مختلف العلوم متنقلة من أعم إلى عام وهكذا حتى نصل إلى مسألة بخصوصها وهي على أقسام:

1. دلالة مفتوحة: وهي الدلالة التي تشمل كل الموجودات والمخلوقات من بدء الخليقة إلى يوم القيامة، وهي من باب أعم العمومات، وذلك كقوله تعالى: ((إنا كل شيء خلقناه بقدر)) [القمر:49]، فتأمل هذه الآية فستجد أن نظام الحياة بدقائقها، ونظام الكون بتفاصيله وما فيه، كل ذلك يدخل في دلالة الآية، وكل ما اكتشف وما سيكتشف عن نظام الكون وما فيه من أنواع المخلوقات من بدء الخليقة إلى قيام الساعة فإنه داخل في دلالة الآية المفتوحة.

2. دلالة أعم العام: كالدلالة التي تعم الكون كله، كما في قوله تعالى: ((ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السماوات وما في الأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة)) [لقمان:11]، فما في السماوات والأرض أعم من عموم النجوم والكواكب والجبال ونحو ذلك من المسخرات في ضمن السماء، والنعم المسبوغة ظاهرة وباطنة أعم من عموم نعمة الزروع والثمار واللباس والأمن ونحو ذلك.

3. دلالة عامة: وهي الدلالة على ما يصلح دخوله في وصف الآية من أفرادها، وذلك كعموم ما ترجع به السماء من الأبخرة والغازات وغير ذلك في قوله تعالى: ((والسماء ذات الرجع)) [الطارق:11]، فكل ما يدخل في وصف السماء بكونها ذات رجع مع اعتبار دلالة السماء في سياقها يدخل في تفسيرها كرجع المطر ويدخل في ذلك الأبخرة والغازات المرتجعة، وعموم أنواع التسخير في قوله تعالى: ((وسخر لكم الشمس والقمر دائبين وسخر لكم الليل والنهار)) [إبراهيم:33]، وعموم ما يخرج من بطون النحل مما ينطبق عليه الأوصاف المذكورة في قوله تعالى: ((يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه)) [النحل:69].

4. دلالة خاصة على القضية العلمية المتكلم عنها في الآية، سواء كانت هذه الدلالة في الآية من ظاهر النص، أم من إشارة النص أم من مفهوم الخطاب أو من فحواه، أي: بإحدى أنواع الدلالة المعتبرة عند الأصوليين عموماً في الاستنباط، ومثال ذلك الكلام على تولد في قوله تعالى: ((وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم لبناً خالصاً سائغاً للشاربين)) [النحل:66]، وكالكلام على أطوار خلق الإنسان في الآيات القرآنية ابتداء من التراب إلى ولادته، ونحو ذلك في القرآن. والله أعلم...

 

 التعليقات: 4

 مرات القراءة: 3780

 تاريخ النشر: 07/01/2010

2010-01-12

د. مرهف عبد الجبار سقا

أخي العزيز الدكتور عبد الرحمن عزيزي وفقك الله أخي الفاضل الدكتور أحمد الفاضل حفظكم الله الأخ الكريم (صديق) سعدت بمروركم وتعليقكم الذي زاد المقال فائدة وأسأل الله تعالى أن يجعلنا على ما يرضيه.

 
2010-01-11

الدكتوراحمدمحمدالفاضل

حاجةالمفسرلاصول التفسيركحاجةالاصولي لعلم الاصول فما احوج الكاتبين لعلم اصول التفسير

 
2010-01-08

الدكتور عبد الرحمن عزيزي

لا فوض فوك ... نعم لا بد من التمكن من معرفة اللغة العربية ودلالاتها فالقرآن عربي ... والقائل في كتاب الله تعالى ـ من تفسير وإظهار إعجاز ـ بغير علم مخطئ ولو أصاب . قال المفسر الإمام الطبري رحمه الله تعالى في تفسيره 1/72 : (( لأن إصابته ليست إصابة موقن أنه محق ، وإنما هو إصابة خارص وظان والقائل في دين الله بالظن قائل على الله ما لا يعلم ، وقد حرم الله جل ثناؤه ذلك في كتابه على عباده ، فقال : { قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} فالقائل في تأويل كتاب الله الذي لا يدرك علمه إلا ببيان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، الذي جعل الله إليه بيانه ، قائل ما لا يعلم ، وإن وافق قيله ذلك في تأويله ما أراد الله به من معناه ، لأن القائل فيه بغير علم ، قائل على الله ما لا علم له به . وهذا هو معنى الخبر ، الذي حدثنا به العباس بن عبد العظيم العنبري ، قال : حدثنا حبان بن هلال ، قال : حدثنا سهيل أخو حزم ، قال : حدثنا أبو عمران الجونى ، عن جندب ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( من قال في القرآن برأيه فأصاب ، فقد أخطأ )) . وفق اللهُ الدكتور مرهف السقا ، وفتح عليه فتوح العارفين . آمين

 
2010-01-07

صديق

لايكفي صدق العاطفة - إن وجد - للباحث عن صور الإعجاز القرآني أن تنفي عنه مسؤولية الجهل أو الاستدلال الخاطئ وزهده في استشارة أهل الاختصاص , مع التوفيق للكاتب الكريم

 

ملاحظة:
الآراء المنشورة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو القائمين عليه، ولذا فالمجال متاح لمناقشة الأفكار الواردة فيها في جو من الاحترام والهدوء ونعتذر عن حذف أي تعليق يتضمن:
1- يحتوي على كلمات غير مهذبة، ولو كانت كلمة واحدة.
2- لايناقش فكرة المقال تحديداً.

 

 499

: - عدد زوار اليوم

7400435

: - عدد الزوار الكلي
[ 46 ] :

- المتصفحون الآن

 


العلامة الشيخ محمد حسن حبنكة الميداني


العربيــة.. وطرائق اكتسـابها..
المؤلف : الدكتور محمد حسان الطيان








 
   

أحسن إظهار 768×1024

 

2006 - 2015 © موقع رسالتي ، جميع الحقوق محفوظة

 

Design & hosting by Magellan