::: موقع رسالتي - رؤية جديدة في الخطاب الإسلامي :::

>> مقالات متنوعة

 

 

كي لا أفقد الإحساس !! ..

بقلم : ريما الحكيم  

 

هأنذا كعادتي ، أجلس أمام كمبيوتري فاتحةً بريدي الالكتروني لأتفقد آخر مستجداته ، و ما طرأ عليه من رسائل غير متوقعة ، هأنا أقرأ رسالةً الكترونية بعثتها لي صديقتي الأمريكية ( فاطمة ) ، بعثتها من لندن ، بعثتها فوصلتني على ذاك البعد ، وصلتني و هأنذا أقرؤها دون أي مجهود أو تكلفة أو إضاعةٍ للوقت ، هكذا بكل بساطة ، تكتُبها و تُرسلها ، فتصلني و أقرؤها ..

إنها نتاج أحدث الخطوات التي خطاها العلم ليتوصل إلى هذه التكنولوجيا الحديثة ، هذه التكنولوجيا التي تُوفر علينا الوقت و الجهد و التكاليف ... إنها في الوقت نفسه تنفينا عن بعضنا ، تُبعدنا عن المشاعر و تقلل فينا الحس .. هأنذا أتواصل مع صديقتي على بعد آلاف الأميال عن طريق الشاشة ، بضعُ كلماتٍ مكتوبةٍ على الشاشة ، وعليَّ أنا أن أقرأها و أشعر بها و أتفاعل معها و أحسَّ بمشاعر صديقتي و عواطفها و بما أرسلته لي من أفكار ، فأشتاق إليها عبر كل كلمةٍ أقرؤها ..

 لكنها في الواقع : شاشة .. مجرد شاشة ..

 و الأحلى من ذلك كله أن صديقتي لا تتكلم العربية ، لذلك فقد بعثت رسالتها إليَّ باللغة الانكليزية .. أحسست من خلال ذلك الموقف ( جلوسي أمام جهازٍ جامدٍ بلا مشاعر ، و قراءتي لرسالةٍ ليست بلغتي ، فلا أستطيع الشعور بالمشاعر المبثوثة في كلماتها )، أحسست من خلال ذلك الموقف بنتائج غير متوقعةٍ للعولمة التي تحدث حولنا .. و توصلت إلى أن تلك التكنولوجيا لا توفر علينا الوقت والجهد و التكاليف فقط .. لا بل المشاعر والأحاسيس أيضاً.. توفر علينا دموع اللقاء، أو دموع سماع صوت الغائب، و تحرمنا لذة حرقتها حين تنزل على خدنا الذي يحتاجها ليستمر في شعوره أنه لا يزال خدَّ إنسان، ولم يتحول إلى خدٍّ حجري ..

منذ عدة عقود ، حين كانت الانترنت مجرد فيلم خيال علمي يضحك البعض منه ، و يراه البعض الآخر كابوساً مرعباً حين يفكرون :

{ كيف يتحدث مع صديقه عبر الشاشة ؟ ما الذي يحويه هذا الجهاز ؟ جنٌّ أم عفاريت ؟ } ، في تلك الفترة ، كان التواصل عن طريق الصوت ، هاتفياً ..

 

و قبل ذلك ، كانت المرأة إن اشتاقت لجارتها ، تذهب إلى رجُلِها الجالس في صدر البيت متربعاً على عرشه الذهبي ، فتسأله بدلالها و غنجها المعتادين أن يسمح لها بالذهاب إلى بيت جارتها ، فإما أن يقبل ، أو أن يرفع صوته و يصرخ في وجهها صوتاً يقذفها إلى آخر البيت به قائلاً : (( ماذااااااااااااااااااااااااا ؟؟؟؟؟ )) ، لتقوم بعدها و تعتذر منه أن بدر منها سؤال غبي كهذا .... لكنه إن قبل ، تلبس ثيابها و تذهب إلى صديقتها لتراها رؤية العين ، رؤية حقيقية ...  لتشعر بها و تحس بها، لتسمعها و تلمسها ..  

ثم أتى الهاتف ، و صار يكفي أن ترفع سماعة الهاتف دون استئذان زوجها ، ليصل إليها صوت جارتها على الطرف المقابل من المكالمة .. صار التواصل عن طريق الصوت فقط ، و بالرغم من ضآلة هذا التواصل ، إلى أنه لا زال يحوي جزءاً إنسانياً .... ثم أتى البريد الالكتروني ، و اجتاحت شبكة الانترنت العالمَ وفرضت نفسها عليه بالقوة ، فبات تواصلنا محكوماً بآلة ، باتصالنا بجهاز ..

أتساءل أحياناً : ما القادم ؟ هل سيتواصل أولادنا عن طريق الهواء ؟ أم عبر تخاطر الأفكار ؟ أم أنهم لن يتواصلوا ، فلا داعي حينها لأي صلةٍ إنسانية ؟؟!! ..

 

    فكرة :   عندما أخرج ليلاً إلى الشرفة باحثةً عن ضوء القمر أو أنوار النجوم ، و أرى الشوارع مضاءةً، و الأبنية مزينة بالأضواء ، فلا أستطيع تمييز نور القمر و النجوم ، أتساءل : (( لماذا يبددون ظلمة الليل التي خلقها الله لنستمتع بها ؟؟ )) .. نعم ، لماذا الاستغراب ، طبعاً خلقها كي نستمتع بها ، و إلا لو علم الله أننا نحتاج إلى ضوءٍ شديد ليلاً لجعل نور القمر كنور الشمس .. إن تلك الظلمة متعةٌ حقيقيةٌ للناظر إليها.. إنها تبرز لنا روعة أنوار النجوم، و تُعطينا إحساساً بالأمان .. حتى في الليل لم أعُد أستطيع أن أهرب من ضجيج الأضواء ، نعم ، أشعر بأنها تحوي ضجيجاً مزعجاً .. كم أنزعج حين أرى ضوءاً يبدد تلك الظلمة ، بالرغم من أنها فكرةٌ لم أسمعها قبلاً إلا من جهلة العصور الوسطى في أوربا .. إلا أنني أشعر الآن بها في عصرنا السريع .. أشعر بأهميتها ، خصوصاً و أننا في خضم السرعة المحيطة بنا في كل أمور حياتنا نكاد ننسى الاهتمام بأنفسنا ، فكيف لا تكون النجوم من المنسيَّات .. بالرغم من أننا حين ننظر إليها ، فإننا سوف ننسى كل ما يُكدر أنفسنا من مشاغل الحياة و متطلبات العصر ، و نحلق مع أنوارها ، و لو حتى لثانية واحدة.....

                                               

 التعليقات: 0

 مرات القراءة: 2926

 تاريخ النشر: 06/01/2008

ملاحظة:
الآراء المنشورة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو القائمين عليه، ولذا فالمجال متاح لمناقشة الأفكار الواردة فيها في جو من الاحترام والهدوء ونعتذر عن حذف أي تعليق يتضمن:
1- يحتوي على كلمات غير مهذبة، ولو كانت كلمة واحدة.
2- لايناقش فكرة المقال تحديداً.

 

 1629

: - عدد زوار اليوم

7452665

: - عدد الزوار الكلي
[ 45 ] :

- المتصفحون الآن

 


العلامة الشيخ محمد حسن حبنكة الميداني


العربيــة.. وطرائق اكتسـابها..
المؤلف : الدكتور محمد حسان الطيان








 
   

أحسن إظهار 768×1024

 

2006 - 2015 © موقع رسالتي ، جميع الحقوق محفوظة

 

Design & hosting by Magellan