::: موقع رسالتي - رؤية جديدة في الخطاب الإسلامي :::

>> كلمة المشرف

 

 

يهب لمن يشاء إناثاً

بقلم : الشيخ محمد خير الطرشان  

 

(( يهب لمن يشاء إناثـاً ويهب لمن يشاء الذكـور))

?  الشيخ محمد خير الطرشان.

 

الأولاد نعمة وهبةٌ من الله كسائر النعم والأرزاق التي يرزقها الله لعباده، والتي يُقدرها بيده، فإليه سبحانه يرجع الأمر كله، فهو الذي يعطي ويمنع، ويخفض ويرفع، لا راد لفضله ولا مُعقِّب لحكمه، لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع، والله يعبر عن هذا المعنى بقوله: ((لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ)) [الشورى:49-50].

هذه الآية فيها إخبار عن سعة ملك الله تعالى، ونفوذ تصرفه في ملكه، فالله له ملك السموات السبع والأرضين، يفعل في سلطانه ما يشاء، ويخلق ما يحب خلقه، يهب لمن يشاء من خلقه من الأولاد الإناث دون الذكور، ويهب لمن يشاء الذكور دون الإناث، ثم إنه سبحانه يمكن أن يزاوج الأمر فيجمع للرجل الذكور والإناث، ومراد الله بقوله: ((أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً)) أي أن تلد المرأة غلاماً ثم تلد بنتاً، وهكذا يصبح الأمر مزاوجةً بنتاً وذكراً.

وهناك فئةٌ يجعلهم الله ممن لا ينجب، قال تعالى: ((وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيماً))، أي لا يولد له، لأن الله عليم قدير، عليم بكل شيء، بما يصلح أحوالنا، بما يقوي إيماننا، قديرٌ على كل شيء، يتصرف بعلمه وإتقانه في كل شيء، يتصرف بقدرته وإحاطته بالخلق والمخلوقات بشكل عام.

 

t               الوأد في العصر الجاهلي:

في العصر الجاهلي كان كل من يُبشر بالأنثى يسودُّ وجهه، كان يخاف من العار والفضيحة، لذلك عندما يُبشر أنه وُلد له أنثى يحفر لها قبراً ويدفنها وهي على قيد الحياة، حتى أن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يروى عنه أنه وأد بنتاً له في الجاهلية قبل الإسلام وكان إذا تذكرها بعد الإسلام بكى من أجلها بكاءً شديداً، قال تعالى: ((وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ)) [التكوير:8-9]. ما الذنب التي ارتكبته هذه الأنثى حتى تُقتل وهي على قيد الحياة، حتى تُدفن تحت التراب وتُمنع من هذه الحياة؟.

كلمة "الموءودة" تعني تلك الجارية، البنت التي دفنها والدها وهي على قيد الحياة خوف العار أو الفقر أو أن تتسبب له يوماً بفضيحة كما كان العهد في الجاهلية، وكان من شأنهم إذا ولد للرجل في الجاهلية بنتٌ وأراد أن يستحييها [أي: يُبقيها حية]، ألبسها جبة من الصوف أو الشعر وترعى له الإبل والغنم في البادية، أي لم تكن تساكنهم، بل كانت تُعدُّ لرعاية الإبل في البادية وتلبس الشعر والصوف كما يلبس الرجال فلا يرى أحد أن هذا الراعي أنثى، وإن أراد قتلها فلما بلغت ستة أعوام قال لأمها طيبيها وزينيها حتى أذهب بها إلى أحمائها، ويكون قد حفر لها بئراً في الصحراء، فيبلغ بها تلك البئر ويقول لها انظري إلى البئر، ثم يدفعها من خلفها ويهيل عليها التراب حتى يسوي البئر بالأرض، فتموت تلك البنت تحت التراب ولا ذنب لها. فكانت قبائل العرب قاطبة تفعل ذلك غلا قبيلة تميم، فكانت ترفض وأد البنات.

يروى عن قيس بن عاصم المنقري أنه جاء  إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال له بعض الأنصار إن هذا الرجل يئد البنات، فقال قيس وهو يحدث عن نفسه مفتخراً: "ما ولدت لي بنتٌ إلا وأدتها، وما رحمت منهن إلا واحدة، ولدتها أمها وأنا في سفر، فدفَعتْها  إلى أخوالها، ولما قدمت سألتُ عن الحمل، فأُخبرتُ أنها ولدت ميتاً، ومضت سنون حتى ترعرعت البنت فزارت أمها يوماً، ودخلتُ فرأيتها قد ضفرت شعرها وألبستها قلادة وقد ظهرت كما تظهر البنات الجميلات، فقلتُ لها: من هذه الصبية فقد أعجبني حسنها، فبكت أمها ثم قالت: إنها ابنتك كنت قد أخبرتك أني ولدت ميتاً وهذه هي التي ولدت تركتها عند خالها فلما بلغت هذا المبلغ جاءت لتزورني، فتشاغلت عنها أمها قليلاً فأخرجتها من البيت وحفرت لها حفرة وجعلتها في تلك الحفرة فكانت تقول لي: يا أبتِ ما الذي تفعله، أتغطيني بالتراب؟. فلم أرد عليها حتى واريتها وانقطع صوتها، وهكذا لم أرحم واحدت من بناتي". فدمعت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: "إنه من لا يرحم لا يُرحم". 

فالسبب الرئيسي في وأد البنات كان خوفهم من الفضيحة والعار اللذين قد تجلبهما الفتاة لأهلها وقومها، هكذا كانوا يفكرون في الجاهلية قبل الإسلام، إلا بضع أناس أو بضع عشائر، كان فيها من يرحم البنات، منهم صعصعة بن ناجية، وهو جد الشاعر الفرزدق، فقد كان إذا علم أن موءودة توأد، يذهب ويشتري حياتها بناقتين وجمل، يدفعهما إلى أهلها ويأخذ تلك الفتاة ويشرف على تربيتها وحياتها، حتى قيل إنه اشترى حياة ما يقارب 180 موءودة.

هذه الموءودة كانت في العصر الجاهلي وانقطعت عندما حرمها الإسلام بقوله تعالى: ((وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ)) [التكوير:8-9]. إذاً الفتاة كانت توأد في العصر الجاهلي، أما في ظل الإسلام لم يعد هناك وأد للبنات.

 

t               وأد القرن الحادي والعشرين:

لكن في زماننا المعاصر ظهرت بعض أنواع وأد البنات بطرق عجيبة غريبة، رغم أننا نعيش في القرن الحادي والعشرين، في زمن انتشرت فيه المدنية، إلا أننا نرى أصنافاً من وأد البنات من الناحية المعنوية، وليس من الناحية الحسية، لكنه وأد أبشع من القتل الجسدي بكثير.

من ذلك مثلاً:

r الإجهاض والإسقاط بقصد تحديد النسل أو تنظيمه، فبعض الناس يلجؤون  إلى إجهاض الجنين إذا مر عليه زمنٌ وهو في بطن أمه، ودون أن يكون ذلك بعذر شرعي مسوغ بحكم طبيب مسلم وحاذق وثقة يخشى من الله سبحانه وتعالى، فالإجهاض الذي يسرع إليه كثيرٌ من الناس بدعوى أن البيت لم يعد متسعاً للأولاد أو أن الرزق لا يكفي لرعايتهم، لكن الله يرد على هؤلاء بأنه تكفل برزقهم ورزق آبائهم قال تعالى: ((نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ)) [الإسراء:31]. فالله هو الذي تكفل بأرزاقنا وأرزاق أولادنا وأرزاق ذرياتنا، فلا يجوز بحال من الأحوال أن يلجأ أحد الناس  إلى إسقاط الجنين وهو الوأد المعاصر بقصد تخفيف أعباء النفقة أو بدعوى أن البيت لم يعد يتسع أو نحو ذلك.

r هناك نوعٌ آخر من الوأد المعاصر، وهو أن تتسرب الفتيات الصغيرات القاصرات دون السن الشرعي أو القانوني  إلى العمل، فتعمل خادمة أو في المعامل الصناعية، تترك التعليم والمدرية وتعمل في المعامل، وربما أدى بها هذا الأمر  إلى الانحراف السلوكي أو الخلقي أو نحو ذلك من الأضرار الاجتماعية التي يتسبب بها كثيرٌ من القائمين على مثل هذه الأمور، فمن المسؤول عن مثل هذا الوأد؟ فترك البنات صغيرات السن للتعليم نوع من أنواع الوأد المعاصر الذي يسيء  إلى هذه الأمة وإلى مفهوم المدنية والحضارة.

r وأدٌ آخر عندما نرى على إشارات المرور بنتاً صغيرة لا يتجاوز عمرها عشر سنين، وهي تبيع الورود أو ما يعد لمسح الزجاج، أو تلك الفتاة الصغيرة التي تبادر  إلى السيارات على إشارات المرور لتمسح زجاج السيارة لتنال بذلك ليرات معدودة، ألا يعد هذا وأداً لطاقة هذه الفتاة وأنوثتها وكرامتها وإنسانيتها.

r عندما تتعرض تلك الفتاة الصغيرة لأنواع العنف والتحرش الجنسي الذي تتعرض له بعض الفتيات في المدارس أو في أماكن العمل أو نحو ذلك، ألا يعد ذلك الأمر نوعاً من الوأد لكرامة هذه الأنثى.

r عندما تضطر أسرة لتكره ابنتها على الزواج من ثري عربي أو من كبير بالسن  إلى درجة أنه قد يكبر أباها سناً، ألا يعد هذا نوعاً من أنواع الوأد المعاصر، هذه البنت التي تُكره على الزواج وهي بنت أربعة عشر عاماً أو خمسة عشر عاماً لرجل ثري يغري أهلها بماله، أو لرجل كبير في السن يقدم لها مهرها وزنها ذهباً أو فضة أو مالاً، هذا نوعٌ من أنواع الوأد المعنوي لكرامة هذه الفتاة ولمستقبلها.

r عندما تضطر الفتاة لأن تكون سلعة رخيصة لتقدم إعلاناً تجارياً تعرض فيه جسدها ومفاتنها، ألا يعد ذلك وأداً لأنوثة المرأة وكرامتها والبيئة الاجتماعية الصالحة التي يفترض أن تنشأ فيها.

r عندما تتعرى الفتاة أمام الناس في الشوارع والطرقات بحجة الموضة والأزياء ألا يعد ذلك وأداً لكرامة المرأة بشكل عام، وأنوثتها ودينها.

r عندما تحفظ الزوجة زوجها وتصونه وتربي أولاده وتحفظ ماله، فيخونها، ألا يعد ذلك وأداً لهذه المرأة التي تضطر أن تعيش مع ذلك الرجل لتربي أولادها وتحفظ مستقبلها..

 

إذاً كيف نقضي على هذه الجاهلية المتجددة؟ جاهلية القرن الحادي والعشرين؟ كيف نعامل المرأة بالحقوق التي أعطاها الله لها ومنحها إياها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو لا يفتأ يكرر أن يوصي الأمة بالنساء خيراً؟.

إذاً هناك عمليات وأد معاصر متعددة ومتكررة، وهي ليست وأداً جسدياً، إنما هي وأد معنوي، وهذا الوأد المعنوي يؤدي  إلى خنق المرأة والسيطرة على قدراتها وطاقاتها العلمية والاجتماعية والإنسانية.

هذا الفهم امتد إلى عصرنا الحاضر، فهم أن الأنثى ليست كالذكر، وأن الذكر خيرٌ من الأنثى..

كثيرٌ من الناس ولدت له أنثى تراه مشمئزاً مقطب الحاجبين، بينما عندما يولد له الذكر يبادر  إلى تقديم الضيافة وإبداء الفرح والسرور ويذبح الذبائح ويمد الولائم فرحاً بأن الله قد أكرمه بذكرٍ سيحمل اسمه وسيكون له في المستقبل خليفة يحمل عنه أتعابه وتجارته، إذاً نحن نرى ونسمع كثيراً من الأسر تفرح بولادة الذكور وتهتم وتغتم لولادة الأنثى، حتى أن كثيراً من النساء عندما يقدمن التهاني لامرأة حديثة الولادة يقولون لها: (انشالله عقبال الصبي)، وكأن هذه المولودة الأنثى لا قيمة لها ولا شأن لها.

وكثيراً ما نسمع الأم تقول لابنتها عندما تلد الأنثى: (شدي همتك وجيبيلنا الصبي)، وكأن المسألة تتعلق بابنتها، أو تتعلق بقرار يخضع للزوجين، فيقرر الزوج أنه يريد هذه المرة صبياً، وهذه المرة بنتاً.

وكذلك نسمع الحماة تقول للكنة: (الله يجبرك بالصبي)، وكأن البنت كسرٌ للخاطر!!!..

لذلك أراد الله أن يصحح هذا المفهوم الخاطئ الذي شاع في العصر الجاهلي والذي امتدَّ  إلى جاهلية القرون المتأخرة كما هو الحال في عصرنا وزماننا، فالآية الكريمة: ((يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ)) يقصد الله منها تصحيح تلك الثقافة التي كانت رائجة في المجتمع العربي وهي أن الإناث بلاء ونقمة، وليست نعمة تستحق الشكر والثناء، فمتى جاءت المرأة بأنثى انتاب زوجها شعور بأنه قد شقي بتلك الأنثى، لذلك وصف الله سبحانه الحال التي يكون عليها الرجل عندما يبشر بأنثى ((وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنْ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ)) [النحل:58-59]. فأن يبشر بالأنثى فذلك من بواعث الغيظ عنده لأنه من سبة وإهانة أصابته.

هذه الآية جاءت لتصحيح تلك الثقافة ولهذا وصفت الأنثى بأنها هبةٌ من عند الله، وفي معنى الهبة من الله معنى الخير، فالشيء المعطى حينما يكون شراً لا يوصف بأنه هبة، وإن كان خيراً فإنه هبة من الله، فربُّنا قال: ((يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً))، هذا الوصف لغرض التعبير عن أن الأنثى خير ونفع لأبويها، لذلك ينبغي أن يكون لها أثر نفسي مترتب عند مجيئها، وهو السرور والابتهاج والشعور بالرضا والامتنان لله سبحانه وتعالى.

فالقرآن الكريم أراد أن ينفي عن عقل الإنسان أي وهم يمكن أن يطرأ عليه حتى أنه قدم ذكر الإناث على الذكور لكي يشير إلى أن لها شأناً عند اله سبحانه..

وقد جاء فضل البنات في قوله صلى الله عليه وسلم: "من عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو، وضم أصابعه" [رواه مسلم في صحيحه].

أي بشره بأنه سيكون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من حيث اللقاء كالأصابع حين تضم لبعضها.

كذلك أخرج الترمذي حديثاً: "من كان له ثلاث بنات أو ثلاث أخوات أو ابنتان أو أختان فأحسن صحبتهن واتقى الله فيهن فله الجنة" [أخرجه الترمذي وأبي داود وابن ماجة].

إذاً في فضل تربية البنات أحاديث كثيرة، فالبنت لها فضل ومكان عظيم.

 

t               ولكن: من المسؤول عن تحديد جنس الجنين؟

قد يخطر في بال أحدنا سؤال: من هو المسؤول عن تحديد جنس الجنين؟

أهو الرجل أم المرأة؟؟

للعلم الحديث تفصيلٌ دقيقٌ في هذا الأمر سبق له رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما بين السبب الطبيعي الذي يوجب ولادة الذكور أو الإناث بإذن الله تعالى.

جاء في صحيح مسلم من حديث ثوبان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أجاب رجلاً يهودياً لما سأله عن الولد، كيف يأتي الولد ذكراً وأنثى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ماء الرجل أبيض، وماء المرأة أصفر، فإذا اجتمعا فعلا مني الرجل مني المرأة أذكرا بإذن الله تعالى، وإذا علا مني المرأة مني الرجل آنثا بإذن الله تعالى".

وهنا قصده عليه السلام بقوله علا: أي سبق.

وهذا ما يفسر من الناحية العلمية لأن كلاً من الرجل والمرأة يحتوي جسده على ثلاثة وعشرين زوجاً من الصبغيات التي تحمل أسرار الإنسان.

اثنان وعشرين زوجاً منها مهمتها بنيان الجسم وصفاته كاملة، وواحدٌ منها فقط مسؤول عن تعيين جنس الجنين إن كان ذكراً أو أنثى.

هذه الصبغيات عند الرجل صيغتها xy وعند المرأة xx.

وما وصل إليه العلم بأن الأب هو المسؤول عن تحديد جنس المولود، كما أخبر عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، بطريقة علمية ميكانيكية  دقيقة لا تخطئ ولا تتعدى  إلى غير هذا السبب والمسبب كما قدر الله تعالى.

 

 

t               هل يجوز تحديد جنس الجنين؟

الآن هناك دراسات تدل على أن تقنيات علمية طبية يمكن أن تحدد جنس الجنين من خلال دراسات وبحوث علمية، بعضها يعتمد على الغذاء وبعضها يعتمد على الدواء، وبعضها يعتمد على عقاقير أو ما يسمى بالتلقيح الصناعي، أو بنوك النطاف، أو نحو ذلك.

فما هو القول الفصل في هذه المسألة؟؟

يعني هل يفضل الإنسان أن يختار هو الحيوان المنوي الذي سيحدد جنس ولده ذكراً أم أنثى؟ أم يترك الأمر  إلى اختيار الله سبحانه؟

أيهما خير، أن يختار الإنسان لنفسه أو يترك الخيار لقدر الله وعلمه؟

لا شك أنه ليس من عاقل يفضل اختياره على اختيار الله تعالى.

لكن من الناحية العلمية: نظر العلماء  إلى هذه المسألة وكان لهم فيها رأيان:

 

G الرأي الأول: يقضي بإباحة أن يسعى الإنسان علمياً وطبياً  إلى تحديد جنس الجنين، وقالوا: إن الأصل في الأشياء الإباحة والحل حتى يقوم دليل المنع والحظر، وليس لدى من قال بغير ذلك ما ينافي هذه القاعدة.

وهذا رأي جمهور أهل العلم، وقد استندوا  إلى دليل من القرآن يبيح للإنسان أن يسعى أن يكون ولده ذكراً، فسيدنا إبراهيم عليه السلام سأل الله أن يرزقه ولداً ذكراً صالحاً فأجابه الله: ((رَبِّ هَبْ لِي مِنْ الصَّالِحِينَ * فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ)) [الصافات:100-101].

فقصد من الصالحين ذكراً صالحاً تكون منه الذرية الصالحة.

وكذلك سيدنا زكريا دعا ربه أن يهبه غلاماً زكياً: ((هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ)) [آل عمران:38]. فلو لم يكن هذا الأمر مباحاً لمنعه الله ولما أقره.

إذاً يباح أن يسأل الإنسان ربه الذَّكَر.

 

A الرأي الثاني: لا يجوز العمل على تحديد جنس الجنين.. قالوا: نفرق بين سؤال الله أن يرزقنا الذكور وبين أن نسعى  إلى تحديد جنس الجنين أن يكون ذكراً.

لذلك قالوا: شأن الأجنة من حيث إيجادهم في الأرحام وذكورتهم وأنوثتهم هو من علم الغيب الذي لا يعلمه إلا الله، يقول تعالى: ((هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)) [آل عمران:6].

وقد قال بعض المفسرين ومنهم سيدنا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: هو الذي يصوركم في الأرحام أي ذكوراً وإناثاً.

فلا عمل ليد البشر ولا قدرة لليد البشرية أن تتلاعب في عملية الخلق أو في عملية صناعة الذكر والأنثى في رحم الأم.

وقال تعالى مؤكداً هذا المعنى: ((إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ)) [لقمان:34].

فهذا من علم الغيب ومن خصائص علم الله، والله سبحانه خص نفسه بالعلم بالأرحام إعلاماً لنا أن أحداً غيره لا يعلم ذلك.

فهذا من حيث أصل الخلق أن الجنين سيكون ذكراً أو أنثى، فهذا الأمر لا يعلمه إلا الله، أما إذا تكون الجنين في بطن أمه فيمكن للعلم الحديث أن يكتشف ذلك عن طريق الأجهزة الحديثة، كأجهزة الإيكو، فهي تطلع على نوع الجنين، لا تحدد جنسه، الذي لا يعلمه إلا الله تعالى.

وهؤلاء الذين منعوا تحديد جنس الجنين لهم احترازات مهمة في هذا الأمر:

من أهمها عدم الإخلال بالتوازن الطبيعي البشري في نسب الجنسين الذي أجراه الله في هذا الكون لحكمة ورحمة، فهناك دراسات معمقة تؤكد أن في الكون كله توازن بين الذكور والإناث بحيث لا يغلب جنس على جنس ولا يزيد بنسب كبيرة، وقد تحدث أحد الإخوة المتخصصين في الإحصاء أن هناك إحصائية دقيقة تقوم كل عشر سنوات تؤكد أن النسب متوازنة، وعندنا في سوريا تزيد نسبة الذكور على الإناث نسبة (نصف%) فقط، وفي كثير من الدول العربية لا تزيد نسبة الذكور على الإناث من 1 إلى 1.5 %فقط.

وهذه أرقام لا تشكل خللاً ولا إضراراً في التوازن البشري فيما بين الذكورة والأنوثة.

وهناك تحذير من مخاطر التلاعب في عملية إنجاب الذكور على حساب الإناث ربما يؤدي  هذا الأمر  إلى خلل خطير، فبعض الدول كالصين التي تفضل إنجاب الذكور على حساب الإناث أدى هذا الأمر  إلى خلل خطر في تناقص عدد الإناث فكانوا إذا عرفوا أن هذه الأم حملت بأنثى تجهض الجنين، وإذا حملت بذكر تحافظ عليه.

فعندما يفتح المجال أمام العبث العلمي في خلق الإنسان وتكوينه فإن ذلك قد يؤدي  إلى عاقبة شؤم على البشرية بشكلعام وقد يعد خطراً على مستقبل الأمة.

فضلاً عن أن هناك هتكاً للعورات ومخالفات شرعية تحدث من خلال هذه الأمور.

 

خلاصة القول:

أننا أمام آية عظيمة أراد الله سبحانه أن يبين فيها قصة خلق الإنسان ذكراً أو أنثى إنما أمرها بيد الله يهب لمن يشاء الإناث ويهب لمن يشاء الذكور، أو يزوجهم ذكراً وأنثى، ويجعل من يشاء عقيماً عندما يرى أن هذا هو الأصلح، أو عندما يعلم أو يسبق في علمه الأزلي أن فلاناً من الناس إذاً كان عقيماً فهو الأسلم والأصلح له وهذا ما تقتضي الحكمة في حياة فلان من الناس.

أختم بالقول: أن يختار الله لنا خير من أن نختار لأنفسنا.

وأن نرضى بما قسم الله لنا خير من أن نعمل جاهدين على تحديد جنس الجنين، أو نرغب بالذكور على حساب الإناث، فقد تكون الإناث سبباً للسعادة أكثر من الذكر، وقد  يكون الذكر سبباً للشؤم والشقاء أكثر من الأنثى، وقد يكون العكس، كل ذلك مرتبط بعلم  الله سبحانه وقدره..

نسأل الله أن يجعلنا ممن يرضى بقضائه ومن يستسلم لأوامره وممن يستمع القول فيتبع أحسنه، والحمد لله رب العالمين...

 

 

 

 

 التعليقات: 1

 مرات القراءة: 8310

 تاريخ النشر: 20/05/2010

2010-05-22

منية

مشكور على هذا البحث الرائع و على حسن العرض

 

ملاحظة:
الآراء المنشورة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو القائمين عليه، ولذا فالمجال متاح لمناقشة الأفكار الواردة فيها في جو من الاحترام والهدوء ونعتذر عن حذف أي تعليق يتضمن:
1- يحتوي على كلمات غير مهذبة، ولو كانت كلمة واحدة.
2- لايناقش فكرة المقال تحديداً.

 

 1280

: - عدد زوار اليوم

7403571

: - عدد الزوار الكلي
[ 65 ] :

- المتصفحون الآن

 


العلامة الشيخ محمد حسن حبنكة الميداني


العربيــة.. وطرائق اكتسـابها..
المؤلف : الدكتور محمد حسان الطيان








 
   

أحسن إظهار 768×1024

 

2006 - 2015 © موقع رسالتي ، جميع الحقوق محفوظة

 

Design & hosting by Magellan