::: موقع رسالتي - رؤية جديدة في الخطاب الإسلامي :::

>> دراسات وأبحاث

 

 

مرجعية الرقابة الشرعية في المصارف الإسلامية (الجزء الأول)

بقلم : د. حسام الدين عفانة  

 

شارك الأستاذ الدكتور حسام الدين عفانة، أستاذ الفقه والأصول في جامعة القدس، ورئيس هيئة الرقابة الشرعية للبنك الإسلامي الفلسطيني في مؤتمر المصارف الإسلامية في فلسطين.. حيث قدم فيه هذا البحث بعنوان:

"مرجعية الرقابة الشرعية في المصارف الإسلامية"

ونحن إذ ننشر هذا البحث القيم في موقع رسالتي.نت، ننشره على حلقاتٍ تباعاً ونشكر الأستاذ الدكتور حسام الدين عفانة على هذا المجهود..

إدارة التحرير في موقع رسالتي . نت

 

مرجعية الرقابة الشرعية في المصارف الإسلامية

البنك الإسلامي الفلسطيني كمثالٍ تطبيقي

بحثٌ مقدمٌ لمؤتمر المصارف الإسلامية في فلسطين  واقع وتحديات

الذي ينظمه مركز القدس للدراسات والإعلام الإسلامي

رام الله / فلسطين المحتلة

الثاني من رجب 1431 هـ وفق 14/6/2010م

إعداد

الأستاذ الدكتور حسام الدين عفانة

أستاذ الفقه والأصول - جامعة القدس

رئيس هيئة الرقابة الشرعية للبنك الإسلامي الفلسطيني


 

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)).

((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)).

((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)).

وبعد...

فإن من المبشرات لأمتنا المسلمة هذا التقدم المطرد الذي تحققه المصرفية الإسلامية، حيث قدر خبراء في الصيرفة الإسلامية حجم الأصول في الصناعة المالية الإسلامية بنحو 825 مليار دولار في عام 2009م، وهو العام الذي شهدت فيه الصيرفة الإسلامية نقطة تحول مركزية، أسهم في تشكيلها حدوث الأزمة العالمية التي أطلت بعنقها منذ 2007 الماضي، مشيرين إلى أنه في 2009م  تفوقت نسبة نمو الأصول بنحو 30 في المائة عن 2008 الذي بلغ سقف قيمة الأصول فيه نحو 750 مليار دولار، ومن المتوقع أن ترتفع قيمة أصول المصارف الإسلامية إلى تريليون دولار بحلول عام 2013، بحسب تقديرات منظمات مالية دولية. وقد بلغ عدد المصارف الإسلامية بنهاية عام 2009 نحو 400 مصرف موزعة في 53 دولة. ويكفي أن نعلم أنه يوجد في ماليزيا عشرة مصارف إسلامية لها (1161) فرعاً، وكانت ماليزيا قد عرفت المصارف الإسلامية منذ عام 1983 مع العلم أن عدد المسلمين فيها لا يتجاوز 57% من عدد السكان وتبلغ نسبة المتعاملين مع المصارف الإسلامية الماليزية من غير المسلمين أكثر من 70%. [1]

ويأتي النمو المطرد للمصرفية الإسلامية في ظل الأزمة المالية العالمية التي عصفت بالاقتصاد الرأسمالي والتي أطاحت بعدد كبير من البنوك التجارية (الربوية) ويقدر عددها بالمئات، ويرجع السبب الرئيس للأزمة المالية العالمية لنظام الفائدة – الربا– الذي يعتبر عمدة النظام الرأسمالي، وقد لخص د. عبد الستار أبو غدة رئيس الهيئة الشرعية لمجموعة دلة البركة، وعضو مجمع الفقه الإسلامي الدولي، أسباب الأزمة المالية العالمية في سبع نقاط وهي: [التعامل الربوي بالفائدة المتغيرة أضعافاً مضاعفة، التسنيد لديون قد تدعم بأصول ولكن لا تمثلها، تداول الديون، التعامل بالمشتقات المتمثلة في المستقبليات والاختيارات وعمليات المبادلات المؤقتة، عقود الاحتكار والمضاربات للتحكم في الأسعار، شراء العملات بالهامش، انعدام أو ضعف الشفافية والإفصاح، مبيناً أن الحل الأساسي للأزمة المالية يتمثل في تطبيق نموذج المصرفية الإسلامية في الأنظمة الاقتصادية.]

وكان من الثمار الإيجابية للأزمة المالية العالمية أنها دفعت كثيراً من الدول والجهات الغربية إلى دراسة المصرفية الإسلامية وزيادة الاهتمام بها، بل إن بعض الدول الغربية كفرنسا تريد أن تغير قوانينها المالية لتتفق مع متطلبات المصرفية الإسلامية، كما أن البنك الدولي بات يدعم وضع معايير للتمويل الإسلامي حيث قام كبار مستشاريه أخيراً بزيارة البنك الإسلامي للتنمية للإطلاع على آليات التعامل فيه، خاصة فيما يُعنى بصيغ العقود في التعاملات المالية وفقاً لضوابط المصرفية الإسلامية. [2]

ومن خير الأمثلة على زيادة الاهتمام بالمصرفية الإسلامية أن العاصمة البريطانية لندن، قد شهدت في الأشهر الخمسة الأخيرة أربعة مؤتمرات عن الاقتصاد والصيرفة الإسلامية، كان آخرها "المنتدى الدولي للتمويل الإسلامي 2010"، الذي نظمته مؤسسة "آي. آي. آر الشرق الأوسط" المالية في الأسبوع الأخير من يناير الماضي. ومن الأمور التي تدل على النمو الكبير الذي تحققه صناعة المصرفية الإسلامية أنه قد بدأت خطوات الانتهاء من تأسيس أكبر مصرف إسلامي في العالم، ويتراوح رأس المال التأسيسي المقرر له ما بين 3 مليارات إلى 4 مليارات دولار.نقلاً عن موقع المجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية. [3]

وفي ظل هذا التقدم الكبير للمصرفية الإسلامية عالمياً، نأمل أن تنال بلادنا فلسطين المحتلة شيئاً من ذلك، على الرغم من ظروف الاحتلال والحصار التي تمر بها فلسطين المحتلة، ولعل هذا المؤتمر الكريم يعطي المصارف الإسلامية الفلسطينية دفعة للأمام لترتقي وتتقدم وتصبح إن شاء الله تعالى في مستوى أفضل وأحسن مما هي عليه حالياً في جميع الجوانب المتعلقة بالعمل المصرفي، وتأتي هذه الورقة لتسلط الضوء على جانب أساسي وهام جداً في عمل المصارف الإسلامية، وهو الرقابة الشرعية، وقد تناولت مرجعية الرقابة الشرعية في المصارف الإسلامية واخترت البنك الإسلامي الفلسطيني كمثال تطبيقي لذلك، وجاءت هذه الورقة في مقدمة وهي هذه، ثم تمهيد حول المصارف الإسلامية في فلسطين المحتلة، ومبحثين كما يلي:

المبحث الأول: في الرقابة الشرعية تعريفها وأهميتها، وفيه أربعة مطالب:

المطلب الأول: مفهوم الرقابة الشرعية اصطلاحاً.

المطلب الثاني: أهمية الرقابة الشرعية للمصارف الإسلامية والمتعاملين معها.

المطلب الثالث: إلزامية القرارات الصادرة عن هيئة الرقابة الشرعية لإدارة البنك وموظفيه.

المطلب الرابع: نظام هيئة الرقابة الشرعية للبنك الإسلامي الفلسطيني.

المبحث الثاني: مرجعية الرقابة الشرعية في البنك الإسلامي الفلسطيني، وفيه أربعة مطالب:

المطلب الأول: المعايير الشرعية لهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية والإسلامية.

المطلب الثاني: فتاوى وقرارات وتوصيات الندوات والمجامع والملتقيات الفقهية.

المطلب الثالث: المقاصد العامة للشريعة الإسلامية وقواعدها الكلية وأحكامها الجزئية المستمدة من الكتاب والسنة دون التقيد بمذهب معين.

المطلب الرابع: نماذج من قرارات هيئة الرقابة الشرعية للبنك الإسلامي الفلسطيني.

ثم الخاتمة وقائمة المراجع.

وفي الختام أتقدم بالشكر والتقدير لمركز القدس للدراسات والإعلام الإسلامي لمبادرته لعقد هذا المؤتمر. كما وأشكر سلطة النقد الفلسطينية على جهودها في رعاية المصارف الإسلامية في فلسطين المحتلة. وأشكر البنك الإسلامي الفلسطيني لرعايته للمؤتمر.

وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

كتبه الأستاذ الدكتور حسام الدين بن موسى عفانة

أبوديس/ القدس المحتلة

صباح يوم الجمعة التاسع من جمادى الأولى 1431هـ

وفق الثالث والعشرين من نيسان 2010م.

 

تمهيد حول المصارف الإسلامية في فلسطين المحتلة

نشأة المصارف الإسلامية في فلسطين المحتلة:

تُعد تجربة المصارف الإسلامية في فلسطين المحتلة تجربةً ناشئةً وهي قصيرة العمر فقد بدأ الإعداد للعمل المصرفي الإسلامي بحلول العام 1415هـ الموافق 1995م وبدأت الفكرة أولاً بالبنك الإسلامي الفلسطيني [حيث تأسس البنك الإسلامي الفلسطيني كشركة مساهمة عمومية محدودة تحت رقم (563200922) بتاريخ 16/12/1995 بموجب قانون الشركات لسنة 1929 وتعديلاته وحصل البنك على ترخيص سلطة النقد الفلسطينية بتاريخ 15/5/1997 حيث صرحت سلطة النقد الفلسطينية للبنك بمزاولة جميع الأعمال المصرفية وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية. وقد وقعت إدارة البنك الإسلامي الفلسطيني بتاريخ 13/5/2005م اتفاقية مع إدارة بنك القاهرة عمان تم بموجبها شراء صافي موجودات بنك القاهرة عمان فرع المعاملات الإسلامية من قبل البنك الإسلامي الفلسطيني بمبلغ وقدرة ثلاثة ملايين دولار. ويمارس البنك الإسلامي الفلسطيني أعماله من خلال فرعه الرئيسي في مدينة غزة وشبكة فروعه المنتشرة في مختلف المحافظات وعددها (12) فرعاً ومكتب دير البلح] [4]

ثم كان تأسيس البنك الإسلامي العربي وقد [تأسس البنك الإسلامي العربي كشركة مساهمة عامة بتاريخ 8/1/1995 تحت رقم 563201011 وقد باشر البنك نشاطه المصرفي في مطلع عام 1996، ويقوم البنك بممارسة الأعمال المصرفية والمالية والتجارية وأعمال الاستثمار وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية وذلك من خلال المركز الرئيسي بمدينة البيرة وفروعه المنتشرة في فلسطين والبالغة ثمانية فروع ومكتب] [5]

ثم تلاهما بنك الأقصى الإسلامي فقد تأسس في 18/7/1999م، ومقره في رام الله، وله فرعٌ واحد في مدينة نابلس.

وقد تمَّ مؤخراً في أواخر آذار سنة 2010م  بيع بنك الأقصى الإسلامي للبنك الإسلامي الفلسطيني.

هذه هي المصارف الإسلامية العاملة في فلسطين المحتلة.

 

المبحث الأول: في الرقابة الشرعية تعريفها وأهميتها

وفيه أربعة مطالب:

المطلب الأول: مفهوم الرقابة الشرعية اصطلاحاً.

المطلب الثاني: أهمية الرقابة الشرعية للمصارف الإسلامية والمتعاملين معها.

المطلب الثالث: إلزامية القرارات الصادرة عن هيئة الرقابة الشرعية لإدارة البنك وموظفيه.

المطلب الرابع: نظام هيئة الرقابة الشرعية للبنك الإسلامي الفلسطيني.

 

Œ المطلب الأول: مفهوم الرقابة الشرعية اصطلاحاً

عُرفت الرقابة الشرعية بتعريفات كثيرة من أفضلها تعريف شركة الراجحي المصرفية للاستثمار وهو: الرقابة الشرعية هي: التأكد من مدى مطابقة أعمال المؤسسة المالية الإسلامية (شركة أو مصرف)، لأحكام الشريعة الإسلامية، حسب الفتاوى الصادرة والقرارات المعتمدة من جهة الفتوى. [6]

ويمكن تعريف الرقابة الشرعية أيضاً بأنها: مُراقبة سير العمل في المصارف الإسلامية، لمعرفة مدى مطابقتهِ لأحكام الشريعة الإسلامية، في معاملاته المصرفية المختلفة، للتحقق من التزام المصرف بخصائصه، والتأكد من تحقيق أهدافه. [7]

ومن خلال هذين التعريفين يظهر لنا حقيقة الرقابة الشرعية، فهي تعتبر صمام الأمان في المصارف الإسلامية وهي التي تضبط أعمال المصارف وتبين مدى توافقها مع الأحكام الشرعية لأنه لا يمكن لأي مصرف أن يرفع راية مصرف إسلامي دون أن تكون أعماله متفقة مع الأحكام الشرعية ولا يمكن أن يتم تحقيق تلك الدعوى بدون وجود هيئة رقابة شرعية.

 

 المطلب الثاني: أهمية الرقابة الشرعية للمصارف الإسلامية وللمتعاملين معها

تعتبر الرقابة الشرعية ذات أهمية بالغة للمصارف الإسلامية لأكثر من سبب، من أبرزها:

1.   إن الأساس الذي قامت عليه المصارف الإسلامية المعاصرة هو تقديم البديل الشرعي للمصارف الربوية غير المشروعة، ولا يخفى على أحد أن الرقابة الشرعية ضرورة حيوية للمصارف الإسلامية، فهي الجهة التي تراقب وترصد سير عمل المصارف الإسلامية والتزامها وتطبيقها في معاملاتها للأحكام الشرعية.

2.   عدم الإحاطة بقواعد المعاملات الإسلامية من قبل كثير من العاملين في المصارف الإسلامية.

3.   في هذا الوقت الذي تعقدت فيه الصور التجارية، وانتشرت أنواع جديدة من المعاملات التجارية كبطاقات الائتمان، والحسابات بأنواعها، والتجارة الإلكترونية التي لا يوجد لها أحكام في المصادر الفقهية القديمة، وإن وجدت الأحكام فإن المصرفيين القائمين على النشاط المصرفي غير مؤهلين للكشف عنها بأنفسهم.

4.   إن العمليات المصرفية في الاستثمار والتمويل بالذات تحتاج إلى رأي من هيئة الفتوى؛ نظرا لتميز هذه العمليات بالتغير وعدم التكرار مع كل حالة أو عملية أو مشروع يموله المصرف، ومن ثم فالعاملون في النشاط الاستثماري يجب أن يكونوا على اتصال مستمر مع الرقابة الشرعية؛ لأنهم دائما بحاجة إلى الفتيا في نوازل وواقعات تواجههم أثناء عملهم.

5.   إن وجود الرقابة الشرعية في المصرف يُعطي المصرف الصبغة الشرعية، كما يُعطي وجود الرقابة ارتياحاً لدى جمهور المتعاملين مع المصرف.

6.   ظهور كيانات مالية واستثمارية غير جادة تنص نظمها الأساسية وقوانين إنشائها على أنها تعمل وفقا لأحكام الشريعة، دون وجود رقابة تكفل التحقق من ذلك.[8]

وبالإجمال فإنَّ وجود الرقابة الشرعية في أية مؤسسة مالية إسلامية، مصرف أو غيره، يمنحُها الثقة والقوة والشرعية، علماً بأن كل المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية، في نظامها الداخلي وقوانينها الأساسية، تشترط خضوع كل المعاملات المصرفية فيها للأحكام الشرعية، وهذا يُضفي عليها صفة القانونية بالإضافة إلى الشرعية.

ولقد حرصت المصارف والبنوك الإسلامية في فلسطين على وجود هيئة رقابة شرعية من خيرة العلماء المعروفين، وأصحاب الخبرة المشهورين على مستوى الجامعات والمراكز العلمية المختلفة.

أما الجمهور العريض من الأمة، فيتوق لتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية في حياته، لأنه يؤمن إيماناً قاطعاً بأنَّ ذلك هو طريق خلاصه من الظلم والظلمات التي يعيش فيها، ويعتبر أنّ الإعراض عن الأحكام الشرعية التي جاءَ بها الإسلام هو سبب شقائه وبلائه، وكثيراً ما تسمع العامة والخاصة تردد قول الله سبحانه وتعالى: ((وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً  قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى)) [سورة طه:124–126]. قال ابن كثير عند في تفسير ذلك: " أي خالف أمري وما أنزلته على رسولي، أعرضَ عنه وتناساه وأخذ من غيره هُداه ((فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً)) أي ضنكاً في الدنيا فلا طمأنينة ولا انشراحَ لصدره، بل صدره ضيقٌ حَرجٌ لضلالهِ وإنْ تَنَعَّمَ ظاهرهُ، ولَبِسَ ما شاءَ، وأكل ما شاءَ، وسكن حيثُ شاء، فإن قلبه لم يخلص إلى اليقين والهدى فهو في قلقٍ وحيرة وشك، فلا يزالُ في ريبهِ يتردد، فهذا من ضنك المعيشة ".

فهذا الجمهور بأمسّ الحاجة لِمَنْ يحافظ على أحكام الشرع والدين، والمصرف الإسلامي حين يستظل في ظلال الرقابة الشرعية، فإنه يمنح لنفسه الثقة التي يحتاجها الجمهور. كما أنّ هذا الجمهور حين يَجدُ المؤسسة التي تدعي التزامها بأحكام الشرع، ويتأكد لديه وجود الرقابة الشرعية فيها، يندفع بقوة للتعامل مع المصرف الإسلامي هروباً من الحرام إلى الحلال. [9]

ويبين د. محمد أمين علي القطان أهمية الرقابة الشرعية بقوله: [تعتبر الرقابة الشرعية من أهم الأجهزة الرقابية المستحدثة في مؤسسات هذه الصناعة, فهي تدخل في أكثر من نوع من أنواع الرقابات في الشرع الإسلامي, وهي الأساس الذي يعتمد عليه الكثير من المتعاملين مع هذه المؤسسات لمعرفة مدى التزام تلك المؤسسات بالأحكام الشرعية. كما أنها تعتبر من أحد الفوارق الأساسية بين المصارف الإسلامية والتقليدية. وقد أدت هذه الهيئات دوراً ملموساً في هذا المضمار مما يجعل من غير المستغرب القول بأن المصارف الإسلامية مدينة لهذه الهيئات إلى حد كبير.

يقول حسني: يلعب المجلس الشرعي في البنك الإسلامي دوراً ريادياً غير ملموس لدى الآخرين, فهو المكتشف لصيغ جديدة لا حصر لها من المعاملات المالية الحديثة والتي تختبر ذكاء أعضاء هذا المجلس. إن البنوك الإسلامية لتدين بجز كبير من مصادر نشأتها إلى الأفكار النيرة من العلماء الشرعيين.

ومن جانب آخر تظهر أهمية هذه الهيئات من خلال دورها الذي تقوم فيه تطبيقاً لما ذكرناه من الرقابة الشعبية الواجبة على كل مسلم بأن يقوم بالاعتراض على ما يراه في هذه المؤسسات الإسلامية من خلل شرعي – إن وجد – والتحري عن جدوى الأساليب وتحقيقها لأن من نتائج صحة التطبيق الشرعي للمعاملات المصرفية وسلامتها إدارياً إظهار محاسن الشريعة وإثبات كمالها وتمامها. وكذلك فهي تقوم بعملها تطبيقاً لواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, ولغاية نشر العلم الشرعي المتمثل بفقه المعاملات, ولإحياء الكثير من السنن والعمل على منع المحرم والمنكر من المعاملات, وامتثالاً للفرض الكفائي بإفتاء الناس. كما أن أعضاء هذه الهيئات يتحملون عبء تحري الطابع الإسلامي لهذه المصارف في الجوهر والمضمون من خلال تبيين الحلال من الحرام من المعاملات الاقتصادية وكشف المشتبه وإزالة الغامض ودرء الشبه عن التطبيق الاقتصادي الراشد]. [10]

 

ــــــــــــ

(1) نقلاً عن موقع فقه المصارف الإسلامية: http://www.badlah.com/page-1315.html

(2) نقلاً عن صحيفة الاقتصادية الإلكترونية الخميس 9/4/1431هـ. الموافق 25 مارس 2010 العدد 6009.

(3) نقلاً عن: http://www.cibafi.org/newscenter/Details.aspx?Id=10848&Cat=0

(4) نقلاً عن:  http://www.islamicbank.ps/main/in.htm

(5) نقلاً عن:  http://www.aibnk.com/pc/bankview_ar.asp

(6) انظر الرقابة الشرعية في المصارف الإسلامية، حمزة عبد الكريم، ص32، دار النفائس للنشر والتوزيع - الأردن، الطبعة الأولى، سنة (1426هـ=2006م).

(7) الرقابة الشرعية في المصارف الإسلامية، حسن صافي، رسالة ماجستير في جامعة القدس غير منشورة، ص 41.

(8) عبد الكريم، حمزة، الرقابة الشرعية، ص37.

(9) الرقابة الشرعية في المصارف الإسلامية العاملة في الضفة الغربية بين النظرية والتطبيق، ص 48 بتصرف يسير.

(10) الرقابة الشرعية الفعالة في المصارف الإسلامية د. محمد أمين علي القطان، ص 7-8، بحث مقدم إلى المؤتمر العالمي الثالث للاقتصاد الإسلامي جامعة أم القرى 1425هـ.

 

 التعليقات: 1

 مرات القراءة: 6887

 تاريخ النشر: 03/07/2010

2013-09-09

عادل الكيلاني

السلام عليكم ورحمة الله . بارك الله فيك أخي على مجهودك الرائع . \ أتطلع لمساعدتكم في الحصول على مقالات أو كتب عن فقه التدرج باللغة الانجليزية . فهل يمكن تزويدي بها ؟ جزاكم الله كل خير \ والسلام

 

ملاحظة:
الآراء المنشورة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو القائمين عليه، ولذا فالمجال متاح لمناقشة الأفكار الواردة فيها في جو من الاحترام والهدوء ونعتذر عن حذف أي تعليق يتضمن:
1- يحتوي على كلمات غير مهذبة، ولو كانت كلمة واحدة.
2- لايناقش فكرة المقال تحديداً.

 

 624

: - عدد زوار اليوم

7400935

: - عدد الزوار الكلي
[ 44 ] :

- المتصفحون الآن

 


العلامة الشيخ محمد حسن حبنكة الميداني


العربيــة.. وطرائق اكتسـابها..
المؤلف : الدكتور محمد حسان الطيان








 
   

أحسن إظهار 768×1024

 

2006 - 2015 © موقع رسالتي ، جميع الحقوق محفوظة

 

Design & hosting by Magellan