::: موقع رسالتي - رؤية جديدة في الخطاب الإسلامي :::

>> دراسات وأبحاث

 

 

للعفــة في سورة النور قصـة (3من6)

بقلم : د. محمد عصام العويِّد  

بسم الله الرحمن الرحيم

أسوارُ سُورةِ النّور (3/6)

 

السُّوْر الثاني:

أن العِفة في حقيقتها قضية قلبية وجدانية..

فمن أُسس تربية "النور" للمجتمع تربية الأجيال على محبة الطهر وبغض الفاحشة.

تأمل اللفظَ وتنفيرَه، (الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ) و(الْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ) هكذا بلا كناية ولا مُواربة، فأين توارت توريات وكنايات القرآن؟!

بل يؤكد معناها بالنص على ضدها ((وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ))

فلا بد من أحد الوصفين إما خبيث أو طيب..

وحين يرد هذا اللفظ المستشنع "خبيث" تتهادى إلى خاطرك آية الأنفال:

((لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ))

كانت أجساداً على الأرائك بعضها فوق بعض بالحرام، فصارت أجساداً بعضها أيضاً فوق بعض لكن متراكمة كجثث الموتى في نار جهنم، عياذاً بالله.

ومن طهر نفسه فهو "الطيب"، والناس في هذا يتفاوتون:

1 – فمنهم المحصن: وهو من حصن نفسه منها وإن نازعته شهوته.

2- وفوقه الغافل: وهو من لم تدُر الفاحشة بخاطره أصلاً.

ولما كانت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قد حازت أعلى المرتبتين قال الله تعالى ((إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ)).

وفي القوم أناس جريرتهم الكبرى هي المحبة ((إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ))، فهؤلاء يحبون مشاهد الفاحشة بين الشباب والفتيات، يطربون لسماعها في المجالس، يرسلون روابطها للناس عبر المنتديات والإيميلات والقروبات، يتسابقون إلى برمجة ونشر (البروكسي) لتحطيم سدود الطهر، وما درى هذا المسكين أنه يُسابق إلى جبل من جبال جهنم، أيها يحطم رأسه أولاً.

فغرس محبة العفاف سوْرٌ عظيم للفضيلة :

ولذا امتن الله على المؤمنين بقوله ((وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ)) [الحجرات:7]

وأثنى عليهم بقوله ((وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ))، وقوله ((وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ)).

ودعا به صلى الله عليه وسلم لأمته "اللهم طهِّر قلبَه، وحصِّن فرجَه".

 

وهذا الغرس له من الوسائل والأساليب ما لا يحصى:

1- الإقناع: " أترضاه لأمك ..."

2- معرفة شرف العفة وفضلها:

((وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا))  [التحريم:12]،

((وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا)) [الأنبياء:91].

وهنا لطيفة في مجيء حرف الفاء (فـنفخنا) بين الجملتين (أحصنت) و(نفخنا)، فهي تفيد التفريع، أي أن ما بعدها (نفخنا) فرع ونتيجة لما قبلها (أحصنت).

بل إن الله لما ذكر مريم عليها السلام وصفها بثلاث صفات:

 (الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا..).. (وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ).. (وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ)..

فتأمل كيف قدم الله وصفها بالإحصان على وصفها بالتصديق والقنوت، وكيف ذُكر النفخ بعده وقبلهما إظهارا للسبب الأبلغ أثراً لاصطفائها بهذا النفخ العظيم.

ومن السنة في الحديث الحسن قال صلى الله عليه وسلم: "إذا صلت المرأة خمسها، وحصنت فرجها، وأطاعت بعلها، دخلت من أي أبواب الجنة شاءت".

وما أجمل لو حفظنا بناتنا مثل هذه الأبيات الرائقة:

أختاه لا تهتكي ستر الـحياء ولا *** تضيعي الدين بالدنيا كمن جهلوا

تمسكي بكتاب الله واعتصـــمي *** ولا تكوني كمن أغراهم الأجل

أختاه كوني كأسماء التي صـبرت *** وأم ياســـر لما ضامها الجَهـِل

كوني كفاطمة الزهراء مؤمنـــة *** ولتعلمي أنــها الدنيا لها بدل

كوني كزوجات خير الخلق كلهم *** من علم الناس أن الآفة الزلل

من صانت العرض تحيا وهي شامخة *** ومن أضاعـته ماتت وهي تنتعل

كل الجراحات تشفى وهي نافـذة *** ونافذ العرض لا تجدي له الحيل

أختاه إنا إلى الرحمان مرجعنـا *** وسـوف نسأل عما خانت المُقل

أختاه عودي إلى الرحمان واحتشمي *** ولا يــغرنك الإطراء والدجل

توبي إلى الله من ذنب وقعت به *** وراجعي النفس إن الجرح يندمل

3 - التخويف من عاقبة الفاحشة: كما في حديث التنور في البخاري في رؤياه صلى الله عليه وسلم: "قَالَا لِي - أي الملكين - انْطَلِقْ انْطَلِقْ فَانْطَلَقْنَا فَأَتَيْنَا عَلَى مِثْلِ بِنَاءِ التَّنُّورِ، قَالَ عَوْفٌ وَأَحْسَبُ أَنَّهُ قَالَ وَإِذَا فِيهِ لَغَطٌ وَأَصْوَاتٌ ، قَالَ : فَاطَّلَعْتُ فَإِذَا فِيهِ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ عُرَاةٌ ، وَإِذَا هُمْ يَأْتِيهِمْ لَهِيبٌ مِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ فَإِذَا أَتَاهُمْ ذَلِكَ اللَّهَبُ ضَوْضَوْا، فَقُلْتُ مَنْ هَذَا ؟.. قالا : وَالَّذِي رَأَيْتَهُ فِي الثَّقْبِ فَهُمْ الزُّنَاةُ".

وأحاديث انتشار الأمراض المستعصية بين أهل الفواحش ودلالة الواقع على ذلك.

4- القصص: ومنها قصة يوسف عليه السلام ، وحديث الذي دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال : إني أخاف الله ، وعند الاسماعيلي في مستخرجه وأصله في صحيح البخاري مختصراً

 عَنْ عَمْرو بْن مَيْمُون قَالَ :

"كُنْت فِي الْيَمَن فِي غَنَم لِأَهْلِي وَأَنَا عَلَى شَرَف، فَجَاءَ قِرْد مِنْ قِرَدَة فَتَوَسَّدَ يَدهَا، فَجَاءَ قِرْد أَصْغَر مِنْهُ فَغَمَزَهَا، فَسَلَّتْ يَدهَا مِنْ تَحْت رَأْس الْقِرْد الْأَوَّل سَلًّا رَفِيقًا وَتَبِعَتْهُ، فَوَقَعَ عَلَيْهَا وَأَنَا أَنْظُر، ثُمَّ رَجَعَتْ فَجَعَلَتْ تُدْخِل يَدهَا تَحْت خَدّ الْأَوَّل بِرِفْقٍ، فَاسْتَيْقَظَ فَزِعًا، فَشَمَّهَا فَصَاحَ، فَاجْتَمَعَتْ الْقُرُود، فَجَعَلَ يَصِيح وَيُومِئ إِلَيْهَا بِيَدِهِ، فَذَهَبَ الْقُرُود يَمْنَة وَيَسْرَة، فَجَاءُوا بِذَلِكَ الْقِرْد أَعْرِفهُ، فَحَفَرُوا لَهُمَا حُفْرَة فَرَجَمُوهُمَا، فَلَقَدْ رَأَيْت الرَّجْم فِي غَيْر بَنِي آدَم".

وليت من استفرغ جهده في جمع هذه الوسائل من الكتاب والسنة وتجارب الناس؛ فسيجد درراً وجواهر أغلى من الألماس.

 

 التعليقات: 1

 مرات القراءة: 3132

 تاريخ النشر: 13/08/2010

2010-08-14

غسان

الحديث الأخير عن القردة عجيب ومشوق ...... شكراً

 

ملاحظة:
الآراء المنشورة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو القائمين عليه، ولذا فالمجال متاح لمناقشة الأفكار الواردة فيها في جو من الاحترام والهدوء ونعتذر عن حذف أي تعليق يتضمن:
1- يحتوي على كلمات غير مهذبة، ولو كانت كلمة واحدة.
2- لايناقش فكرة المقال تحديداً.

 

 242

: - عدد زوار اليوم

7464187

: - عدد الزوار الكلي
[ 33 ] :

- المتصفحون الآن

 


العلامة الشيخ محمد حسن حبنكة الميداني


العربيــة.. وطرائق اكتسـابها..
المؤلف : الدكتور محمد حسان الطيان








 
   

أحسن إظهار 768×1024

 

2006 - 2015 © موقع رسالتي ، جميع الحقوق محفوظة

 

Design & hosting by Magellan