::: موقع رسالتي - رؤية جديدة في الخطاب الإسلامي :::

>> دراسات وأبحاث

 

 

سورة الإنسان وتنظيم الحياة (2من2)

بقلم : د. محمد عصام العويد  

 

الركيزة الثالثة: وسائلك الواجبة والمكملة، وضرورة تنوعها.

لقد نوع الله سبحانه من الوسائل في "الإنسان" وهي إشارة جلية لضرورة تنوعها في حياتك لتحقيق ما تصبو إليه، فمنها:

1) وسائل لأداء حقه سبحانه على هذا الإنسان.

(يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا) (7)

(وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا) (25)

(وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا) (26)

2) ومنها حق للإنسان على الإنسان:

(وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا) (8)

ومن تأمل في هذه الوسائل؛ وجد منها الواجب (يوفون بالنذر) ومنها المستحب (وسبحه ليلا طويلا)، ومنها اللازم في كل وقت (ويخافون يوما) ومنها المؤقت بزمن (بكرة وأصيلا) ومنها ما هو خاص بالليل ومنها في النهار، ومنها عبادة قلبية (يخافون) ومنها بدنية (فاسجد) ولسانية (فسبحه)، ومنها ما أمر الله به ابتداء (واذكر) ومنها ما أوجبه العبد على نفسه (يوفون).

وأمعنْ حفظك الله النظر في الاقتصار على الإطعام في "الإنسان" حين ذُكر حق الإنسان على الإنسان، واستحضر معها آية المدثر (وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ) وآية الحاقة (إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ (33) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ) وآية الغاشية والفجر والماعون.

إنها الإنسانية في الدين الخاتم في أرقى مشاعرها حين لا يكون للاختلاف في الدين والعقيدة فضلاً عن اللون والعرق والجنسية أيُّ أثر على بذل ضروريات الحياة للإنسان من طعام وشراب وأمن ومأوى، والطعام المقدم هنا ليس هو الفضلة ولا الفُتات، بل هو طعام محبب تتطلع إليه نفوس (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ)، علماً بأن الأسير في زمنه صلى الله عليه وسلم لا يكون إلا كافراً محارباً عدواً لله ورسوله، فكيف بالسجين الكافر المسالم ؟ وكيف بالمسلم؟؟ ثم كيف إذا كان سجنه إنما هو بتأويل محتمل أو ظلم بواح؟؟!

3) وهناك وسائل مشتركة خصّ الله منها اثنتين فقط بالذكر في "الإنسان" وهما الصبر والقرآن:

- (وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا) (12) (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ) (24)

- (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلًا) (23)

وهذا الصبر أمره عجب فقد قدمه الله في (القرآن) على القرآن والصلاة والتقوى والتوكل والاستغفار والنصر والثبات في مواطن متعددة، والصلاة في القرآن لا تكاد تُسبق فلما اقترنت بالصبر قُدم عليها في آيتين كلاهما في البقرة (استعينوا بالصبر والصلاة)، وفي "الإنسان" كُرر الصبر مرتين بينما القرآن مرة واحدة، لأن ما من فضيلة في دين أو دنيا إلا والصبر سُلمها، ولا ضدها إلا وثوب الصدر قد تعارّ عنها. ولذا أُثر عن علي رضي الله عنه أنه قال: ألا إن الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، فإذا قطع الرأس بار الجسم، ألا لا إيمان لمن لا صبر له.

فإن ركبت الصبر أيها "الإنسان"، وكان دليلك القرآن، فالموعد تحت قُبة عرش الرحمن.

 

« وتأمل كيف تكرر التأكيد على حضور الغاية مع الوسيلة:

(إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا) (9)

(إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا) (10)

(الله) (القيامة) (الجنة) (النار) غايات لا يجوز أن تغيب عن قلب وعقل وسمع وبصر المربي والمتربي في كل مراحل الطريق ومهما اختلفت الوسائل.

 

الركيزة الرابعة: التحديات والعوائق، وكيف يتغلب عليها؟

ذكرت "الإنسان" عائقين شاهقين كل واحد منهما يعوق دون الوصول للمأمول:

فأولها: عدوك الذي يحيط بك:

وهما نوعان: آمر بالإثم أو بالكفر (وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا) 24.

والنص على "الإثم" فيه تنبيه إلى أسلوب قذرٍ قد يستخدمه أعداء الإيمان والنجاح، فهم إذا رأوا "الإنسان" الجاد في حياته السائرَ لغايته وعجزوا عن حَرفه عن طريقه؛ نثروا زخارف الإثم بين يديه وحفروا حبائل المال والنساء بين قدميه، لعل أن أحدها يكرفسه، فهم إن لم يحرفوا وجهه؛ فلا أقل عندهم من تلطيخ ثيابه.

و"مِن" في (مِنْهُمْ) للتبعيض، لأن لكل واحد منهم من الحذق في جانب من جوانب الصد عن الغاية ما ليس للآخر، فهذا (يهدد) وذاك (يُرغب) والثالث (يُداهن) والرابع (يشوه) والخامس (مُشفق)...، ستواجه ألواناً من المثبطين والمعوقين وبعضهم صادقُ النصحِ لكن أخطأ موضع القدم.

فـالأمر الرباني لتجاوز هذه العقبة (لا تطع)، كل هؤلاء مع اختلاف مقاصدهم ووسائلهم وأساليبهم...

الجواب لهم جميعاً: (لا)......

 

وثانيهما: عدوك الذي بين جنبيك، وهو نفسك إن تعلقت بالدنيا.

وهذا العائق إن سمحت ببنائه في فؤادك فهيهات الوصول لغايتك، فهو سد عالٍ مُصمَت لن تظهر عليه ولن تستطيع له نقباً، وله شقان (يُحِبُّونَ) و (يَذَرُونَ) ولنتأمل هذه الآية العظيمة:

(إِنَّ هَؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا) 27

(إن) مؤكِدة (هؤلاء) ولم يقل "هم" لما في الإشارة في مثل هذا السياق من معنى التسفيه، (يحبون) فالمشكلة في أصلها قلبية "حب"وهي سبب انقطاعهم دون بلوغ آمالهم، (العاجلة) اغتروا بالمكسب القريب الحقير فألهاهم عن مواصلة المسير، (يذرون) ماضيها وَذَرَ وهو لا يطلق إلا فيما لا يعتد به، قال الراغب: يقال فلان يذر الشيء أي يقذفه لقلة الاعتداد به، وصيغة المضارع في (يذرون) تقتضي أنهم مستمرون على ذلك وأن ذلك متجدد فيهم ومتكرر، (وراءهم) خلف ظهورهم لعدم المبالاة، فهم يمشون وقد عكسوا الطريق فبدل أن تكون الغاية أمامهم يركضون لها، جعلوها خلف ظهورهم وركضوا عنها، فبالله متى يصل هؤلاء؟

وعلاج هذا التيه لا يكون إلا هنا في "الإنسان" (إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ) ، فهذه هي حقيقة الإنسان، وهذا مبدأ وختام حياته، وهذه وسائله وعوائقه، فلم يبق إلا (فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا)...

ربنا اجعل "سورة الإنسان" حجة لنا لا علينا...

 التعليقات: 0

 مرات القراءة: 3105

 تاريخ النشر: 23/08/2010

ملاحظة:
الآراء المنشورة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو القائمين عليه، ولذا فالمجال متاح لمناقشة الأفكار الواردة فيها في جو من الاحترام والهدوء ونعتذر عن حذف أي تعليق يتضمن:
1- يحتوي على كلمات غير مهذبة، ولو كانت كلمة واحدة.
2- لايناقش فكرة المقال تحديداً.

 

 1021

: - عدد زوار اليوم

7447819

: - عدد الزوار الكلي
[ 40 ] :

- المتصفحون الآن

 


العلامة الشيخ محمد حسن حبنكة الميداني


العربيــة.. وطرائق اكتسـابها..
المؤلف : الدكتور محمد حسان الطيان








 
   

أحسن إظهار 768×1024

 

2006 - 2015 © موقع رسالتي ، جميع الحقوق محفوظة

 

Design & hosting by Magellan