::: موقع رسالتي - رؤية جديدة في الخطاب الإسلامي :::

>> مقالات متنوعة

 

 

إنها الروح تهــيم.. تحسن ظنها بربها..

بقلم : ريما الحكيم  

 

لم يكن مجرد ضيف.. بل كان غائباً منذ أحد عشر شهراً عاد محملاً بهدايا الحب والإيمان والنور.. شرَّفنا بوجوده بيننا ثلاثون يوماً، ليرحل بعدها وقد أفرغ في قلوبنا رحمة ومغفرة وعتقاً من النار..

لم يكن مجرد زائر.. بل كان عزيزاً غالياً آتياً من سماوات اليقين.. محمَّلاَ بنسمات الحنين.. عبقاً بروعة الأنين.. أتى لتحلق معه أرواحنا وتهيم في السماء.. لتلامس أجنحة الصفاء.. وتطوف مع غيوم النقاء...

لم يكن مجرد شهر من سنة.. بل كان عمراً مرَّ في شهر.. كان ثلاثون نهاراً طويلاً أشعرنا بحرارته وطوله بعناية من الله، أعلمتنا أن تقوى الله خير ما يعين المرء على شدة يتوقعها وعناء يخشاه.. كان ثلاثون ليلة قصيرة أشعرتنا بلذة التحليق فيها مع أنات العابدين، ودعوات الساجدين، ويقين الداعين....

كان (رمضاناً).. أتانا ليحطم سجن الذنوب، ويُخلِّصَ القلب من أسر النفس، يعرج بنا إلى السماء، لنعتصم بحبال الرحمــة.. ونستمسك بحبال المغفــرة...

               

إنها الروح تهيـــم... في ليلة من ليالي رمضان..

إنها الروح تهيم.. تحلق في سماء النقاء.. تتمسك بحبال الحب واليقين.. وتلتمس العفو والمغفرة عند أعتاب رب الأرباب...

فما عساها تلقى؟!..

وما يكون جوابها؟!..

وما هي آفاقها؟!...

أتبقى ساجدة عند الأعتاب، تناجي صاحب الباب ليفتحه ويقبلها تائبة معتذرةً عن ذنوبها، مغتسلة بدموعها، مشفوعة بدعواتها؟!...

أتراهُ البابُ يُفتح أمام نغمات أنينها؟!...

أتُراها العينُ تقرُّ برؤية أجنحة العفو تحط عليها بعد أن حلقت معها في سماء النقاء؟!...

أتراها تكون مقبولة بتوبتها.. فرحةً بإنابتها؟!...

               

 ((أنا عند ظن عبدي بي)).. [حديث قدسي في صحيح مسلم]

بضع كلمات تختصر الإجابة عن الأسئلة السابقة كلها..

عبارةٌ تحدد موقف الروح أمام سيد الأعتاب، تراها تقبل أم تطرد.. وما عُهد عنه سبحانه أنه طرد قلباً تائباً من رحمته قبل الآن!!..

عبارةٌ تحدد صدق الروح.. تقترح عليها أن تكون صادقة لتُقبَل، وأن تكون ظانَّة بالله ظناً حسناً لتلج الأبواب.. وتسجد في ملكوت صاحب الأبواب..

إنها حقيقةٌ يغفل عنها الكثيرون.. تراهم لا يتكلمون إلا في شروط قبول التوبة العادية الموجودة في كتب العقيدة والأحكام الفقهية..

"شروط التوبة" مطلوبة طبعاً ووجودها مطلوب لوجود التوبة.. ولكن!! هل الأمر نظريٌّ لهذه الدرجة؟!.. هل صحيح أننا وبمجرد اتباعنا لـ (دفتر الشروط) الخاص بالتوبة فإننا سنصل لقبولها حتماً؟!.. هل صحيح بأن هناك manual أي دفتر تعليمات يشرح كيفية دخول أبواب ملكوت الله بشكل نظريّ.. ودون اتباعه فإننا سنُطرد من الأعتاب وإن كنا أتيناها بصدق؟!..

صدق التوبة يستلزم مع شروطها حسن الظن بالله سبحانه، يستلزم معها أن نوقن تماماً أن الله سبحانه وتعالى يريد منا حسن الظن ليقبلنا.. سبحانه وتعالى ينادينا لندعوه.. ويعدنا بإجابة دعوتنا بمجرد حسن الظن به.. فما الذي ننتظره نحن؟؟..

ما الذي ننتظره وقد قيل عنه سبحانه:

((إن لم تُحسِّن ظنك به لأجل وصفه .. حسِّن ظنك به لأجل معاملته معك .. فهل عَوَّدكَ إلا حسناً ؟ وهل أسدى إليكَ إلا منناً؟))

ما الذي ننتظره وقد تعودنا الكرم الدائم من الله سبحانه.. ما الذي ننتظره والله أهدانا ليالي رمضان الغالية التي شارفت على الانتهاء؟؟

ما الذي ننتظره لنحسن ظننا بربنا.. بأنه قادر على كل شيء.. تواب رحيم.. مجيب الدعاء..

ما الذي ننتظره بعد رمضان؟؟

واللــــهُ عَوَّدَكَ الجميل ... فقِسْ على ما قد مضى...

 

 التعليقات: 9

 مرات القراءة: 3733

 تاريخ النشر: 08/09/2010

2010-09-21

آية + رغد

ما شاء الله آنسة ريما،، شكراً على إبداعاتك ،، وكل عام وأنت بخير،،، ليتك تعودين لتدريسنا كالسنة الماضية،،،

 
2010-09-19

حسن

ما شاء الله ... حفظك الله أختي الكريمة ... ربي يحميك على هذه الكلمات التي قصّرت حقّاً بعدم قرائتي لها قبل اليوم ... !! والله لأن التّوبة حين تكون صافية أو كما تسمّى/نصوحة/ فهي لا ترد باذن الله تبارك وتعالى .. وباعتقادي لسنا بحاجة لشروط وشروط وخصوصاً إن كانت مشروطة بشكل يصعب تنفيذه .. فشروط التّوبة تكمن "باعتقادي" بالندم على فعل المعصية والنيّة الصّادقة على عدم تكرارها .. واعتقد أنّ حسن الظّن بالله شرط لازم .. لأنه من لا يظن بالله ظنّاً حسناً أو يعتقد بأنّ الله لن يسامحه أو سيبخل عليه بالتوبة والمغفرة/معاذ الله/ فلن يتوب بحياته كلها ... لكن الخوف ممّن يظن بالله ظنّاً حسناً .. وهذا ما يدعوه إلى ارتكاب المعصيّة وهو متيقّن من أنّ الله سيغفر ذنبه فيما بعد ... فعندها يسهل عنده ارتكابه المعصية...!! أي اختصار كلامي أنّ الله غفورٌ رحيمٌ حليم .. لكن أيضاً إنّه على كلّ شيءٍ قدير وأيضاً عقابه شديد عز وجل ...!! جزاكم الله كل الخير ... وأعاد شهر رمضان وأيّام العيد عليكم بالخير والعافية ... واليمن والمودّة والرّحمة ...!! والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...!!

 
2010-09-16

ريما الحكيم

كلامك صحيح أختي غنوة.. ولكنني لا أتحدث عن كتاب الله سبحانه.. أنا قصدت الشروط التي يضعها البعض للتوبة ويقررون مسبقاً أن لا توبة دونها، فيستصعبها البعض ولا يقدر عليها البعض الآخر، ويؤجلون التوبة أياماً وشهورا وسنيناً على أمل تحقيق الشروط تلك.. طبعاً التزامنا بكتاب الله سبحانه هو خير هاد لنا على طريق التوبة.. ولكن.. لنبدأ أولاً بها بصدق.. لنبدأ.. كلامي ليس تغييباً لشروط التوبة ولا إلغاء لها، معاذ الله.. إنما هو نقطة للانطلاق.. نقطة للبداية.. نقطة للعزيمة.. ونقطة للتطبيق.. هو خطوة أولى.. وبعدها.. يعيننا الله على البقية.. وهو حسن ظن بالله، بتحقيقه نعلم أن الله خير معين لنا للالتزام والتطبيق وتحقيق دفتر الشروط الذي ذكرته...

 
2010-09-12

غنوة زين

يا أختي الغالية كلماتك مؤثرة ورقيقة ولكنها لا تكفي لتغييب الحقيقة. من وضع هذا الدفتر؟ أليس هو الذي نتوب إليه! ومن الذي تقبل توبته ؟هذا الصادق الذي تتحدثين عنه ؟أليس هو الذي قد علم بصفاء روحه مدى عظم ذنبه ومدى اجترائه على الله ومدى قدرة الله عليه فتاب عن ذنبه وعزم ألا يعود إليه وألا يغضب مولاه ثانية ثم استذكر أن الله لا يرضى حتى تؤدى حقوق العباد فعاد وأناب وأدى ما عليه تجاه الخلق و و و أليست هذه هي شروط التوبة المكتوبة في دفتر الشروط؟ ألا ترين أنها تتطابق مع الصدق الذي تتحدثين عنه وعناه كل الأخوة المعلّقين! ثم هو ليس بدفتر شروط إنه كتاب. نعم إنه كتاب الله. أي كلام الله هذا الذي أردتم بصدقكم ألا تخرجوا عن أمره فاقرؤوا إذاً أمره والتزمزا ثم هناك هناك تجدو الله تجاهكم وفقكم ربي

 
2010-09-12

بتول العتقي

شكرِ جزيل لك يا أنسة ريما على هذا المقال وأرجو من الله أن يكون قد تقبل منا صلاتنا و صيامنا وأرجو أن يعيده علينا باليمنى والبركة

 
2010-09-08

سنا حجازي: فلسطين/دمشق

_ فعلا تساؤل جد مهم هل صحيح ان هناك دفتر manual يتكلم عنه دائما لدخول الباب ام هناك يمكن لحسن الظن به ان يجعلنا نعيش داخل رحابه مباشرة و دخل الاعتاب من غير اقفله و لا ابواب؟ _ و إن لم تحسن ظنك بربك لاجل وصفه فلا بد ان تحسن ظنك به مما ترى من حسن معاملته معك ... كلمات استوقفتني و شدتني لاتاملها و استشعرها و اتاثر بها فتدمع عيناي عفا الله عنا ما عبدناه حق عباده و هل ندخل الاعتاب و نرقى بالجنان الا بجلاله و عظيم كرمه و احسانه و حسن الظن به ... جزاكي الله خيرا اختي ريما فلطالما عودتيني على مقالاتك المؤثرة ارجو لك التوفيق دائما.

 
2010-09-08

جعفر الوردي

جميل هذا البوح الصافي والأجمل منه أنه يحث الإنسان إلى يد الحب الحنان إلى باب الله تبارك وتعالى شكرا لكِ فقد أحسنتِ

 
2010-09-08

دانا شباط

السلام عليكم حقيقة مقالة رائعة فرمضان لم يكن مجرد ضيف ولا مجرد زائر ولا مجرد شهر من السنة بل كان روحاً سرت في اعماق حياتنا ثلاثين يوماً لتترك أريجاً فاح في أرجائها فلن يغيب عنها ويستمر في ألقه أحد عشر شهراً حتى نصل إلى رمضان القادم تقبل الله منكم ومنا الطاعة و عسى العيد يُعاد عليكم بالخير و اليمن والبركة

 
2010-09-08

محمد أحمد - المغرب -

نعم .. لقد رحل شهر رمضان الكريم، ورحلت لياليه العطرة .. فلقد كان ميدانا يتسابق فيه المتسابقون، ويتنافس فيه المتنافسون ، في أطعم المسكين ، وأحسن إلى اليتيم، وتصدق على الفقير.. وفيه تنعم المسلمون بتلاوته القرآن وتدبره، لكن بقي أن ينعموا بتطبيقه والعمل به.... أضم صوتي إلى صوتك أستاذة ريما الحكيم، وأقول للذين صاموا رمضان ، إيمانا واحتسابا ، واصلوا مسيرتكم، ولا تستبدلوا الدي هو ادنى ، بالذي هو خير... شكر الله لك أختي ريما، وكل عام وأنتم بخير.

 

ملاحظة:
الآراء المنشورة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو القائمين عليه، ولذا فالمجال متاح لمناقشة الأفكار الواردة فيها في جو من الاحترام والهدوء ونعتذر عن حذف أي تعليق يتضمن:
1- يحتوي على كلمات غير مهذبة، ولو كانت كلمة واحدة.
2- لايناقش فكرة المقال تحديداً.

 

 500

: - عدد زوار اليوم

7400439

: - عدد الزوار الكلي
[ 47 ] :

- المتصفحون الآن

 


العلامة الشيخ محمد حسن حبنكة الميداني


العربيــة.. وطرائق اكتسـابها..
المؤلف : الدكتور محمد حسان الطيان








 
   

أحسن إظهار 768×1024

 

2006 - 2015 © موقع رسالتي ، جميع الحقوق محفوظة

 

Design & hosting by Magellan