::: موقع رسالتي - رؤية جديدة في الخطاب الإسلامي :::

>> قضية ونقاش

 

 

فلنحمل راية التعريب

بقلم : الدكتور محمد حسان الطيان  

 

بقلم د. محمد حسان الطيان
رئيس مقررات اللغة العربية بالجامعة العربية المفتوحة
عضو مجمع اللغة العربية بدمشق

 

قديماً قالوا : > إن الخلاف في الرأي لا يفسد للودّ قضية < . وقد شهدت ساحات العلوم خلافات ومطارحات حفلت بالآراء والأفكار ، ونجم عنها خير كثير ، وفكر سديد ، وعلم ينتفع به .

ولقد شدّني هذا الخلاف الناشب حول (الحاسوب) و(الكمبيوتر) وهو بلا ريب فرع عن مسألة أكبر’، تلك هي مسألة الصراع بين الأصيل والدخيل التي ابتدرها الأستاذ فداء ياسر الجندي’، وأسهم فيها الأستاذ عبد القادر الكاملي وشارك آخرون من ورائهما’، فكنت أتابعه بشغف به’، وإكبارٍ للمتحاورين الذين لم يُفسِد خلافُهم للودّ قضية ، بل كنت أشعر برباط الأخوة الذي يربطهم ، واعتصامهم بالحق الذي كان وما زال رائدهم .

وحسب هذا الخلاف أنه دفع إلى تخصيص ركن لمواضيع اللغة العربية والتعريب ، وفتحِ ندوة تعريب الحاسوب وتقنية المعلومات ليكون قد آتى أكله على خير وجه . والشكر مصروف أولاً وآخراً إلى مجلتنا الحبيبة والقائمين عليها ، جزاهم الله عن العربية وأهلها خير الجزاء .

وإذا قدِّر لي أن أنخرط في هذا الحوار أو أسهم في هذه الندوة ، فإني أقف إلى جانب التعريب وأدعو إليه وأذود عنه مؤيداً ما جاء من دلائل بينة عليه ومؤازراً بإضافة النقاط التالية إليه :

1 ـ إذا استسلمت الأمة للحضارة الوافدة وذابت فيها فسيكون مآلها إلى الفناء . ولقد أشار إلى ذلك مؤسس علم الاجتماع عالمنا الفذّ ابن خلدون في مقدمته حيث يقول : > إن المغلوب مولع أبداً بالاقتداء بالغالب في شعاره وزيّه ونحلته وسائر أحواله وعوائده < ثم يقول : > إن الأمة إذا غلبت وصارت في ملك غيرها أسرع إليها الفناء <([1]) .

2 ـ قبول المصطلح الأجنبي في العربية مرهون بصياغته وفق المقاييس والأوزان الصرفية العربية بحيث يصبح قابلاً للتعريف والاشتقاق بمختلف أنواعه والنسبة والتصغير ... ككلمة دِرْهم التي استعمل منها : دَرْهَمَه ومُدَرْهَم ودِرْهَمِيّ ودُرَيْهِم ... ولعلّ من طريف استعمالاتها ما جاء على لسان أستاذنا الدكتور مازن المبارك حينما نفِد ما عنده من مال عندما كان طالباً مغترباً في القاهرة ، فأرسل برقية يستنجد فيها بأهله ، اقتصر فيها على كلمة > دَرْهِمُونا < . ومن ذلك أيضاً فِهْرِس وفَهْرسة وفهارس ومفهرسة ، وهندسة وهندسية ومهندس ، وتِلْفاز وتَلْفَز ، وبَسْتَر ، وكَهْرَب ، وقَوْلَب ... فكل هذه المصطلحات دخلت في صميم العربية ، واشتقت منها كلمات أنْسَتِ الناسَ أصلها الأول ، فهل يستقيم ذلك في كلمة ( كمبيوتر ) ؟!! ..

3 ـ إن التذرع بكثرة من يستعمل كلمة ( كمبيوتر ) لا يقتضي أبداً صوابها أو تصويبها ، لأن الأكثرية لا تعني بالضرورة الحقَّ ، فقد تكون الغلبة لغير أهل الحق لكثرتهم ، يقول تعالى : {                  } مع أن اتخاذ المساجد على قبور الصالحين منهيّ عنه شرعاً ، لقوله ‘ : > ألا فلا تتخذوا القبور مساجد إني أنهاكم عن ذلك < [ رواه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة ] .

4 ـ إن ما نشعر به اليوم من قصور لغتنا وعجزها عن اللحاق بركب الحضارة ، شعر به الغربيون إبان نهضتهم حينما كانوا يترجمون الكتب العربية إلى اللاتينية ، ولنستمع إلى بترارك شاعر الطليان يستنهض قومه ويبث في نفوسهم الثقة والعزيمة : > ماذا ؟ لقد استطاع شيشرون أن يكون خطيباً بعد ديمستن ، واستطاع فرجليوس أن يكون شاعراً بعد هوميروس ، وبعد العرب لا يسمح لأحدٍ بالكتابة !! لقد جارينا اليونان غالباً ، وتجاوزناهم أحياناً ، وبذلك جارينا وتجاوزنا غالبية الأمم ، وتقولون إننا لا نستطيع الوصول إلى شأو العرب ! يا للجنون ! ويا للخبال ! بل يا لعبقرية إيطاليا الغافية أو المنطفئة <([2]) .

5 ـ كثيراً ما يوجد مصطلحان ؛ الأول عربي أصيل ، والثاني أعجمي دخيل ، فينتشر الثاني بين الناس بادي الرأي لا لكونه هو الأفضل أو الأنسب ، وإنما لجهل الكثيرين بالمصطلح الأصيل ؛ إما عن قصور أو تقصير أو عن كليهما .

ولكن للباطل جولة ثم يضمحل ، وللحق دولة لا بد أن تظهر ، فلا يلبث المصطلح الدخيل أن يزول ، ولا يلبث المصطلح الأصيل أن يظهر وينتشر .

والأمثلة على ذلك كثيرة أذكر منها ( الهاتف والتلفون ـ السيارة والأوتوموبيل ! ـ والجريدة والجورنال ـ ومبنى الحكومة والسراي ) .

6 ـ في تراثنا العربي الإسلامي إرث هائل من المصطلحات العلمية استعملها أجدادنا وهم يتربعون على عرش الحضارة الغالبة المتبوعة ، ونسيناها ونحن نقتات على فتات الحضارة مغلوبين تابعين . ولكن حركة التعريب الناشطة في أوائل هذا القرن أسهمت في إحياء جزء منها ولاسيما في علوم الطبّ ، وما زالت الكثرة الكاثرة تنتظر من ينهض بها أو ينهد لها ليبعثها من مرقدها بعد طول سُبات ، وليذيعها وينشرها بعد طول خمول ، وقد وُفّقنا إلى شيء من هذا القبيل في عمل اتصلت أسبابنا به([3]) ، وهو تحقيق ما في تراثنا من مخطوطات في علم التعمية واستخراج المعمى ( التشفير وكسر الشفرة ) إذ تكشّف لنا هذا التراث عن مئات المصطلحات العربية المستعملة في هذين العلمين مثل : ( التعمية ـ التعمية المركبة ـ استخراج التعمية ـ المفتاح ـ الرمز ـ المدمج ـ الفاصل ـ الكلمة المحتملة ـ الأغفال ـ التبديل ـ الأحبار السرية ـ الإعاضة ... )([4]) مما يمكن أن يؤلف نواة لمعجم متخصص يستغني فيه الباحثون عن كثير من المصطلحات الدخيلة أو الوافدة في هذا المجال العلمي الخصب ، ولا يخفى ما لهذا العلم من أهمية في حياتنا اليومية تتبدّى في التطبيقات المختلفة له في المجالات العسكرية ، والمالية المصرفية ، والتجارية ، والإعلامية ( القنوات الفضائية ) ، والمعلوماتية ( أمن الحاسوب ) .

وبعد فإنه لا يداخلني ريب ولا يخالجني شك أن انتصار العربية واستحكام أمرها نتيجة حتمية تشير إليها كل المقدمات وتؤكدها كل الدلائل . فالعربية باقية ما دام في الأرض قرآن يتلى وذكر يرفع {                  } .

فإذا كان الأمر كذلك فليكن لنا شرف الإسهام’، ولتكن هذه المجلة منبراً سبّاقاً لتحقيق هذه الغاية في غدٍ مأمول قريب :

فإنْ يكُ هذا اليوم ولّى

 

فإنّ غداً لناظره قريبُ

 

 

* * * * *


  *      كتبت هذه المقالة بطلب ملحّ من الأستاذ فداء ياسر الجندي المحرر في مجلة (p.c.Magazine) الطبعة العربية (عام 1999) وأرسلتها إلى الأستاذ المذكور ولم أتلق حتى اليوم جواباً عنها فما أدري أنشرت أم أهملت!!.

([1])      مقدمة ابن خلدون ص 137’.

([2])      عن مقال للدكتور عبد الكريم اليافي في مجلة اللغة العربية بدمشق مج63 ج2 ص198’.

([3])      وقد نتج عنه إنجاز موسوعة علم التعمية واستخراج المعمى عند العرب’, نشر جزؤها الأول سنة 1987 والثاني سنة 1997 عن مجمع اللغة العربية بدمشق ولا’يزال العمل مستمراً’.

([4])      انظر فهرس علم التعمية واستخراج المعمى عند العرب 1/385 ـ 398’.


 التعليقات: 9

 مرات القراءة: 3380

 تاريخ النشر: 17/10/2007

2008-07-04

مها من الكويت

ماشاء الله الدكتور حسان رائع جدا في برنامج قائف

 
2008-07-02

نجمة الحياة

حقيقة انا في السادسة عشر من عمري ولكن انا من عشاق اللغة العربية وذلك ما جعلني اتابع حلقة البرنامج الذي استضافك(قذائف) وحقيقة انا من اشد المعجبين بك لذلك ارجو لك التوفيق في حياتيك العلمية والعملية والفوز في الدارين تحياتي نجمة الحياة

 
2008-02-13

انس الطرشان الرياض.anas-tarchan.com

السلام عليكم : وبعد اشكر الاستاذ حسان وادعو له بالتوفيق والسداد .وسلامي لابنكم عمار . وشكراانس الطرشان الرياض

 
2007-11-03

فداء ياسر الجندي

الدكتور حسان الطيان حفظه الله تعالى ورعاه السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد فبارك الله فيكم وجزاكم خيرا، على هذا المقال الرائع، الذي وصلني يومها (عام 1999) وكنت أخوض على صفحات مجلة "بي سي ماغازين" معركة لغوية حول مصطلح الكومبيوتر والحاسوب، بعد مقالة نشرتها فيها بعنوان (صراع الأصيل والدخيل)، ولأنني لا أملك ما تملكون من العلم في هذا الباب، وأعد نفسي فيه من أصغر تلاميذكم، ولأنني كنت وحدي في مواجهة محرري ورئيس تحرير المجلة، استجرت بكم فلبيتم النداء وبادرتم مشكورين بإرسال هذا المقال الرائع، والذي قمت بتسليمه إلى رئيس التحرير في ذلك الحين الأستاذ عبد القادر الكاملي، كان قد وعد بنشر آراء الخبراء في ذلك فصلاً بيني وبينه، ولكنه لم ينشره للأسف الشديد، وحرم القراء من هذا العلم الوفير والرأي السديد، وليس بيدي قرار النشر فلست موظفا في المجلة ولكني كاتب مشارك فيها، ولم يتيسر لي آنذاك إعادة الاتصال بكم لأن الخص الذي وصلني بكم كان قد غادر الإمارات حيث أقيم، ولم يكن ثمة بريد إلكتروني أراسلكم عليه، ولا شبكة عالمية (إنترنت) أنشر المقال عليها. فالحمد لله الذي يسر نشر هذا المقال على الشبكة أخيرا ليستفيد منه الناس\ن وليكون مرجعا من خبير، وبشارة بحتمية انتصار لفتنا العظيمة على كل دخيل. لكم الشكر والتحية، وجزاكم الله خيرا ونفع بكم فداء ياسر الجندي

 
2007-10-24

أحمد المصطفى-سوريا

المشكلة اليوم معكوسة تماما فالدكتور جزاه الله خيرا يعيدنا الى الجذور والأصول .لكن كثيرا من المتعلمين يحرصون اليوم أن يرطنوا بلكنة أعجمية غير عربية..

 
2007-10-23

محمد عبد الرحمن الخطيب / دمشق

أستاذي وشيخي الكريم: لا فض فوك. أسأل الله أن يزيدكم حبا لهذه اللغة، وأن يبارك بجهودكم في الذود عنها، وأن يردكم إلينا سالمين حتى ننهل من معين علمكم بها، فلم ولن ننسى تلك الساعات التي جلسناها بين أيديكم نقرأ في أصول النحو و علم الأصوات و فقه اللغة و موسيقى الشعر (العروض) ووالله لا أتخيل عندما أجلس معكم إلا أنني أجالس الأصمعي أو الجاحظ أو ابن جني أو الرافعي. ولعل المجامع العربية يا سيدي تتحمل جزءا كبيراً من المسؤولية في ضعف التعريب، فالملاحظ أن نتاجها قليل أو أقل منه، ولا نرى فيها إلا الذين قد بلغوا من الكبر عتيا -مع احترامنا وتقديرنا لهم- لكنهم لا وقت لديهم أولا ووضعهم الصحي لا يساعدهم على القيام بمهامهم ثانياً. فالله أسأل أن يهيئ لهذه اللغة أمثالكم من أهل العلم والهمة العالية ليقوموا بتلك المهام التي لا يستطيعها إلا أمثالكم.

 
2007-10-22

سليمان الطريفي

والأمثلة على ذلك كثيرة أذكر منها ( الهاتف والتلفون ـ السيارة والأوتوموبيل ! ـ والجريدة والجورنال ـ ومبنى الحكومة والسراي ) . هذا كلام لطيف جداً لكن تعريب الإنترنيت بالشابكة أليس لفظا ثقيلاً؟

 
2007-10-21

سامر - كلية الآداب / دمشق

أكبر خسارة لطلاب قسم اللغة العربية بجامعة دمشق سفر الدكتور حسان الى الكويت . تحياتنا لأستاذنا الكبير..

 
2007-10-21

محب الدين - سوريا

كما هي العادة دائما يتحفنا الدكتور حسان الطيان بإبداعاته وآرائه القيمة.شكر دكتور

 

ملاحظة:
الآراء المنشورة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو القائمين عليه، ولذا فالمجال متاح لمناقشة الأفكار الواردة فيها في جو من الاحترام والهدوء ونعتذر عن حذف أي تعليق يتضمن:
1- يحتوي على كلمات غير مهذبة، ولو كانت كلمة واحدة.
2- لايناقش فكرة المقال تحديداً.

 

 641

: - عدد زوار اليوم

7395295

: - عدد الزوار الكلي
[ 51 ] :

- المتصفحون الآن

 


العلامة الشيخ محمد حسن حبنكة الميداني


العربيــة.. وطرائق اكتسـابها..
المؤلف : الدكتور محمد حسان الطيان








 
   

أحسن إظهار 768×1024

 

2006 - 2015 © موقع رسالتي ، جميع الحقوق محفوظة

 

Design & hosting by Magellan