::: موقع رسالتي - رؤية جديدة في الخطاب الإسلامي :::

>> قطوف لغوية

 

 

استعن بالله في كل أحوالك

بقلم : عبد الله شعباني  

بين الإسلام في کثير من آيات القرآن، وأحاديث الرسول الکريم صلی الله عليه وسلم عناصر شخصية المسلم فنبه إلی أنه يجب أن يکون ذا شخصية قوية يعطي ويأخذ، يتبادل المنافع مع غيره من أبناء أمته لتکون أمة قوية مترابطة تنافس غيرها من الأمم و تأخذ  مکانها في زحمة هذه الحياة عزيزةً کريمةً.

فقد روی مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلی الله عليه وسلم: ( المؤمن القوي خير و أحب إلی الله من المؤمن الضعيف وفي کل خير،  احرص علي ما ينفعک واستعن بالله و لاتعجز، وإن أصابک شيء فلا تقل إني  فعلت کذا و کذا، ولکن قل: قدرالله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان).

نبّه الرسول صلی الله عليه وسلم في هذا الحديث إلی أهم العناصر في تکوين شخصية المؤمن و هي القوة، والحرص علی ما ينفع و الاستعانة بالله في کل الأمور، والثبات في مواقف الشدة، وعدم  الاستسلام  لليأس و ترک التندم و التحسر علی ما فات من الرغائب.

والقوة کلمة جامعة تشمل کل معاني القوة سواء في ذلک القوة الجسمية الحسية أم القوة الخُُلقية المعنوية .

والمراد بالمؤمن القوي: القوي في إيمانه و يقينه، والقوي في طاعة ربه و نصرة دينه، والقوي في إحقاق الحدود  و إبطال الباطل، والقوي في العلم و الجسم، والقوي علی مواجهة  الصعاب وتحمل المشقات، والصابر علی المکاره، والراضي بالقضاء خيره و شره، حلوه و مره.

وثاني هذه العناصر التي تکوّن شخصية المؤمن الحرص علی ما ينفع، وما ينفع کلمة عامة أيضا کالقوة، فما ينفع کثير فمنه ما ينفع في الدين ومنه ما ينفع في الدنيا.

والحرص علی ما ينفع معناه: النظر بتدبرٍ و تبصرٍ إلی ما ينفع في الدين و الدنيا و ذلک بتحديد نوع النفع و مقداره، والتعرف علی مصدره و مکانه، و أسباب تحصيله المشروعة والتحري الدقة في اختيار الأنسب و الأصلح، و أخذ الحذر مما يضرو يفسد، و استشارة أهل الحزم والعزم و الرأي و المشورة، و بذل قصاری الجهد في تحقيق المآرب بالوسائل الصحيحة المشروعة، واختيار الأسلم و الأصوب من غيرتردد و لاحيرة .

ولايکون من النفع الذي يجب الحرص عليه ما يکسب من المال بطريقة الغش و الخداع والتدليس، و لايکون من النفع ما يصل إليه الإنسان بطريق الرشوة و التملق و النفاق لأن الأصول العامة للشريعة تأبی ذلک و تحرمه، وأن لايودي حرصه علي ما ينفعه إلی مضرة الآخرين لما في ذلک من الظلم و الأثرة .

ولما کان الحرص وحده لا ينفع صاحبه مهما بذل من  جهد أمرالنبي صلی الله عليه وسلم المؤمن أن يطلب من الله العون علی تحصيل ما ينفعه في دينه و دنياه فقال: واستعن بالله ولاتعجز.

وهو العنصر الثالث من العناصر التي يکوّن شخصية المؤمن، لأن الاستعانة بالله والاعتماد عليه تريحه من عناء التفکيرات المضنية و تبعد عن کثير من الأوهام المضللة المحيرة، و تسهل عليه إنجاز الأمور و تزيل عن طريقه المعوقات، و تعينه علی تحمل المسؤوليات و الانسان ضعيف بحوله و حيله، قوي بعون الله و حوله ،يستمد العون من الله و يستلهم منه الرشد و يطلب منه التوفيق .

ومن کان مع الله بالاستعانة و التوکل کان الله معه بالمعونة والتيسير؛ إياک نعبد و إياک نستعين. أي لانعبد إلا إياک و لانستعين إلا بک و الاستعانة بالله من أوجب الواجبات ومن أعظم البراهين الدالة علی صدق العبد في إيمانه، و ذلک لعلمه بکمال عبوديته وافتقاره لخالقه و مولاه، و اعترافه الجازم بضعفه و عجزه من تحقيق شيء مما يصبوإليه .

وإن المومن في حاجه إلی الاستعانة بالله لينير له طريق الرشاد و يختار له ما فيه الخير و السداد، و يهبه الطمأنينة، ويلهمه الأمل والاستبشاربإنجاح المقاصد فيقبل علی ما يريد بروح وثابة، لايبالي بما يلقی من المصاعب و الآلام ؛ و من أعانه الله فهو المعان ومن خذله فهوالمخذول.

 

 اذا لم يکن من الله  عون للفتی            فأول ما يجني عليه اجتهاده

 

والعبد إذا استعان بالله وجب عليه أن يأخذ بالأسباب ولايتقاعد عن العمل و يقول استعنت بالله و توکلت علی الله .

استعن بالله و لاتعجز أي لاتتقاعد عن طلب الرزق أو طلب الشفاء، أوطلب العلم و أنت تعلم أن المسببات مرهونة بأسبابها.

لاتعجز: معناه لا تيأس إذا سعيت  إلی تحصيل شيء و لم تدرکه أو دعوت بشي ء فتأخرت عنک الإصابة، فالمؤمن لاييأس أبدا من رحمة الله .

إنه لاييأس من روح الله إلا القوم الکافرون) سورة يوسف

واليأس عدو الانسان و سلاح عظيم من أسلحة الشيطان، فليس شيء أخطرعلی المؤمن منه .

قال ابن عطاء الله السکندري: لايمکن تأخير العطاء مع الإلحاح في الدعاء أمرا يوجب يأسک فهو سبحانه ضمن لک الخير فيما يختاره لک لا فيما تختاره أنت لنفسک و في الوقت الذي يريده هو لا في الوقت الذي تريده أنت.

والعنصر الأخير في بناء شخصية المؤمن، الثبات أمام المصائب و المصاعب و مواجهتها برضی و اطئمنان، و مما يعينه علی ذلک أن يتذکرأن ما وقع له کان بتقدير الله و أنه لابد کائن مهما تحرز بالحيطة و الحذر، والنبي صلی الله عليه وسلم يحذرمن الاستسلام لليأس، والضجرمما فيه بلاء و شدة، والتفکيرفيما يأتي من المصائب المتوقعة و غير المتوقعة و الإحجام عما يجب الإقدام فيه، و علی المومن أن يجتنب التحسرو التندم علی فائت  فقد يکون في فواته خير في مستقبل الزمان و إن لک في فواته عکس ذلک .

يحذرنا رسول الله صلی الله عليه وسلم أن ناسي علی ما فات و أن نلجأ إلی هذه العبارات التي جری العرف أن تنطق الألسنة بها في مثل هذه المناسبات مثل قول القائل لوأني فعلت کذا و کذا أو ليتني فعلت کذا، أو لولا أني فعلت کذا و هذا مما لايغير واقعا و لا يرد فائتا کما قال الشاعر:

 

ليت وهل ينفع شيئا ليت          ليت شباباً بوع فاشتريت

 

فان هذه العبارات تفتح عمل الشيطان، و عمل الشيطان هنا الوسوسة، فإن ما وقع ضد المصلحة و ضد فائدة المؤمن، و قد يجره الشيطان في هذه الوساوس إلی التسخط علی الله و عدم الرضا بما قضاه والرسول في هذا لا ينهانا نهي تحريم أن تقول: لو فعلنا کذا لکان کذا إلا إذا قصدنا بهذ القول إظهارالسخط علی ما قدره الله و قضی به لأن ذلک يتنافی مع الإيمان.

و إذا قال الإنسان ذلک علی سبيل الحکاية أو علی سبيل التعجب أو قاله غفلة فليستدرک و ليقل قدرالله و ما شاء فعل، ليخلع عن نفسه لباسي الخنوع و الاستکانة و يلبس لباسي النشاط و القوة ، و يسأنف العمل بجد و عزم ليحقق بهما ما فات و ربما کان خيره فيما هو آت .

و ينبغي علی المؤمن أن يتذکر علی الدوام قوله تعالی: ما أصاب من مصيبة في الأرض و لا في السماء إلا في کتاب من قبل أن نبرأها إن ذلک علی الله يسير. لکي لاتأسوا علی ما فاتکم و لا تفرحوا بما آتاکم  والله لايحب کل مختال فخور « الحديد: 22-23 ».

ومعنی قدّرالله وما شاء فعل: أي هذا قدرالله و لا راد لقضائه و لا معقب لحکمه و هوالفعال لما يريد، و لو کان فيه خير لقدره لي و الخير فيما اختاره الله .

و إن کلمة « لو» لايأتي من ورائها خير بل هي تصحب الشرمعها دائما فتحزن قائلها و تسلبه السکينة و الاطمئنان، فهي کلمة نکد في أغلب الأحوال.

وقد قالوافي الأمثال: زرعوا لو فطرحت ليت .

وماذا تفيد  لو و هي حرف امتناع لامتناع، و ماذا تفيد ليت و هي حرف تمنّي، والتمني هو طلب المستحيل أو ما يقاربه .

قدّرالله و ما شاء فعل کلمة تسليم و تفويض، و إيمان في أسمی صوره و أرقی معانيه .

تلک هي العناصر التي تکمل بها شخصية المؤمن و يکوّنه قوياً و يکوّنه قريباً من الله محبوباً منه مرضياً عنه، فائزا بما هو أهل له من ثوابه .

و کلما افتقد المؤمن عنصراً من هذه العناصر بَعُد عنه سبحانه بمقدار ما افتقده إلا أنه لا يخرج من رعايته و لايحرم من مثوبته لما فيه من أصل الخير و هو الأيمان بالله الذي هو المطلوب الأول ، والغرص الأهم في خلق الانسان . و ذلک معنی قوله صلی الله عليه وسلم: المؤمن القوي خير و أحب إلی الله من المؤمن الضعيف و في کل خير.

 

 

 

 

 

 

 التعليقات: 0

 مرات القراءة: 2699

 تاريخ النشر: 22/11/2007

ملاحظة:
الآراء المنشورة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو القائمين عليه، ولذا فالمجال متاح لمناقشة الأفكار الواردة فيها في جو من الاحترام والهدوء ونعتذر عن حذف أي تعليق يتضمن:
1- يحتوي على كلمات غير مهذبة، ولو كانت كلمة واحدة.
2- لايناقش فكرة المقال تحديداً.

 

 1572

: - عدد زوار اليوم

7466851

: - عدد الزوار الكلي
[ 76 ] :

- المتصفحون الآن

 


العلامة الشيخ محمد حسن حبنكة الميداني


العربيــة.. وطرائق اكتسـابها..
المؤلف : الدكتور محمد حسان الطيان








 
   

أحسن إظهار 768×1024

 

2006 - 2015 © موقع رسالتي ، جميع الحقوق محفوظة

 

Design & hosting by Magellan