::: موقع رسالتي - رؤية جديدة في الخطاب الإسلامي :::

>> خطب الجمعة

 

 

خطر الفواحش ...

بقلم : الشيخ محمد خير الطرشان (المشرف العام)  

 

خطبة جمعة في جامع العثمان

بتاريخ 22 ذو القعدة/1431هـ

الموافق 29/تشرين الأول/2010م.

 

بسم الله الرحمن الرحيم

^ المقدمة:

((الحمد لله، ثم الحمد لله، الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله. يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، سبحانك! لا نحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، يحيي ويميت، وهو على كل شيء قدير، و أشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمداً عبده ورسوله، وصفيه وخليله. اللهم صلِّ وسلم وبارك على هذا النبي الكريم، وعلى آله وصحبه الغر الميامين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين)).

أما بعد: عبادَ الله! فإني أوصي نفسي وإياكم بتقوى الله تعالى، وأحثكم على طاعته والتمسك بكتابه، والاقتداء بسنة نبيه والسير على منهاجه إلى يوم الدين.

أيها الإخوة المؤمنون! عندما اختار الله تعالى أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لتكون خير الأمم على الإطلاق، اشترط لهذه الخيرية الإيمان التام وحفاظها على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وإن من أهم شروط الإيمان التام نقاء القلب من الشرك والضلال، وطهارته من الأحقاد والأدران، والحفاظ على الجوارح من تدنيسها وتلطيخها بالعصيان، ومن أبرز ما ينبغي اجتنابه الكبائر والموبقات، وفي مقدمتها الشرك بالله تعالى، والقتل، والزنا، وشرب الخمر، وعقوق الوالدين، وقذف المحصنات المؤمنات.

^ خطورة فاحشة الزنا على المجتمعات في القرآن الكريم والسنة الشريفة:

أيها الإخوة! تعالوا بنا نسلط الضوء على خطورة فاحشة الزنا على المجتمعات من الناحية السلوكية الأخلاقية، ومن الناحية الصحية والنفسية، ومن الناحية الإيمانية وهي الأساس.

أ- في القرآن الكريم:

لنبدأ مع القرآن الكريم باستعراض الآيات التي حرمت هذه الفاحشة الخطيرة...

يقول الله تعالى في محكم تبيانه:[]وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً[] سورة الإسراء (32).

ويقول الله تعالى:[]وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً (69)[] سورة الفرقان.

معاشرَ المؤمنين! تعد فاحشة الزنا من أكبر الكبائر بعد الشرك والقتل، وهو رجس وفاحشة مهلكة، وجريمة موبقة تنفر منها الطبائع السليمة، وهو فساد لا تقف جرائمه عند حد، ولا تنتهي آثاره ونتائجه إلى غاية، وهو ضلال في الدين وفساد في الأخلاق، وانتهاك للحرمات والأعراض واستهتار بالشرف والمروءة، وداعية للبغضاء والعداوة.

وفي فاحشة الزنا إماتة في قلب الزاني والزانية لروح الإيمان والتقوى والخوف من الجبار سبحانه، ولا يقبل فاحشة الزنا ذو عقل أو همة أو من في قلبه غيرة أو إيمان ويقين.

ب- في السنة النبوية الشريفة:

قد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من الوقوع في هذه الفاحشة الخطيرة، فقال عليه الصلاة والسلام: "ما من ذنب بعد الشرك أعظم عند الله من نطفة وضعها رجل في رحم لا يحل له". فيض القدير.

وقال أيضاً صلى الله عليه وسلم: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن". متفق عليه. ومعنى ذلك أنه ينفي الإيمان عن مرتكب هذه الفاحشة، فلا يجتمعان في مؤمن.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم مبيّناً عظم هذه الجريمة: "لا يحل دم امرئٍ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث، وذكر منها الثيب الزاني". متفق عليه.

^ خصائص حدّ الزنا:

يقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: "خصَّ الله سبحانه حدَّ الزنا من بين الحدود بثلاث خصائص":

أحدها: القتل فيه بأشنع القتلات، وحيث خففه جمع فيه بين العقوبة على البدن بالجلد، وعلى القلب بتغريبه عن وطنه سنة.

الثاني: أنه نهى عباده أن تأخذهم بالزناة رأفة في دينه؛ بحيث تمنعهم من إقامة الحد عليهم....

الثالث: أنه سبحانه أمر أن يكون حدُّهما بمشهد من المؤمنين، فلا يكون في خلوة بحيث لا يراهما أحد.

^ أضرار فاحشة الزنا:

في الحديث عن أضراره الاجتماعية والنفسية والدينية يمكن أن نحصرها في ثلاثة أمور رئيسية يتفرع عنها أضرار كثيرة، ومن أهمها:

1- ضياع النسل والجناية عليه.

2- اختلاط الأنساب وإفساد الأخلاق.

3- انتشار الأمراض المستعصية التي لم تكن موجودة في الأمم السابقة، كما ورد ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: "لم تظهر الفاحشة في قوم حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا". رواه ابن ماجة.

4- الزنا يعمي القلب ويطمس نوره، ويحقّر النفس ويقمعها، ويسقط كرامة الإنسان عند الله تعالى وعند خلقه، ويمحق بركة العمر، ويضعف في القلب تعظيم الله وخشيته.

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إياكم والزنا، فإن في الزنا ستَّ خصال: ثلاث في الدنيا، وثلاث في الآخرة. فأما اللواتي في دار الدنيا: فذهاب نور الوجه، وانقطاع الرزق، وسرعة الفناء. وأما اللواتي في الآخرة: فغضب الرب، وسوء الحساب، والخلود في النار، إلا أن يشاء الله". السلسلة الضعيفة للألباني.

^ عقوبة فاحشة الزنا:

لم يترك الله سبحانه وتعالى مرتكب هذه الفاحشة من غير عقوبة، وإنما جعلها عقوبتين اثنتين؛ جماعية وفردية...

أما العقوبة الجماعية: فإنه لا يقتصر ضرر الزنا على الزناة فقط، بل يتعدى إلى غيرهم، فينزل غضب الله على قوم كثر فيهم الزنا، ويكثر فيهم الموت أيضاً، فعن ابن عباس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا ظهر الزنا والربا في قوم فقد أحلوا بأنفسهم عذاب الله". رواه الحاكم وقال صحيح الإسناد.

وأما العقوبة الفردية: فهي إقامة الحد على الزاني والزانية إذا كانا محصنَين، وذلك بقتلهما رجماً بالحجارة حتى يموتا لكي يجدا الألم في جميع أجزاء الجسم كما تلذذا بجسديهما، وإن كانا غير محصنين جُلِدا مئة جلدة بأعلى أنواع الجلد ردعاً لهما عن المعاودة للاستمتاع بالحرام، إضافة إلى فضحهما بين الناس والتشهير بهم.

و أخيراً أيها الإخوة: علينا أن نحافظ على أمن مجتمعاتنا وأخلاقها وسلوكها ، وأن نحرص على نظافة مجتمعنا من الأوبئة والأمراض والجهل والتخلف، وأن نقاوم هجمات الانحلال والإغواء، وأن نلتجئ إلى الله تعالى أن يحفظ شبابنا وبناتنا وأبناء أمتنا من الضلال والانحراف والغواية، إنه على كل شيء قدير وبالإجابة جدير.

أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم، فيا فوز المستغفرين.

^ الخطبة الثانية:

 ((الحمد لله حمداً كثيراً كما أمر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقراراً لربوبيّته، وإرغاماً لمن جحد به وكفر، وأشهد أن سيدنا محمداً - صلى الله عليه وسلم - سيد الخلق والبشر ما اتّصلت عينٌ بنظر وسمعت أذنٌ بخبر. أشهد بأنه بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حقَّ الجهاد)).

اعلموا أيها الإخوة! أن الله - تعالى - أمركم بأمرٍ عظيم بدأ به بنفسه، وثنّى بملائكة قدسه، فقال ولم يزل قائلاً عليما؛ تعظيماً لأمر نبيه وتثبيتا:[]إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا[] سورة الأحزاب (56). اللهم صلِّ وسلّم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد، كما صليت وسلمت وباركت على سيدنا إبراهيم، وعلى آل سيدنا إبراهيم، في العالمين إنك حميدٌ مجيد. وارضَ اللهم عن السادة الخلفاء، الأربعة الحنفاء، ساداتنا وموالينا؛ أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وارضَ اللهم عن الصحابة والتابعين، وعن أمهات المؤمنين، وعن الأئمة المجتهدين وتابعيهم ومقلديهم بإحسان منك إلى يوم الدين.

اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، المؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات يا رب العالمين. اللهم انصر من نصر الدين، واخذُل من خذل المسلمين، اللهم من أراد للمسلمين خيراً فوفّقه لكل خير، ومن أراد بهم سوءاً فخذه أخذ عزيزٍ مقتدر. اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه. اللهم لا تدع لنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرّجته، ولا دَيناًَ إلا قضيته، ولا مريضاً إلا شفيته وعافيته برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم فرّج عن إخواننا المستضعفين في العراق، وفلسطين، وفي غزة الصامدة برحمتك يا أرحم الراحمين. كن لهم عوناً ومعينا، وحافظاً وناصراً ومثبّتاً وأمينا. بارك لهم في أقواتهم وأموالهم. يا أرحم الراحمين! ويا أكرم الأكرمين. آمين .. آمين، وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.

والحمد لله رب العالمين

 

 

 

 

 

 

 

 التعليقات: 1

 مرات القراءة: 6566

 تاريخ النشر: 31/10/2010

2010-11-03

غسان

خطبة موجزة ومفيدة جداً.....جزيتم خيراً يا سيدنا

 

ملاحظة:
الآراء المنشورة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو القائمين عليه، ولذا فالمجال متاح لمناقشة الأفكار الواردة فيها في جو من الاحترام والهدوء ونعتذر عن حذف أي تعليق يتضمن:
1- يحتوي على كلمات غير مهذبة، ولو كانت كلمة واحدة.
2- لايناقش فكرة المقال تحديداً.

 

 49

: - عدد زوار اليوم

7398619

: - عدد الزوار الكلي
[ 74 ] :

- المتصفحون الآن

 


العلامة الشيخ محمد حسن حبنكة الميداني


العربيــة.. وطرائق اكتسـابها..
المؤلف : الدكتور محمد حسان الطيان








 
   

أحسن إظهار 768×1024

 

2006 - 2015 © موقع رسالتي ، جميع الحقوق محفوظة

 

Design & hosting by Magellan