::: موقع رسالتي - رؤية جديدة في الخطاب الإسلامي :::

>> مقالات متنوعة

 

 

زيتون فلسطين... عندما يتكلم الشّجر!!

بقلم : ملكة قطيمان  

 

 
      في فلسطينَ نطق الحجر؛ فكيف إن كان المتكلّم روحَ مقاوم امتزجت أجزاؤه بتراب أرض مباركة، رُويت بدماء الأحرار؟!!!
     إنّها زيتونة طيّبة مباركة، انتصبت في أرض فلسطينَ تتحدّى الظّالم، وتحفظ صور العزّ وساعة الانتصار، ستروي لنا أجزاؤها حكايةً لن ينساها الزّمن...
     هي شجرة حملت أغصانها تاريخاً عريقاً، وظلّلت أبناءَها بالبركة والخير العميم.. ارتبطت جذورها بتاريخ قديم قدمَ الإنسان في هذه البلاد، وغدا موسم قطافها في شهر تشرينَ الأوّل من كلّ عام عرساً ينتظره الجميعُ؛ فهو مهرجان عمل وفرح لدى آلاف الأسر الفلسطينيّة الّتي تتفرّغ لهذا العمل لتشمل النّساء والصّبية والرّجال والشّيوخ؛ ممّا جعل هذه الظّاهرة الاجتماعيّة ميزة فريدةً امتاز بها الفلسطينيّون، إلّا أنّ إسرائيلَ دأبتْ في كلّ عام على إفساد هذا المهرجان، وتحويله إلى موسم للألم والمعاناة في حرب انتهجتها على هذه الشّجرة التي ارتبطت بحياة الأسرة الفلسطينيّة، وباتت تمثّل جزءاً من معركة الثّبات والتّحدّي في وجه العدوّ.
    وخير مثال على ذلك (شجرة البدوي) المعروفة في قرية الولجة غربي بيت لحم في الضّفّة الغربيّة التي يعتزّ أهالي القرية برعايتهم لها؛ فقد قدّر خبراء يابانيّون عمرها قبل سنوات بنحو خمسة آلاف سنة، في حين قدّره خبراء إيطاليّون بنحو ثلاثة آلاف وخمسمائة عام.
ويتّفق الجميع على أنّها أقدم وأضخم شجرة زيتون في فلسطينَ تغطّي مساحةً لا تقلّ عن سبعين متراً، وتنتشر جذوعها على مساحات أوسع.
 
 
شجرة البدوي – أقدم شجرة زيتون في فلسطين
 
أولت وزارة الزّراعة الفلسطينيّة اهتماماً خاصّاً بهذه الشّجرة، فخصّصت لها موظّفاً يرويها ويعتني بها، فضلاً عن استقبال الزّوّار وتزويدهم بحكايات ومعلومات عن تاريخ الشّجرة.
ويقول المسؤول عن الشّجرة (صلاح أبو علي) إنّ ملكيّتها تعود لابن عمّه الّذي ورثها عن والده، وهو يؤكّد أنّها تمتاز بزيتها ولونه الّذي يشبه السّمن.
لم ينجُ هذا الخير والعطاء من يد الاحتلال الظّالمة؛ فمع حلول موسم قطاف الزّيتون، وتزايد اعتداءات المستوطنين، تزداد مخاوف السّكّان من استيلاء الاحتلال على الشّجرة خاصّة بعد قراره مصادرة مساحات من الأراضي في محيط البلدة لصالح الجدار الفاصل الّذي عزل حتّى الآن أكثر من 19000 دونماً من الأراضي الّتي لا يُسمح لأصحابها بدخولها دون تصريح، وإن سُمح لهم بالدّخول كانت مدّة القطاف غير كافية، وغالباً ما تُعطى التّصاريح لكبار السّنّ كالأب والأمّ دون شباب الأسرة وهذه معاناة أخرى!!
ليست شجرة البدوي هي الوحيدة الواقعة تحت تهديد الاحتلال وهمجيّته؛ فزيتون فلسطينَ كلّه طالته يدُ الحقد التي صادرت مساحاتٍ واسعة من الأراضي لإقامة المستوطنات، إضافةً إلى ذرائعَ واهيةٍ يسوقها الاحتلالُ كالمبرّرات الأمنيّة وإقامة مناطقَ عسكريّة مغلقة، فضلاً عن سياسات العقاب الجماعيّ ردّاً على عمليّات المقاومة.
 
 
لم تسلم أشجار الزيتون من اعتداءات المستوطنين اليهود
 
التهمتِ الحرب الإسرائيليّة الأخيرة على قطاع غزّةَ أربعة آلاف دونم من الأراضي الزّراعيّة، وأكثر من نصف مليون شجرة غالبيتها من أشجار الزّيتون وألف شجرة نخيل، أمّا في الضّفّة الغربيّة المحتلّة فبلغ مجمل ما اقتلعه الاحتلالُ الإسرائيليّ منذ 2001 أكثر من مليون وخمسمئة ألف شجرة زيتون.
وفي مناطقَ شمال الضّفّة الغربيّة وحدَها، ذكرتِ التّقارير أنّ الاعتداءاتِ شملت عشراتِ الآلاف من المزارعين، وبلغت مساحة أراضي الزّيتون المتضرّرة أكثر من 15 ألف دونم ذهبت كلّها لصالح الطّرق الالتفافيّة للمستوطنات، وأخرى تمّت مصادرتها وتحويلها لمناطقَ عسكريّة وثكنات للجيش الإسرائيليّ الّذي استخدم قانون (أملاك الغائبين) للحيلولة دون وصول المزارعين إلى أراضيهم وحرمانهم منها، وجنّدت سلطاتُه مجموعات كقطّاع الطّرق تعمل على نشر الخنازير البرّيّة في الأراضي ورشِّ مواد كيميائيّة تسبّب جفاف الشّجرة وقتلها، فتفعل ما تفعله النّارُ تماماً.
وفي طريقة مبتكرة لهذه العصابات وزّع المستوطنون بياناً نشرته صحيفةُ معاريف حرّضوا من خلاله مستوطني الضّفّة الغربيّة على عدم السّماح للفلسطينيّين بقطف الزّيتون، وعدِّ كرومه وزيتونه "غنيمة خالصة" للمستعمرات!!
 
 
صوره لامرأه فلسطينية تحتضن شجرة الزيتون
بعد قطعها من الجيش الاسرائيلى وكأنها ابنتها
 
إذن... لم توفّر قوّات الاحتلال طريقةً في سبيل القضاء على هذه الشّجرة، جرفتِ الأراضي وصادرتها، أحرقتِ الأشجار واقتلعتها، سمّمتِ المحاصيل وأتلفتها، ووضعت حواجزها في الطّرقات والسّهول والجبال والمناطق الزّراعيّة لتحول دون جمع الفلسطينيّين لثمار محصولهم السّنويّ الّذي يُعدّ داعماً رئيسيّاً للاقتصاد الفلسطينيّ، ومصدرَ رزق لآلاف الأسر؛ لتزداد معاناة الفلسطينيّين الاقتصاديّة بهذه الاعتداءات الوحشيّة، وتطال هذه الخسائر أصحاب المعاصر ومعامل الصّابون أيضاً؛ إذ وصلت نسب الإنتاج مستوياتٍ منخفضة تكاد لا تسدُّ حاجة المستهلكين، إضافةً إلى ارتفاع أسعار الزّيت وتخوّفات من مرحلة استيراده من الخارج.
ذلك كلّه أرهق المواطن مادّيّاً، ناهيك عن الضّرر المعنويّ، برؤيته لزيتون فلسطينَ.. رمز الخير والبركة والثّبات، تقضي عليه سياسةُ الحقد الرّامية لاقتلاع البشر والشّجر من أرض الآباء والأجداد، لكن أنّى لهم ذلك وفي فلسطينَ من رفع شعار "إن قلعوا شجرة سنزرع عشرة" في حملة من حملات كثيرة نظّمتها جهاتٌ رسميّة وهيئاتٌ شعبيّة؛ كالحملة التي أطلقتها المنظّمةُ العربيّة لحماية الطّبيعة مؤخّراً للبدء بزراعة مليون شجرة في فلسطينَ، وتُعدّ دولة قطر المانح الأوّل للحملة عن طريق (قطر الخيريّة والهلال الأحمر القطريّ) اللتين أسهمتا في زراعة المليون الأوّل، وتسهم قطر الآن في زراعة المليون الثّاني، إضافةً إلى مؤسّسة القدس الدّوليّة وكثير من المؤسّسات والأفراد الدّاعمين.
وفي وادي قانا – كبرى المحميّات الفلسطينيّة الطّبيعيّة شمالي الضّفّة الغربيّة – شرعت مؤسّسة الإغاثة الزّراعيّة الفلسطينيّة، وبالتّعاون مع جمعيّة الصّداقة الدّانماركيّة، في حملة لزراعة آلاف الأشجار في 35 تجمّعاً فلسطينيّاً لمقاومة الاستيطان، في خطوة تُعدّ سابقة من نوعها.
كلّ ذلك في سبيل تعويض المزارعين عن خسائرهم، وليثبتوا للعدوّ الجبان أنّنا باقون على أرضنا وزيتوننا نرويه بدمائنا؛ فلا غرابةَ من أن تتحوّل المظاهرات الأسبوعيّة الّتي ينظّمها فلسطينيّون ومتضامنون أجانب في قرية نعلين غربي رام الله في الضّفّة الغربيّة إلى مواجهات دامية استخدمت قوّات الاحتلال فيها العيارات النّاريّة إضافةً إلى استخدام أنواع جديدة من الأسلحة أبرزُها قنابل غازيّة سامّة أشدّ خطراً وفتكاً من الغازات المستخدمة سابقاً، تحدث تشنّجاً في الجهاز التّنفّسيّ، وربّما تسبّبت بالوفاة كما حدث لعدد من الأطفال والرّضّع.
مهما حدث سيبقى غصن الزّيتون رمزاً للسّلام والتّشبّث بالحقّ والأرض، وها هي ذي مدينة (ران) غربي فرنسا تشهد في حديقة المدينة الشّهيرة – بحضور عمدة المدينة وعدد من النّاشطين في مجال حقوق الإنسان ومزارع فلسطينيّ عانى من ضيم الاحتلال –، غرسَ شجرة زيتون دعماً للفلسطينيين في إقامة دولتهم، وتنديداً بحروب الصّهاينة الهمجيّة وما خلّفته من ضحايا ودمار.
 
هذه حكايتي روتْها لكم شجرةٌ في أرض فلسطينَ، رسمتْ جسدَ زيتونة عتيقة مباركة:
 
جذورها أهل فلسطينَ القابضين على تراب الوطن، يحمونه بمُقَل العيون..
جذعها هامة ثائرٍ ما انكسر أمام الدّخيل..
أغصانها بنادقُ حقٍّ قصمتْ ظهر العدوِّ...
زيتونُها رصاصُ عزٍّ مزّقَ جسد الظّلم...
زيتُها وقود تُسرج منه قناديلُ الأفراح...
حفيفُ أوراقها أهزوجة حريّة أسعدت أهل الأرض والسّماء بنشيد الحبّ والسّلام....
 
 نقلاً عن مجلة: زهرة المدائن..
 

 

 التعليقات: 3

 مرات القراءة: 6328

 تاريخ النشر: 02/11/2010

2010-11-07

يوسف

يعطيك العافية قصة الشجرة رمز كتير مهم الله يفرج

 
2010-11-03

غسان

شكرا للكاتبة.....

 
2010-11-02

نور الدين

أللـــــــه على زيتونك يا فلسطين .. شكرا للكاتبة المبدعة المتألقة ، قلمك لا يغيب عنا في زهرة المدائن و مجلة فارس ، قلبك ينبض بحب فلسطين يا صاحبة الكلمة الرائعة و المؤثرة و شكرا لموقع رسالتي هذا التنوع في النشر

 

ملاحظة:
الآراء المنشورة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو القائمين عليه، ولذا فالمجال متاح لمناقشة الأفكار الواردة فيها في جو من الاحترام والهدوء ونعتذر عن حذف أي تعليق يتضمن:
1- يحتوي على كلمات غير مهذبة، ولو كانت كلمة واحدة.
2- لايناقش فكرة المقال تحديداً.

 

 1191

: - عدد زوار اليوم

7445457

: - عدد الزوار الكلي
[ 62 ] :

- المتصفحون الآن

 


العلامة الشيخ محمد حسن حبنكة الميداني


العربيــة.. وطرائق اكتسـابها..
المؤلف : الدكتور محمد حسان الطيان








 
   

أحسن إظهار 768×1024

 

2006 - 2015 © موقع رسالتي ، جميع الحقوق محفوظة

 

Design & hosting by Magellan