::: موقع رسالتي - رؤية جديدة في الخطاب الإسلامي :::

>> أخبار ونشاطات

 

 

صانع الأجيال ..الشيخ محمد صالح الفرفور

بقلم : الشيخ محمد خير الطرشان  

صانع الأجيال ..الشيخ محمد صالح الفرفور

بين الحين والآخر أحن إلى تاريخ مضى ،  له في نفسي صدى كبير ، وأثر لا يمحى. إنها أيام مَنَّ الله تعالى عليَّ بها إذ أدركت من علماء الشام في العصر الحديث نخبة منهم ، تركت بصمات واضحة في تاريخ العلم والدعوة ونشر الخير والفضيلة وتنوير العقول والقلوب وصقل الأرواح. ..

من أهم من أدركته في بداية طلبي للعلم " العلّاَمة الجليل والمربي الكبير سيدي الشيخ محمد صالح الفرفور" –رحمه الله تعالى رحمة واسعة- وكان ذلك مع بداية العام 1978 حيث التحقت طالباً بمعهد الفتح الإسلامي في حي قديم عريق من دمشق القديمة مابين باب السلام والمسجد الأموي الكبير ..كنت آنذاك فتى في أول إقبالي على الحياة العلمية الجادة ، صحيح أنني حضرت بعض دروس متفرقة للشيخ الجليل أسعد الصاغرجي وترددت مع والدي إلى مسجد الإيمان وجامع زيد بن ثابت ، إلا أن ذلك كان دون انتظام أو برامج محددة ، لكن الأمر الآن أصبح مختلفاً تماماً ،دروس منتظمة ودوام طويل، وأجواء جديدة لم أعتد عليها ، وخاصة دروس النحو والصرف والإعراب وأصول الفقه والبلاغة ومصطلح الحديث  ... في هذه الأثناء كان شيخنا الكبير المتواضع محمد صالح الفرفور يطل علينا في الأسبوع مرة واحدة في درس أسبوعي عام ، يشحن فيه أرواحنا وقلوبنا ويشحذ هممنا بسير الصالحين وأحوالهم وأخبارهم ، والشيء الملفت في توجيهه الدائم حضور الجانب العلمي في حديثه ، فلم تكن تمر مسألة علمية فقهية أو أصولية أو نحوية إلا ويبينها ويشارك الطلاب في شرحها وبيان حكمها ، في سابقة ذات أثر عظيم في نفوس الطلبة ، وأما عن مسائل البلاغة اللفظية فإن الشيخ – رحمه الله –كان يتغنى في التوسع في آراء الجرجاني والسكاكي وغيرهم من أعلام البلاغة العربية ، وكان الطلاب يتهامسون فيما بينهم عن قوة الذاكرة والحافظة عند الشيخ ،إذ كان ينتقل في بيان المسائل العلمية من النحو إلى اللغة إلى الفقه إلى الأصول إلى الأحكام ثم يعود ليروَّح القلوب بأقوال الحسن البصري وإبراهيم بن أدهم والفضيل بن عياض ...وهكذا كانت إطلالات الشيخ علينا أسبوعية .

وفي العام 1982 وما بعده حظينا بحصة كبيرة من الشيخ –رحمه الله-إذ كان لنا معه ثلاثة دروس أسبوعية ، الأول في التفسير ، وكنا نقرأ عليه كتاب " تفسير آيات الأحكام " والثاني في أصول النحو وكان المقرر كتاب " الاقتراح " للإمام السيوطي ، والثالث في البلاغة في كتاب " دلائل الإعجاز " للشيخ عبد القاهر الجرجاني.وهكذا قضينا مع الشيخ ثلاث سنين إلى أن أقعده المرض ، فخشينا أن نحرم من الشيخ ودروسه العلمية والتربوية، وما كان من الشيخ إلا أن أصر على تدريسنا ومتابعة قراءة الكتب الثلاثة عليه ، فكنا نذهب إليه في بيته في حي السادات ونجلس بين يديه ، نسمع إلى ما يجود علينا به من خميرة العلم وأحوال القلوب المتصلة بالله تعالى والتي اشتاقت إليه ، وهذا ما كنا نشعر به من خلال توجيهه لنا مردداً لنا على الدوام كلماته المعهودة : " يابا ، من أراد الدنيا فعليه بالعلم ، ومن أراد الآخرة فعليه بالعلم ، ومن أرادهما معاً فعليه بالعلم "ومترنماً بقول الشاعر:

لا يعرف الوجد إلا من يكابده        ولا الصبابة إلا من يعانيها

أجل ، كان للشيخ أثر في قلوبنا وأرواحنا ،كان قدوة صالحة لنا ولغيرنا ، كان نوراً ساطعاً أنار لنا طريقنا ، ولا نزال إلى اليوم نرتشف من فيض توجيهه ونقتدي بهمته العالية ونتذكر روح الحب والدعابة والملَح التي كان يعامل بها أبناءه طلاب العلم .حقاً لقد كان شيخنا وارثاً محمدياً ، وداعياً إلى الله بحاله ومقاله ،  وسراجاً منيراً لمن أظلمت الطرق في وجوههم ، حسبك من الشيخ أنه كان يعيش للإسلام والأمة والناس وطلاب العلم أكثر مما كان يعيش لأسرته الخاصة ..أذكر أنه كان يأتي في الليل إلى السكن الطلابي ، يحمل معه طعاماً أو حلوى ، يتفقد أبناءه الروحيين ويطمئن على أحوالهم وخاصة من الطلاب الوافدين من تركيا وأفريقيا ، ، كان يحضر إليهم ويسامرهم إلى الفجر ليذهب عنهم الغربة وشدتها، في ليالي  الشتاء البارد..

إنه رجل في أمة ، وصانع أجيال ، ومربي نفوس ، ومحرِّك قلوب ، من أدركه نعِمَ بقربه ، وأحس بقيمة علمه ، وأدرك سرَّ بقاء نهضته إلى اليوم ، وتطورها وانتشارها في بقاع الأرض ، وعلِم أن السرَّ في ذلك إنما هو إخلاص القلب للَّه رب العالمين ، والعمل لأجل الله وحده ، دون انتظار ثناء من أحد ، مع تقديم للمصلحة العامَّة على المصلحة الذاتية الخاصة ، وفناء عن الذات ونكران لها ،وزهد في المديح ، وبعد عن المظاهر ...

أذكر اليوم صفحة مما عشته وزملائي من حياة الشيخ العظيم في قلوبنا ، والذي له فضل كبير - بعد الله تعالى - في نشاط العمل العلمي والدعوي على مستوى أقطار عربية وعالمية  ، كان لنهضته العلمية ومؤسسته التربوية أثر واضح فيها.

هذا غيض من فيض مما أُكِن في صدري من محبة كبيرة لشيخنا ، أردت أن أبينه للإخوة القراء اعترافاً مني بالجميل ، ولعلي أعود لاحقاً لأكتب صفحة جديدة عن حياة الشيخ وآثاره في النفوس ، ولقد حرَّك في نفسي هذه المشاعر نحو الشيخ ما أحسست به منذ أيام في زيارة لي لبيت الشيخ ، حيث كان هناك لقاء كبير لعلماء من الشام وغيرها ، فطافت بي الذاكرة في أيام عشناها معه في منزله المتواضع الذي تحول اليوم إلى ملتقى لعلماء ودعاة ومفكرين ومصلحين من دول شتى ..

رحمك الله يا شيخنا رحمة واسعة ، وأنزل على روحك رحمة واسعة ، وحشرنا معك تحت لواء سينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ...آمين.

 التعليقات: 0

 مرات القراءة: 2623

 تاريخ النشر: 03/11/2007

ملاحظة:
الآراء المنشورة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو القائمين عليه، ولذا فالمجال متاح لمناقشة الأفكار الواردة فيها في جو من الاحترام والهدوء ونعتذر عن حذف أي تعليق يتضمن:
1- يحتوي على كلمات غير مهذبة، ولو كانت كلمة واحدة.
2- لايناقش فكرة المقال تحديداً.

 

 1418

: - عدد زوار اليوم

7462713

: - عدد الزوار الكلي
[ 47 ] :

- المتصفحون الآن

 


العلامة الشيخ محمد حسن حبنكة الميداني


العربيــة.. وطرائق اكتسـابها..
المؤلف : الدكتور محمد حسان الطيان








 
   

أحسن إظهار 768×1024

 

2006 - 2015 © موقع رسالتي ، جميع الحقوق محفوظة

 

Design & hosting by Magellan