::: موقع رسالتي - رؤية جديدة في الخطاب الإسلامي :::

>> كلمة المشرف

 

 

تعالَ نؤمن ساعة ..

بقلم : الشيخ محمد خير الطرشان  

 

ما أحوج المؤمن في كل وقتٍ وحين أن يجدد إيمانه، ويقوي ثباته على الدين، فقد جاء في الحديث الذي أخرجه الإمام الطبراني في الكبير عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم - : " إن الإيمان ليَخلَقُ في جوف أحدكم كما يَخْلَق الثوب الخَلِق ، فاسألوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم " . إن الإيمان ليَخْلَق في الجوف، أي: في القلب،كما يَخْلَق الثوب، والثوب يبلى وكذلك الإيمان ينقص، ويحتاج إلى تجديد و بعث من جديد، حتى يعيش المؤمن في حالةٍ من التوازن على كل المستويات. وخاصةً أننا وصلنا إلى الزمن الذي أخبر فيه النبي صلَّى الله عليهِ وسلَّم فيما يرويه الإمام مالك في الموطأ عن أبي هريرة رضي الله عنه " لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل ، فيقول : يا ليتني مكانه ". وليس معنى ذلك أنه يتمنى الموت لأن الحياة لم تعد تروق له، بل لأنه يبكي على أيامٍ مضت كان الإيمان فيها كل شيء، وكان الناس فيها يتعاونون على البر والتقوى، ويتواصَوْن بالخير والمعروف، ولكنه يعبر عن زمانٍ وصل فيه حال الناس إلى حالٍ غير مرضية.
كان من حياة سلفنا الصالح ومنهجهم أن يقول أحدهم للآخر: تعالَ نؤمن ساعة.. ومعنى ذلك أن نُجدِّد إيماننا عملاً بقوله سبحانه وتعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا..﴾ [النساء: 136] أي جدِّدوا إيمانكم، فما أحوجنا إلى تجديد الإيمان بين الحين والآخر مع شروق كل شمس، ومع غروبها، ليبقى إيماننا مضيئاً متوهجاً تتنور فيه قلوبنا وأفئدتنا، ويتحقق فيه قول الله سبحانه وتعالى: ﴿ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: ١٠٢].
أخرج مسلم في صحيحه عن سيدنا عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلَّى الله عليهِ وسلَّم أمر المؤذن أن يؤذن: الصلاة جامعة، فاجتمعنا حول رسول الله صلَّى الله عليهِ وسلَّم فقال: ( إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقاً عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم ، وينذرهم شرَّ ما يعلمه لهم . وإن أمتكم هذه جعل عافيتها في أولها ، وسيصيب آخرها بلاء وأمور تنكرونها . وتجيء فتنة فيرقق بعضها بعضها . وتجيء الفتنة فيقول المؤمن : هذه مهلكتي)
نعم ، فخير القرون قرن النبي صلَّى الله عليهِ وسلَّم، المائة الأولى من حياة الإسلام، ثم التابعون الذي يلونهم ، ثم الذين يلونهم و هو عصر الاجتهاد والانتشار الفقهي في الأمصار، حيث اجتمعت كلمة المسلمين ولم تتفرق، وتطور الفقه الإسلامي فأصبح له مذاهب شتى، وعلماء ومفتون، وكان لكل منهم موقفٌ لا يعارضُ الآخر إلا باجتهادٍ وفق الدليل العلمي الموثق. وقد خشي النبي صلَّى الله عليهِ وسلَّم على هذه الأمة أن يصيبها البلاء، فقال: " إن الخير جُعِل في أولها وسيصيب آخرَها بلاء، وستجيئ الفتنة تلو الفتنة يرقق بعضها بعضاً.." .
إننا في زمان الفتن المهلكات، وقد تضاربت فيه الآراء، واختلف الناس فيما بينهم، وهذا ما خشي منه نبينا صلَّى الله عليهِ وسلَّم على هذه الأمة، فقال عليه الصلاة والسلام فيما يرويه البخاري في الصحيح: ( فوالله ما الفقرَ أخشى عليكم ، ولكن أخشى عليكم أن تُبسط عليكم الدنيا ، كما بسطت على من كان قبلكم ، فتنافسوها كما تنافسوها ، وتهلككم كما أهلكتهم) لم يخشَ علينا قلة المال، فالمال وفير، والخيرُ كثير ولله الحمد والمنَّـة ، إنما خشي علينا هذا التفرُّق على دنيانا، وهذا الشتات الذي شتَّت أمور المؤمنين وجعل أناساً في الشرق و أناساً في الغرب، وساءت أمورهم وضاعت، حتى لا يكاد الرجل يثق بكلام الرجل، و تصدَّر المجالسَ من ليسَ أهلاً لها، وأصبحت الآراءُ تُؤْخذُ من الرجل الذي لا قيمة له، كما أخبر النبي صلَّى الله عليهِ وسلَّم، وذلك في حديثٍ صحيحٍ عن سيدنا أبي هريرة رضي الله عنه : ( سيأتي على الناس سنوات خداعات ، يُصدَّق فيها الكاذب ، و يُكذَّب فيها الصادق ، و يؤتمن فيها الخائن ، و يُخوَّن الأمين ، وينطق فيها الرويبضة . قيل : و ما الرويبضة ؟ قال : الرجل التافه يتكلم في أمر العامة) . التافه، أي: السفيه، ومن ليس له رأي، وليس له سند في علم أو قول، يتكلم في أمور العامة، يقرر لهم، و يشرِّع ، أليست هذه هي الفتنة التي خشي علينا سيدنا محمد صلَّى الله عليهِ وسلَّم من أن نتنافس فيها. أليست هذه هي الدنيا التي يتنافس الناس فيها ؟ من أجل أشياء لا تضُرُّ ولا تنفع، ولا تُسمن من جوع.
إننا في زمنٍ نحتاج فيه إلى التحقق بالإيمان كما حصل مع الْحَارِث بن مَالِكٍ الأَنْصَارِيّ ، إذ مَرَّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ لَهُ : " كَيْفَ أَصْبَحْتَ يَا حَارِثُ ؟ " , قَالَ : أَصْبَحْتُ مُؤْمِنًا حَقًّا ً، قَالَ : " انْظُرْ مَا تَقُولُ ، فَإِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ حَقِيقَةً ، فَمَا حَقِيقَةُ إِيمَانِكَ" ؟ قَالَ : قَدْ عَزَفَتْ نَفْسِي عَنِ الدُّنْيَا , وَأَسْهَرْتُ لِذَلِكَ لِيَلِيَ ، وَأَظْمَأْتُ نَهَارِي ، فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى عَرْشِ رَبِّي بَارِزًا ، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ يَتَزَاوَرُونَ فِيهَا ، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى أَهْلِ النَّارِ يَتَضَاعُونَ فِيهَا ، فَقَالَ : " يَا حَارِثُ ، عَرَفْتَ فَالْزَمْ " ..
 
 

 

 التعليقات: 0

 مرات القراءة: 4433

 تاريخ النشر: 03/03/2013

ملاحظة:
الآراء المنشورة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو القائمين عليه، ولذا فالمجال متاح لمناقشة الأفكار الواردة فيها في جو من الاحترام والهدوء ونعتذر عن حذف أي تعليق يتضمن:
1- يحتوي على كلمات غير مهذبة، ولو كانت كلمة واحدة.
2- لايناقش فكرة المقال تحديداً.

 

 1092

: - عدد زوار اليوم

7397103

: - عدد الزوار الكلي
[ 58 ] :

- المتصفحون الآن

 


العلامة الشيخ محمد حسن حبنكة الميداني


العربيــة.. وطرائق اكتسـابها..
المؤلف : الدكتور محمد حسان الطيان








 
   

أحسن إظهار 768×1024

 

2006 - 2015 © موقع رسالتي ، جميع الحقوق محفوظة

 

Design & hosting by Magellan