::: موقع رسالتي - رؤية جديدة في الخطاب الإسلامي :::

>> قضية ونقاش

 

 

هل المعاهد الشرعية مواكبة لعصرنا ؟

بقلم : د. عبد الكريم بكار  

 

أود أن أتحدث عن بعض المشكلات الأخرى التي تسهم في ضعف المخرجات التعليمية في المدارس والمعاهد الشرعية الأهلية عبر المفردات التالية :

1ـ تستقبل المدارس الشرعية ـ في معظم الأحيان ـ الطلاب بعد إكمالهم دراسة المرحلة الابتدائية، ونقدم لهم تعليماً يوازي ما يتلقاه الطالب في المرحلتين المتوسطة والثانوية في التعليم العام ، أي قبل أن يدرس العديد من المواد المهمة مثل الكيمياء والفيزياء والرياضيات واللغات الأجنبية ، وهذه المواد تشكل عماد العلوم المعاصرة، ومن المؤسف أن جلّ المدارس والمعاهد الشرعية لا تقدم في هذه المواد لطلابها أي شيء ذي قيمة ، وهذا يعني وجود ثغرات كبيرة جداً وخطيرة في ثقافتهم، ووجود نوع من العزلة عن ثقافة العصر ، كما يعني وجود فجوة ثقافية كبيرة بين دارسي العلوم الشرعية وباقي الدارسين في مدارس التعليم العام، وهذه الفجوة تجعل كثيراً من طلاب العلوم الشرعية يشعرون بنوع من الاغتراب عن عصرهم ومواطنيهم ،كما أن عدم تحصيلهم للأساسيات في العلوم التي ذكرناها يحول بينهم وبين دراستها في أي كلية جامعية بعد ذلك ، ويحول بينهم وبين الحصول على أي وظيفة في مؤسسة أو شركة حديثة ومتطورة ، لأن المؤسسات المتقدمة تسعى إلى توظيف شباب لديهم ثقافة معاصرة ومتصلة بالتقنية والعلوم الحديثة ، وهذا واضح و ملموس عند أدنى تأمل في نوعية الوظائف و الأعمال التي يعمل فيها خريجو تلك المدارس.

2- لعل من أكبر المشكلات التي تعاني منها المعاهد الشرعية الأهلية مسألة الاعتراف بالإجازات و الشهادات التي تمنحها لخريجيها , حيث إن السواد الأعظم من الحكومات لا يعترف بتلك الشهادات و لا يعادلها بالثانوية العامة , و من أجل حل تلك المشكلة سعت إدارات تلك المعاهد إلى الارتباط ببعض الجامعات الإسلامية الكبرى مثل جامعة الأزهر، و ذلك حتى يتمكن خريجو تلك المعاهد من إكمال دراستهم فيها و التخرج منها , لكن الذين ينتظمون في الدراسة الجامعية من أولئك الخريجين قليلون, فبعضهم لا يكمل دراسته الجامعية, و معظم من يكملها منهم يدرسون عن طريق الانتساب و تكون استفادتهم العملية محدودة في الغالب لكن الحصول على شهادة مثل شهادة جامعة الأزهر لا يكفي في أحيان عديدة للحصول على وظيفة أو الانخراط في هيئة تدريس، حيث إن العديد من الدول يشترط الحصول على الثانوية العامة , و معظم الطلاب لم يحصلوا عليها بسبب عدم دراستهم في التعليم العام . النتيجة لكل ذلك هي حرمان الطلاب المعنيين من تبوء أي مناصب كبيرة أو الحصول على أي وظائف راقية , و هذا شكل من أشكال التهميش الخطير ,

3ـ كثير من من طلاب العلم الشرعي يتجهون إلى الإمامة و الخطابة و التدريس في المساجد, وهذه الوظائف مهمة للغاية و تتيح لمن يشغلها فرصة كبرى للتأثير في الناس و توجيهم, لكن المشكل هو ضآلة المرتبات التي يحصل عليها الموظفون في تلك الوظائف و بعضهم يحصل عليها بطريقة مهينة , فقد حدثني أحد الدعاة أنه كان في زيارة لإحدى الدول الإفريقية و قد ذهب إلى صلاة الجمعة في أحد المساجد واستمع إلى الخطيب، و أعجب الأخ بفصاحته و علمه، و بعد انقضاء الصلاة و سعيه للخروج من المسجد فوجئ بشيء مؤسف جداً, و هو أن الخطيب الذي بهرهم ببيانه , جلس عند باب المسجد ووضع أمامه منديلاً و الناس يضعون ما تيسر لهم من المال على ذلك المنديل مساعدة للشيخ! يقول صاحبنا: و حين سألت عن سبب ذلك، كان الجواب: هذه هي الطريقة الوحيدة لحصول ذلك الخطيب على ما يقيم أوده!.

التعليم الشرعي الأهلي مطلوب في ظروفنا الحالية، لكنه يحتاج إلى الكثير من التطوير حتى لا يخرّج رجالاً يعيشون على هامش المجتمع.

وبعض المعاهد الشرعية خاض تجربة جديدة ، وهي تعليم طلابه مهنة من المهن ، حتى يعمل فيها بعد تخرجه ، ويستغني عن مساعدة الناس والحكومة ، لكن تلك التجربة لم تنجح ، وذلك لأن العمل في أي مهنة يصرف الإنسان عن الاهتمام بالعلم والتعليم ، ويحوّله من إنسان يمكن أن يكون له دور ثقافي ودعوي مهم إلى شخص يقدّم خدمة بسيطة عبر الحرفة التي تعلمها !.

إن الانفتاح على الواقع هو مصدر كل تجديد ، وإن على المسئولين عن تلك المعاهد أن ينظروا حولهم إلى الفرص و التحديات الجديدة , و حينئذ سيدركون أن عليهم أن يُحدثوا ثورة داخل معاهدهم على مستوى الإدارة و أسلوب التعليم و المواد و المناهج المقررة , و أن يدققوا في قبول الطلاب و يتخلصوا من الكم ليركزوا على الكيف, و ينبغي أن يتم كل هذا على نحو مواز للحصول على اعتراف رسمي بالإجازات التي يمنحونها لطلابهم , و ذلك حتى يتمكنوا من الحصول على الفرص الوظيفية المرموقة .

و لعلي أتحدث عن الارتقاء بالتعليم الشرعي في وقت من الأوقات .


 التعليقات: 5

 مرات القراءة: 3406

 تاريخ النشر: 24/09/2009

2009-10-02

أ.تحسين بيرقدار. سورية ـ التل.

بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته. أما بعد: بداية أشكر لكم دعوتي إلى قراءة مقال الأستاذ الدكتور عبد الكريم بكار ، المعروف بطرقه المواضيع المعاصرة التي بحاجة حقيقية إلى معالجة ، وهذا الموضوع (هل المعاهد الشرعية مواكبة لعصرنا ؟) من المواضيع التي تحتاج إلى ثورة في المعالجة والتغيير. ووجهة نظري في هذا الأمر هو ما يلي: ا- على المعاهد الشرعية أن تغير من مناهجها ، وعليها أن تضيف من العلوم الكونية والعصرية ما يجعلها سباقة في هذا المجال. وهذا بإمكانها واستطاعتها ، فما فائدة حامل العلوم الشرعية الغافل كل الغفلة عن العلوم الكونية ، والذي لايعلم منها إلا القليل ، ونحن بعصر يتطور بسرعة تخطف الأبصار. 2- كما عليها أن تحاول أن تحصل على اعتراف رسمي من الدول التي هي تحت مظلتها ، وكلنا يعلم أن هذا ليس خاضعاً لإرادة المعاهد ، ولكن عليها أن تبذل كل ما في وسعها للحصول على هذا الاعتراف. 3- أما بالنسبة للمهنة أو لقمة العيش: فالذي أراه أن على طالب العلم أن يكون له اختصاص علمي آخر غير العلم الشرعي ؛ ليكون ذلك العلم هو سبيل عمله ومصدر رزقه ، وأنا أتكلم عن تجربة شخصية ، فقد تخصصت تخصصين: شرعي ، وعلم اللغة العربية ، ومصدر رزقي هو التعليم اللغوي ، وليس التعليم الشرعي. وإلا فهل ننتظر أن يبادرنا الآخرون بتحسين أوضاعنا وإصلاح أمورنا. والله الموفق لكل خير.

 
2009-09-27

سهير أومري

شكراً دكتور بكار على هذا الموضوع الهام والذي أعتقد أن من المفيد أن نتوقف عنده بالكثير من التفصيل وألخص رأيي بالموضوع بالنقاط التالية: 1- إن واقع أمتنا وما آل إليه حال مجتمعاتنا أصبح من الضروري أن تقوم المعاهد الشرعية بتخريج مجددين تفتق في أذهانهم الإبداع... آن الأوان لأن تصبح المعاهد الشرعية مراكز لرعاية المبدعين وإعداد القادة والمجددين وهذا لا ينفي أهمية تعلم علوم الأولين ولكن فتح الباب أمام عقول الدارسين للاجتهاد المضبوط وفق القواعد والأصول ووضع أنظمة للتعليم تشجع البحث وإعمال العقل مع مراعاة تعليم طلاب العلم مهارات وعلوم التنمية البشرية.... 2- على المعاهد الشرعية إعداد الدعاة الإعلاميين الذين يتقنون علوم الإعلام وفنونه لأن هذا الجانب يكاد يكون مغفلاً تماماً في معاهدنا الشرعية... مع مراعاة توسيع مفهومم العمل اإعلامي الدعوي ابتداء بالشيخ الداعية من منبر المجلة الالكترونية إلى الشيخ الداعية من خلال برامج فضائية ذات قوالب حديثة تجذب المشاهدين سمعياً وبصرياً دون أن تأسلم القيم الغربية أو تشجع عليها.... 3- على المعاهد الشرعية وضع مناهج مخصصة لإعداد دعاة يتوجهون لنشر الإسلام في الأمم الأخرى وهؤلاء الدعاة يجب إعدادهم على نحو يجعلهم مؤهلين من ناحية إتقان لغات الأمم الأخرى ومواكبة علومها والتبحر في عقائدها وعاداتها وطرق معيشتها وتعلم كيفية الدعورة وإقامة الحجة وإيجاد سبل الرد الحكيم وأعتقد أن هذا المجال ربما كان موجوداً في بعض المعاهد ولكن ليس على نحو مفعل وشامل بحيث يتم اختبار الدعاة والتأكد من صلاحيتهم لنشر الإسلام وتمكنهم من الدعوة إلى لله في الأمم الأخرى أو على الأقل دعوة المسلمين من ابناء الجاليات المسلمة الموجودين في أمم الغرب.... باختصار لن يكون الداعية ناجحاً ما لم يكن عالماً وفقيهاً بالإضافة إلى كونه ابن عصره يواكب قضايا العصر ويعاين مشاكله ويفهم أبعاد هذه المشاكل ويوجد الحلول وفق مناهج مدروسة تعلمها وتمثلها فكان قدوة وعلى المعاهد الشرعية ألا تمنح شهادات التخرج لأحد قبل أن تتأكد أن طالب العلم شخص عدل وقدوة يستحق الاقتداء به في الأخلاق والسلوك والأفعال كي لا يكون سبباً في إقصاء الناس عن الدين بدل من إقبالهم عليه بسبب سلوكه وأفعاله وهذا للأسف ما نجده عند بعض طلاب العلم وخريجي المعاهد الشرعية.... أرجو أن يهيئ الله لهذه الأمة أمر رشد يوفقها لكل ما من شأنه أن يعزها ويرفع قدرها وشكراً لك دكتور والسلام عليكم

 
2009-09-25

علا عبد الله صبَّاغ

السلام عليكم – أؤيد فكرة الاهتمام بالقبول قبل الدراسة في المعاهد الشرعية فقبول الطلاب بدون شروط في المعهد أو مفاضلة قد يزيد من العدد ولكن بدون أن يعطي أهمية للكم! وهنا المشكلة: أن يكون خريجو معهد شرعي، وهم القدوة، وتراهم يحتاجون الكثير بعد! ليست المشكلة في الخطابة في المسجد، ودعونا لا ننتظر تقديم وظائف حكومية إلى كل هذا الكم، ماذا ننتظر من المتخرج من معهد شرعي ما؟ بصراحة لا أنتظر منه حرفة أو عمل في مشفى أو غيره، ولكن هو اقتراح أحب أن أقدمه إلى خريجي المعاهد الشرعية ولا أعرف مدى امكانية تطبيقه: لماذا لا يتم افتتاح معاهد شرعية خاصة في كل المحافظات؟ لماذا نحتاج إلى السفر إلى دمشق للالتزام بالمعهد؟ وما المشكلة إذا كان المعهد خاصاً ولكنه يتبع نفس مناهج المعهد الحكومي؟ نحن لا نبحث عن الشهادة ولكن نبحث عن العلم الشرعي والأحكام الفقهية، أحكام التجويد، السيرة، ومتابعة الحفظ.. كل هذا لا يكون لوحده ولا يأتي بالسهل! برأيكم كيف لطلاب غير المعاهد الشرعية أن يتعلموا ما يلزمهم من علوم الدين؟ ألا تلاحظون نقص كبير في عدد المعاهد الشرعية؟ دعوني أعكس السؤال: ألا تلاحظون في عدد طلاب معهد شرعي ما في دمشق نسبة لا بأس بها من خارج دمشق؟ لماذا؟ ... هو اقتراح للخريجين وأتمنى أن يكون له أثر.

 
2009-09-24

عبد الرحمن

هذا طرح قوي جداً لكن أين يكمن العلاج يا دكتور ؟ و ما هي الوسائل التي تخرج هذه المعاهد من أزماتها ؟ وك يف تكون الثورة داخل المعاهد إذا كانت العقليات التي تديرها لا زالت من زمن قديم!!!

 
2009-09-24

مخلص

تشخيص دقيق وواقعي من الدكتور البكار ، فقد شخص مشكلة المعاهد الشرعية في سوريا و أكثر البلاد العربية و الإسلامية ... و يا ريت يسمع القائمون على هذه المعاهد و يقرؤوا هذا الكلام و يطلعوا على هموم الطلاب و الخريجين من هذه المعاهد

 

ملاحظة:
الآراء المنشورة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو القائمين عليه، ولذا فالمجال متاح لمناقشة الأفكار الواردة فيها في جو من الاحترام والهدوء ونعتذر عن حذف أي تعليق يتضمن:
1- يحتوي على كلمات غير مهذبة، ولو كانت كلمة واحدة.
2- لايناقش فكرة المقال تحديداً.

 

 1488

: - عدد زوار اليوم

7404403

: - عدد الزوار الكلي
[ 61 ] :

- المتصفحون الآن

 


العلامة الشيخ محمد حسن حبنكة الميداني


العربيــة.. وطرائق اكتسـابها..
المؤلف : الدكتور محمد حسان الطيان








 
   

أحسن إظهار 768×1024

 

2006 - 2015 © موقع رسالتي ، جميع الحقوق محفوظة

 

Design & hosting by Magellan