::: موقع رسالتي - رؤية جديدة في الخطاب الإسلامي :::

>> كلمة المشرف

 

 

عــام هجــري جديــد 1435 هـ

بقلم : الشيخ محمد خير الطرشان  

 

الهجرة النبوية سفر مبارك و تاريخ مجيد، نستلهم منه عبراً و دروساً عظيمة، فهجرة النبي صلى الله عليه وسلم من مكة المكرمة إلى المدينة المنوّرة، أصبحت تأريخاً للمسلمين، والسبب في ذلك أن أبا موسى الأشعري كانت تأتيه كتب من عمر بن الخطاب رضي الله عنه بلا تاريخ، فكتب له: "يا أمير المؤمنين! إن كتباً من طرفك تأتينا بغير تاريخ، أفلا أرّخت لنا". فجمع سيدنا عمر رضي الله عنه أصحابَ الرأي والمشورة وقال لهم: "أشيروا علي". فأشار بعضهم بأن يبدأ التاريخ بمبعث النبي صلى الله عليه وسلم، وأشار البعض الآخر أن يكون التاريخ من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم. فاختار سيدنا عمر الرأيَ الثاني وقال: "كانت الهجرةُ فُرقاناً بين الحق والباطل". لذلك أرّخ المسلمون لهجرة النبي عليه الصلاة والسلام.
سبب الهجرة ليس الفرار بالنفس، إنما إنقاذ الدين:
        للهجرة معانٍ كثيرة، لا تزال هذه الأحداث التي وردت في كتب السير والتراجم يُستَفاد منها الدروس والعِبر، ويُؤخذ منها العِظات والمواقف البطولية، ومواقف التخطيط، والإدارة، والتنظيم لواقع المسلمين وحياتهم ومستقبلهم.
        فالهجرة أولاً لم تكن فِراراً بالنفس كما يتخيّل كثير من الناس، أو كما يَزْعُم بعض المغرضين والمشكّكين من أعداء الإسلام الذين قالوا: إن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فرَّ من مكة بنفسه. هذا كلام مٌغرِض لا صحّةَ له على الإطلاق، والدليل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم ثبت وقاوم وتحمّل الشدائد والمشقّات التي تعرّض لها طوال إقامته في مكة المكرمة.
مظاهر إيذائه عليه الصلاة والسلام قبل الهجرة:
أوذي صلى الله عليه وسلم في نفسه فصبر، وأوذي في أصحابه فصبر، ومُنِع من الجهر بالدعوة الإسلامية فصبر، وما كان منه إلا أن فكّر بالخروج من مكة المكرمة؛ ليوسّع إطار الدّعوة الإسلامية وأفقها، ويجعلها أوسع مما كانت فيه.
        أ- في الطائف:
        خرج صلى الله عليه وسلم بعد سلسلة من مراحل الإيذاء إلى الطائف قاصداً نصرةَ قومها وأهلها، لكنّه عليه الصلاة والسلام واجهَ في ثقيف والطائف أشد ما كان يواجهه في مكة، أوذي ورُمِي بالحجارة، سالت الدماء من عقبيه الطاهرتين، فما كان منه إلا أن التجأ إلى الله سبحانه وتعالى في لحظة مناجاة وصدق قائلاً: "اللهم! إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس. اللهم! أنت ربي ورب المستضعفين، إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهّمني؟ أم إلى قريب ملّكته أمري؟ إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي، غير أن عافيتك هي أوسع لي. أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة. لك العُتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك يا أرحم الراحمين!"..
        دعاءُ مناجاة، دعاءٌ فيه إظهار الافتقار والانكسار والتّبتّل والتّذلل إلى الله سبحانه وتعالى، وإظهار العجز والفقر والضعف بين يدي الله سبحانه وتعالى هو أقرب الأبواب إلى الله على الإطلاق.
وهذا أول الدروس التي نستفيدها من الأحداث التي سبقت الهجرة من مكة إلى المدينة، وهو أن المؤمن عليه أن يظل على الدوام في حالة اتصال دائم مع الله سبحانه وتعالى، فإذا أصابك ضيق، أو حَزَبَك أمر، أو دَهَمَك شيء، أو استعصت عليك حاجة، أو أردت أن تطلب من الله سبحانه وتعالى أمراً ما، فما عليك إلا أن تفزع إلى الله، فتركع ركعتين، وتسجد سجدتين، وتذرف دمعتين بين يدي الله سبحانه وتعالى وتقول له: "يا رب! إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي".
        مَلَكُ الجبال نزل بأمر من الله سبحانه وتعالى إلى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: "يا محمد! إن شئتَ أطبقْتُ عليهم الأخشبَين". فيُستأصلوا عن الأرض. لكن عادة الاستئصال لم تكن مما يختص بهذه الأمة، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم رفض فكرة الاستئصال، وأراد أن ينظر إلى ما هو أعمق من ذلك بكثير، فقال: "يا رب! بل أرجو أن يُخْرِج الله من أصلابهم من يعبد الله ولا يشرك به شيئا". متفق عليه. عفا عنهم عليه الصلاة والسلام، وكان يخطط للمستقبل، ويفكر أن يَخرُجَ من أصلاب هؤلاء الرجال الذين آذوه - عليه الصلاة والسلام - أبطالٌ وقادة ومن ينصر الدين، وهذا ما حصل فعلاً؛ حيث خرج خالد بن الوليد، وعكرمة بن أبي جهل، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وأمثالهم من القادة والفاتحين ممن كان آباؤهم وأجدادهم يُناصِبون العِداء لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
        ب- في غزوة أحد:
        هذا الموقف هو شأنه عليه الصلاة والسلام، ليس في هذه الحادثة فقط، إنما في حوادث متعددة. على سبيل المثال: في غزوة أحد حُفِرت للنبي صلى الله عليه وسلم حفرة، ووُضِع عليها شيء من القش حتى لا يراها المسلمون، وبالفعل سقط فيها عليه الصلاة والسلام وبعض أصحابه، وشُجَّ وجهه الشريف، وكُسِرت رباعيّته، وسال الدم منه، فما كان من أصحابه عليه الصلاة والسلام إلا أن قالوا: "يا رسول الله! ألا تدعو الله عليهم؟". فقال عليه الصلاة والسلام: "إني لم أُبعث لعّاناً". "إنما أنا رحمةٌ مُهداة". مجمع الزوائد. لم يُبعَث ليدعو على قومه كما دعا الأنبياء السابقون على أقوامهم. فقد قال: "اللهم! اهدِ قومي؛ فإنهم لا يعلمون". شرح سنن ابن ماجة.
        هكذا كان النبي عليه الصلاة والسلام يعامل قومه وأهله برفق وحلم وسعة صدر، وهذا من أعظم الدروس التي نستفيدها مما سبق الهجرة إلى المدينة المنورة.

 التعليقات: 0

 مرات القراءة: 4296

 تاريخ النشر: 31/10/2013

ملاحظة:
الآراء المنشورة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو القائمين عليه، ولذا فالمجال متاح لمناقشة الأفكار الواردة فيها في جو من الاحترام والهدوء ونعتذر عن حذف أي تعليق يتضمن:
1- يحتوي على كلمات غير مهذبة، ولو كانت كلمة واحدة.
2- لايناقش فكرة المقال تحديداً.

 

 1157

: - عدد زوار اليوم

7403079

: - عدد الزوار الكلي
[ 60 ] :

- المتصفحون الآن

 


العلامة الشيخ محمد حسن حبنكة الميداني


العربيــة.. وطرائق اكتسـابها..
المؤلف : الدكتور محمد حسان الطيان








 
   

أحسن إظهار 768×1024

 

2006 - 2015 © موقع رسالتي ، جميع الحقوق محفوظة

 

Design & hosting by Magellan