::: موقع رسالتي - رؤية جديدة في الخطاب الإسلامي :::

>> مقالات متنوعة

 

 

وقفات مع الذات (1)

بقلم : ريما محمد أنيس الحكيم  

وقفة مع الضمير 

 

يتقاسم حياتنا – نحن البشر – شيئان : واقعٌ وخيال ..

بعضنا يعيش حياة واقعية ، ويترك خياله في حالة احتضار وكأنه يلفظ آخر أنفاسه ..

و البعض الآخر يعيش حياة معتدلة ما بين واقعه وخياله، فهو ذاك الإنسان الرزين المتزن الذي يهوى الفن والموسيقى، وفي الوقت نفسه يجادل في السياسة وآخر المستجدات .ويقوم بواجبه الديني والوطني ، ولا ينسى نصيب أسرته وعياله .

أما القسم الثالث، فهم أولئك الذين يشكلون القسم الاستثنائي الغالب في الحياة، فالواحد منهم لا يعي نفسه، ولا يعلم بالتحديد كم عمره ..

فكل ما يهمه .. أن يحلم ويسعى نحو تحقيق أحلامه ..

وأهم ما يسيطر عليه .. اغتنام أي فرصة أو فكرة قد تقوي مسيرته نحو حلمه ..

وكل ما يتمناه .. أن يجسد حلمه ويحوله إلى واقع ..

ونتيجة ما يحصله.. لا شيء ..عبث ولهو وفراغ وغيبوبة عن الواقع وغرق في مستنقع آسنٍ من النرجسية وحب الذات ...

لأنه في الواقع : لا يعيش في الواقع .. بل يجعل من خياله مرتعاً خصباً للحياة والترفيه والاستجمام ..

فيموت وهو يشعرُ – أو قد لا يشعر – بخيبة أمل نتيجة فقدانه لحلمه، لأنه قد يظن ذاك الفقدان مناماً، فينساه ويكمل حياته في خياله ريثما تخرج روحه البلهاء من جسده الذي يكاد يفنى .. فهو الميت الحي: الذي يعيش الحياة الواقعية بعضلة القلب النابضة وجسدٍ وأعصاب وأجهزة فقط ، ويعيش الخيال بالعقل والتفكير والذاكرة، والقلب الحساس الذي يحس بكل ما يهوى ويحب ويتمنى فقط ..

هذه هي تقاسيم وأوركسترا الحياة البشرية  ، وإذا أردنا أن نصنف أنفسنا ضمن هذه التنوعات ، فلا بد أننا في الأعم الأغلب لن نستطيع ذلك ببساطة، لأن الكثير منا يشعر بأنه خارج إطارها، وأنه وضع نفسه ضمن نخبة متميزة: من خصائصها مزج الواقع بالخيال..

أفكر أحياناً في طريقة عيشنا في هذه الحياة التي تمضي كما يريد الله سبحانه لها أن تمضي، كيف نُقولب الأمور لتسير وفقاً لرغباتنا وميولنا وأهوائنا ، حتى وإن كنا نعلم أننا مخطؤون، إلا أن عقولنا تأبى الاعتراف بذلك، وتستمر على ما تريد فعله مهما كلفها ذاك الأمر من عتاب مرير وألم في  الضمير ..

وعتاب الضمير هذا ملاحظ في عقل كلٍّ منا، يعلو صوته ويخفت وفقاً لأفعالنا ومدى صحتها، ونسمعه قوياً قوياً كلما أوغلنا في الخيال، إنه يعتب علينا ترك الحياة الواقعية، ويطلب منا الرجوع إلى نور الحقيقة .. نسمعه كلما سعينا إلى ما نستحي من فعله في العلن، كلما خطت أرجلنا نحو ما نعتقد خطأه، كلما تحركنا وفقاً لأهوائنا وشهواتنا، وكلما ابتعدنا عن ربنا ..

فنحاول استرضاءه بما يمنحنا حالة جديدة من الاسترخاء ، وقد يلجأ أحدنا إلى الشارع بحثاً عن أطفال يلعبون، يتودد إليهم ويعطيهم شيئاً من الحلوى ، لينعم بشعور الرضى عن النفس، ليُعوض كل مافعله ولم يكن مقتنعاً به، عن كل ما عاتبه عليه ضميره وعذبه عنه .. ليحاول رشوة ضميره : (( هاأنذا أمتع الأطفال .. فغُضَّ الطرف عن باقي الأمور !!!..))

فإن كان ضميره شريفاً ولم يقبل تلك الرشوة، فإنه يحاول حينها قتله، يحاول أن يخرسه إلى الأبد، على الرغم من أنه يعلم يقيناً أنه لن يستطيع، لأن الضمير هو تلك النفس اللوامة التي زرعها الله فينا ، والتي لن تخرج حتى يأذن الله لها بذلك ..

من الممكن أن تنام تلك النفس، لكنها من المحال أن تموت .. فتستيقظ مرة أخرى بعد نومها معلنةً أن ها قد عدت من نومي، تعالَ هنا .. لماذا هذا؟؟ ولماذا ذاك ؟؟ وكيف تفعل هذا ؟؟! ..

ويبقى ذاك الصراع مستمراً، فالأهواء تأبى الاستماع، والنفس اللوامة تأبى السكوت، فيستمر ذاك الضجيج الداخلي الذي يجعلنا نخطو نحو الذنب بذلك الشعور بأننا نفعل خطأً منا، ويكون ذاك التردد عن الفعل بين : نعمٍ ولا ..

لماذا لا نحاول إيجاد طريقة ما للتفاهم مع أنفسنا بدل الصراع الدائم معها .. ؟!

لماذا لا نحاول أن نعتاد عليها ونتكيف معها ؟؟

إن كانت حقيقة أننا لن نفترق حتى الموت قطعية ! فلماذا لا نجد طريقة ما تجعلنا نتوصل إلى العيش سوياً بشكل سلمي، فضميرنا لن يصمت أبداً، فهو مخلوقٌ ليتكلم دائماً و( ينق ) .. وسيظل يؤنبنا ما دمنا نحيد عن الجادة المستقيمة .. وسنبقى نشعر بذاك الألم يعتصر قلوبنا كلما أخطأنا ..

إن الصراع مع الآخرين مهما كانت طوائفهم وأفكارهم، ومهما اختلفوا عنا، ينبع من عدم تصالحنا مع ذواتنا .. والطائفية المنتشرة هذه الأيام يرجع سببها الأول إلى أننا لم نجد بعد الطريقة الملائمة للعيش مع ذواتنا التي تلاصقنا أبداً ، فإن كنا لم نجد هذا بعد، فكيف سنستطيع العيش سلمياً مع آخرين نعتبرهم أضداداً لمجرد اختلافهم معنا في فكرة ما، وقرأت مرة شيئاً حول ثلاثية ( نافق أو وافق أو فارق )، وأشعر بأنها ثلاثية تجتمع في عقل كل من لا يتصالح مع ذاته، فالإنسان الذي يعرف كيفية التعامل مع ضميره لا يهمه إن خالفه أحدٌ ما في فكرة أو رأي، بل يسعى إلى الحوار معه حواراً هادفاً جاداً ساعياً إلى إيجاد نقاط الالتقاء، مع الاعتراف بنقاط الاختلاف التي لا بد أن تكون موجودة بين أي شخصين، فإن كانت أجسادنا مع تشابهها لا تتطابق، فكيف بأفكارنا التي نشكلها وفقاً لما نعيش فيه ووفقاً لما نعرفه ونتعلمه ..

إن النظرة الأحادية نحو الطرف المخالف تسبب الصراع الدائم، ومرجعها إلى نظرتنا العشوائية إلى ذواتنا، فإن تنظمت، اتسعت نظرتنا نحو المخالف لتصبح نظرة محيطية له، نظرة شاملة لكل ما فيه، فلا نتوقف عند حدود الخلاف، بل نتسع إلى اللقاء، ونتصالح ..

ومبدأ كل ما سبق هو بالتصالح مع ضمائرنا ..

فلنتصالح إذن مع ضمائرنا، ولنحيا كما يريد الله الحياة ، كما يرضى أن نعيش، كي نرتاح من الجدل الدائم والصراع المتزايد .. لأننا إن أيقنا أن حياتنا وفق أوامر الله هي الاستقامة والصحة، فإننا سنريح ضمائرنا، ولن نتصارع معها بعد الآن، فسنتوصل إلى حل يرضي الجميع ..

وهذا ما سيوصلنا إلى العيش في واقع مرتاح في ظل رضا الله، وفي الأصل هذه هي الفطرة ..

دعوةٌ إلى التصالح مع الضمير في عالمٍ يعج بنوم الضمير ..

دعوة قد تكون خيالية، قد تكون يوتوبية( هذا ما قد يصفها البعض به )، لكنها بالنسبة لي دعوة هدفية.. فلنفكر بها .. ربما نحققها في بعض الأحيان ..          

والسلام ..

 

 

 التعليقات: 0

 مرات القراءة: 3252

 تاريخ النشر: 22/04/2008

ملاحظة:
الآراء المنشورة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو القائمين عليه، ولذا فالمجال متاح لمناقشة الأفكار الواردة فيها في جو من الاحترام والهدوء ونعتذر عن حذف أي تعليق يتضمن:
1- يحتوي على كلمات غير مهذبة، ولو كانت كلمة واحدة.
2- لايناقش فكرة المقال تحديداً.

 

 779

: - عدد زوار اليوم

7401567

: - عدد الزوار الكلي
[ 49 ] :

- المتصفحون الآن

 


العلامة الشيخ محمد حسن حبنكة الميداني


العربيــة.. وطرائق اكتسـابها..
المؤلف : الدكتور محمد حسان الطيان








 
   

أحسن إظهار 768×1024

 

2006 - 2015 © موقع رسالتي ، جميع الحقوق محفوظة

 

Design & hosting by Magellan