::: موقع رسالتي - رؤية جديدة في الخطاب الإسلامي :::

>> مساحة حرة

 

 

غفلنا عن العلاج .. وهو بين أيدينا

بقلم : دعاء الأصفياء  

 

بسم الله الرّحمن الرّحيم

والصّلاة والسّلام على رسوله الكريم

 

 

نعم

لقد انتعشت مهجنا وابتهجت نفوسنا، عندما أذن المولى أن يجود علينا بفضله ومنّته، ويُنِيلَنا بركاتٍ من خزائنه العامرة برحمته، ففتح أبواب سمائه بماءٍ منهمر، لتحتضنه الأرض العطشى بعدما لاقت من شدّة وعُسر. لقد سُرَّتْ بهطول المطر القلوب والخواطر، وتمتّعت بجماله النّواظر، ولكن... ربما يمتزج هذا السّرور بشيء من القلق عندما نقرأ حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "لولا شيوخٌ رُكَّع، وأطفالٌ رُضّع، وبهائمُ رتّع لصُبَّ عليكم العذاب صبّاً". جالت في فكري بعض الخواطر، لقد صلّت هذه الجموع صلاة الاستسقاء، ولجّت وتضرّعت إلى الله بالدّعاء، لكن تخيّلوا لو أنّ إحدى البهائم توجّهت إلى ربّها في الحين نفسه وطلبت منه السُّقيا، ثمّ استجاب الله لها دون باقي خلقه، تخيّلوا لو اختفت البهائم من على وجه الأرض، تخيّلوا لو لم يوجد أولئك الشّيوخ الرّكّع والأطفال الرّضّع، ولو لم يوجد عبادٌ لله في هذه الأرض يعبدون الله حقّ عبادته، أولئك الّذين بسببهم يُنْزِل الله غيثَه، فيعمّ الطائعَ والعاصي، هل كان سيستجيب الله الدعاء؟

        ها نحن أصبحنا كلَّ عام نستقبل فصل الشّتاء بلا شتاء، ولولا رحمةٌ من الله تتداركنا قبل فوات الأوان لهلكنا، نرى حالنا قبل الاستسقاء ثمّ ننظر ونرى هذه الحال بعده، فلا نجد اختلافاً. نشعر بالخوف والقلق فنلجأ إلى من بيده الفرج، وبعد أن يأتينا هذا الفرج ننسى أن نشكر ونبقى على ما نحن عليه من معاصٍ وذنوب، التّاجر - دون تعميم - يبقى محترفاً مهنةَ الغِشّ والخداع، ويمضي مصرّاً على ما يسمّيه "شطارة" . الكذّاب لا يدرك أنّه خارجٌ من ملّة المؤمنين بكذبه، ويظنّ أنّ الحياة لا تستمرّ ولا تحلو إلا بالكذب، الطّالب - دون تعميم - لا يتوقّف عن الغشّ في الامتحان، ويحافظ على تبريره المعتاد بأنه مضطرّ، يتذرّع بالاضطرار الّذي بات يتذرّع به اليوم كلّ من ارتكب أمراً لا لِبسَ ولا خِلافَ في تحريمه. الحاسد يتابع مسيرة غيظه وحقده، ويُنشِئ تيّاراً يعمل من خلاله على جرف من يحسدهم. الظّالم يتلذّذ بتعذيب من يمارس الظّلم عليهم لا يخطر في باله أنّ هناك يومَ عدلٍ ينصَفُ فيه المظلومُ ويعود فيه الحقّ إلى صاحبه ولو كان قيدَ شعرة.

        سبحان الله! يمرّ الواحد منّا بمشكلة تلقي الرّعب في قلبه، فيبدأ بإحصاء ذنوبه ويفرّ إلى الّذي لا ملجأ منه إلا إليه، ويسارع إلى ترك كلّ مخالفة ومعصية كان عليها، وعندما يتكرّم ذو الجلال والإكرام ويخلّصه من مصيبته، يعود وكأنّ شيئاً لم يكن. ربّما يقول أحدكم: "أنتِ تريدين تعكير صفوِنا وسرورنا وفرحنا بهذا الغيث المـُغيث". لو أنّنا نُدرك الأمرَ على حقيقته لكانت فرحتنا أعظم. أخاطب نفسي قبل أيّ إنسان: الحلّ الأوّل للتّخلّص من كلّ معاناة نمرّ بها هو ترك معاصينا، الابتعاد عن مخالفة أوامر الله عزّ وجلّ. للأسف هل يجد هذا الحلّ قبولاً؟؟ لماذا يُعدّ إصلاح النفس آخر إجراء يمكن اتّخاذه لحلّ الأزمات؟؟

        ها هي فلسطين الحزينة تجاوزت ستّين عاماً مكبّلةً بقيود الظّالمين دون أن نتمكّن من فكّ هذه القيود، دُعاتُنا لا يمَلّون ولا يكلّون من تفهيم النّاس أنّ هذا القيد لا ينفكّ طالما نحن فيما نحن فيه من آثام، وفي النّهاية لا نلقي بالاً لهذا الكلام ونقول: نريد أن نحرّر فلسطين! كيف نحرّر فلسطين؟! أمّا من حلّ؟؟ أريد أن أسأل: هل حرّر صلاح الدّين الأيّوبيّ القدسَ في يومٍ وليلة؟ أو أنّ تحريرها بدأ قبل ولادة صلاح الدّين بأعوامٍ كثيرة؟ لقد تمّ في البداية تأسيس صلاح الدّين وجيل صلاح الدّين الّذي يتّسم بالصّلاح، فكان أهلاً لعون الله، واستحقّ تحرير بيت المقدس.

        كلَّ عام نمرّ برأس السّنة الهجريّة، وتتتابع النّصائح: لا بدّ أن نهجر ذنوبنا ومعاصينا! ثم نقول: كيف نهاجر كما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! لماذا نستبعد كونَ هجرة الذّنوب خطوة مهمّة من خطوات الهجرة؟؟

        وها نحن كلّ عام نعاني من شحّ الأمطار، فهلا بحثنا عن السّبب الحقيقيّ لهذا الشّحّ؟ نتراجع كلَّ عام عن أخطائنا ونطلب من الله الإغاثة، وبعد الإغاثة هل نحافظ على هذا التّراجع؟؟ لا نريد مسكّنا للألم، إنّما نريد علاجاً نستأصل به سبب الألم؛ كي تَنْعُمَ أرواحنا براحةٍ أبديّة. لا بدّ من وقفة مع الذّات، لا بدّ من أن نبدأ بأنفسنا، كيف يمكن أن تُفرَج علينا ونحن على حالنا لا نتغيّر؟!

        فلْنفتحْ صفحةً جديدة، ولْنقل: وداعاً لما يغضب الله عزّ وجل وما يغضب رسوله صلى الله عليه وسلم. ولنجعلها صفحةً بيضاء ناصعة، خالية من غبار الذّنوب، مليئة بصفاء القلوب.. ولندعُ الله أن يعفوَ عنّا، وأن يعيننا على دوام ذكره وشكره وحسن عبادته. والحمد لله على سعة رحمته.

 

 

 


 التعليقات: 1

 مرات القراءة: 3405

 تاريخ النشر: 15/12/2010

2010-12-19

sarah

جزاك الله خيرا على التذكير ووضع النقاط على الحروف .. لا بد من البدء بإصلاح النفس ،فهو الأصل.

 

ملاحظة:
الآراء المنشورة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو القائمين عليه، ولذا فالمجال متاح لمناقشة الأفكار الواردة فيها في جو من الاحترام والهدوء ونعتذر عن حذف أي تعليق يتضمن:
1- يحتوي على كلمات غير مهذبة، ولو كانت كلمة واحدة.
2- لايناقش فكرة المقال تحديداً.

 

 1916

: - عدد زوار اليوم

7406127

: - عدد الزوار الكلي
[ 57 ] :

- المتصفحون الآن

 


العلامة الشيخ محمد حسن حبنكة الميداني


العربيــة.. وطرائق اكتسـابها..
المؤلف : الدكتور محمد حسان الطيان








 
   

أحسن إظهار 768×1024

 

2006 - 2015 © موقع رسالتي ، جميع الحقوق محفوظة

 

Design & hosting by Magellan