::: موقع رسالتي - رؤية جديدة في الخطاب الإسلامي :::

>> مقالات متنوعة

 

 

ليس للانهيار حدود

بقلم : أ.د. عبد الكريم بكار  

 

في حالات التدهور والانكسار يطلق الناس عددًا كبيرًا من الأسئلة، يغلب عليها طابع التعجب مما يحدث؛ حيث يشاهدون تغير القناعات والتحالفات، ويرون كيف تتساقط الممنوعات والمحظورات تباعًا، ويصبح غير المعقول معقولاً، والمستحيل جائزًا... ومردّ كل هذا إلى رغبة الناس في أن يكون للتدهور حدود يتوقف عندها، وتلك الرغبة تتحول مع الأيام إلى قناع راسخة، يجري تحليل الأحداث واستشراف المستقبل بناء عليها. الحقيقة المؤلمة هي أنه حين تمرض الإرادة، ويعمّ اليأس، فإن كل شيء يمكن أن يحدث، ويتبين الناس آنذاك أنه ما من حالة سيئة يصيرون إليها إلا هناك ما هو أسوأ منها وأقسى، والتاريخ مملوء بالشواهد والأدلة والوقائع الدالّة على هذا. أكتب هذا بمناسبة ما يجري في فلسطين المحتلة عامة وفي غزة خاصة. حين نقرأ التاريخ ونجد أن بعض المسلمين ألقوا أسلحتهم مستسلمين لامرأة تتريَّة ظنًا منهم أنها رجل، وحين نجد دولاً عربية عديدة تهزم أمام دولة تم تجميع مواطنيها من (126) دولة وحين وحين.. يثور سؤال واحد: كيف حدث هذا؟ وهل هو حقيقة أو ماذا؟

لو أن كل واحد من أهل غزة ارتكب جريمة منكرة لما جاز أن يعاملوا كما يعاملون الآن؛ لأنهم اليوم ليسوا في سجن كبير يتقلب فيه مليون ونصف من البشر، بل هم في حالة يتطلعون معها إلى أن يكون لهم شيء من حقوق المساجين!

ما يجري في غزة على مرأى ومسمع من العرب والمسلمين والعالم أجمع ولاسيما تلك الدول التي تتحدث في المحافل الدولية عن العدل والحرية وحقوق الإنسان... دليل على أن التحضر الذي بلغه العالم لا يعدو أن يكون قشرة رقيقة، يمكث تحتها وحش كاسر ينتظر الفرصة كي يفترس، من غير حدود.

 

لماذا يجري كل هذا؟

في الجواب على هذا السؤال أقول الآتي:

1- إن الإسرائيليين يشعرون بخطر حقيقي يهدّد وجودهم هذه المرة، وهذا الخطر لا يتولد من كون الفلسطينيين باتوا يصنعون بعض الصواريخ البدائية، وإنما من تراجع (الأيدلوجية) الصهيونية في تشكيل قناعات اليهود، ومن تراجع جاذبية العيش في فلسطين لدى الكثيرين منهم حتى صار الذين يهاجرون منهم من فلسطين أكثر من الذي يهاجرون إليها، وهذا يجعل زعماء إسرائيل يتصرفون تصرف اليائس الذي يشعر أنه يخوض معركته الأخيرة. كما أن الوضع السياسي الداخلي هو وضع مُزرٍ بكل ما تعنيه الكلمة؛ حيث إن نحوًا من (20%) من أعضاء الكنيست (البرلمان) ملاحقون بتهم تتعلق بالفساد المالي؛ لأن الديمقراطية لدى اليهود في فلسطين لا تستند إلى قاعدة أخلاقية، وفي حالة كهذه يكون ضرب الفلسطينيين وتشديد الحصار عليهم جزءًا من المناوشات السياسية بين قادة اليهود في فلسطين السليبة.

 

2- وضع الفلسطينيين وانقسامهم الداخلي على أنفسهم؛ حيث صار لهم فعلاً حكومتان تعملان وفق رؤيتين متباعدتين كل البُعد، وهم في هذه الحالة يقدمون فرصة ذهبية لليهود كي يلحقوا بهم أفدح الخسائر، ويرتكبوا ضدهم أشنع الجرائم، وهذا ما يحدث فعلاً!

 

3- يساعد على ما يجري لإخواننا في غزة وفلسطين عامة الوضع العربي المتدهور، فنحن نعيش الآن في زمان (الدولة القطرية)؛ حيث ذبلت المشاعر القومية إلى حدّ بعيد، أما المشاعر الإسلامية التي تفور بالتشوق إلى وحدة المسلمين وضرورة تناصرهم، فإنها لا تجد أي سبيل للتجسيد في تحركات وأنشطة ملموسة وعملية، بسبب الحصار الرهيب المفروض على كل شيء في فلسطين. إن اتفاقية (كامب ديفيد) المشئومة قد جعلت بعض العرب يقومون بدور الوسيط بين الفلسطينيين واليهود عوضًا عن الدفاع عن الأخ المظلوم والمذبوح، وبعض العرب يقدم النصيحة لليهود في شأن إدارة علاقتهم مع الفلسطينيين المصابرين!.

 

4- الوضع الدولي يقوم على النفاق لليهود، مع أنه ليس هناك من يحبهم، ولكن ليس هناك أيضًا من لا يخاف منهم، ولهذا فإن جرائم اليهود الكبرى لا ينظر إليها لدى القوى النافذة في العالم على أنها جرائم إبادة ضد الإنسانية، ولكن ينظر إليها على أنها شيء مشروع للدفاع عن النفس، أو هي في أفضل الأحوال (جنح) يسيرة، يكفّر عنها ما لدى اليهود من ديمقراطية وتقدم علمي وتقني!.

 

ما العمل؟

1- على إخواننا في فلسطين أن يوقفوا التدهور في علاقاتهم الداخلية، وأن يعملوا على إعادة اللحمة لأوضاعهم السياسية، وعليهم أن يدركوا أنهم إذا لم يساعدوا أنفسهم فلن يساعدهم أحد، ولن يستطيعوا الانتفاع بالمساعدات التي تقدّم إليهم.

 

2- إن أهل فلسطين قد أبدوا من البطولات والتضحيات ما أثار دهشة العالم، وهم لا يحتاجون منا على الصعيد الشعبي سوى (المال) وستفعل الكثير والكثير جدًا لو أن 10% من المسلمين التزموا بأن يتنازلوا عن نصف في المائة من مصروفاتهم الشهرية لصالح مناصرة إخوانهم في فلسطين، إنه مبلغ زهيد جدًا، لا تشعر به أي أسرة، لكنه كافٍ لتغيير كامل المعادلة بين الفلسطينيين واليهود. المطلوب هو توفير البرامج والأطر الإغاثية المنظمة والواضحة والمنضبطة لجمع ذلك المال، وتوفير الدعم الإعلامي المستمر للأنشطة الخيرية المتعلقة بالقضية الفلسطينية. الخيّرون كثر، والمال متوفر، والمشكِل هو فقد روح المبادرة والفقر في المؤسسات التي تنظم عملية جمع الأموال وتوزيعها، وشيء ثالث هو الافتقار إلى روح المثابرة والاستمرار، فنحن العرب أهل هَبَّات ووثبات، ولكننا كثيرًا ما ننسى مسئولياتنا، ولا نصحو بعد ذلك إلا على صدمة جديدة!.

 

نقلاً عن موقع الإسلام اليوم

 التعليقات: 0

 مرات القراءة: 3312

 تاريخ النشر: 03/05/2008

ملاحظة:
الآراء المنشورة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو القائمين عليه، ولذا فالمجال متاح لمناقشة الأفكار الواردة فيها في جو من الاحترام والهدوء ونعتذر عن حذف أي تعليق يتضمن:
1- يحتوي على كلمات غير مهذبة، ولو كانت كلمة واحدة.
2- لايناقش فكرة المقال تحديداً.

 

 1041

: - عدد زوار اليوم

7465789

: - عدد الزوار الكلي
[ 65 ] :

- المتصفحون الآن

 


العلامة الشيخ محمد حسن حبنكة الميداني


العربيــة.. وطرائق اكتسـابها..
المؤلف : الدكتور محمد حسان الطيان








 
   

أحسن إظهار 768×1024

 

2006 - 2015 © موقع رسالتي ، جميع الحقوق محفوظة

 

Design & hosting by Magellan