::: موقع رسالتي - رؤية جديدة في الخطاب الإسلامي :::

>> مساحة حرة

 

 

أيام في السودان...

بقلم : د. محمد حسان الطيان  

 

   
ولقد سألت عن السماحة والندى             وعن المروءة في دنا الإنسانِ
فأجابنـي أهـل الحجا بلسانهم              كل الفضائل أصلها سوداني
بهذين البيتين – للشاعر الأردني أحمد الجدع - ختمت تحيتي وشكري للأمسية الشعرية التي أقامها على شرف زيارتي للسودان الحبيب معالي الأستاذ السموءل خلف الله وزير الثقافة، ومعالي الأستاذ الدكتور عصام البشير الأمين العام لمنتدى النهضة والتواصل الحضاري بالسودان، وحضرها وجوه القوم وكبراؤهم ووزراؤهم وشعراؤهم، والتمعت فيها شهب، وأضاءت فيها نجوم، وتبدّت فيها كواكب تنشد من الشعر أجمله، ومن الأدب أجزله، ومن البيان أحلاه وأفضله. وقد خصتني شاعرة السودان المتألقة روضة الحاج بقصيدة عن دمشق الغالية، نزلت مني منزلة الماء العذب من شارب ظمآن، وتتابع الشعراء يتحفوننا بأطايب الكلام وأفانين الشعر، إلى أن ختم الدكتور عصام البشير بكلمة فذة جمعت بين البيان العالي والشعر السامي، وكان أروع ما جاء فيها قصيدة علمتني الحياة للشاعر المصري النابه مصطفى حمام.
علَّمتني الحياة أنيَ إن عشـ         ـت لنفسي أعشْ حقيرا هزيلا
علَّمتني الحياة أنـّيَ مهما           أتـعـلّمْ فـلا أزالُ جهـولا
كان ذلك في ختام الزيارة التي نعمت بها في الأسبوع المنصرم للسودان، بدعوة كريمة من منتدى النهضة والتواصل الحضاري بالخرطوم. وذلك من أجل العربية... نهوضاً بها.. وعلاجاً لأدوائها.. وتمرّساً بطرائق اكتسابها.. وعرضاً لبعض جمالياتها.. وإحياءً لذكرى نخبة من أعلامها.
كنت أقضي سحابة يومي في تدريب الإعلاميين في دورة حملت عنوان "العربية .. وطرائق اكتسابها" وقد رعاها وافتتحها وزير الإعلام معالي الدكتور كمال عبيد بكلمة نفيسة، عرض فيها لأهمية اللغة في دنيا الإعلام، وخطورة التعبير والمصطلح الإعلامي، وضرورة توخي الحذر في تعريب كثير مما يصنع من مصطلحات في مؤسسات الإعلام العالمية، لما لها من أثر في المتلقي سامعاً كان أم مشاهداً أم قارئاً.
والحق أني فوجئت بعدد الذين حضروا الدورة وتابعوا دروسها وشاركوا فيها مشاركة فعالة، إذ تجاوزوا التسعين، بين مذيع ومقدم برامج وصحفي ومراسل وغير ذلك.. وهم يمثلون كما قيل لي أربعاً وعشرين مؤسسة إعلامية، فيها القنوات الفضائية، والصحف اليومية، والإذاعات المختلفة، والمجلات الدورية، ووكالات الأنباء.
وقد لفت نظري – بالإضافة إلى العدد الكبير غير المتوقع – حرصُ المشاركين على المتابعة، ورغبتُهم الحقيقية في الفائدة، وكثرةُ أسئلتهم وتنوعها، وحَدْجُ أبصارِهم حدجاً قال فيه ابن مسعود رضي الله تعالى عنه: "حدِّث القوم ما حَدَجوك بأبصارهم - أي ما أقبلوا عليك ورمقوك- فإن رأيت منهم فتوراً فأمسك". وأشهد أني لم أرَ منهم فتوراً ولم أضطر إلى الإمساك عن الكلام طيلة أيام الدورة.
وأنا أحمَد لهم والله كلَّ هذا، كما أحمَد للسادة المسؤولين في منتدى النهضة وفي وزارة الإعلام رعايتهم وإشرافهم وعنايتهم ومتابعتهم، فإن الله ليزَع بالسلطان ما لا يزَعُ بالقرآن.كما ورد عن سيدنا عثمان.
وكان من جميل صنيع مدير إدارة النهضة في المنتدى الأستاذ أحمد عبد الرحيم، أن ألحَّ عليَّ منذ أشهر في إعداد كتاب يناسب هذه الدورة، ويحمل عنوانها نفسه: "العربية .. وطرائق اكتسابها" (1) فكان له مني ما أراد، ثم سهر على تحريره وتدقيقه وإخراجه وطبعه، فجزاه مولانا الجليل عني وعن العربية خير الجزاء وأوفاه.
قلت: كنت أقضي سحابة يومي في دورة الإعلام هذه، حتى إذا أقبل الليل، كنت على موعد مع حشود جماهيرية جمعها حب العربية.. وحب كتابها الخالد.. وحب أعلامها ورجالاتها..
ففي يومي الأول ألقيت محاضرة بعنوان "من أعلام المدرسة الشاكرية" في جامعة الخرطوم، عرضت فيها لأديب العربية الكبير وحارسها الأمين محمود محمد شاكر، وصديقه الرائع علامة السودان الأستاذ الدكتور عبد الله الطيب، وتلميذيه النابهين النابغين علامة الشام الأستاذ أحمد راتب النفاخ، وعلامة مصر الأستاذ الدكتور محمود الطناحي، عليهم رحمات المولى سبحانه. قدمني للمحاضرة الأستاذ الدكتور الصدّيق عمر الصدّيق، مدير معهد عبد الله الطيب، وعقب عليها العلامة الدكتور الحِبر يوسف نور الدايم، رئيس مجلس أمناء منتدى النهضة والتواصل الحضاري، بكلام ماتع عن شيخه وشيخ علماء السودان العلامة الراحل الأستاذ الدكتور عبد الله الطيب رحمه الله وطيب ثراه.
وفي يومي الثاني ألقيت محاضرة بعنوان: "الإعجاز البياني..من جماليات لغة القرآن" في قاعة جمعية القرآن الكريم، توقفت فيها عند بيان القرآن في نماذج من آياته مستشهدا بما يناسبها من درر الشواهد وبديع القول لدى علماء البلاغة والإعجاز. عقب عليها الأستاذ محمد خضر الإعلامي المعروف والشاعر المنشد المشهور.
وفي يومي الثالث ألقيت محاضرة بعنوان: "كيف ننهض بالعربية..المخاطر والعلاج" في قاعة المؤتمرات بجامعة إفريقية، قدمني لها الأستاذ أحمد عبد الرحيم المصري الأزهري مدير إدارة النهضة في المنتدى، وعرضت فيها للتحديات والمخاطر التي تواجه العربية اليوم، لأخلص إلى جملة من السبل المقترحة لمواجهتها ومعالجة أدوائها وعللها. وعقَّب عليها الأستاذ الدكتور عبد الرحيم علي، مدير معهد الخرطوم الدولي للغة العربية.
وكانت الأمسية الشعرية التي بدأت بها حديثي في مساء اليوم الرابع الأخير.
بقي أن أقول إن فرحتي بلقاء نخبة من أهل العلم والعربية في هذا البلد الطيب- تولوا التقديم لهذه المحاضرات والتعقيب عليها- لا تقل عن بهجتي بما لقيته من إقبالٍ على هذه المحاضرات، فقد سعدت بلقاء قومٍ أولَوا العربيةَ كلَّ عنايتهم ورعايتهم واهتمامهم ومحبتهم، تَخِذوها أغنيةً يترنَّمون بها..وأنشودة يردِّدونها.. وعلما يتداولونه..وشعرا يتناشدونه..وأدبا يجمع بينهم وبين كل محب للعربية
إن نفترق نسبا يُؤَلِّفْ بيننا             أدبٌ أقمناه مُقام الوالد
فلكل هؤلاء شكري وثنائي، والشكر موصول لمنتدى النهضة والتواصل الحضاري بالسودان على ما يضطلع به من اهتمام بالفكر الإسلامي بيانا وتأصيلا، وبالمنهج الوسطي المنضبط تفعيلا وتوصيلا، وبالتفاعل الإيجابي بين الحضارات الإنسانية تعارفا وتعاونا، وبسبل النهوض بهذه الأمة علاجاً وإحياءً.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات..
ــــــــــ
(1)            لقد تم طبع الكتاب للدكتور حسان الطيان.. وقد نشرنا تعريفاً به على صفحات موقع رسالتي.نت.. اضغط هنا لقراءة التعريف .. [إدارة التحرير في موقع رسالتي.نت].
 

 التعليقات: 0

 مرات القراءة: 3597

 تاريخ النشر: 10/02/2011

ملاحظة:
الآراء المنشورة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو القائمين عليه، ولذا فالمجال متاح لمناقشة الأفكار الواردة فيها في جو من الاحترام والهدوء ونعتذر عن حذف أي تعليق يتضمن:
1- يحتوي على كلمات غير مهذبة، ولو كانت كلمة واحدة.
2- لايناقش فكرة المقال تحديداً.

 

 123

: - عدد زوار اليوم

7398915

: - عدد الزوار الكلي
[ 67 ] :

- المتصفحون الآن

 


العلامة الشيخ محمد حسن حبنكة الميداني


العربيــة.. وطرائق اكتسـابها..
المؤلف : الدكتور محمد حسان الطيان








 
   

أحسن إظهار 768×1024

 

2006 - 2015 © موقع رسالتي ، جميع الحقوق محفوظة

 

Design & hosting by Magellan