::: موقع رسالتي - رؤية جديدة في الخطاب الإسلامي :::

>> مقالات متنوعة

 

 

موت الضمير العالمي في محرقة غزة

بقلم : الأستاذ محمد عدنان سالم / رئيس اتحاد الناشرين العر  

 

تحت سمع العالم كله وبصره؛ تُقصف غزة؛ يُقَتَّل أطفالها ونساؤها،تُقطَّع أوصال شيوخها وشبانها، تُهدَّم بيوتها فوق رؤوس سكانها، تحاصر غزة من كل صوب، تحرم من كل مقومات العيش، يُمنع أهلُها من الفرار من الموت إلا إلى الموت.. إنه القتل العشوائي والإبادة الجماعية؛ بكل ما ينطوي عليه المصطلح في قواميس (الجريمة) من وحشية وهمجية وحقد وعدوان وظلم، وسفك للدماء.. إنها المحرقة – بكل مدلولاتها اللغوية والتاريخية – وفي أبشع صورها؛ يمارسها اليهود الصهاينة – هذه المرة- على شعب أعزل.. يمارسها تحت سمع العالم وبصره- إن كان قد بقي للعالم سمع أو بصر-.

إنها المحرقة عينها؛ زلَّت بها ألسنة مرتكبيها، مثلما زلَّ لسان بوش بالحرب الصليبية التي استدعاها من وراء القرون ليعيدها إلى الذاكرة الإنسانية بعدما كادت تنساها.

لقد أدان العالم كله محرقة هتلر في الثلث الأوسط من القرن العشرين، وألَمَّت بألمانيا عقدة ذنب جراءها، هزت كيانها وحركت ضميرها، فحارت كيف تكفر لإسرائيل عن ذنبها، وأتقنت إسرائيل استغلالها وابتزازها المستمر مثل بقرة حلوب.. فمن لغزة يدين محرقتها ؟! ومن يعوض الثكالى واليتامى والمفجوعين من أهل غزة عن آلامهم؟!

ولقد فرح العالم كله بهدم جدار برلين الذي مزقها وفرق بين أهلها، فمن للجدار العازل الذي أحكمت إسرائيل به الخناق على أهل فلسطين الشرعيين، فحال بينهم وبين ذويهم ومزارعهم وممتلكاتهم وأرزاقهم.. من للجدار العازل في فلسطين يدينه، وينادي بهدمه؟!

أين المجتمع الدولي؟! أين الأمم المتحدة؟! أين مجلس الأمن؟! أين محكمة العدل الدولية؟! أين الديمقراطية ؟! أين حقوق الإنسان؟! أين الضمير العالمي ؟! هل قد اتحدت الأمم على الظلم، وأقامت مجلسَ الأمن لحماية أمن المعتدي، حتى إذا تجاوز مهمته يوماً كان حق الفيتو له بالمرصاد؟! وهل غابت كل هذه المجازر وجرائم الحرب الوحشية عن أعين المحكمة الدولية؟! أم هي العدالة المنقوصة وازدواجية المعايير بعدة مكاييل؟!

لقد ولدت هيئة الأمم المتحدة عام 1945 مشوَّهة مشلولة بحق الفيتو الممنوح للكبار بغير حق؛ فلا يمكن في أي قاموس أن يسمى تعطيل العدالة حقاً، وأن يسمى استئثار أحدٍ– مهما كان كبيراً -بنقض قرار الأكثرية ديمقراطية..

ولئن تضرر العالم كله من العدالة الدولية الشوهاء منذ تأسيسها، فقد كان نصيب العرب النصيب الأكثر فداحة، إذ ابتليت منذ العام 1948 بقرار التقسيم، وفرض أكذوبة حق إسرائيل في الوجود، الذي يعني هو الآخر- مثل حق الفيتو- حق إسرائيل في اقتلاع شعب من أرضه بواسطة أشد منظمات الإرهاب وحشية؛ لإحلال شعب دخيل مكانه. هل يعني ذلك شيئاً آخر غير منح الغاصب حقاً في الاحتفاظ بمغصوبه، والمعتدي حقاً في الاستمرار بعدوانه؟!

هلا تساءل الضمير العالمي عن ملايين الفلسطينيين المشردين في مخيمات اللاجئين، كيف شُرِّدوا؟ ومن شردهم؟!

هلا تساءل الضمير العالمي عن مذابح دير ياسين ودير البلح وقبية وصبرا وشاتيلا، من ارتكب هذه المذابح الجماعية، فراح ضحيتها عشرات الآلاف من الفلسطينيين؟!

هل تناسى الضمير العالمي أن كل هذا القتل والتشريد قد تم على أيدي أقسى المنظمات الإرهابية ضراوة ووحشية: شتيرن والهاغاناه وأضرابهما؟!

هل تجاهل الضمير العالمي أن قادة هذه المنظمات الوالغة في الدم الفلسطيني بالأمس هم قادة إسرائيل الذين ما زالوا يمارسون هوايتهم في الإجهاز على من تبقى منهم متشبثاً بأرضه ووطنه إلى اليوم؟!

ولقد ظلت هيئة الأمم المتحدة ومن ورائها الأسرة الدولية تداري عللها وأمراضها المتفاقمة إلى أن ألـمَّ بها مرض الموت على يد ما أسموه بالنظام الدولي الجديد، ودخلت في سباتٍ فقدت معه كل إحساسٍ بما يجري حولها، ولم يبق لها إلا الهذيان الذي تنعدم معه المعايير والقيم وينقلب فيه الحق باطلاً والباطل حقاً، ويموت الضمير والوجدان.

نعم!! لقد مات الضمير العالمي!! رأيته بأم عيني على شاشات التلفزة محمولاً على أكتاف المفجوعين في غزة، وفي صراخهم وآلامهم، وفي أشلائهم الممزقة التي اختلطت بحجارة بيوتهم المهدمة وتراب أرضهم المحروقة.

شلَّت يداك يا إسرائيل!! وإلى الجحيم تلكم الضمائر الميتة التي تستعد للاحتفال في معرض الكتاب بباريس، بمرور ستين عاماً على قيام دولة إسرائيل.. ستين عاماً مضت على معاناة أهل فلسطين وكل العرب والمسلمين من الغصب والقهر والعدوان.

ولتستعد أرحام الأمهات في فلسطين لإنجاب جيل من النمور يتصدى للذئاب المفترسة التي راحت تسرح وتمرح في الزمن الصعب.

وليستعد المسلمون لإحياء الضمير الإنساني الذي مات على يد حضارة التراب، بقيم حضارتهم الإنسانية، حضارة السماء التي لا تعرف الظلم ولا المحاباة ولا التمييز {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى } [ المائدة 5 /8].

المصدر: موقع دار الفكر.

 

 

 التعليقات: 0

 مرات القراءة: 3124

 تاريخ النشر: 19/05/2008

ملاحظة:
الآراء المنشورة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو القائمين عليه، ولذا فالمجال متاح لمناقشة الأفكار الواردة فيها في جو من الاحترام والهدوء ونعتذر عن حذف أي تعليق يتضمن:
1- يحتوي على كلمات غير مهذبة، ولو كانت كلمة واحدة.
2- لايناقش فكرة المقال تحديداً.

 

 1090

: - عدد زوار اليوم

7470265

: - عدد الزوار الكلي
[ 78 ] :

- المتصفحون الآن

 


العلامة الشيخ محمد حسن حبنكة الميداني


العربيــة.. وطرائق اكتسـابها..
المؤلف : الدكتور محمد حسان الطيان








 
   

أحسن إظهار 768×1024

 

2006 - 2015 © موقع رسالتي ، جميع الحقوق محفوظة

 

Design & hosting by Magellan