::: موقع رسالتي - رؤية جديدة في الخطاب الإسلامي :::

>> دراسات وأبحاث

 

 

في ذكرى وفاة الإمام محمد الغزالي ...

بقلم : علاء الدين آل رشي  

 

                         كيف نؤدي دورنا في العالم المعاصر ؟

                           رسالة مستعجلة إلى الدعاة إلى الله ....

                               

في 9 آذار 1996 م انتقل إلى رحمة الله تعالى  إمام التسامح والفقه المبصر الشيخ  محمد الغزالي سكب سبحانه وتعالى  عليه الرحمة  والرضوان  وقد مضى اثنا عشر عاما على وفاة الشيخ محمد الغزالي طيب الله ثراه وبلل بالرحمة ذكراه ، وإذ نحتفي اليوم  بإحياء ذكرى - العالِم الأمة-  الذي عاش من أجل رسالة عبقة وسار على درب الكفاح لينال الرضى والفلاح ، وأشاع بأيام عمره( الفكر والروح ) فأحيا دينا، وأزهر ثقافة الإنسان والحياة والبناء فإننا نهدف من وراء ذلك ذكر بعض القواعد التي ينبغي تأصيلها في الفكر الدعوي والخطاب الديني المعاصر فقد كان الغزالي رائد في الدعوة وفنون الإقناع ، ورحم الله العابد بشر الحافي الذي قال "بحسبك  أن قوماً موتى تحيا القلوب بذكرهم, وأن قوماً أحياء تقسو القلوب برؤيتهم"، في هذا الورقات أحاول تقديم رؤية الإمام المصلح محمد الغزالي في ذكرى وفاته .. الغزالي الذي عاش بعيدا عن بعض نماذج  الخطاب الديني التقليدي الذي عودنا أطيافه على تحويل الدين إلى ديناميت أو  منصة لإطلاق صواريخ التشهير والإدانة وأنواع الشتم والتكفير (الإسلام يريد رجلاً جيّاش العاطفة بالعطاء, صادق الحس بآلام الغير, ينطلق كالسهم في تفريجها دون توقُّف, ولو كان يتعامل مع غير أبناء دينه, إن النبع السيّال لا يحبس بره عن محتاج) (1)

وبعيدا أيضا عن أي قراءة تبريرية للواقع تجعل الدين طبلا يدق  في مواكب المستبدين (لا دين حيث لا حرية).(2)

 ( إذا كان الدين مخدراً للشعوب في بعض الأقطار, فالدين في بلاد الإسلام منبِّه للشعوب وحاث لها على مقاومة الظلم, وإشاعة العدل, وتعميم الرحمة, ومنع الجوع, واستنكار البطنة والترف) (3).

 وبعيدا عن كل مثقف ارتضى أن يحول خطاب التغيير إلى جدل عقيم ليس من ورائه إلا التنظير والثرثرة  والتزيين اللفظي   ( صناعة الكلام تجعل أصحابها يهتمون بالبديع والزخارف أكثر مما يهتمون بالحقائق )(4) ، (كل تديُّن يجافي العلم, ويخاصم الفكر, ويرفض عقد صلح شريف مع الحياة هو تديُّن فقد كل صلاحيته للبقاء) (5).

وقد تجسد موقف الإسلام التحديثي عندما وجه الشيخ محمد الغزالي أسهم النقد الشديد للدستور الذي وضعه تقي الدين النبهاني مؤسس حزب التحرير والذي يدعو إلى استعادة الخلافة على أساس أقرب إلى نمط الحكم القائم على البيعة وأهل الحل والعقد والشورى المعلمة وليست الملزمة إلخ ومدح الشيخ محمد الغزالي دستور 1923 م المأخوذ عن الدستور البلجيكي على حد تعبيره على الرغم  من أنه لم يكن مليئا بالآيات والأحاديث مثلما كان الحال في دستور النبهاني . وكان تعليق الشيخ الغزالي أن الدستور البلجيكي أقرب إلى روح الإسلام وجوهره من مقاومة  الحاكم المستبد ورقابته من الدستور الذي يبدو شكلا إسلاميا ، لكنه  في جوهره يتناقض مع روح الإسلام ) (6) .

 إن الرؤية الغزالية ليست عابثة أوعابرة  وإنما بداية اجتهادات  مستنيرة ووثابة تدعو إلى المزيد من التعقل والتفكر والتدبر .

إذالعناية  الفائقة كانت عند الغزالي  للحقائق والتأكيد على فرائض لابد منها وكذلك نفي النزعات المتطرفة التي تجعل من الآخر سبب البلاء وتغض الطرف عن القصور الذاتي إنها المناحي التي أكد عليها الإمام محمد الغزالي : ( كل ما أطلبه من المسلمين:

أولاً: أن يوفوا بعهودهم لمَن لا يدين دينهم!!

ثانياً: أن يتشبّثوا إلى آخر رمق بكل شعبة من شعب الإيمان, وكل حد من حدود الإسلام, وكل حكم من أحكام الله وكل معلّم من معالم الشريعة, فإن العالم المتنمّر ضدنا يتهامس فيما بينه, يقول: لقد عاش الإسلام أربعة عشر قرناً, حسبه هذا, يجب أن نجهز عليه!!

إنني أنذر حتى يعلم المسلمون أن معيشتهم في يوم الناس هذا, وفي الغد القريب والبعيد ستكون معيشة كدح, وكفاح, ودفاع عن تعاليم الإسلام أمام مؤامرات لاينقصها الذكاء ولا المهارة!!

إننا نحن المسلمون نعيش أحياناً تستبد بنا الأوهام والأحلام والسذاجة التي تبلغ حد الغفلة!! وإذا كان القانون المحلي لا يحمي المغفلين, فإن القانون العالمي لا يحمي المغفلين أيضاً!!

ألا فلتستيقظ أمتنا ولتؤدِّ واجبها نحو كتاب ربها وسنّة نبيها صلى الله عليه وسلم.) (7) .

إنها رؤية مصلح عاش لأمته ودينه بين الثلاثية الرائدة المؤمنة المبدعة (عقل فيلسوف، وقلب ناسك، ويراع أديب ) (8)  وفيما يلي بعض القواعد الدعوية التي يتوجب على الدعاة تلمسها أو التفكير بها والعمل بمقتضاها .

 

                                

القاعدة الأولى للدعوة :

السلمية

 مهما يكن من تبريرات حول قيام العمل المسلح أو تسويغ حمله داخل المجتمع العربي وحتى مع المختلف معه فإن الشيخ  الإمام الغزالي أكد أنه لا حاجة للعصا ، فالمصائر التي آل إليها العمل الإسلامي بسبب تهور وتذمر وتسرع بعض قياداته أدت إلى الويلات ، وأدخلتنا في متاهات الدم والانتقام ،  كما أن (الإسلام دين أساسه عقلي فطري, يجد طريقه ميسَّراً إلى القلوب, ممهداً إلى أولي الألباب.

التوحيد لا يحتاج إلى عصاً تلهب الجلود كي يقتنع الناس به..

العبادات السمحة, والأخلاق الذاكية, والمعاملات العادلة, والشرائع الضابطة لأفضل المُثل, وأشرف التقاليد, ذلك كله ما يحتاج إلا إلى دعوة هادئة, وإقناع مجرّد.

ربما يحتاج التفكير الذي يرفضه العقل, أو المذهب الذي يأباه الطبع, وتكرهه الفطرة, ربما احتاج هذا وذاك إلى العنف لينتشر.

لكن الإسلام لا يحتاج إلى العنف, إنما يحتاج إلى فاهم له, وإلى سامع لا غش في قلبه, ولا هوى في ضميره, فإذا تيسّر هذا وذاك فما يحتاج الإسلام بتة إلى العنف.

بل نقول أكثر من ذلك, نقول: إن رسالات السماء التي بدأت مسيرتها على الأرض ما لجأت إلى العنف في إقرار العبودية لله الواحد, وفي حشد الناس على صراطه المستقيم) (9) .

 

                                 

 

                            القاعدة الثانية للدعوة :

الداعية الذكي:

يعتقد محمد الغزالي أن مفاهيم الحكمة والوعي هي الملهم الرئيس للداعية المسلم كما أنه الحرية في تبليغ الدعوة هي المناخ الأنسب لنشر الدين وأنه كلما كان أفق الدعاة متنورا ورحبا وتجاوز ثقافة التدين الشعبي التي تدافع عن مفردات الموت والظلام أو فقه الخلاص الشخصي إلى مفاهيم ومقاصد الدين الرحبة التي تقوم على ترابط الدين والدنيا كلما حقق إنجازات رائعة وكان أقرب إلى روح الإسلام،يقول الإمام محمد الغزالي : (اعتمد الدين في شرح مفهومه وبلوغ غايته على دعاة لهم لب ناضج, وقلب سليم. واحتاجت البيئة إلى أن تخلو من السدود العائقة, والطواغيت المستبدّة. عندما يكون صوت العقل لا حجاب أمامه ولا عائق, فإن الإسلام ينتشر وينتصر) (10) .  أريد أن أمشي في طريقي وأبقى مستجمعاً أمرين:

الأمر الأول: الجهاز العاقل الواعي الذي يعرض الدعوة بقدرة عقلية على أولي الألباب في كل زمان ومكان, هذا الجهاز لا بد منه لأنه أساسي الذي أقوم عليه, هذا الجهاز – جهاز الدعوة – الذي يدرس العالم كله وما يسوده من فلسفات, وما ينتشر فيه من أفكار, ويكون الجهاز قديراً على قياس مسافات القرب والبعد من العقيدة التي أدعو إليها, والشريعة التي أحكم بها. هذا جهاز لا بد من استبقائه وتنميته وتغذيته علميا بما يعينه على أداء رسالته.

الأمر الثاني: لا بد من جهاز آخر يقوم على المقاومة السلمية لعوامل الفتنة التي تآمرت قوى العالم الشريرة على أن تعترضني بها أحب وأنا أنظر إلى التاريخ أن أكون واقعياً, وأنا أواجه الآخرين الآن) (11) .

                                     

                                      

القاعدة الثالثة

استصحاب معية الله ورقابته وعزة التدين

الفيتامين الأساسي للمسلم بشكل عام والداعية بشكل خاص هو استصحاب رقابة الله واستحضار معيته ذلك أن للوجدان الرطب بذكر الله وللمعية الربانية قوة دافعة ونورا في حياة الدعاة يقول الإمام محمد الغزالي :

(إذا لم يكن التديُّن صانعاً لخلق يحكم الهوى, وإذا لم يكن التديُّن صانعاً لعاطفة رقيقة تجعل المرء يحني رأسه وصلبه لربه, ويشعر بضعفه فيستغفر ذنبه, وينهض في الهجعات الساكنة كي يرقق روحه بمناجاة الله وطلب خيره, إذا لم يكن التديُّن صانعاً لهذه المعاني فهو تديُّن شكلي لا خير فيه)!! (12)

القاعدة الرابعة:

قرآنية التدريس والمناهج:

في التربية الدعوية تصاب بعض المدراس النشطة بفقدان الأولويات فيعطى للفقه مثلا أولوية على حساب السنة وعلومها أو للسنة أسبقية على القرآن وتدبره  وقد صرح الغزالي في أكثر من موضع على ضرورة الاهتمام بالقرآن أولا تدبرا وفهما فالقرآن حسب تعبير الغزالي ( كتاب تذكير إذا نسي الفكر, وكتاب إيقاظ إذا نام القلب, وكتاب تسديد على الطريق إذا اعوجت الخطى وزاغ الإنسان عن سواء السبيل) (13) .

ويبقى السؤال متى تعطي المدراس الدعوية القرآن الكريم أولوية الأولويات ؟ وكيف نتعامل مع القرآن تدبرا وفهما وإسقاطا على الواقع بذكاء وروية ؟!

القاعدة الخامسة :

المرأة أولا وأخيرا :

 

السؤال الذي ينبغي أن يجاب عليه بصراحة مادام الإسلام أنصف المرأة وصانها فلم هذا الخروج الواضح على تعاليمه من قبل الكثير من النساء ؟ لم اسنحبالتدين من ميادين المرأة أو تحول التدين في حياتها إلى شكل بلا مضمون ؟

في تقديري أن تبيئة الإسلام وخلطه بالقصور الاجتماعي وكذلك مزج الإسلام بالعادات الشعبية أدى إلى تحويله إلى بعبع يخيف النساء وتحول إلى غسار بعد كان سوارا آماناللمرأة  للمرأمتنا بحاجة إلى نهضة نسائية رشيدة, لمَ؟ لأن هناك بعض المتدينين لا يعقلون قضايا المرأة, وينظرون فيها بحماقة, وقلّة فقه, ولو وُكِّل الأمر إليهم لحبسوا النساء في البيوت, فلا عبادة, ولا علم, ولا عقل, ولا فكر, ولا نشاط, ولا شيء!!

هذا النوع من المتدينين الجهَلة ينبغي أن يُحرم من الكلام باسم الله!!

النهضة النسائية الرشيدة تحتاج إلى أن يطرد نوع آخر من المتحدثين في قضايا المرأة وهم عبيد أوربا الذين يريدون إشاعة الخنا في بلادنا, والذين لا يعنيهم أمر العفّة ولا أمر الأسرة, ولا يبالون أن ينقلوا ما هنالك بعمى غريب!!

ومع أن الأسر في أوربا أسر على ورق, ومع أن الغرائز الجنسية جعلت الأعراض كلأً مباحاً, مع هذا كله, فإن مَن أعمى الله بصائرهم وأبصارهم من النساء والرجال, يريدون نقل هذه الحضارة إلى بلادنا!!.

لا أريد, لا تديُّن الحمقى الذين لا فقه لهم, ولا أغلال الكذَبة الذين لا شرف لهم ولا عرض!! (14)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

الحواشي :

(1) من كنوز السنّة, ص147.

(2) قذائف الحق, ص233.

(3) معركة المصحف, ص68.

(4) كيف نتعامل مع القرآن الكريم ص 143

(5) ركائز الإيمان بين العقل والقلب, ص23.

(6) معتز بالله عبد الفتاح ، وجهات نظر لا للعلمانية نعم لليبرالية ص 54

(7) خطب الشيخ محمد الغزالي في شؤون الدين والحياة (2/129).

(8) وإلى قريب من هذا المعنى أشار الإمام القرضاوي فقال )الغزالي يحمل روح الرافعي وتألقه, وسهولة المنفلوطي وتدفقه, وتأمل العقاد وتعمقه). الغزالي كما عرفته ص 15

(9) خطب الشيخ محمد الغزالي في شؤون الدين والحياة (2/131- 132).

(10) خطب الشيخ محمد الغزالي في شؤون الدين والحياة (2/132).

(11) خطب الشيخ محمد الغزالي في شؤون الدين والحياة (2/135- 136).

(12) خطب الشيخ محمد الغزالي في شؤون الدين والحياة (2/177).

(13) خطب الشيخ محمد الغزالي في شؤون الدين والحياة (2/122).

(14) خطب الشيخ محمد الغزالي في شؤون الدين والحياة (2/159- 160).

 

 

 

 

 

 

 التعليقات: 0

 مرات القراءة: 3713

 تاريخ النشر: 05/05/2008

ملاحظة:
الآراء المنشورة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو القائمين عليه، ولذا فالمجال متاح لمناقشة الأفكار الواردة فيها في جو من الاحترام والهدوء ونعتذر عن حذف أي تعليق يتضمن:
1- يحتوي على كلمات غير مهذبة، ولو كانت كلمة واحدة.
2- لايناقش فكرة المقال تحديداً.

 

 347

: - عدد زوار اليوم

7464399

: - عدد الزوار الكلي
[ 61 ] :

- المتصفحون الآن

 


العلامة الشيخ محمد حسن حبنكة الميداني


العربيــة.. وطرائق اكتسـابها..
المؤلف : الدكتور محمد حسان الطيان








 
   

أحسن إظهار 768×1024

 

2006 - 2015 © موقع رسالتي ، جميع الحقوق محفوظة

 

Design & hosting by Magellan