wwww.risalaty.net


على أعتاب الضمير (2): أوراق


بقلم : مكارم زرزر

 

على أعتاب الضمير (2)
(أوراق)
 
 
لا بُدَّ لنا مِنَ التناغُم معَ فصولِ الحياة..
لابُدَّ لنا أن ننسى جروحاً ألمَّت بنا وننتظرُ سعادةً تحملها طيات أيامٍ آتية..
غارقةٌ دائماً بالبحث عن شيءٍ ما.. مشغولةُ الفكرِ!! فمقارناتها لا نهايةَ لها..
مسكينةٌ ظلال.. تحاولُ لاهثةً إدخالَ النمطِ الغربي في كلِ تفاصيلِ حياتها والغريبُ في الأمر أنها تسيرُ في عروقِ دمشق ودمشق الأخرى تجري في دمها..
عندَ إشراقِ كلِّ شمس تفتحُ عينيها متكاسلةً ولسانُ حالها يقول: أكره النهوضَ باكراً ليتني كائن ليلي..
ثمَّ تلملمُ أوراقاً مبعثرةً تملأ أركانَ غرفتها وتضعها كيف ما اتفق في حقيبتها وهي واثقةٌ أنها لم تنسَ شيئاً؛ ليبدأ الجدالُ العقيم مع أمها حولَ أهميةِ تناولِ الفطور قبلَ الخروجِ من المنزل.. تَرشُفُ رَشفةً من فنجانِ النسكافيه الذي أعدَّته قبلَ أن تغسل وجهها ثم تطبعُ قبلةً على خدِ أمها وتحملُ حقيبتها وتبتسم مودعة..
 
ـ باي مامي..
ـ الله معك.. الله يحميك..
تسرعُ على الدرج وقبلَ أن تصبحَ في الشارع تتأكد من وضع السماعة في أذنيها وتنصت..
تصلُ إلى عملها..لم تتمنَّ أو تحلم يوماً بهكذا عمل غيرَ أن الحكمةَ الأوربية تقول: "يتوجبُ علينا عدمَ البقاء في المنزل قبل الستين وبعد الثامنة عشر نحنُ نعمل من أجل حياة أفضل"
 
وقبلَ خروجها من عملها تضعُ أوراقاً جديدة فوقَ المكدسة في حقيبتها متوجهةً نحو طريقٍ آخر؛ طريقُ حلمها الذي ربما مات ولو أردنا أن نكونَ أقلَ تشاؤماً لقلنا حلمها المريض.. تمسك هاتفها:
ـ أهلا سوزي، لو أزعجتكِ darling أيمكن أن تحجزي لي في المدرج دقائق وأكون عندك..
...ظلال تدرس في كلية الحقوق وقد وصلت إلى السنة السابعة عفواً أقصدُ الرابعة.. فكلية الحقوق أربع سنوات!!
ولكن لا بأس فنحن العرب لا يهمنا الوقت في شيء.. إذ لا يزيدنا سوى تراجعاً وتخلفاً هكذا يقول أحد أساتذة المواد العظيمة في الكلية..
 
ومع أن أيام ظلال طويلةٌ وشاقة إلا أنها تشعر بيدِ الفراغِ الباردةِ القاسية تمسك بيدها فتزيدها تعباً ويأساً وقلقاً وهماً وتسير بها نحو الإحباط والعزلة والحقد على مجتمع يظلم نفسه..
وفي المساء تجلسُ وحيدةً في غرفتها تحتسي الكثيرَ من الشاي وتفكرُ كثيراً وتقولُ لنفسها: أنَّ التدخينَ يناسب حزنها..
"آآه لو كنتُ فتاةً باريسية أو من روما لكانَ كلُّ شيءٍ أجمل.. أسهل.. لكانت أحلامنا تُحقق.."
 
ـ ظلال يا ابنتي لا تجلسي وحيدة تعالي..
ـ حاضر قادمة..
ـ كيف حالك يا بابا؟
ـ الحمد لله بخير..
ـ محمد هل سمعت ما جرى مع أبي سعد؟
ـ خيراً يا أم ظلال ..ماذا جرى ؟؟
ـ لقد طُلقت ابنته رشا..
ـ الله يعينك يا أبو سعد!!
ـ لا والله يا أبي.. الله يعين رشا!!
ـ اصمتي يا ظلال.. أبو سعد إنسان طيب لقد قال لها وهي تقف على بابه خجلة مطأطئة اقتربي يا بنيتي ولا تحملي همَّ شيء أنت لحمي ودمي أنتِ رشا التي لعبتِ طويلاً هنا ومرضتِ وفرحتِ ودرستِ وتزوجتِ وماذا يعني لو طُلقتِ.. لا تخافي شيئاً أنا معك ...
ـ موقفٌ شاعري ومسرحي وسوف أحاولُ تصديقه مع أنَّه لا يتطابق وواقعكم!!
ـ واقعنا يا ظلال هو واقعك!!
ـ تصبحون على خير أريد أن أنام..
ـ ولكن....
 
ـــــــــــــ
الصورة بريشة الكاتبة مكارم زرزر.