wwww.risalaty.net


على أعتاب الضمير (3): لِمَ الندم؟!


بقلم : ديمة هديب

 

على أعتاب الضمير (3)
(لِمَ الندمُ ؟)
 
 
 
كثيراً ما نُخطئ في هذه الحياة.. نسهو وننسى الهدفَ الأسمى الذي من أجلهِ وُجدنا..
نعتقدُ أنَّ علينا أن ننتصرَ لِذاتنا وأفكارِنا فَحسب.. لكننا نتداركُ الخطأَ ونرجع في آخرِ لحظة ونحاولُ تصحيحه فننجحُ تارةً ونخفقُ أُخرى..
ندوسُ على جِراحنا لكنَّها تَدوسُ علينا عندما يصبح الرجوع مستحيلاً.. تبقى هذهِ الجراحُ تَئنُّ وتطلبُ مِنا دواءً يُغمِضُ لها عيونها الساهرة ولكن أنَّى ذلك فقد مضى الأمرُ وتبعثرت حياتُهما في كلِ ركنٍ من أركانِ الضمير..
 
مازن شابٌ طموح يعملُ في إحدى الشركاتِ الهندسيةِ المرموقة التي تُعنى بالمظاهرِ والبذخِ الاجتماعي ومِن أجلِ أن يُسايرَ دَعواتِ أصحابِه كانَ مضطراً للخروجِ إلى عشاءِ العملِ كلَّ يوم وما يتبعه من سهراتٍ فيها من عجائبِ الدنيا التي لم يعرِفها قبلَ دخولهِ في هذا المجتمع المخملي؛ وكأيِّ شابٍ يطمحُ في تكوينِ علاقاتٍ اجتماعيةٍ ناجحةٍ مع مرؤوسيهِ كان مُضطراً للتنازلِ عن أشياءَ عديدة في تلكَ الجلسات وهذا لم كان يروقُ لرشا التي كانت تحيا في المدينة الفاضلة وتعتقدُ أنَّها قادرةٌ على مواجهةِ كلِّ شيءٍ في الحياة بمجردِ أنها متمسكةٌ بأحدِ مبادِئها التي تُنادي بها ليلَ نهار..
أقنعها مازن مراراً أنَّه مضطرٌ لفعلِ هذا وإن كانَ خارجاً عن حدودِ العرفِ والعاداتِ ناهيكَ عنِ الدين ولولا ذلكَ لما استطاعَ أن يُؤمِنَّ متطلباتها ولكانت حالهما يُرثى لها..
ولطالما كرر لها عبارتَه المشهورة: "انظري يا رشا إنهنَّ زميلات لا حبيبات وهناك فرقٌ شاسعٌ بين الاثنتين وإن سهرنا مع بعضنا فضمنَ حدودِ العمل "
وترددُ رشا:  "في عملكم لا حدودَ مُطلقاً "  
 
كانت تلكَ النقاشات وبالأحرى التصرفات سبباً للطلاقِ مرتين وأما الثالثة فمجردُ حوارٍ يحدثُ في كلِّ بيت أودى بحياتهما وطفلهما في دركاتِ الشقاء..
عادَ مازن أدراجَه إلى البيت ودخلَ معتقداً أنَّه سيرى طفلهَ راكضاً نحوه معانقاً له فيحمله ويلقي بهمه وراءَ ظهره وينسى كلَّ شيء حتى تعليقاتِ رشا التي لا تنتهي؛ أما اليوم فالوضعُ مختلف فعشه تكسر فقد عبث فيه هوى النفس فلم يترك غصناً على غصن..
لم يستطع الدخولَ إلى بيته الذي كان مستراحه منذُ عامين فهوَ اليوم يجرُّ أذيالَ ندمٍ لن تنفعَ بعدَ اليوم..
ركضَ مسرعاً لأقربِ مسجد كي يسألَ فلعل أحد الأساتذةِ الأفاضل يُفتي له أنَّ ما كان ليس طلاقاً إنما هي زلةُ لسان وقد كان غاضباً فهو لم يتوقع أن يفقدَ رشا بهذه السرعة فهي بالتأكيد شريكةُ قلبه وأمُّ طفله الذي ملأَ عليه حياته وإن كان قصّر في حقه..لم تُجدِ محاولته كي يجدَ فتوى تُريح قلبه وإن لم ترح دينه..
_ لا طائلَ من البحثِ في مساجدِ دمشق فكما يُقال: "حنبلية" سأجدُ ضالتي بالتأكيد في أحدِ مواقعِ الانترنت فلعلَّ أحدَ المشايخِ الكرام يُفتي لي بعودةِ زوجتي وطفلي وإن كانتِ الطلقة الثالثة؟! من يدري فإنَّ الدين يسر..
جدلٌ عقيم يدورُ في رأس مازن لا يقطعه إلا قرع جرس الباب..
 
_ يا إلهي من سيأتي في مثلِ هذا الوقت ومن غيرِ موعد..
_ أهلاً بكَ يا صديقي لا تؤاخذني فالبيتُ فوضى كما ترى فقد تركت رشا البيت ورحلت..
_ إلى أين ؟؟ هل ضايقتها ؟؟ تبقى طفلاً في التعامل مع النساء!!
_ لا بالتأكيد.. لم أضايقها.. بل طلقتها..
_ لقد جننتَ بالتأكيد.. ولِمَ طلقتها وعندك طفل؟ قد نصحتك مرارا ألا تتزوج؟؟ انظر يا مازن ما هكذا تتعاملُ النساء!! إنهنَّ يحتجنَ الكثيرَ من فنون التلاعبِ والكذبِ كي يثقنَ بك وبعدَ ذلك عِش حياتك وتمتع كما تريد..أنسيتَ أننا أصبحنا نحبُ من نريد ونجلسُ مع من نريد في الوقت والمكان الذي يحلو لنا.. وأُسِّرُكَ بكلمة: وبأرخصِ الأثمان..
هكذا نحنُ كما في الغرب حريةٌ لا حدودَ لها سوى حدودكم أنتم في الزواج الذي ينتهي بالطلاق وتكملون جرائمكم بأطفال بلا آباء ولا أمهات..
أما هناك في الدولِ المتحضرة يقتصرُ الموضوع على أن تحبَ دونَ ضوابط ولا قيود بل متع نفسك في الحياة وانسَ همك..
قم يا مازن.. فها قد انتصفَ الليل ونحنُ نجلسُ في بيتكَ الذي يملؤه الحزنُ والهم.. قُم إلى الحياة ففيها الكثيرُ من المتع التي لا تنقضي ولِمَ الندم؟! هيا بنا نُكمل هذه السهرةَ خارجاً..كم تحتاجُ من النصائح يا أخي!!
_ معكَ حق فلا يأتي من الزواج إلا كلُّ سوء..
 
عشقُ الغربِ لم يكن هاجسَ صديقِ مازن فحسب!! بل كان الهواءَ الذي تتنفسه ظلال والدمَ الذي يسري في عروقها فقد اختلطَ حبها للحضارةِ الغربية والحرية المزعومة بعشقها لدمشق التي تكبر معها في كل يوم وتتعلمُ منها كل لحظة..
لكنَّ الصراعَ بينهما مستمر فمعَ من ستذهب وعندَ من سيسكنُ قلبها؟! 
 
 
ـــــــــــــ
اللوحة مرسومة بريشة: مكارم زرزر