wwww.risalaty.net


المؤمن نفَّاعــــة . . .


بقلم : الشيخ محمد خير الطرشان

 

 

خطبة الجمعة بتاريخ 16/12/2011‏
في جامع العثمان بدمشق
 الحمد لله ثم الحمد لله.. الحمد لله الذي هدانا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.. يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك.. سبحانك لا نحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك.. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير.. وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله.. اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على هذا النبيّ الكريم وعلى آله وصحبه الغُرّ الميامين ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين..
أما بعد فيا عباد الله: فأوصي نفسي وإياكم بتقوى الله تعالى وأحثكم على طاعاته والتمسك بكتابه والالتزام بسنة نبيّه ومنهاجه إلى يوم الدين.يقول ربّنا سبحانه وتعالى في القرآن الكريم ((وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِين))[فصلت:33]
أيها الإخوة المؤمنون: نعيش وإياكم هذا اليوم مع العمل الصالح وأنواع العمل الصالح ، الذي قرن الله سبحانه وتعالى بينه وبين الدعوة إلى وحدانيته ، فجعل أحسن القول قبل أن يدعو إلى الله، وجعل أحسن العمل عملاً صالحاً ، يقوم به المؤمن في دنياه ويتفرغ فيه إلى مولاه ، أياً كان هذا العمل ، سواءً كان نصحاً أو إرشاداً أو دلالةً على الخير، أو كان عوناً أو مدَّ يد عونٍ للناس ، أو قضاء حاجةٍ لهم.. كله يندرج تحت العمل الصالح الذي أثنى عليه ربّنا سبحانه وتعالى.
وجاء في الحديث  عن سيدنا سهل بن سعد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "عند الله خزائن الخير والشر، مفاتيحها الرجال، فطوبى لمن جعله الله مفتاحاً للخير ومغلاقاً للشر، وويلٌ لمن جعله مفتاحاً للشر ومغلاقاً للخير".
ـ خزائن الخير والشر عند الله سبحانه وتعالى، والناس مفاتيحها وما أعظم أن نكون مفاتيح للخير وأسباباً للانتقال إلى الخير وللدعوة إلى الخير وللابتعاد عن الباطل، ولإغلاق طريق الشر، بل طرق الشر كلها.. طوبى لمن جعله الله مفتاحاً للخير مغلاقاً للشر... تجري على يديه أنواع الخير كلها، وتُغلق على يديه أسباب الشر وأنواعه.
والنبي عليه الصلاة والسلام يقول في حديث آخر: "خير الناس أنفعهم للناس" أي أكثرهم نفعاً وأحسنهم عملاً ، يقوم بهذا العمل بأداء ما افترض الله عليه بعد الإيمان بالله وتوحيده وأداء الفرائض والواجبات بمد يد العون إلى الناس والمساهمة بقضاء حوائجهم والوقوف إلى جانبهم ومساندتهم.
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم لما سُئل أي الأعمال أفضل ؟ فقال: "إدخالك السرور على مؤمن أشبعت جوعته، أو كسوت عورته، أو قضيت له حاجة".
وقد حدَّد النبي عليه الصلاة والسلام بعض النماذج التي يدخل فيها السرور على قلب المؤمن ، كأن تشبع جوعة جائع، كأن تقدم له طعاماً يكفيه، أو أن تقدم له كساءً يسد فيه عورته ، أو أن تقضي له حاجةً من حوائج الدنيا، وفي ذلك حديث صحيح يقول فيه النبي صلى الله عليه و سلم : "من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلمٍ كربة فرج الله بها عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة"
ولهذا الحديث زيادة أخرى  يقول فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ومن مشى مع مظلوم حتى يثبت له حقه ثبت الله قدميه على الصراط يوم تزل الأقدام".
أيها الإخوة المؤمنون هكذا يكون الإنسان مفتاحاً للخير مغلاقاً للشر، يمشي في حوائج إخوانه، ويساندهم، ويقف إلى جانبهم ، ويمد يد العون لهم ، ويفرج عنهم ضيقهم ، وينفس عنهم كربتهم.
وقد ورد في جملةٍ من الأحاديث تؤكد  هذا المعنى ، يقول فيها رسول الله صلى الله عليه و سلم : "من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة"
و قال:"من يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة"، "من ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة"، "أحب الناس  إلى الله أنفعهم للناس"، "أحب الأعمال  إلى الله سرورٌ تدخله على مسلم ولو بكلمة طيبة" "ولأن أمشي مع أخي المسلم في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في هذا المسجد شهراً"
هذه جملة من الأحاديث تدعو الإنسانَ المؤمن إلى العمل الصالح.. إلى أن يفوز بإحدى الحسنيين ، إمّا أن يكون دالاً على الله، وإما أن يكون دالاً على الخير. ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً. هكذا يكون العمل الصالح وهذه أبوابه وطرقه ووسائله موسعة ، بينها لنا القرآن وشرحها لنا سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
®  المؤمن كالنحلة:
أيها الإخوة: شبه النبي عليه الصلاة والسلام المؤمن بالنحلة، فالنحلة تقف على الزهور و الأغصان، فلا تكسر غصناً ولا تؤذي زهراً وتنتفع بهما، ثم يخرج منها إنتاجٌ طيب ألا وهو العسل الذي وصفه الله تعالى بأنه شفاءٌ للناس.
فالمؤمن بصفاته الحسنى وفضائله يشبه النحلة، وقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك بقوله: "والذي نفسي بيده، إن مثل المؤمن كمثل النحلة، أكلت طيباً ووضعت طيباً ووقعت على عودٍ فلم تكسره ولم تفسده".
هذه النحلة كان لها إنتاج طيب، وهكذا هو المؤمن ينبغي أن يكون إنتاجه طيباً.
 
®   المؤمن كالنخلـة :
وشبه رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤمن بأنه كالنخلة، والفرق بينهما نقطة واحدة.. فالنخلة يُستفاد من ورقها، ومن ثمرها، ومن حطبها، ومن كل شيء فيها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجمعٍ من أصحابه - منهم أبي بكر وعمر رضي الله عنهما فقال النبي عليه الصلاة والسلام -: "أخبروني عن شجرة مثلها مثل المؤمن، تُؤتي أكلها كل حين بإذن ربها لا تحتُّ ورقها"، يقول سيدنا عبد الله بن عمر رضي الله عنه راوي الحديث: فوقع في نفسي أنها النخلة، فكرهت أن أتكلم وثمَّ أبو بكرٍ وعُمر رضي الله عنهما، فلما لم يتكلما، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هي النخلة".
النخلة شجرةٌ باسقة طويلة معطاءة يستفاد من حطبها يابسةً ومن أغضانها رطبةً ومن ثمرها في كل المواسم، فهي تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها. وكذلك المؤمن يستفاد منه بعمله، يستفاد منه بمنطقه، يستفاد منه بنصحه وإرشاده.. فهو خير كله... وطالما أن المؤمن يتقي الله سبحانه وتعالى فإن عمله الصالح سيجعله مفتاحاً للخير مغلاقاً للشر.. أيها الإخوة: إن العمل الصالح الذي تحدثت عنه هذه الآية هو سبب من أسباب دخول الجنة بلا منازع.
 
® نفع الناس من أسباب دخول الجنـة :
يروي الإمام البيهقي عن سيدنا أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، ماذا ينجي العبد من النار؟ قال: "الإيمان بالله"، فقال سيدنا أبو ذر: قلت: يا رسول الله، إن مع الإيمان عملاً؟!. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يرضخ مما رزقه الله". [أي يعطي ويمنح مما أعطاه الله وينفق ماله في سبيل الله]، فقلت: يا رسول الله، أرأيت إن كان فقيراً لا يجد ما يرضخ به؟، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذاً يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر" ، فقال أبو ذر: يا رسول الله، أرأيت إن كان لا يستطيع أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر؟، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "يصنعُ لأخرق"، [والأخرق هو الإنسان الذي لا يتقن صنعة يتكسب منها وليس عنده حرفة يستطيع العيش من ورائها، فيصنع له صنعة أو يقدم له عملاً أو أي شيءٍ من أنواع الخير يدله عليه]، قال أبو ذر: يا رسول الله، إن كان أخرق لا يستطيع أن يصنع شيئاً؟، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يعين مظلوماً"، [أي يقف مع الحق، يناصر مع الحق، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول إن لصاحب الحق مقالاً. إذا كنت ذا حق فينبغي أن تتحدث وينبغي لصاحب الحق أن يقف الناس إلى جانبه.. ]فقال أبو ذر: أرأيت إن كان ضعيفاً لا يستطيع أن يعين مظلوماً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "يا أبا ذر، ما تريد أن تترك في صاحبك من خير؟، إذاً ليمسك أذاه عن الناس" [فهذا آخر ما يمكن أن يفعله الإنسان مع الإيمان بالله تعالى: أن يمسك أذاه عن الناس فلا يتعرض لأذاهم]
وإذا لم يكن يملك أي نوع من أنواع الخير التي ذكرها رسول الله.. إذاً.. ليمسك لسانه.. واللسان كما ذكرنا في خطب سابقة قد يكون سبباً في دخول جهنم: قال معاذ رضي الله عنه: يا رسول الله أو إنا لمؤاخذون بما نتكلم؟ قاليا معاذ ويحك، وفي رواية ثانية "ثكلتك أمك وهل يكب الناس على وجوههم في النار إلا حصائد ألسنتهم؟"
فقال: يا رسول الله، إذا فعل ذلك دخل الجنة؟؟. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما من مؤمنٍ يطلب خصلةً من هذه الخصال إلا أخذتُ بيده حتى أُدْخِلَه الجنة، أو أخذتَ بيده يا أبا ذر حتى تدخله الجنة".
ما الذي بلَّغه الجنة أيها الإخوة؟ أنه العمل الصلاح، إنه نفع الناس.. إنه أن يكون مفتاحاً للخير مغلاقاً للشر. وأسأل الله عز وجل أن يجعلنا كذلك.
أيها الإخوة لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم منذ بعثته يعين الناس، بل إنه ربط البعثة مع من يقف مع الناس ويعينهم.. حتى أن حديث نزول الوحي يؤكد أن النبي عليه السلام لما نزل في غار حراء وقد أخذته الرعشة والخوف والبرد وجاء إلى خديجة رضي الله عنها فقالت له: "كلا، أبشر، فوالله لا يخزيك الله أبداً؛ إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق".
ماهو الكلّ؟ إنها الأعباء، المصاعب الحاجات، أي إنك يا محمد تعمل في حوائج الناس. فوالله لا يخزيك الله أبداً.. إذا كان الإنسان يعمل في قضاء حوائج الناس وفي تقديم النفع لهم وفي إرشادهم إلى الهدى، حتى ولو أخذ بيد الأعمى يدله إلى الطريق، فإنه بذلك يبلغ درجة العمل الصالح التي أثنى عليها الله سبحانه وتعالى بالآية التي ذكرناها.
اللهم اجعلنا مَّمن يستمعون القول فيتبعون أحسنه..
اللهم اجعلنا مفاتيحَ للخير مغاليقَ للشر..
إنك على كل شيء قدير وبالإجابة جدير..
أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم..