wwww.risalaty.net


ربيع الأول . . شهر المولد النبوي


بقلم : الشيخ محمد خير الطرشان

 

 
خطبة الجمعة بتاريخ 27/1/2012
في جامع العثمان بدمشق
 
الحمد لله ثم الحمد لله.. الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.. يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك.. سبحانك لا نحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك.. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير.. وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمداً عبده ورسوله وصفيُّه وخليلُه.. اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على هذا النبيّ الكريم صلاة تنحل بها العقد وتنفرج بها الكرب وتقضى بها الحوائج وتنال بها الرغائب وحسن الخواتيم ويستسقى الغمام بوجهه الكريم، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً كثيراً.
أما بعدُ فيا عباد الله: أُوصي نفسي وإيَّاكم بتقوى الله تعالى.. وأحثُّكم على طاعته والتمسك بكتابه، والالتزام بسنَّة نبيّه سيدنا محمدٍ صلَّى الله عليهِ وسلَّم  إلى يوم الدين..
يقول ربنا تارك وتعالى في القرآن الكريم مخاطباً سيدنا محمداً صلَّى الله عليهِ وسلَّم  ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّـهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا * وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُم مِّنَ اللَّـهِ فَضْلًا كَبِيرًا[الأحزاب:45-47]
أيها الإخوة المؤمنون:عاد إلينا شهر ربيع الأول، شهر ولادة سيدنا محمد صلَّى الله عليهِ وسلَّم، هذا الشهر له في وجداننا نحن معاشر المسلمين أثر كبير، فإذا ما أقبل هذا الشهر استبشر المؤمنون خيراً، وعاش المسلمون أملاً بشارة بعودة إلى الدين ، وتجديد للإيمان، وإكثار من الصلاة والسلام على سيدنا محمد صلَّى الله عليهِ وسلَّم..
هكذا ينظر المسلمون في أنحاء الأرض إلى شهر شهد ولادة سيد الوجود وحبيب الحق سبحانه و تعالى سيدنا محمد صلَّى الله عليهِ وسلَّم
..
أيها الإخوة المؤمنون: إن نبينا محمداً صلَّى الله عليهِ وسلَّم جاء في زمنٍ احتاجت فيه البشرية إلى الرسالة السماوية، جاء في زمنٍ اضطربت فيه الحياة واشتاقت إلى نبي مرسل يعيد إلى الحياة توازنها، ويدلها على طريق الهداية وينير لها الطريق ، بعد أن أظلمت الحياة دهراً كاملاً ، وأصبح في حياة الناس ضيقٌ شديد ، فصار منهم من يبحث عن دين ابراهيم عليه السلام، ومنهم من تحنف ، أو اتبع النصرانية وقرأ في الانجيل، وهكذا بدأ الناس يتشتتون أو يعيشون حالةً من الضياع ، إلى أن جاء سيدنا محمد صلَّى الله عليهِ وسلَّم.. هذا النبي المعجز في كل شيء..
ولد النبي عليه الصلاة والسلام يتيماً، مات أبوه وهو في بطن أمه جنين، وماتت أمه وله من العمر ست سنين، فكفله جده ثم عمه، وهكذا نشأ الرسول صلَّى الله عليهِ وسلَّم يتيماً ،لم يعرف حنان الأب ولا عطف الأم ، ولم يتذوق من الحياة ما يسمى بالرفاهية ورغد العيش، بل نشأ عليه الصلاة والسلام بشكل متواضع..
إلا أنه مع نشأته تلك لم تشذ أخلاقه ،فكانت رعاية الله سبحانه وتعالى تكلؤه وتحيط به حيثما حل وارتحل، ولم ينشأ رسول الله صلَّى الله عليهِ وسلَّم عالةً على أحد ، فقد عمل وكافح في حياته واشتغل بالتجارة ورعى الغنم في بداية عمره عليه الصلاة والسلام على قراريط أهل مكة، أي على دراهم قليلة، ثم اشتغل بالتجارة للسيدة خديجة رضي الله عنها لما عُرِف في قومه بالصادق الأمين ، واشتُهر فيما بين الناس بالحكمة، فاشتغل في مالها وسافر إلى الشام وعاد إلى مكة المكرمة.. وقد وصف صديقُه في تلك الرحلة ميسرة غلام السيدة خديجة ، وصف أحوالَ النبي صلَّى الله عليهِ وسلَّم في تلك الرحلة بالصدق والأمانة والوفاء بالعهد، فما كان من السيدة خديجة رضي الله عنها إلا أن أرسلت تخطب محمداً صلَّى الله عليهِ وسلَّم لنفسها فتزوجته فكانت منها الذرية الصالحة.
عُرِف النبي صلَّى الله عليهِ وسلَّم قبل البعثة المحمدية وقبل الرسالة السماوية بأخلاقه السمحة وصفاته الكريمة ، فكان الحبيب وكان الصادق وكان الأمين .. ولما اختصمت قريش عندما أعادت بناء الكعبة المشرفة.. اختصمت على وضع الحجر الأسود فما كان منهم إلا أن حكَّموا أول داخلٍ عليهم ، فكان محمداً صلَّى الله عليهِ وسلَّم.. فاستطاع بحكمته وعقله المنوّر السديد الرشيد أن يصلح بين القبائل العربية وأن يزيل من بينهم الخلافات والاضطرابات..
هكذا كان النبي عليه الصلاة والسلام قبل البعثة يسترشد بعقله الذي جعله الله تعالى مع كل مخلوق أداة لتنوير طريقه ، وليس لضلال حياته.. استرشد بعقله وحكمته واستعان بتلك النشأة الطاهرة التي نشأها عليه الصلاة والسلام.. فالنبي صلَّى الله عليهِ وسلَّم وُلِد في بيئةٍ عرية هي أفضل البيئات، فإذا كنا نتحدث عن الحياة الاجتماعية للعرب قبل الإسلام وما فيها من اضطراب فقد كانت هناك أسر وعائلات وقبائل عربية تحرص على أن تبقى سلسلتها نظيفة إلى سيدنا ابراهيم وولده اسماعيل عليهما السلام.. ومن هنا نقرأ قراءةً صحيحة معنى قول سيدنا رسول الله صلَّى الله عليهِ وسلَّم: "إن الله اصطفى من ولد إبراهيم بني إسماعيل، واصطفى كنانة من بني إسماعيل، واصطفى قريشا من كنانة، واصطفى بني هاشم من قريش، واصطفاني من بني هاشم، فأنا خيار من خيار من خيار"[1]
ويقول النبي صلَّى الله عليهِ وسلَّم في حديثٍ آخر وهو يبين ويوضح الأصل الشريف العريق الذي نشأ منه صلَّى الله عليهِ وسلَّم: "ولدت من نكاح لا من سفاح"[2]
هكذا نشأ النبي عليه الصلاة السلام من أصلاب الرجال في سلسلة ذهبية طاهرة منتخبة إلى  إلى إسماعيل إلى إبراهيم عليهما الصلاة والسلام..
أجل أيها الإخوة: يولع بعض الناس بتضخيم حالة العرب قبل الإسلام على أنها حالة كانت في زمن لم يرد على التاريخ مثلها.. لا أيها الإخوة ، إننا في القرن الحادي والعشرين في زمن التقنية ووسائل الاتصالات والإعلام وثورة المعلوماتية.. لقد تردى بعض الأمم إلى أخلاق أسوأ مما كان عليه الجاهليون قبل الإسلام.. فإذا كان الجاهليون قبل الإسلام عُرفوا بصفات دنيئة كالعصبية والظلم وسفك الدماء والأخذ بالثأر واغتصاب الأموال وأكل مال اليتيم والربا والغصب للحقوق والسرقة والزنا.. مع أنهم ما كانت المرأة الحرة منهم تقع في الزنا أبداً.. إنما كان الزنا معروفاً على الإماء وعلى صاحبات الرايات ، أما المرأة العربية الحرة فلا تزني.. وليس أدل على ذلك من قول السيدة هند بنت عتبة زوج أبي سفيان لما بايع النبي صلَّى الله عليهِ وسلَّم النساء بعد فتح مـكة التي عرفت ببعة النساء، بايعهن على أن لا يشركن بالله شيئاً ولا يقتلن ولا يسرقن ولا يزنين فقالت هند : أَوَتزني الحرة يا رسول الله؟ إذاً هذه تؤكد على أن أصلاب العرب قبل الإسلام ليست منتجةً لأبناء الزنى، إنما كانوا يحرصون على أجسادهم ويحرصون على أرحامهم، ولربما كانت لديهم عصبية مذمومة من جانب ، لكنها من جانب آخر كانت تبحث عن عراقة النسل ، ألا وهو أن قريشاً على سبيل المثال، لم تكن لتزوج إلا لقرشي، والعربي لم يكن يزوج إلا عربياً من النسل الشريف الذي ينتمي إلى سيدنا ابراهيم عليه الصلاة والسلام.
 مع هذا كله كان العرب قبل الإسلام يمتازون ببعض الخصائص الإيجابية والأخلاق الكريمة، التي لم توجد في غيرهم من الأمم، ولم تتصف بها أمةٌ من الأمم السابقة فيما مضى من الزمان.. فكان العرب يحبون الحرية ويأبون الضيم، ويرفضون الذلة ولا يقبلون العار..وكان  من صفاتهم الشجاعة، فكانوا يقاتلون أسود الصحراء  و ليوث الغابات ، ولا يخضعون لأحد..
وكان العرب يعرفون بالكرم والسخاء والجود، حتى أن أحدهم ليدخل إلى بيته فيأتيه الضيف وليس عنده إلا فرس أو ناقة، فينحرها ليكرم ضيفه وليحسن وفادته..
وكان العرب أصحاب مروءة وشهامة وغيرة وكانوا يجيرون المستجيرين، ويكرمون الجار ويكرمون الضيف، وكان من أخص خصائصهم الوفاء بالعهد ، فإذا عاهدوا لم يغدروا، وإذا وعدوا وفوا بوعودهم..
وفي التاريخ العربي قصص عظيمة تدل على هذه المعاني الكريمة، وليس أدل على ذلك من ما حصل مع الحارث بن عباد الذي ظفر بقاتل ابنه، وهو يبحث عن (المهلهل بن ربيعة في حرب البسوس الذي قتل ولده).. فما ظفر بهذا الفارس بين يديه قال له: إذا دللتك على المهلهل بن ربيعة أتطلق سراحي؟ قال أفعل. قال: تعدني بذلك؟ قال أفعل. قال: أنا المهلهل بن ربيعة أسيرٌ بين يديك. فاكتفى الحارث بن عباس بأن جز ناصيته وأطلق سراحه لأنه وعده ووفى بوعده ولم يغدر به..
كان العرب قبل الإسلام يتصفون بكل هذه الأخلاق ، هذه المنظومة الأخلاقية قال عنها الرسول صلَّى الله عليهِ وسلَّم: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق".
لم ينسف الإسلام الأخلاق الكريمة الفاضلة عند العرب، إنما هذبها وأضاف إليها، وحثّ الناس على التخلق بالأخلاق العظيمة كالصدق والإخلاص والمودة والبر والاحسان إضافة إلى تلك المنظومة الكبيرة التي أقرها الإسلام وأيدها وكان المسلمون يتصفون فيها بينهم..
أجل أيها الإخوة: هكذا وُلد النبي صلَّى الله عليهِ وسلَّم ونشأ وعاش في هذه البيئة ، وهكذا أرسل نبينا عليه الصلاة والسلام.. أرسل بالرسالة الخاتمة للشرائع السماوية كلها.. أرسل برسالة العلم :
﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾]العلق:1-5]
جاء برسالة لتنقذ الناس من الجهل وتدلهم على طريق النور أما في زماننا و في عصرنا الذي بلغ فيه العلم أوجه، وبلغت فيه المدنية قمتها، وأصبحت الحضارة أمراً من الأشياء المترفة التي يترف بها الناس.. لكنهم يتردون ويرتكبون من الأخلاق الذميمة أقصى من ما كان يرتكبه الجاهليون قبل الإسلام..
فها هم الناس اليوم يقتل بعضهم بعضا.. والنبي صلَّى الله عليهِ وسلَّم إنما قال للمسلمين في حجة الوداع: "لا ترجعوا بعدي كفاراً، يضرب بعضكم رقاب بعض"[3] .
ها هم الناس اليوم يريقون الدماء.. يسفكون الدماء.. ويقتلون الأبرياء.. ها هم الناس اليوم يغتصبون الأموال، ويغتصبون النساء الحرائر.. ها هم الناس اليوم يرتكسون إلى أخلاق ذميمة لم تعرفها الجاهلية ولم تعرفها أخلاق قبل الإسلام.، ها هم الناس اليوم يخلفون الوعود ولا يوفون بها ويغدرون.. ها هم الناس اليوم يأكلون المال الحرام و الغصب والرشوة، ويغشون ويحتكرون ويأكلون ما لا يجوز لهم.. ها هم الناس اليوم في عهد المدنية وفي ظل ثورة المعلوماتية يقعون في شر أعمالهم ، ويرتكبون أخلاقاً ذميمة نهى عنها الدين ونهى عنها الإسلام، وتأباها أخلاق العروبة ، وتأباها أخلاق العربي الذي نشأ في الصحراء وفي جاهلية، ليس هناك من يعلمه، لم يقرأ كتاباً ولم يدرك نبياً.. بل إن كثيرا ًمن أبناء الصحراء كان في زمن الجهل له من الأخلاق الشيءَ العظيم الذي امتدحه فيما بعد نبي الإسلام سيدنا محمد صلَّى الله عليهِ وسلَّم .
الشاعر الجاهلي عنترة بن شدّاد يقول في جملة ما يقول:
إني امرؤٌ سمحُ الخليقة ماجدٌ *** لا أتبعُ النفسَ اللجوجَ هواها
وأغضُّ طرفي إن بدت لي جارتي *** حتى يواري جارتي مأواها
أي أخلاق هذه ؟ لقد امتدح النبي صلَّى الله عليهِ وسلَّم هذه المعاني وودَّ لو رأى قائل هذين البيتين عنترة بن شداد ؛ لأنه جاء بأخلاق عظيمة وحرص على الفضيلة، وعلى العفة والطهارة.. أما نحن فقد أصبحنا في زمن ربما نضيع من الأساسيات ومن الأبجديات التي ينبغي أن نؤمن بها وأن نعتقدها ..
أيها الإخوة المؤمنون: جاء شهر المولد النبوي الشريف ونحن نطمع ببشارات من الله سبحانه وتعالى ، ونحن نلتجئ إلى الدعاء، ونضرع إلى الله سبحانه وتعالى بتذلل وافتقار وانكسار، أن تأتينا البشارات تلو البشارات، فها هي بشارة السماء ، أمطار السماء، ها هي ذي الخيرات التي أهلّت علينا في هذه الليلة وفي هذا اليوم المبارك الذي هو خير أيام الأسبوع يوم الجمعة... وها هي ذي البشارات تلو البشارات، نسأل الله تعالى أن يجعل لنا فيها الفرج العاجل، وأن يجعل فيها النصر لأمة سيدنا محمد صلَّى الله عليهِ وسلَّم، وأن يجعل فيها التثبيت والتمكين لهذه الأمة في الأرض حتى ينصرها الله على عدوها، وعلى من عاداها ، حتى يقيم الله فينا الحق والعدالة، وحتى ينشر فيما بيننا الخيرية التي وصف الله بها هذه الأمة بقوله: ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ ۗ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم ۚ مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾[آل عمران:110]
نستبشر أيها الأخوة بشهر المولد النبوي الشريف ، والله سبحانه وتعالى جعل هذا النبي العظيم بشارةً على لسان سيدنا ابراهيم وعلى لسان سيدنا عيسى من قبل عليهما الصلاة والسلام..
يقول الله تعالى حكايةً عن سيدنا ابراهيم عليه السلام: ﴿رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾] البقرة:129 [
فاستجاب الله دعاءَ سيدنا ابراهيم بأن يكون هذا النبي من نسله ، وأن يكون هذا النبي على سنته، فأول ما تعبّد النبي عليه الصلاة والسلام تعبَّد على طريقة سيدنا إبراهيم.. الشريعة الحنيفية السمحاء، وكانت رسالة النبي عليه الصلاة والسلام تنبع من مشكاة وحي الله تعالى الذي نزل على سيدنا إبراهيم وإسماعيل وموسى وعيسى وغيرهم من سائر الأنبياء عليهم السلام..
وهذا سيدنا عيسى عليه السلام عندما بعث إلى قومه بشرهم بأنه سيأتي من بعده نبي وبشرهم باسمه، فقال الله سبحانه وتعالى على لسانه: ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ۚ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ ۙ أُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾]الأعراف:157]. يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وهذا إقرار بأن النبي محمداً صلَّى الله عليهِ وسلَّم بشارة الأنبياء من قبل..
وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام عن نفسه: "أنا دعوة أبي إبراهيم وبشرى أخي عيسى ورؤيا أمي فقد رأت نوراً يخرج منها أضاء لها قصور بصرى"و بصرى في بلاد الشام.
نعم، لقد بشّر سيدنا عيسى قومه بني إسرائيل بأن نبيّاً في آخر الزمان يبعث: ﴿وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّـهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ۖ فَلَمَّا جَاءَهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَـٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ ﴾]الصف:6]
إنه سيدنا محمد صلَّى الله عليهِ وسلَّم الذي تزينت به الدنيا ، واستنار به الكون ، وأضاءت به الحياة ، فما نحن أيها الإخوة إلا مسترشدون بإرشاده ومتنورون بهديه..
إننا إذا قلنا اليوم ندّعي أننا على حق أو على صواب أو على نور ، فإننا نغرف من مشكاة بحر سيدنا رسول الله محمد صلَّى الله عليهِ وسلَّم نتنوّر بأنواره الشريفة..
أسأل الله تعالى أن يجعل شهر المولد النبوي الشريف شهر بركةٍ وخيرٍ ونصرٍ وفرجٍ عاجلٍ لأمة سيدنا محمد صلَّى الله عليهِ وسلَّم جميعاً ولبلدنا هذا خصوصاً..
اللهم فرج عنّا ما أهمنا وما أغمّنا وأعد علينا ذكرى ولادة سيدنا محمد صلَّى الله عليهِ وسلَّم في كل عام ، وقد حققت لنا آمالنا واستجبت دعاءنا ، ونصرتنا على شيطاننا وأهوائنا، وأقمت لنا الدين الحق الذي جاء به سيدنا رسول الله صلَّى الله عليهِ وسلَّم.. أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم فيا فوز المستغفرين..
*****
 
 


[1] الراوي:-المحدث:ابن تيمية - المصدر:مجموع الفتاوى- الصفحة أو الرقم:27/472 خلاصة حكم المحدث:صحيح
[2] الراوي:-المحدث:ابن كثير - المصدر:البداية والنهاية- الصفحة أو الرقم:2/244 خلاصة حكم المحدث:طريقه جيدة  
[3] الراوي:جرير بن عبدالله المحدث:البخاري - المصدر:صحيح البخاري- الصفحة أو الرقم:7080 خلاصة حكم المحدث:[صحيح]