wwww.risalaty.net


صرخة حقّ في زمن الصّمت


بقلم : ملكة قطيمان

 

أدركت أن الكلام في مؤتمرات عالمية ضمن قاعات فخمة وأمام عدسات المصورين لا يكفي، فتركت عالم الغرب الذي كثيراً ما أبهر أبناء الشرق، وجاءت إلى فلسطين الرازحة تحت نير الاحتلال منذ عشرات السنين.
إنها "راشيل كوري" (23 عاماً) ناشطة السلام الأمريكية التي جاءت مع عدد من زملائها ضمن منظمة حركة التضامن العالمي إلى فلسطين، وبالتحديد إلى مخيم رفح للاجئين في قطاع غزة، حيث لم يكن بانتظار "راشيل" جناح ملكي في فندق ذي خمس نجوم ولا حتى بنجمة واحدة، فـ"راشيل" افترشت الأرض، ونامت بجوار إحدى بنات أسرة فلسطينية بسيطة، استضافتها في منزلها المتواضع، ولم ترَ "راشيل" ضيراً في ذلك، فما المانع من أن تنام على الأرض إذا كانت الأسرة كلها تنام في غرفة واحدة بسبب القصف الذي طال غرف المنزل كلها؟!!
غادرت "راشيل" بلادها وأسرتها وجامعتها وهي في مرحلة ما قبل التخرج (تخصص الأمراض العصبية)، وأتت إلى أكثر الأماكن في العالم سخونة وخطراً، فرأت بأم عينها ظلماً وعدواناً تمارسه قوات الاحتلال ضد أهل فلسطين الصامدين، ونقلت ما تراه للعالم ليعلم من هي "إسرائيل" بوجهها القبيح.. ذلك المخلوق الذي أرسل بلدوزراته –يوم الأحد 13 آذار 2003- إلى مخيم رفح لهدم منازل الفلسطينيين، فتحدّت "راشيل" آلة الغدر الإسرائيلية، ووقفت أمام بلدوزر وزنه (60) طناً، واتخذت من نفسها درعاً بشرية، وهي تحمل مكبر صوت، فنجحت في منعه مدة ساعتين تقريباً من الوصول إلى الدار، لكن السائق لم يتحمّل إصرار هذه الفتاة وإرادتها، فأراد أن يدهسها، فتسلقت إلى باطن الجرافة المملوءة بالتراب والأنقاض، ثم حملها بباطن جرافته، وقلَبها على الأرض فدفنت تحت التراب، ثم تقدم إلى الأمام، فسحق جسدها بنصل الجرافة الحديدي، ثم عاد إلى الخلف فحطم جمجمتها، وكسر أضلاع صدرها، وأصاب عمودها الفقري بتلف تام.
وماتت "راشيل" على أرض فلسطين؛ لتترك لـ"سموه" و"فخامته" و"فضيلته" و"سيادته" وللجميع أنموذجاً عن إنسان حر آلمه أنين أخيه الإنسان، ولم يكتفِ بالتعبير عن تعاطفه، فلبى نداءه، وأعطاه أغلى ما يملك..
فشكراً "راشيل"..
وصبراً فلسطين..
وهنيئاً لمن كُتب له أن يكون حارساً للحق والعدالة..
وطوبى لمن نافح عن تراب الوطن ومقدساته..