wwww.risalaty.net


كـــن ربانيـــــــاً


بقلم : الشيخ محمد خير الطرشان

 

خطبة الجُمعة بتاريخ 24 / 8 / 2012
في جامع العثمان بدمشق
الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنَّا لنهتديَ لولا أن هدانا الله، يا ربَّنا لك الحمدُ كما ينبغي لجلالِ وجهكَ وعظيمِ سلطانك، سُبحانَكَ لا نحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيتَ على نفسك.. وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له، لهُ الملك ولهُ الحمد يُحيي ويميتُ وهو على كل شيءٍ قدير، وأشهدُ أن سيِّدنا ونبيِّنا وحبيبنا مُحمَّداً عبدُه ورسولُه وصفيُّه وخليلُه.. اللهُمًّ صلِّ وسلِّم وبَارك على هذا النبيِّ الكريم، صلاةً تنحَلُّ بها العُقَدُ، وتَنْفَرجُ بها الكُرَبُ، وتُقْضى بها الحوائجُ، وتُنَال بها الرغَائبُ وحُسنُ الخَواتيم، ويُستسقَى الغَمَامُ بوجْهِهِ الكريم، وعَلى آلهِ وصحبهِ وسلِّم تسليماً كثيراً..
أما بَعْدُ فيا عباد الله: أُوصي نفسي وإيَّاكم بتقْوَى الله تعالى، وأحُثُّكم على طاعَتِهِ والتَمَسُّكِ بكتابهِ، والالتزامِ بسُنَّةِ نبيّهِ سيدنا محمدٍ صلَّى الله عليهِ وسلَّم ومنهاجِه إلى يومِ الدِّين.
جاء في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( يا أيها الناس عليكم من الأعمال ما تطيقون فإن الله لا يمل حتى تملوا، وإن أحب الأعمال إلى الله ما دووم عليه وإن قلَّ ) .
وفي صحيح مسلم من حديث عائشة قالت: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عمل عملاً أثبته)) أي داوم عليه وحافظ عليه .
وفي حديث آخر ورد في صحيح مسلم عن أبي عمرة سفيان بن عبد الله الثقفـي أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم : ((قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحداً بعدك)). قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((قل آمنت بالله ثم استقم)) ، قل آمنت بالله ثم استقم، أي: استقم على الإيمـان، والتوبة، و الاستغفار، و قيام الليل، و البر و الإحسان، استقم على هذه الثوابت الإيمانية التي أعانك الله عليها في رمضان، استجابة لقوله جل وعلا:
" إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلاَئِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآْخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ " [فصلت:30-32
قرأها يوماً على المنبر سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال : إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا ، استقاموا على منهج الله فلم يروغوا روغان الثعالب، والاستقامة هي المداومة والثبات على الطاعة .
أيها الإخوة المؤمنون : هاهو رمضان مضى وانقضى ، فمن كان يعبد الله في رمضان فإن رمضان فات ، ومن كان يعبد الله فإن الله حي باق لا يموت .
فلنشدَّ العزيمة على الثبات على نوع من العبادة نطيقه ونحافظ عليه ، حتى لا نكون ممن ضرب الله تعالى لهم المثل في القرآن الكريم بقوله تعالى :"وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثاً"[النحل: من الآية92]، ذكر المفسرون في تفسيرها: أن عجوزاً في مكة كانت تغزل الصوف في أول النهار، حتى إذا أوشكت على إتمام غزلها آخر النهار نقضت غزلها وأفسدته، ثم عادت إلى الغزل والنقض مرة أخرى، وهكذا كان دأبها وشأنها أبداً .
فحذّر الله تعالى من خلال هذه الآية المؤمنين من التشبه بصنيع هذه المرأة، وذلك بإفساد أعمالهم الصالحة بأعمال سيئة تنقضها وتذهب بركتها .
فلنحذر أن تكون كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا ، لنحذر أن نكون مثل امرأة تغزل طول يومها غزلاً قويًا محكما ثم تنقضه أنكاثاً، أي: تفسده بعد إحكامه، فقال تعالى: (وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمْ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) النحل:92
ومعنى: (تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ) أي: تعاهدون قوماً على أن تكونوا معهم، وهذا العهد خديعة، فإذا وجدتم أمة أربى منهم ـ أي: أكثر وأعز ـ غدرتم بعهد الأولين وعاهدتم الآخرين .
وأما المداومة على العمل بعد رمضان : فقد سُئلت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها : كيف كان عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالت: " كان عمله ديمة، وأيكم يستطيع ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستطيع ". رواه مسلم.
وروى مسلم أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن أحب الأعمال إلى الله ما دووم عليه وإن قل "
أيها الإخوة المؤمنون : على المسلم أن يلزم نفسه بقدر من العبادات يستطيع أن يداوم عليه ولو كان قليلاً، فإنه سيكون كثيرًا بالمداومة عليه، وسيكون محببا إلى رب العزة سبحانه وتعالى
و أخيراً :
لا تنس أخي المؤمن صيام ستٍ من شوال ، فإن من الأعمال الصالحة التي تشرع لنا بعد رمضان صيام ستة أيام من شوال ، لما جاء عن أبي أيوب رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم : ((من صام رمضان وأتبعه ستاً من شوال فذلك صيام الدهر)) رواه مسلم.
اللهم يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلوبنا على دينك وطاعتك ، اللهم تقبل أعمالنا ، و أصلح أحوالنا، و ثبت أقدامنا ، و انصرنا على أنفسنا و شهواتنا ، و انصرنا على أعدائك و أعدائنا،إنك على ما تشاء قدير .
   أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم
فيا فوز المستغفرين