wwww.risalaty.net


غربة أهل السُنَّة في زمن الفتنة..


 

يقول ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين: الغريب هو غريب الدنيا بين أهلها..  فهي غربة صاحب صلاح الدين بين قوم فاسدين ، وغربة صاحب الصدق والإخلاص بين أهل الكذب والنفاق. فمثلُ هؤلاء بين أولئك كمثل الطير الغريب بين الطيور...    فالصالحون غرباء في الناس ، والزاهدون غرباء في الصالحين، والعارفون غرباء في الزاهدين...

وأي اغتراب فوق غربتنا التي *** لها أضحت الأعداء فينا تحكم

 لكـننا سبي العدو؛ فهل تُرى*** نعود إلـى أوطـاننا ونسلم

ولعلي أقف عند هذا المدخل لأبين فيما أردت من موضوع غربة أهل السنة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليم، مما بعثني إلى كتابة هذا الموضوع وهو تصور حالة الغربة والضعف التي يعيشها أهل السنة و خادموها -على قلتهم- وانتقادهم  على التزامهم بالسنة والدفاع عنها.

ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم ***بهن فلول من قراع الكتائب

 

 

* * وقفة.. * *

في زمن كثرت  فيه الضغوط بشتى صورها، وتزاحمت فيه الشبهات والشكوك وتسلّطت الوساوس، زمن أمست النفس البشرية يعتريها الضعف والفتور ، فأصبحت مرتعاً خصباً لملاينة أهل الأهواء، والتكلّف في تبرير انحرافهم وشطحاتهم.. فتسللت الأحاديث الضعيفة والموضوعة والمكذوبة على سيد الخلق وحبيب الحق وانتقلت إلى المجالس وتكلم فيها القائم والجالس وانتشرت كما ينشر الجراد في أرض الفلاة.

ولا غرو أن حفظ السنة من الضياع أمر تكفل به رب العزة جل وعلا حين قال:

 ((إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)) [الحجر:9] والذكر هنا هو كل وحي من عند الله، بنوعيه القرآن والسنة كما ذكر العلماء.

ولكن الصحابة رضوان الله عليهم والسلف الصالح كما اهتموا بحفظ كتاب الله جلّ وعلا، فكذا كانت عنايتهم شديدة بالسنة المطهرة، فكانوا يتتبعون ما يُلقى أمامهم، ويتثبَّتون فيما يُروى لهم، فمما جاء في الصحيحين عن سعيد أنَّ أبا موسى رضي الله عنه سلَّم على عمر بن الخطاب رضي الله عنه من وراء الباب ثلاث مرات فلم يُؤذن له، فرجع فأرسل عمر في أثره فقال: لم رجعت؟ قال: "سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا سلَّم أحدكم ثلاثاً فلم يجب فليرجع"، قال: "لتأتيني على ذلك ببيِّنة أو لأفعلنَّ بك"، فجاءنا أبو موسى منتقعاً لونه و نحن جلوس فقلنا: "ما شأنك "؟ فأخبرنا وقال: "فهل سمع أحد منكم"؟ فقلنا: "نعم كلنا سمعه"، فأرسلوا معه رجلاً منهم حتى أتى عمر فأخبره.

فقال عمر: "أما إني لم أتهمك و لكنني أحببتُ أن أتثبَّت".

ولما سُئِلَ الزبير بن العوّام، لماذا لا تُحَدِّث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يحدِّث فلان وفلان؟ قال: أما إني لم أفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم و لكني سمعته يقول:   "من كذب عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار". أخرجه البخاري في صحيحه

ومنهم أيضاً من قطع المسافات وجاب البلاد ليتحقق من حديث سمعه عن رسول الله صلى الله عليه و سلم.

إذاً فقد كان من طبع الصحابة الحرص الشديد والخوف من الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا منهج السلف الصالح أيضاً الذين اجتهدوا في تدوين الحديث ووضعوا الكتب الكبيرة في الصحيح والضعيف فتنبهوا للخطر المحدق بالحديث النبوي وأيقنوا أن أعداء الأمة كثيرون وأكثر منهم أعداء الدين.

فما بالنا اليوم نجد كثرة من المتكلمين، والمتقولين على رسول الله  يستشهدون بأحاديث دون التأكد من سندها أو درجة صحتها، ثم لا يكون من بعض المتفيقهين إلا  الانجراف في نفق هذه الأحاديث بحلوها ومرها وزيفها وبريقها دون علم أو وعي أو إدراك أو تحقيق فينشرونها في الأفراح والأتراح، وغفلوا عن قول الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم:    "من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين" . رواه مسلم .

فأين أنتم يا أهل السنة وحُماتها..؟

 أين أنتم من هذا التحريـف الصريـح لعقيدتنـا.. وديننـا.. وسنة نبينـا التي جاءت لهدايـة الإنسانيـة؟

أين أنت أيها المسلم الغيور المخلص في الدين لرب العالمين؟

أين جهودك في تنقية الأحاديث النبوية من الكذب وتمييز صحيحها من ضعيفها.

أين أنت من السعي في نشرها وتبصير الناس بها "نضّر الله امرءا سمع منا شيئاً، فبلغه كما سمعه، فرُبَّ مبلغٍ أوعى من سامع"  صحيح الجامع.

بقي أن نتنبه ألاّ تأخذنا حمية الخطاب.. والنزق في الصدّ.. وضيق الأفق، فنكون كعلماء السوء، الذين جلسوا على باب الجنة، يدعون إليها الناس بأقوالهم، ويدعون إلى النار بأفعالهم، فكلما قالت: أقوالهم للناس هلمُّوا، قالت أفعالهم: لا تسمعوا منهم.

بل علينا بالرفق في إحياء هذه السنن، واللين في عرض بضاعتنا لتكون مقبولة محببة إلى الناس؛ الذين قد يستنكرون بعض هذه السنن بعدما قضوا دهراً طويلاً من أعمارهم لم يسمعوا بها في حين يألفون أحاديث ضعيفة أو موضوعة كما لو أنها صحيحة. ففي خضمّ هذا الجدل مالنا إلا الصبر والثبات وتحمل العقبات فإنما الأعمال بخواتيمها. 

وأخيراً أخي القارئ لا يغرك قلة السالكين لطريق الحق، وكثرة المخالفين له، "فالحق لا يُعرف بالكثرة ، وليس العجب ممن هلك كيف هلك؟ إنما العجب ممن نجا كيف نجا؟"

هدانا الله وإياكم إلى سبل الهدى والرشاد وجنبنا طريق الزلل والفساد...

وصلى الله على سيدنا محمد خاتم النبيين وإمام المهتدين وعلى آله وصحبه وسلم...

فما رأيكم إخوتي أخواتي في هذه القضية؟؟

شاركونا بآرائكم وأفكاركم في هذه المسألة المهمة..