wwww.risalaty.net


يُمْهِلُ وَلا يُهْمِل ... أختاه انشري هدي النبوة


بقلم : المحبة لله

بسم الله الرّحمن الرّحيم

والصّلاة والسّلام على رسوله الكريم

 

       الحياة خضِرةٌ نضِرة ، والدّنيا مُقبلةٌ مزدهرة ، وأمام الشّباب فرصٌ غير محدودة ، بعضهم يجد راحته وسعادته في اتّصاله بخالقه ، ليُكسِبَ قلبه غلافاً من الإيمان ، تثبّته أربطة القرب والمحبّة ، فتتشكّل حماية لهذا القلب من سهام الفتنة . أمّا الآخر ؛ فيجد المغنم في أن يعبّ ما استطاع من المعاصي من بحار الشّهوات ، دون أن يفكّر للحظة ، بأنّ مجرّد اقترابه من ساحلها ، سيعرّضه يوماً للغرق وسط أمواج متلاطمة من غضب الجبّار . يستمتع بالقوّة والشّباب ، قبل أن يأتي يوم يغدو فيه تحت التّراب .

       ومن أولئك الّذين يريدون حياة مليئة بالمسرّات ، خالية من الضّوابط والالتزامات ؛ أختان شابّتان ، ارتدتا أجمل الثّياب ، وقد رسمت كلّ منهما على محيّاها لوحة فنيّة مزيّنة بأبهى الألوان ، الشّعر مكشوف ، وكلّ يوم تسريحة جديدة ، رفضتا خلقةً أهداهما إيّاها ربّ ودود ، فأخذتا تغيّرانها منتهكتين بذلك الحدود ، قد أزالتا ما أزالتاه من أشعار حواجبهما ، وبكلّ هذه الزّينة ، ومع كلّ هذه الفتنة ، خرجتا إلى الشّوارع والطّرقات ، وفي ظنّهما أنّهما ملكتا الدّنيا بفعلهما هذا ، وليتهما اكتفتا بالظّهور وحدهما بهذا المظهر الشّنيع ، لا بل أخذتا تعلّمان غيرهما من الفتيات ، ما قبح وساء من العادات ، محاولتين إقناعهنّ بأنّ السّفور والتّبرّج هو أجمل ما في الحياة ، وأنّه من الواجب نمص الحواجب ، وأنّ ظهورهنّ بأشدّ مظاهر الفتنة والإثارة ، هو ذكاءٌ ورجاحة عقل وشطارة .

       وفي يوم من أيّام الحياة الجميلة ، خرجت الفتاتان في استكمال لمسيرة الفتنة والإغواء ، وأثناء سيرهما في الطّريق ؛ انهارت إحدى الأختين ، وقد انتابها ألم شديد في بطنها ، وبدأت تشعر بآلام غير طبيعيّة . أسرعت بها أختها إلى البيت ، تطلب النّجدة من أبيها ، ومن فوره ذهب الأب بابنته إلى المشفى . أختها في أشدّ القلق عليها ، لكنّ الطبيب طمأنها بأنّ المرض مجرّد عارض ويزول ، ثمّ تنحّى بالأب جانباً ، ليهمس في أذنه بكلمات ، فاصفرّ وجه الأب ، وظهرت على هذا الوجه الحزين علامات اليأس والإحباط ، سألته ابنته عن حقيقة الأمر ، فرفض إخبارها ، وبعد أن أصرّت عليه ، دمعت عيناه ، واضطرّ لكشف ستار الحقيقة قائلاً : الطّبيب مشتبـِهٌ بورم خبيث ( سرطان ) .......

يا لها من مصيبة .. سرطان ؟! لقد تفاجأت الأخت المسكينة ، كيف لم يخطر في بالها هذا الأمر من قبل ؟؟ عادت الأخت إلى جانب أختها المريضة ؛ الّتي تعاني أشدّ أنواع الألم . الآلام تزداد وتزداد ، وليس في وسعها إطاقة ما يحدث لها ، ثمّ بدأت تبكي وتصرخ : نادوا الطّبيب ، أنا متألّمة ، لم أعد أحتمل ، أريد مسكّناً لهذه الآلام ! فيأتي الطّبي ويقول : نعم .. هناك مسكّن ، ولكن له مضاعفات .

- ما هي تلك المضاعفات ؟

- إذا تناولتِ ذلك الدّواء ؛ يتساقط شعر رأسكِ وحاجبيكِ ، وكلّ شعرة في جسمك !!!

- لا !! لا أحتمل ذلك !

وانصرف الطّبيب ، لكنّ الألم لم ينصرف ، إنّه يتفاقم ، والفتاة تكاد تموت . وها هي المريضة تنادي الطّبيب مرّة أخرى : أريد العلاج !

- سيسقط شعركِ !

- أريد العلاج ، حتّى لو سقطت عيناي !

بدأ العلاج ، وبدأ الشّعر يتساقط شيئاً فشيئاً ، ثمّ لم تبقَ شعرة في رأسها ، لقد أصبح شكلها بشعاً ، فاضطرّت لتغطية رأسها . سبحان الله ! لم تستره راغبة ، فسَترته راغمة !

والأخت الحزينة تخرج من الغرفة لتبكي وتبكي وتبكي ... ثمّ تعود .

ثمّ بدأ تساقط شعر الحاجبين ، والأخت المسكينة تقول : آه !! كم كنّا ننمص ونلعب بخلق الله ! لقد تأزّمت حالتها النّفسيّة ، وأخذت بين وقت وآخر تنظر في المرآة ، وتتأمّل وجهها ، وأدركت حينها بأنّ الله " يُمهل ولا يُهمل " .

لقد خافت على نفسها ، فما فعلته أختها فعلته هي أيضاً ، ونتيجة لذلك ؛ ما يحدث لأختها الآن ، من المحتمل أن يحدث معها في أيّة لحظة ، وليت الأمر توقّف عند هذا الحدّ ، لقد احمرّ جسد المريضة ، ثمّ ازداد الاحمرار ، وبعد أيّام .. غدا نصف وجهها أحمرَ ، وكأنّه محروق ، ناهيك عن الآلام الفظيعة ، فأصبحت تغطّي وجهها ، نعم .. لقد أسدلت ستراً على وجهها !! ثمّ ماذا بعد ذلك ؟ بادرت الأخت الّتي أمهلها الله إلى أحد الشّيوخ ؛ لتقدّم له تفاصيل القصّة الّتي حدثت معهما ، وتطلب منه إلقاءها على بنات حوّاء ، علّّها تلقى أذناً صاغية ، فتستمع لآثار وعواقب معصية الله ، فلربّما ترجع عمّا ارتكبته من مخالفات ، وما اعتادته من تبرّج وسفور ، وتغيير لخلق الله ، حتّى لا يحدث معها هذا الحدث المرير .

وأنتِ أخيّتي : يا من تساهلت في شرع الله ، فخففتِ من ثيابكِ ...

يا من نسيتِ بأنّ هناك خالقاً يأمر وينهى ، فخالفتِ أمره ، وسعيتِ لتوقعي بشِباكِ فتنتكِ هذا وذاك ، دون أخذ بالحسبان خطورة ما تفعلين ...

يا من سمعتِ حديث حبيب الله صلّى الله عليه وسلّم ، حديثَ من لا ينطق عن الهوى : "  لعن الله الواشمات والمستوشمات، والنّامصات والمتنمّصات، والمتفلّجات للحسن المغيِّرات خلق الله " ( صحيح مسلم) .

وبعد أن سمعتِ هذا الحديث قلتِ : أعرف .. إنّ هذا حرام ، لكنّي لا أستطيع تركه ، فقد اعتدتُه . لكنّكِ لم تفكّري ما معنى كلمة ( لعن ) ، إنّها الطّرد من رحمة الله ، ومن طرده الله من رحمته ، فكيف سيُدخله جنّته ؟ ثمّ هل تساءلتِ يوماً كيف ستعتادين حرّ النّار ؛ إنْ أنتِ بقيتِ على تلك الحال ؟ .......

* نداء إلى كلّ امرأة لا تطيق حرّ نار جهنّم ...

* نداء إلى كلّ فتاة أرادت التّنعّم في جنّة الفردوس ...

* نداء إلى كلّ أنثى تخشى على نفسها الأذى من الأشرار في الدّنيا ، وتخشى لهيب النّار في الآخرة ...

لقد أخبرنا رسول الله عليه الصّلاة والسّلام بأنّ أكثر أهل النّار من النّساء .

يا الله !! شيء مُرعب بالفعل ! من هنّ القلائل اللّواتي سيحظين بنعيم الآخرة ، وسيُجنَّبن عذابَها ؟ ألا أنجو بنفسي وتنجين بنفسكِ من حرّ يوم تشخص فيه الأبصار ؟ هل مرّ بكِ يوم كنتِ تطبخين ، أو تحَضّرين كأساً من الشّاي ؛ فمسّ إصبعُكِ دون قصدٍ منكِ الوعاء الّذي تستعملين ، أقول الوعاء ، ولا أقول النّار الّتي تحت الوعاء . ماذا حدث لكِ ؟ ألم تشعري بأنّ روحَكِ خرجت من جسدكِ بهذا المسّ ؟ ألم تبقي أيّاماً تتألّمين وتتأوّهين نتيجة تلك اللّسعة الخفيفة ؟ هذه نار الدّنيا ، فما أدراكِ ما هي نار الآخرة ؟!!!

* نداء إلى كلّ أمّ أرادت لابنتها السّعادة – ولا أشكّ لِلَحظة بأنّ هناك أمّاً ترضى لابنتها الألم والعذاب – : هل التفتِّ يوماً لتربية ابنتكِ على ما يُرضي الله ؟ هل حرصتِ على تعويدها الحشمة منذ نعومة أظفارها ؟ هل علّمتِها أو دفعتِها لتعلّم أحكام الحلال والحرام في دينها ؟ أو أنّكِ أهملتِها ، وتفرّغتِ لزياراتك وأشغالكِ الخاصّة ، وبعد فوات الأوان لجأتِ إلى اللّوم والتّقريع ؟

* نداء إلى كلّ أب يخشى على سمعته وعِرضه : هل رعيتَ ابنتكَ الغالية منذ صغرها ؟ هل ربّيتها على الأدب والأخلاق ؟ أو أنّكَ تُطيق خروجها من البيت بمظهر غير لائق ؟ لتتفرّج عليها كلّ عين خائنة ، وتتعرّض للإيذاء والسّخرية ، وأنتَ مشغول في عملك ، لا تدري ما تفعل ابنتك ، هل حقّاً تطيق ذلك ؟ !

       أختم خطابي بكلمة لأخيّتي الّتي تعيش حالة من الغفلة ، تركتْ أمر الله ، وبادرتْ إلى العناية بمظهرها وزينتها لمن لا يحلّ لها ، وفعلت في نفسها ما لا يرضاه ربّ العباد ، أبلّغك خبراً قرأته منقولاً عن إحدى الأخوات الكريمات : وهو اكتشاف وجود علاقة بين أحد أنواع السّرطان - الّذي لا يصيب إلا النّساء - ونمص الحواجب ، فهذا الفعل القبيح ، إن استمرّ ؛ فعاقبته وخيمة ، أخبركِ ذلك إن كنتِ ممّن يتركون المعاصي خوفاً على حياتهم ، لكنّي أحبّ أن أخاطب ضميرك الحيّ ، المستجيب لأمر الله ، الخائف من عذابه ، الرّاجي لرحمته ، فأقول لكِ : الله يُمهِل كثيراً ، وينتظر من عبده التّوبة ، فهلاّ بادرتِ إلى ترك المعاصي ، والإقبال على الله ؟ استفيدي من تجربة غيركِ ، ولا ترضي بأن تصبحي قصّةً تُحكى ، وتتناقلها الألسن ، ولتعتبري بغيركِ ، ولا تكوني أنتِ العِبرة ، وبعدها ليكن شعارُكِ الدّائم : " اللّهمّ إنّي أعوذ بكَ أن أكون عِبرة لأحد من خلقك " . ولا تدعي هذه الكلمة تقال نتيجة اعتبار غيرك بك ، كلّ ذلك لتنعمي بالقرب من الله ، وتنقذي نفسكِ من غضبه وسخطه ، عسى الله أن يقبلنا ، فيكلّلنا برضاه ، ويصطفينا لجنّته ، وينقذنا من ناره .