wwww.risalaty.net


سلسلة نقد التفسير العلمي للقرآن الكريم ( 5 )


بقلم : د. أحمد محمد الفاضل

سلسة نقد التفسير المعاصر للقرآن الكريم

بقلم: د. أحمد محمد الفاضل

مدرس التفسير وعلوم القرآن الكريم

 

نقد التفسير العلمي

لقوله تعالى: " لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ " [الانشقاق:19].

 

لعل القارئ يعجب أيما عجب عندما يقرأ التفسير العلمي المعاصر لهذه الآية التي بين أيدينا، ليرى المبالغة التي يمتطي ظهرها الذين أولعوا بهذا النمط من التفسير دون مراعاة للضوابط اللازمة، وأصول التفسير الحاكمة.

يرى هؤلاء أن هذه الآية تُشير إلى الصواريخ ذات الطبقات المتعددة التي تنطلق إلى الفضاء متجاوزة الغلاف الجوي للأرض؛ لأنها كلما قطعت مرحلة محددة، انفصل منها جزء، وهكذا دواليك إلى أن تصل إلى غرضها، فيبقى الجزء – القمرة – الذي يحمل روَّاد الفضاء!!

يقول الأستاذ محمد وفا الأميري – رحمه الله تعالى – وهو ممن قال بالتفسير السابق : (( ..... ومنها قوله تعالى: ) لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ ( فيها إشارة إلى طبقات الصواريخ ذات المراحل الثلاث أو الأكثر، المتعددة المراحل التي أُطلقت من الأرض وركبها الإنسان إلى الفضاء الخارجي في هذا العصر، واخترق بها طبقات الغلاف الجوي المختلفة، فقد ركب الإنسان كما وعده ربه طبقات الجو وغيره)). (1)

وهذا الذي ارتآه الأستاذ الأميري بعيدٌ كل البعد عن مراد الآية الكريمة، ويظهر ذلك من وجهين:

الأول: سياق الآيات التي تنتظم فيها الآية، فقد سُبقت هذه الآية بقوله تعالى: )وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ ^ فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُوراً.. ( فقوله تعالى (فسوف يدعو ثبوراً) هذا بيان للجزاء الذي أُعِدَّ للكافر الجاحد يوم القيامة، ثم أكدت الآيات أن هذا العذاب الموعود مصيبة لا محالة، وذلك من خلال القَسَم في قوله تعالى: ) فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ (16) وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ (17) وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ ( ثم جاءت الآية: ) لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ ( ..

ثم عادت الآيات لتقريع الكافرين وتوبيخهم، وذلك بالتعجيب من إعراضهم عن الإيمان، وانصرافهم عن السجود لسماع القرآن، ثم توعدتهم بالعذاب الأليم الذي يتربص بهم... وذكرت بعد ذلك جزاء المؤمنين.

 

الثاني: وهذا الدليل مبني على الدليل الأول، فبعد أن عرفنا سياق الآيات تبين لنا انه لا علاقة للصواريخ وطبقاتها بهذه الآية لا من قريب ولا من بعيد.. بل المراد من قوله تعالى: ) لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ (  – كما قال كثير من السلف – شدة بعد شدة، فهذا وعيد مخيف من الله تعالى للكافرين بأنهم سيلاقون حالاً بعد حال من العذاب، وسينتقلون من دَركٍ من جهنم إلى دركٍ آخر أسفل منه ... (2)

 

ـــــــــــــــــــــــــ

هوامش:

(1)          الإشارات العلمية في القرآن الكريم، للأستاذ الأميري (19) الطبعة الثانية / 1401هـ .

(2)          انظر: تفسير ابن كثير في تفسير الآية (سورة الانشقاق).