wwww.risalaty.net


هوليوود توثّق التاريخ.. هل نجحت؟


بقلم : الإعلامي / عبد الفتاح بو عكاز

التاريخ يكتبه المنتصرون.. هذا ما أكّدته الآلة العسكرية المتفوقة منذ زمن بعيد، ولكن الزمن البعيد بدوره أكد أن ما يحققه العسكر زائلٌ ولو بعد حين. وأما ما تنتجه صناعة الأفلام العملاقة فهو يوثّق الحاضر، ويورّثه تركةً للمستقبل كي يغدو مرجعية للماضي. إن ما قدمته أفلام "هوليوود" ومازالت يفوق انتصارات كل الجيوش. إنه توثيق الحدث بل صناعته.

عندما نستعرض الأفلام الكثيرة والمتكاثرة التي صنعتها السينما الأمريكية خلال القرن الماضي: نجد أعمالا عملاقة شاهدتها جماهير عريضة في العالم كله، ومن المؤكد أنها تابعت الكثير منها بشغف وإعجاب، ودون شك فقد استطاعت تلك الأعمال أن تؤثّر في كثير من المجتمعات وتغيّر الكثير من القناعات، ولكنْ ماذا يرسخ في عقول المشاهدين؟ وهل هناك تمييز بين قوة الحضارة الأمريكية وحضارة القوة الأمريكية؟

قد نجد الإجابة على ذلك إذا راجعنا عقولنا وفتّشنا في ذكرياتنا عن مشاهد السينما الأمريكية تحديداً؛ ابتداءً من مشاهد رعاة البقر وعائلاتهم المتحصنين في المستوطنات خوفا من هجمات الهنود الحمر - أصحاب الأرض.. وانتهاءً بما كتبه المنتصرون في تاريخنا المعاصر إنْ كان "أدولف هتلر" حقا خطرا على البشرية والعالم.

وعندما تختل مقاييسُ الخير والشر وموازينُ الحق والباطل في حياة البشرية اليوم يمكننا أن ندرك الفرق بين قوة الحضارة وحضارة القوة.. وقد نتساءل: هل استطاعت "هوليوود" أن تروض العالم بأفلامها حتى الآن؟

عندما نمعن النظر في بعض أفلام "هوليوود" الأخيرة نخلُص إلى إبداع فني راقٍ من جهة وإساءة للإبداع من جهة أخرى:

ففي فيلم (I am a legend) تقدّم "هوليوود" مبرراً للعمليات الفدائية في طابع يستحبه الغرب، بل وتصنع من (Will Smith) بطلاً يموت "وهو يفجر جسده في الأشرار" من أجل أن يعيش غيره بعده في سلام.

في فيلم (The last samurai) تقحم "هوليوود" الممثل الأمريكي (Tom cruise) بشجاعته وحبه الخير كي يكون سببا في إنجاح حقبة هامة من تاريخ اليابان متجاهلين حضارة الـ(Samurai) العظيمة.

فيلم (Indiana Jones) الذي لاقى انتقادات لاذعة من أهل الاختصاص لأنه يستخف بالعقول عندما يحمل البطل الأمريكي (Harrison Ford) جمجمة كائن غريب يُطلق إشعاعات تخيف الأبيض والأسود من البشر وغيرهم من الحشرات الزاحفة، لكنّها لا تؤثر في البطل ورفاقه الأمريكيين، ناهيك عن كون القصة أصلاً مبنيةً على أساس عدائي للاتحاد السوفياتي المنهار.

في فيلم (300) يوثق الفيلم أسطورة يونانية مشهورة، لكنه يزوّر حقيقة الأجناس عندما يقدّم شخصية ملكٍ إيراني زنجيًا أسودَ، وتم تقديمه في أبشع صورة ظهر عليها الممثل البرازيلي (Rodrigo Santoro).

فيلم الصغار (Narnia) تعتمد فكرته على الخلط بين نسل الإنسان والحيوان لتظهر شخصياته جنسا مزيجا بينهما: حيوان نصفه إنسان ونصفه حيوان، فكانت هذه المخلوقات بل الرسومات تمثل فئة الأخيار على بشاعة الخِلقة وتشوّهها، أما العدو الشرير فقد كان الإنسان في شكله الطبيعي. وإن كانت القصة تخاطب عقول الأطفال إلا أن مضمونها لا يضيف جديداً غير تكريس مفهوم السحر وإيجاد الأشياء من العدم مع إلغاء مرجعية الخلق إلى الخالق في الإيجاد.

وإضافة إلى كل تلك الأفلام يجب ألا نُغفل أفلاماً أخرى كثيرة مضمونها يغتال الشعور بالانتماء إلى العائلة، وينجلي هذا عندما نتابع فيلماً كاملاً مع شخصياتِ أبطالٍ لا وجود للأب والأم والعائلة أصلاً في حياتهم، وعليه أصبحت عادة الأفلام اليوم، وعندما تكرَّم على أبنائنا صانعو الأفلام بأبٍ لحيوان الباندا في (The kung fu panda) ظهر أبوه حيواناً يخالفه في الجنس، إنه البجعة.

وإن قال لي أحد: إنه أبوه في التبني، سأقول: نعم، هكذا يوثّق التاريخ.