wwww.risalaty.net |
|
نظرية القبول.. ما أعظم القوس التي تعرف بيد من هي !!
بقلم : ريما الحكيم
( 2 )
في عهد النبوة ، انتشر الإسلام انتشاراً كبيراً ، دل المشركين حينها أن هذا الدين ليس بضعيفٍ كما كانوا يزعمون ، و أن نور الله سيشرق و لو كره الكافرون ، فرأوا ذلك بأم أعينهم ..
و مع ازدياد عدد المؤمنين ، كانت نفوس البقية الذين يعلمون علم اليقين أن الإسلام هو الدين الحق ، تمد أعناقها و تتمنى الإسلام من قلبها و لكن الموانع حولها كانت تعيقها عن ذلك ، سواءً كانت خوفاً من القبيلة ، أو تكبراً على دين جديد ، أو استخفافاً به ، أو بنفسها ..
و قد جعل الله الإيمان ممحاةً لكل شيءٍ أُحدث قبله ، جعله جلاءً للقلوب الضالة ، و حياة للعقول التي كانت ميتة في جاهليةٍ عميقةٍ متجذرة في النفوس تُميتُ القلوب و العقول .. فقال رسول الله r : (( الإسلام يجبُّ ما قبله )) ، و كانت هذه هي البشرى من الله إلى كل خائف مترقب ، ليرى رحمة الله الواسعة ، ورأفته بمن خلق ، و إن كان دخوله إلى دين الحق قد بدأ الآن ، فيرى عظيم الكرم منذ البداية ، و يتخيل :
ماذا بعد ذلك إن كانت البداية هكذا ؟؟ .
نص النظرية :
الإسلام يَجُبُّ ما قبله ، فهل تجب التوبة ما قبلها أيضاً ، و هل نقبل التائب ليكون ضمن صفوفنا نحن الدعاة مع توبته الجديدة ، و نغض الطرف عما سبق ؟؟
بعد الشرك يًقبل المؤمن
وَ يُقبل التائب من الذنب بشكلٍ أولى .
الشرك < الذنب غيره
فهو أعظم الذنوب
البرهان : ( التطبيق العملي )
في صفوف الدعوة ، نحاول دوماً أن نضم إلينا الدعاة ، و نجند المزيد منهم ، علَّنا نكسب الأجر ، ونبتغي في ذلك كله رضا الله سبحانه و تعالى ، فقد قال لنا رسول الله : (( لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خيرٌ لك من حُمْرِ النعم )) ، و يمكننا أن نفهم من هذا الحديث أمرين هامين :
1. إن هداية إنسان ما هو أعظم أمر قد يفعله إنسان مؤمن ، و الهداية ليست في إحضار غير المؤمنين إلى الإيمان ، فقط ، بل قد تكون أيضاً في هداية المسلمين الضائعين إلى الطريق القويم الذي قد يتوه عنه المسلم في بعض الأحيان .
2. ليست الهداية في إحضاره إلينا راغباً في التوبة فقط ، بل هي /في تجنيده بيننا داعياً إلى الله/ أولى .
و من ذلك يمكننا أن نعتبر أن تجنيد الدعاة مهمةٌ خطيرة من مهام الداعية في وقتنا الحاضر ، حيث لا تنحصر الدعوة في القول و الخطاب فقط ، بل توسعت حتى شملت الأفعال و طريقة الحياة ، فالأنظار موجهة نحو الداعية تترقب كل ما قد يصدر عنه من أقوال أو أفعال، لتقلده إن كانت مؤمنة ، و تشنع عليه إن كانت لاهية عابثة تريد تحطيم البناء الدعوي عبر هدم الواجهات التي ينبغي على قائد الدعوة اختيارها بعناية فائقة، و لكن هذا لا يعني أنه لا يجوز لنا تجنيد التائب !! و محور حديثي هو في التوبة الصحيحة التي يمكن لنا أن نعرفها من صدق نية التائب عبر أفعاله و صدق حزنه ، و عظيم ندمه ، فلا نستطيع في هذه الحالة أن نشك بها ، لأن الشك في توبة التائب من أول الأمور التي وضعتنا في آخر سلم التقدم ، حيث بدأنا نشك في أنفسنا و لا يأمن بعضنا بعضاً على توبة المرء ذاته ، فكيف لنا أن نصطف لنكون بناء دعوة صحيحة لله تعالى ، وكيف بنا نطلب حينها النصر من الله ، و النيات غير صافية ، و الشك يملأ القلوب و يعكر صفاءها ؟؟
و لبيان ذلك طرقت باب الإمام "الغزالي" في "إحيائه" فوجدته يقول : (( فليعلم أنك إذا فهمت معنى القبول لم تشك في أن كل توبة صحيحة فهي مقبولة ، فالناظرون بنور البصائر المستمدون من أنوار القرآن علموا أن كل قلب سليم مقبول عند الله ، و علموا أن القلب خُلِقَ سليماً في الأصل ، و أن استعماله في الشهوات يوسخ القلب ، و غسله بماء الدموع وحرقة الندم ينظفه و يطهره و يزكيه ، و كل قلبٍ زكيٍّ طاهرٍ فهو مقبول ، فإنما عليك التزكية و التطهير ، و أما القبول فمبذول قد سبق به القضاء الأزلي الذي لا مرد له ، وهو المسمى فلاحاً في قوله تعالى : ) قد أفلح من زكاها ( و من يتوهم أن التوبة تصح و لا تقبل ، كمن يتوهم أن الشمس تطلع و الظلام لا يزول )) ..
و هذا خير دليل عقلي على قبول الله للتوبة الصحيحة ، دون أن نُدْخِلَ الشك في النفوس ، و قد أخبرنا الله في كتابه العزيز أنه يقبل التوبة في مواضع كثيرة ، منها قوله تعالى : ) هو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ( ، و قوله تعالى : ) غافر الذنب و قابل التوب ( ..
و قال رسول الله r : (( إن الله عز وجل يبسط يده بالتوبة لمسيء الليل إلى النهار و لمسيء النهار إلى الليل حتى تطلع الشمس من مغربها )) ، و قد قال الغزالي عن ذلك : (( إن بسط اليد كناية عن طلب التوبة ، والطالب وراء القابل ، فرب قابل ليس بطالب و لا طالب إلا وهو قابل )) ..
فكيف يمكننا نحن ألا نقبل توبة التائب عن ذنبه و قد قبلها الله تعالى ، و هذا هو حال مجتمعنا اليوم ، فترى السارق تائباً إلى الله ، عائداً إليه بقلبٍ نظيف و ندمٍ ظاهر ، و علامات القبول على توبته باديةً لكل ناظر بعقله ، و لكن الناس يأبون إلا أن يطلقوا عليه وصف السارق حتى يموت ، و أبناؤه هم أولاد السارق، ويبقى هذا الوصف ملتصقاً بالعائلة ، لأن الناس في أيامنا يعشقون أن يروا ضعيفاً مثله ليتسلطوا عليه ، حيث لا يملك من أمره شيئاً ، فالذنب قد ارتكبه و ظهر للناس ، و هم لا يقبلون التوبة ، التي ربما قبلها الله تعالى ..
وإن كانت حجة البعض أن ( الرد من تمام الحد ) في حد القذف .. فذلك الرد هو للشهادة فقط في حد القاذف، و أشدد على كلمة فقط ، في كون الرد للشهادة ، و في حصره على القاذف ..
فقد قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما : (( من ذكر خطيئة ألم بها فوجل منها قلبه محيت عنه في أم الكتاب )) ..
و قال عبد الرحمن أبي القاسم في قبول توبة التائب إلى الله : (( تذاكرنا مع عبد الرحيم توبة الكافر و قول الله تعالى : ) إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف ( فقال : إني لأرجو أن يكون المسلم عند الله أحسن حالاً ، و لقد بلغني أن توبة المسلم كإسلام بعد إسلام .. ))
و ربما هذا هو أجمل وصف للتوبة الحقيقية ، إسلام بعد إسلام ، أي جلاء للقلب ، و محوٌ للذنوب السابقة ، وقبول من الله ، و بالتالي من الناس أجمعين ..
و بالنتيجة : يمكننا أن نقبل التائب في صفوف الدعاة ، و كونه تائباً أقوى له في شدة عزمه على الدعوة الحقيقية ، و هذا يخبرنا أن الله الغفور الرحيم الذي وضع لنا المقاييس الدعوية في محكم تنزيله ، هو القابل للتوبة ، فلنقبلها نحن ، و نجند أصحابها معنا ، علَّ التائبين يظهرون معنى الفرحة للتوبة في الإسلام للناس ، ليشعروا بها و يطبقوها ، و يزداد عدد التائبين في صفوف الدعوة ، و يزداد رضا الله عنا ، فتتحقق النهضة الدعوية بيدنا ، إن بقينا متسامحين ، طالبين لرضا الله و مغفرته ، و محبته و توفيقه ..
و كما قال جلال الدين الرومي :
(( ما أعظم القوس التي تعرف بيد من هي !! )) ..