wwww.risalaty.net |
|
نظريةُ الانعكاسِ بالتمثُّلِ الذاتيِّ
بقلم : ريما الحكيم
( 3 )
هناك قانون فيزيائي معروف بين الناس ، و هو أن لكل فعلٍ ردَّ فعلٍ مباشر آتٍ لا محالة ، و أن لكل صوتٍ يصدر من الحبال الصوتية صدًى و إن لم نسمعه بآذاننا التي لا تستطيع أن تسمع كل الأصوات في المحيط الهوائي لها ، و من هذا القانون تكونت العديد من النظريات التي منها ما بُرهن و منها ما لم يُبرهن بعد و لا يزال على قائمة الانتظار ريثما يخرج برهانه من عقل أحد العباقرة الذين نكاد نجزم أنهم لن يكونوا منا نحن المسلمين ما دمنا على هذه الحالة من قلة التأثير حتى بأنفسنا ، و لا عتب في ذلك على أحد لأننا لم نعد نستطيع أن نضمن ردة فعلنا تجاه ما يحصل معنا ، فكيف نضمنها تجاه ما يأتينا من إنسان آخر ..
ربما يقول لي البعض : لماذا هذا التشاؤم ؟ تفاءلوا بالخير تجدوه !! .. و لكن كلامي هذا ليس من قبيل التشاؤم المذموم ، بل أنا أقول هذا لأنني أتمنى أن نرتقي بأنفسنا و نضمن على الأقل ردود أفعالنا التي لن تكون ردوداً بقدر ما ستكون أفعالاً جديدة مبنية على الفكرة المتلقاة من الشخص الآخر . و هذا البناء يعد من مظاهر الترقي و التحضر الذي يدفع الإنسان إلى أن يفكر في كل ما يفعله قبل فعله بمدة لا تكون طويلة إلى درجة أن تكون ( كما يقولون : يقرأ مولداً على كل ما يفعل ) ، و لا أن تكون أفعالنا متهورة بحيث لا نفكر قبل الفعل و لا لثانية ، بل مباشرة يصدر عنا كل ما يمر في تفكيرنا ..
و بما أنني من الدعاة إلى أن نأخذ من كل العلوم حولنا و نستخدمه في دعوتنا إلى الله و نجعله من قواعدنا الأساسية في التربية الدعوية ، فمبدأ رد الفعل بتحديثه الذي ذكرته بأن يكون رد الفعل فعلاً جديداً مبنياً على الفكرة ، يعتبر من القواعد التي أتمنى لو أنها تكون من قواعدنا التي نُربى عليها و نعمل بها في طريقنا الموصل إلى أن نكون دعاةً حقيقيين إلى الله تعالى .. و هذه الفكرة ليست بجديدة ، فرسول الله r كان أول من عمل بهذه القاعدة من خلال مسيرة حياته عليه الصلاة و السلام ، و يكون نص النظرية الدعوية التي أراها من خلال تلك القاعدة بتحديثها الجديد ..
نص النظرية :
لكي تتم الدعوة بشكلها الصحيح و تؤتي ثمارها المرجوة ، على الداعية أن يلتزم بما يدعو إليه أولاً عن طريق الفعل الذاتي ، و بعد أن يضمن من نفسه ثباتها على ما يريد أن يذكره للمدعوين من الناس ، يبدأ بالدعوة الصحيحة بشكل قوي حازم متأكد من جدوى ما يفعل .. و إلا كانت دعوته كما يقال : (( من اللسان إلى الآذان و لا تتجاوز الآذان )) ، و إن أثرت في أحدهم عن طريق المصادفة بأن لاقت فيه قلباً صافياً وفكراً نقياً وروحاً طالبة للنصيحة ، فإن ذلك التأثير سرعان ما يتداعى و يخف عندما يرى المتأثر حال الداعية غير الملازم لقوله ، و سيكون هذا الأمر حجة عليه يوم القيامة في أنه قال ما لم يفعل ، فأبعد الذي قيل له عن ما قاله ، و جعل الفعل صورة شكلية بين الناس علموا عن طريقه أنها غير ضرورية فتركوها ، و كسبوا الإثم و كسبه معهم ، و حينها أجاره الله من الدرك الأسفل حيث لا يرقد إلا كل من نافق و تكلم بما لا يعمل و ما لا يعتقد ... و إن أردت أن أمثل طريقة التأثير بهذا الشكل :
العمل الذاتي ----< الظهور العلني للناس بأنه يعمل & ثم يتكلم----< التأثير الحقيقي بالناس
البرهان : ( التطبيق العملي )
بالنسبة لبرهان هذه النظرية ، فإنه لا يعد برهاناً بقدر ما هو تطبيق عملي عليها ، يشعرنا بأهمية وجودها وتطبيقها في حياتنا الدعوية التي لن تلقى تأثيرها المتكامل ما لم نكن على أتم استعداد لمواجهة أي مشكلة قد تعترضنا ، و هذا لا يكون إلا بتمسكنا بالقواعد التي نراها في حياتنا و الحكم التي نستقيها من كل ما يمكن أن يكون مفيداً لنا بناءً على أن الحكمة ضالة المؤمن أنَّى وجدها فهو أحق بها ..
و يمكنني أن أبدأ برهان نظريتي بـ :
فمن المعروف بين الناس أن الإنسان إن اكتسب العلم في أمرٍ ما و بدأ يطبقه في حياته الواقعية ، يظهر الأمر على جوارحه و على ملامح وجهه ، و يعرفه المتفرسون من الناس بمجرد النظر إليه ، و لا يستطيع إخفاءه مهما حاول ، سواءً كان ذاك الأمر حسناً أم سيئاً ، و لكنه إن كان حسناً فإنه لا يحاول جهده أن يخفيه ، بل على العكس ، يُسَرُّ بأنه بدأ يظهر دون أي محاولةٍ لإظهاره منه ، فيبدأ الناس بالتعرف عليه ، و على كيفية اكتسابه لا لشيء ، إنما يدفعهم الفضول فقط في كثير من الأحيان، و هذه نقطةٌ يمكن للداعية استغلالها و الاستفادة منها .
و قد قال عن ذلك محمد أحمد الراشد كلمة تنم عن هذا الأمر بكل تفسير : ( إنما يطيل الكلام و يذكر الأمنيات من لا يملك الشيء ، أما من يملكه فإن ملكه يفصح عنه ، و الناس تشعر بالقوة الحقيقية تلقائياً و يأسرها النظر و تتبع الأثر .. ) .
و كما قال محمد أحمد الراشد : (( إن الداعية إذا ألزم نفسه بالورع كان لورعه أصداء يُحدث تكررها و ترددها تحريكاً للناس )) ، و هو ما أدرجه تحت عنوان : ( حركة أصداء الورع ) ..
و أخيراً : قد يعتبر البعض كل الكلام الماضي مجرد نظرات في الواقع ، لا برهاناً لنظرية موجودة في لب الدعوة الإسلامية الحقيقية ، و قد يقول البعض : لنبدأ بالدعوة و مع الوقت سنطبق ..
و لكن .. كيف ستكون دعوتنا بلا تطبيق ، لا بل كيف ستكون لهجة كلامنا دون شعور بحلاوة الفكرة ..
و يكفينا القول المعروف : (( جالس من تكلمك صفته ، و لا تجالس من يكلمك لسانه )) ، فليكن محرضاً لنا أن نفعل و نتمثل ، كي يكون لكلامنا معنى و قيمة عند الآخر .. و لا يكون الإنسان كثير الكلام إلا و يكون ذلك دليل ضعف رصيده العلمي و العملي و التطبيقي .. جعلنا الله من المطبقين