wwww.risalaty.net


مفهوم الطيِّبات من الرزق في الإسلام


بقلم : الأستاذ زيد بن محمد الرماني

 

        في اللغة الإنجليزية ترد هذه المصطلحات [1]Commodities and products Goods ، وفي اللغة الفرنسية نجد "Marchandises and Biens" .

       ومن معانيها [2]: السلع، والبضائع، والمنتجات. وتُستعمل هذه المصطلحات في الدراسات الاقتصادية [3] على أنها ألفاظ مترادفة ومشتركة المعنى في الدلالة.

       وفي اللغة العربية ترد هذه المصطلحات: الطيِّبات والرزق والمتاع والزينة، إلى جانب مصطلحات السلعة، والبضاعة. وتستعمل هذه المصطلحات في الدراسات الإسلامية [4] على أنها ألفاظ مترادفة ومشتركة المعنى في الدلالة.

       وفيما يلي شرح لبعض هذه المصطلحات والألفاظ، مع عقد المقارنة بين الدراسات الاقتصادية والدراسات الإسلامية تجاه تقسيم السلع.

 

السلعة :

       مفهوم السلعة: بالرغم من أن لفظ "السلعة" هو لفظ دارج إلاّ أن مفهومه العلمي ليس بالسهولة التي قد يتصورها بعض الباحثين، حيث إن مفهوم السلعة يحدده طبيعة القرارات التي تتعلق بالسلعة. فأيُّ سلعة ليست مجرّد مجموعة من العناصر والخامات اتّخذت شكلاً معينًا، بل هي تتضمّن أيضًا خدمات معينة تؤدِّيها المنشأة البائعة، كما أنها تتضمّن أنواعًا متعددة من الإشباع النفسي والجسدي والاجتماعي للمشتري.

       لذلك قيل: إنّ "السلعةَ تعبير عام لا يقتصر على الكيان المادي للسعة باعتبارها شيئًا ماديًا، يمكن أن يلمس أو ينقل أو يشغل حيزًا معينًا . فتعبير السلعة لا يقتصر على الحجم المادي وحده، وإنّما يمتدّ ويتناول الخدمات التي يدعو إليها وجود هذا الحجم المادي كالصيانة والإصلاح" [5].

       مكوّنات السلعة: ومن هنا يمكننا أن نميّز بين ثلاثة مكوّنات أساسية لمفهوم السلعة وهي:

         ‌أ-         السلعة الملموسة: وهي الكيان المادي الذي يحصل عليه المشتري.

      ‌ب-      السلعة الممتدة : وهي السلعة ذاتها بالإضافة إلى مجموعة الخدمات التي تقدم مع السلعة.

       ‌ج-       السلعة غير الملموسة : وهي المنفعة الأساسية التي يتوقّعها المستهلك من السلعة. [6] [7]

       المعنى الأصلي للسلعة (Commodity): هو كل ما يقبل البيع والشراء؛ ولكن حدث تغير في معناها، بحيث أصبحت تعني البضاعة (Goods)، وكانت النتيجة أن تراجعت تلك الكلمة الإنجليزية القديمة، وظهرت حديثًا التقسيمات والتعبيرات الشائعة عما يسمى "السلع والخدمات Goods and Services. [8]

       تعريف السلعة: ويمكن تعريف السلعة على أنّها: "تلك المجموعة من العوامل الماديّة، والخدمات، والرموز التي تم تصميمها لإشباع حاجات ورغبات المستهلكين المستهدفين" [9].

       حيث تمثّل السلعة مستويات مختلفة من الإشباع لاختلاف حاجات وأذواق وتفضيلات المستهلكين.

       يتوقف الإشباع الذي تحققه سلعة ما على عدد من العوامل منها : كيفية إدراك المستهلكين المستهدفين للفوائد والمنافع التي تؤدّيها، ومن أينَ سيتمّ شراؤها، وسمعتها ومصداقيتها، وأماكن صيانتها، معَ التصميم الماديّ لها وخاصة السلع الصناعيّة [وهي التي تسمى أحياناً بالسلع الإنتاجية].

 

الطيّّبات :

       الطيِّبات بلغة العرب وبمعناها عند المسلمين تصلح أن تكون الترجمة العربية للكلمة الإنجليزية Goods، والفرنسية Biens. وهذان اللفظان الأجنبيّان يترجمان اليوم بكلمة "سلع"، ويفترض أنها سلع طيّبة، جيّدة؛ لأنَّ هذين اللفظين الأجنبيين إذا حُذِفَتْ من كل منهما علامة الجمع، عادا مفردَيْن، كان اللفظ المفرد من كل منهما لفظاً مشتركاً، أي له معنيان: أحدهما اسم بمعنى: سلعة، والآخر وصف بمعنى: طيّب أو جيّد. غير أنّ بعضَ الباحثين [10] يرون أنّه من المناسب أن نطلق لفظ "الطيِّبات" على السلع والخدمات المتقومة شرعًا، وألاّ نستخدم الألفاظ المستوردة، بل نستخدم ألفاظاً قرآنيةً.

 

الطيِّبات في اللغة:

       الطيِّباتُ جمع طيّب. والطّيب خلاف الخبيث. قال ابن بري: الأمر كما ذُكر، إلاّ أنه قد تتّسع معانيه فيُقال: أرضٌ طيّبةٌ التي تصلح للنبات ، وريحٌ طيّبة إذا كانت ليِّنةً ليست بشديدة ، وطُعْمة طيّبة إذا كانت حلالاً، وامرأة طيّبة إذا كانت حصانًا عفيفةً، وكلمةٌ طيّبة إذا لم يكن فيها مكروه، وبلدة طيّبة أي آمنة كثيرة الخير، ومنه قوله تعالى: ((بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ))[سبأ:15]. نكهة طيّبة إذا لم يكن فيها نتن، وإن لم يكن فيها ريح طيّبة كرائحة العود والسّند وغيرهما [11].

       وأصلُ الطّيب ما تستلذّه الحواس وما تستلذّه الأنفس، والطعام الطيّب في الشرع ما كان متناولاً منْ حيث يجوز، وبقدر ما يجوز، ومن المكان الذي يجوز؛ فإنه متى كان كذلك كان طيّبًا عاجلاً وآجلاً، لا يُسْتوخَم وإلا فإنه وإن كان طيّبًا عاجلاً لم يطبْ آجلاً... والطيبُ من الإنسان من تعرّى من نجاسة الجهل والفسق وقبائح الأعمال وتحلّى بالعلم والإيمان ومحاسن الأعمال [12].

 

الطيِّبات في القرآن :

       إنّ النظرَ في آيات القرآن الكريم يوضح لنا مفهومًا فريدًا للسلع والبضائع ؛ حيث يعبر القرآن عن المواد الاستهلاكية بتعابير تحمل دائمًا معاني وقيمًا أخلاقية وفكرية مثل : الطيبات من الرزق. والحديثُ عن السلع المشروعة نجده ضمن مفهوم الطيبات من الرزق الذي يتكرّر كثيرًا في القرآن الكريم [13].

       تعبيرُ "الطيبات" تكرّر في القرآن [14] في ثمانية عشر موضعاً [15] وهو يحمل معاني الحسن والنقاء والطهارة والأناقة [16]. ولذا فإن الطيِّبات – المواد الاستهلاكية – تحمل كل هذه المعاني الأخلاقية . وبمقابل الطيبات فإن المواد التي لا تصلح للاستهلاك هي الخبائث [17].

       ولقد ذكر أهل التفسير أن "الطيِّبات" في القرآن على ثمانية أوجه [18]:

       الأوّل: الحلالُ. ومنه قوله تعالى : ((كُلُوْا مِنْ طَيِّبَاتِ ما رَزَقْنَاكُم وَاشْكرُوا لِلّهِ))[البقرة:172]. وقوله سبحانه: ((والطَيِّباتُ مِنَ الرِزْقِ)) [الأعراف:32].

       والثاني: المنّ والسّلوى. ومنه قوله تعالى : ((وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُم المَنَّ والسَلْوىٰ كُلُوْا مِنْ طَيِّبَاتِ ما رَزَقْنَاكُمْ)) [البقرة:57] وقوله سبحانه: ((وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيْلَ مُبَوَّأ صِدْق وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَيِّباتِ)) [يونس:93].

       والثالث: الشُّحومُ ولحومُ كل ذي ظفر. ومنه قوله تعالى: ((فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِيْنَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ))[النساء:160]، وقوله سبحانه: ((ويُحِلُّ لَهُم الطَيِّباتِ ويُحَرِّمُ عَلَيْهمُ الخَبَائِثَ)) [الأعراف:157].

       والرابع: الذبائح. ومنه قوله تعالى: ((قُلْ أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ)) [الأنفال:126].

       والسادس: الحسن من الكلام. ومنه قوله تعالى: ((وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِيْنَ وَالطَّيِّبُوْنَ لِلطَّيِّبَاتِ)) [النور:26].

       والسابع: الرزق الطيّب ومنه قوله تعالى: ((وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِيْ آدَمَ وَحَمَلْنَاهُم فِي البَرِّ وَالبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِّنَ الطَيِّباتِ)) [الإسراء:70].

       والثامن: أنواعُ الطيبات على الإطلاق. ومنه قوله تعالى: ((لاَ تُحَرِّمُوْا طَيِّباتِ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ)) [المائدة:87]. وقوله سبحانه: ((يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوْا مِنَ الطَّيِّباتِ)) [المؤمنون:51].

 

الطيّبات في الاصطلاح :

       يقول أحد الباحثين في تعريفه للطيِّبات:

       "هي المواد النافعة الخيرة الممنوحة من الله للعباد، التي يؤدّي استعمالها إلى تحسين (منفعة) مادي وأخلاقي وروحي للمستهلك" [19]. وقريبٌ من هذا التعريف ما ذكره باحثٌ آخرٌ حين قال: الطيّبات هي المواد النافعة الممنوحة من الله لعباده والتي يؤدي استهلاكها إلى معنى أخلاقي وروحي للمستهلك [20]. ويُشير باحث ثالث إلى أنّ المقصود بالطيبات: "كلّ سلعة تتّصف بالحسن والنقاء والطهارة، وعكسها الخبائث" [21].

       ومن هذا كلّه نستطيع القول إن الطيِّبات هي ما يجوز للمسلم الانتفاع به شرعًا، وأمّا ما لا يجوز الانتفاع به إلاّ في حال الضرورة فهي الخبائث، وعندئذ تقدّر الضرورة بقدرها دون تعدّ. كما أن الموادّ التي لا تنتج مثل هذا التحسين المادي والأخلاقي والروحي، أو تسيء إلى أيّ من هذه الجوانب لا تُعتبر مواداً استهلاكية، أي أنّها ليست بطيِّبات؛ بل هي من الخبائث وعندئذ يجب طردها من السوق.

       إنّ هذا المفهوم للطيّبات – المواد الاستهلاكية – يؤدّي إلى اعتبارات اقتصادية مهمّة سواء في تعريف المنفعة أو في تكوّن السعر في السوق. فالخبائث المحرمة لا تصلح أن توجد في السوق الإسلامية وفي الوقت نفسه لا سعر لها، كما أنّها لا تدخل في المجال الذي يُسمح بملكيته؛ لأنها ليست مالاً متقوّماً في نظر الشريعة الإسلامية، ولا ضمانَ على مُتْلفها [22].

        وهذا بخلاف الطيِّبات التي يصلح وجودها في السوق الإسلامية الذي يعطيها سعرًا، ويدخلها في نطاق الملكية، ويصونها ويُوجب الضمان على متلفها..

       إنّ تحديدَ المنافع لابدّ أن يرتبط ابتداء وانتهاء بالحلال والحرام، لأن الله وحده هو القادر على تحديد منافع ما خلق من سلع لمن خَلَقَ من الناس، قال سبحانه: ((وَعَسىٰ أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَّهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ. وَعَسَىٰ أَنْ تُحِبُّوْا شَيْئًا وَّهُوَ شَرٌّ لَكُمْ)) [البقرة:216].

       وإذا كان الاقتصاد الوضعي يعتبر اللذّة هي الغاية القصوى، ويستبعد القيم والأخلاق من ميدان الدراسة، وإذا كان لا يفرق بين الخبيث والطيب من الرزق ولا يسترشد إلاّ بالرغبة الحسية بصرف النظر عن النتائج الصحيّة والنفسيّة والاجتماعية [23].

       فإن الإسلام في تحديده للطيب والخبيث يراعي الجسد والروح معًا، يقول الشاطبي رحمه الله: "المصالحُ المجتلبةُ شرعًا والمفاسدُ المستدفعةُ إنّما تعتبر من حيث تقام الدنيا للحياة الأخرى، لا من حيث أهواء النفوس في جلب مصالحها العادية أو درءِ مفاسدها العاديّة" [24].

 

ما يدخل في إطار الطيِّبات :

       ومما يدخل في إطار الطيبات ما يلي:

        (أ) طيّبات المأكل والمشرب. يقول تعالى: ((يَا أَيُّها الَّذِيْنَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ)) [المائدة:87].

       (ب) طيِّبات الملبس والزينة. يقول تعالى: ((يَا بَنِيْ آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِيْ سَوْءَاتِكُمْ وَرِيْشًا)) [الأعراف:26].

       (ج) طيِّبات المركب. يقول تعالى: ((وَالخَيْلَ وَالبِغَالَ وَالحَمِيْرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِيْنَةً)) [النحل:8].

       (د) طيّبات المسكن. يقول تعالى: ((وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوْتِكُمْ سَكَنًا)) [النحل:80].

 

شروط وصف السلعة بأنّها طيّبة :

       ولكي تكون السلعة طيبة ؛ فإنّها لابدّ أن تتّسم بخصائص منها [25]:

   ‌أ-   أن تكون حلالاً. يقول تعالى: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوْا مِمّا فِيْ الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّبًا)) [البقرة:168]. ويقول سبحانه: ((وَكُلُوْا مِمَّا رَزَقَكُم اللهُ حَلاَلاً طَيِّبًا)) [المائدة:88].

   ‌ب-   أن تكون جيدة، يقول تعالى: ((قُلْ لاَ يَسْتَوِيْ الخَبِيْثُ وَالطَيِّبُ)) [المائدة:100]. ويقول سبحانه: ((وَلاَ تَيَمَّمُوْا الخَبِيْثَ مِنْهُ تُنْفِقُوْنَ)) [البقرة:267]، والخبيثُ هنا بمعنى الرديء .

       ‌ج-       أن تكون مرغوبة فطرةً. يقول تعالى: ((فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوْه هَنِيْئًا مَّرِيْئًا)) [النساء:4].

   ‌د-   أن يكون لها مفهومٌ عقائدي (روحي) وأخلاقي في اكتسابها وإنفاقها، وذلك بلزوم الاعتدال، فلا إسرافَ ولا تبذيرَ، ولا تقتيرَ ولا بخلَ، يقول تعالى: ((وَالَّذِيْنَ إِذَا أَنْفَقُوْا لَمْ يُسْرِفُوْا وَلَمْ يَقْتُرُوْا وَكَانَ بَيْنَ ذٰلِكَ قَوَامًا)) [الفرقان:67]، ويقول سبحانه: ((وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُوْلَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ البَسْطَ فَتَقْعُدَ مَلُوْمًا مَّحْسُوْرًا)) [الإسراء:29].

         ‌ه-        أن تكون منتجة، حتى وإن كانت استهلاكية، فالطعامُ سلعة طيبة استهلاكية، تنتج في الإنسان قوّةَ العمل .

   ‌و-   أن تكون وِعاءَ للزكاة والصدقات. يقول تعالى: ((يا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا أَنْفِقُوْا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ)) [البقرة:267].

 

........................................

 

الرِّزق

الرِّزق في اللغة :

       الرِزقُ (بالكسر) يُقالُ للعطاء الجاري تارَةً، دنيويًا كان أم أخرويًا، وللنصيب تارةً، ولما يصل إلى الجوف ويتغذى به تارةً [26]. والرِزْقُ ما يُنتفع به، والجمعُ: الأرزاقُ. والرِزْقُ: العطاء وهو مصدر قولك : رَزَقَه الله [27]. والرزقُ ما ساقه الله تعالى إلى الحيوان فانتفع به سواء كان متّصفًا بالحِلَّ أو الحرمة أو لم يكن . والرزقُ الحسنُ هو ما يصل إلى صاحبه بلا كدّ في طلبه. وقيل ما وُجد غير مرتقب ولا مُحتسب ولا مُكتسب [28].

       والرَزق (بالفتح) المصدرُ الحقيقيُّ، والمرة الواحدة رَزْقه، والجمعُ رَزقات، وهي أطماع، يقال: أعطى السلطانُ رَزْقَ الجُنْدِ، ورُزقْت علمًا، قال تعالى: ((وَأَنْفِقُوْا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ)) [المنافقون:10]. أي من المال والجاه والعلم. والرازقُ يُقال لخالق الرزق ومعطيه والمسبب له، وهو الله تعالى، ويقال للإنسان الذي يصير سببًا في وصول الرزق والرزّاق لا يُقال إلاّ لِلّه تعالى. وَارْتَزَقَ الجُندْ: أخذُوا أرْزَاقهم . والرزقة : ما يُعطونه دفعةً واحدةً [29].

 

الرِّزقُ في القرآن :

       تعبير "الرزق" – المواد الاستهلاكية – ومشتقّاته تكرّر في القرآن الكريم [30] مائة وعشرين مرة، وهو يعني المنحة الإلهية لإقامة الأود، كما يعني نعم الله سبحانه وتعالى [31].

       وكلمةُ الرزق كما هي في القرآن الكريم تحملُ دائمًا معنىً عقائدياً ينمّ عن أن الله سبحانه وتعالى هُو المانحُ والمعطيُ لكلّ العباد .

       ولقد ذكر أهلُ التفسير أنّ "الرزق" في القرآن على عشرة أوجه [32]:

       الأوّلُ: العطاء. ومنه قوله تعالى: ((وَمِمّا رَزَقْنَاهُم يُنْفِقُوْنَ)) [البقرة:3].

       والثاني: الطعامُ. ومنه قوله تعالى: ((قَالُوا هَذَا الَّذِيْ رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ)) [البقرة:25].

       والثالث: الغَدَاءُ والعَشاءُ. ومنه قوله تعالى: ((وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيْهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا)) [مريم:62].

       والرابع: المطرُ. ومنه قوله تعالى: ((وَمَا أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ)) [الجاثية:5]، وقوله سبحانه: ((وَفِيْ السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوْعَدُوْنَ)) [الذاريات:22].

       والخامس: النفقة. ومنه قوله تعالى: ((وَعَلَىٰ المَوْلُوْدِ لَه رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ)) [البقرة:233].

       والسادس: الفاكهة. ومنه قوله تعالى: ((وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا)) [آل عمران:27].

       والسابع: الثواب. ومنه قوله تعالى : ((بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُوْنَ)) [آل عمران:169].

       والثامن: الجنّة. ومنه قوله تعالى: ((وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَّأَبْقَى )) [طه:131].

       والتاسع: الحرث والأنعام. ومنه قوله تعالى: ((قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَّا أَنْزَلَ اللهُ لَكُمْ مِّنْ رِّزْقٍ فَجَعَلْتم مِنْه حَرَامًا وَحَلاَلاً)) [يونس:59].

       والعاشر: الشكر. ومنه قوله تعالى: ((وَتَجْعَلُوْنَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُوْنَ)) [الواقعة:82].

 

الرِّزق في الاصطلاح :

       لا يخرج المعنى الاصطلاحي للرزق كثيرًا عن المعنى اللغوي، ولذلك قيل: الرِزْق هو: "ما يُنتَفع به" [33].

       وقيل: الرزق هو: "كل ما يُؤكل ويُلبس ويُستعمل" [34].

       وقيل: الرزق هو "ما صحّ أن ينتفع به المنتفعُ وليس لأحد منعه منه" [35].

       وقيل: الرزق "يشمل كل ما لدى الإنسان من ماديات ومعنويات" [36].

       ومما سبق نستطيع القول إنَّ الرزقَ يُطْلَقُ على كل ما يحصل به سد الحاجة في الحياة من الأطعمة والأنعام، والحيوان والشجر المثمر والثياب، وما يقتني به ذلك من النقدين، وما نعرفه اقتصاديًا باسم "الدخل" يطلق عليه "الرزق" في التعبيرات القرآنية [37]؛ إذ الدخل بعض الرزق، والدخل الحقيقي يتكوّن من السلع والخدمات، والله تعالى هو الذي يَرْزُقُ، فالسلعُ والخدمات التي في أيدي الناس، ليست من خلقهم، وإنّما من خلق الله تعالى، يقول سبحانه: ((وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُوْنَ)) [البقرة:3].

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

الهوامش :          

(1) ويطلق على مصطلح الخدمات (Services).

(2)  ينظر : منير البعلبكي – المورد 1990م، ص 394-395/838، وإلياس وإدوار إلياس، القاموس العصري، ء:310 .

(3) ينظر: راشد البداوي – الموسوعة الاقتصادية، ص 309-311، وعبد العزيز فهمي هيكل موسوعة المصطلحات الاقتصادية والإحصائية، دار النهضة العربية، بيروت، 1980م، ص 143-145، وحي هولند ولسون – الاقتصاد الجزئي – المفاهيم والتطبيقات ، دار المريح، الرياض، 1407هـ، ص 34 .

(4) ينظر: محيي الدين عطية – الكشاف الاقتصادي لآيات القرآن الكريم، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، هبرندن، 1412هـ ص141/266/301/372/490، ومحيي الدين عطية – الكشاف الاقتصادي للأحاديث النبوية الشريفة، دار البحوث العلمية، الكويت، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1408هـ، ص 57-58/70/92-94، وحسن النجفي زينة المصطلحات الاقتصادية في القرآن الكريم والأحاديث الشريفة، ص 24/83/98/166.

(5) محمد رفيق الرقوقي وآخرون – فن البيع والإعلان، ومكتبة الإنجلو المصرية، القاهرة، د.ت، ص 4.

(6)  د. سمير محمد يوسف – التسويق – نظرة اقتصادية، مؤسسة شباب الجامعة، الإسكندرية، 1980م، ص 130-131.

(7)  يلاحظ أنه في الفرنسية توجد كلمة واحدة تعبر عن الكلمتين الإنجليزيين Goods and Commodity كما سبق الإشارة إلى ذلك.

(8)  ينظر: مجموعة من الاقتصاديين – الموسوعة الاقتصادية ، دار ابن خلدون، بيروت، 1980/، ص: 269-270، ود. محمد بشير عليه، القاموس الاقتصادي، ص 225، وإسماعيل المهدوي – الاشتراكية والاستثمارات الخاصة، دار الغد، القاهرة، 1990م، ص 110.

(9)     David Kurts and Louis Boone" Contemporary Marketing. 4th Edition. The Dryder press, Hindeale. 1983. P. 269.  

(10) ينظر: د. رفيق المصري – أصول الاقتصاد الإسلامي، ص 13، ود. أحمد عبد العزيز النجار – من قضايا الفكر الإسلامي المعاصر، الندوة العالمية للشباب الإسلامي، الرياض، 1404هـ ص 179.

(11) ينظر: ابن منظور – لسان العرب، جـ 1/563، والفيروز آبادي – القاموس المحيط، ج1/102، والفيومي – المصباح المنير، ص 382.

(12) ينظر: الراغب الاصفهاني – المفردات ، ص 308-309، وابن الجوزي –نزهة الأعين النواظر، ص 417.

(13) محيي الدين عطية – الكشاف الاقتصادي لآيات القرآن الكريم، ص 372-377.

(14) محمد فؤاد عبد الباقي – المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، دار الدعوة، استانبول، 1404هـ، ص 432-433 .

(15) بما أن كلمة "الطيبات" تعني الأشياء الحسنة والنقية، فإن مشتقات هذه الكلمة قد تكررت في القرآن الكريم ثلاث وأربعين مرة؛ ولكنها استعملت في معنى المواد الاستهلاكية في ثمانية عشر موضعًا فقط.

(16) ينظر مثلاً الآية 57 سورة البقرة، والآية 160 سورة النساء، والآية 6 سورة المائدة ، والآية 32 سورة الأعراف، والآية 93 سورة يونس.

(17) ينظر مثلا الآية 2 سورة النساء، والآية 103 سورة المائدة، والآية 37 سورة الأنفال.

(18) ينظر: ابن الجوزي – نزهة الأعين النواظر، ص 418، 419، والدامغاني – قاموس القرآن "صلاح الوجوه والنظائر"، ص 302-304، وسليمان صالح القرعاوي – الوجوه والنظائر في القرآن الكريم ، مكتبة الرشد، الرياض، 1410هـ ، ص 454-457 .

(19) منذر قحف – الاقتصاد الإسلامي، ص 44 .

(20) عدنان خالد التركماني – المذهب الاقتصادي الإسلامي، ص 358.

(21سعيد مرطان – مدخل للفكر الاقتصادي في الإسلام ، ص114.

(22)  د. عدنان خالد التركماني – ضوابط العقد في الفقه الإسلامي، دار الشروق، القاهرة 1980م ، ص 138 .

(23)  يوسف كمال محمد – فقه الاقتصاد العام، ستابرس للطباعة والنشر، 1410هـ، ص 155.

(24) الشاطبي – الموافقات، ج2/37-38.

(25) ينظر: د. حسين غانم – السلعة الاقتصادية ، دون ناشر، 1406هـ، ص 76-81، ود.عبد الغني قاسم – "السلعة الاقتصادية من منظور إسلامي"، مجلة الإرشاد، صنعاء، ع10، س 9، شوال 1407هـ ، ص 13.

(26) الراغب الأصفهاني – المفردات، ص 194.

(27) ابن منظور – لسان العرب، ج10/115.

(28) الجرجاني – التعريفات، دار الكتاب العربي، بيروت، 1405هـ، ص 147.

(29) الفيروز آبادي – بصائر ذوي التمييز، ج3/66-67.

(30) محمد فؤاد عبد الباقي – المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم ، ص 311-312.

(31) ينظر مثلاً: الآية 32 سورة البقرة ، والآية 73 سورة النحل، والآية 132 سورة طه.

(32) ينظر: ابن الجوزي – نزهة الأعين النواظر، ص 324-326، والدامغاني – إصلاح الوجوه والنظائر، ص 202-203.

(33) حسن النجفي – زينة المصطلحات الاقتصادية في القرآن الكريم والأحاديث الشريفة ، ص 83.

(34) د. أحمد الشرباصي – المعجم الاقتصادي الإسلامي ، دار الجبل ، بيروت ، 1401هـ، ص 83 .

(35) د. جمال عطية وآخرون دليل القرآن الكريم، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، هولندن، وربع 1410هـ ، ص 81 .

(36) د. جمال عطية وآخرون – نفس المرجع، ص 86.

(37) ينظر: د. جمال عطية وآخرون ، المرجع السابق، ص 88، وفيصل تليلاني – "الرزق في المنظور الإسلامي"، مجلة الأمة، قطر، ع 52، س5، شوال 1405هـ ، ص 58- 59.